You dont have javascript enabled! Please enable it!
]
Switch Mode
نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

سعي بربري 41

الفصل 41: الصياد البربري
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
هرع مارغريف أوركويل عائداً إلى قصره.
“أبي، لدي شيء أريد أن أخبرك به…”
استقبل ابنه، الذي بلغ الرابعة عشرة هذا العام، والده عند البوابة.
“تحرك.”
مرّ المارغريف بابنه دون أن يعانقه. كان ينوي الانطلاق قبل طلوع الفجر.
“هناك فريسة جديدة.”
ارتفعت زوايا فمه بشراسة. لم يكن مهتمًا بزوجته أو ابنه، إذ كانا مجرد أدواتٍ في يده لضمان استمرار سلالته.
“أعطني التقرير ” قال المارغريف لمساعده الذي كان يراقب بوابة المدينة.
“مرت أخوة يوريتش عبر البوابات أمس، ووضعنا بعض أجهزة التتبع عليهم. بناءً على توجيهاتهم، يبدو أنهم سينضمون إلى الأمير في بلدة فالجما.”
“أرسل رسولًا إلى الدوق هارماتي وأبلغه أنني سأأخذ بعضًا من رجالي وأأسر الأمير بنفسي قبل أن يصل إلى فالجما. أحضر لي عشرة من أفضل رجالنا.”
“هل تقول إنك ستعبر الحدود بنفسك؟ إذا غادر رئيس الدفاع بوابته…”
“كفى هذه الرسمية، لقد سئمت منها. سأذهب وراء فريستي. هنا يكمن القتال الحقيقي ” قال المارغريف وهو يفرك يديه بابتسامة عريضة. شعر بحرارة جسده ترتفع من أعماقه.
’ها هي تلك العادة السيئة مرة أخرى’، فكّر المساعد وهو ينظر إلى المارغريف. بدا المارغريف أوركويل فارسًا بارعًا. ورغم أنه كان من مملكة صغيرة، إلا أن اسمه كان ذائع الصيت في ساحات معارك عديدة.
“أوركويل الصياد البربري.”
كان لقبًا حنينيًا. تلاشى في العصر الحالي، حيث أصبحت “سياسة إدماج البرابرة” الجديدة محور السياسات الإمبراطورية. إلا أن من قاتلوا إلى جانب المارغريف تذكروه جيدًا.
“معذرة. سأرتاح قليلًا قبل أن أعود.”
غادر المساعد الغرفة، وقام المارغريف من سريره.

كان كايليوس يستريح تحت الشجرة. زحف باهيل نحو الكائن الحي الوحيد حوله واتكأ عليه. “هل متَّ حقًا يا يوريتش؟ هل متَّ حقًا؟” سحب باهيل ركبته إلى وجهه وارتجف. ووش. اشتدت الرياح وبدأت الأشجار تصدر حفيفًا وكأنها تصرخ. هل الأمر مخيف جدًا أن أكون وحدي؟ كان باهيل دائمًا محميًا من قِبل شخص ما حوله. حياته بعيدة كل البعد عن الخطر والعزلة. فوو! لو لم يكن هناك كايليوس، لكان يبكي بشدة. “يوريتش، أنت على قيد الحياة، أليس كذلك؟” زحف باهيل نحو البربري ووضع إصبعه على أنفه ليتأكد من أنه لا يزال يتنفس. كان هذا شيئًا سمعه من قبل. هل هو يتنفس؟ ابتلع باهيل ريقه. انتبه إلى الإحساس في أطراف أصابعه. “أنت على قيد الحياة، آه، أنت على قيد الحياة.” بدا يوريتش يتنفس. سقط باهيل بجانبه وقد انتابته نوبة من الارتياح. “لحسن الحظ، لحسن الحظ ” كرر باهيل الكلمات مرارًا وتكرارًا. “فو ” أخذ باهيل نفسًا عميقًا وأخرج قطعة خبز من جيبه. كسر قطعة صغيرة من الخبز الصلب وأذابها بلعابه. “عليّ فقط أن أصل إلى الإمبراطورية.” أغمض باهيل عينيه. “سأعيد الإذلال الذي سببتموه لي جميعًا.” تلا باهيل أسماء الخونة. هناك العديد من النبلاء الذين ساندوا الدوق هارماتي. لم يتوقع أحد سقوط الملك ودخوله في غيبوبة. توقع الجميع أن يكون لدى باهيل خمس سنوات أخرى على الأقل للاستعداد لانتقال العرش. “سقط الإمبراطور الأب قبل أن أتمكن من تثبيت قدمي. ربما كان ذلك من فعل الدوق.” حدق باهيل في الأرض، غارقًا في التفكير. “أتساءل كيف حال داميا. أنا متأكد أن الدوق لن يمسها… لكنني ما زلت قلقًا.” كان باهيل قلقًا على أخته التوأم. بغض النظر عمن أصبح ملكًا، الأميرة أداةً جيدة. نادرًا ما يرون دماءً وسط صراعات السلطة. فوو! نهض كايليوس على قدميه فجأة، مما أثار انتباه باهيل. بوو! “أقسم أنني سمعت شيئًا من هنا.” سمع صوت رجل. نظر باهيل حوله مذعورًا، ثم اختبأ خلف شجيرة. “يا إلهي، لا أستطيع إخفاء يوريتش.” لم يستطع باهيل سوى إخفاء نفسه. شعر بالشفقة. “مرحبًا، انظر إلى هنا، إنه حصان.” “هل هذا يخص ذلك الرجل الضخم هناك؟ إنه لا يستيقظ حتى مع وجودنا هنا.” “هل هو ميت؟” كانوا لصوصًا. مع أن ملابسهم المهلهلة ووجوههم الملطخة بالفحم جعلتهم يبدون أشبه بمُتجولين منهم لصوصًا. “هناك ثلاثة منهم.” كانوا رجالاً يعيشون على سرقة المسافرين. “هل نتناول لحم الحصان على العشاء؟” “لماذا تأكل الحصان أيها الأحمق؟ هل تعلم كم ثمن الحصان؟” “السمسار يشتري الخيول أيضًا؟ همم.” “أنا متأكد أنه سيفعل. ماذا سيفعل غير ذلك؟” ضحك اللصوص وهم يتبادلون السخرية. حاولوا الاستيلاء على كايليوس، لكنهم قوبلوا بمقاومته الشرسة. نيه! رفع كايليوس حوافره الأمامية ودافع عن نفسه ضد قطاع الطرق. ” واو، انظر إلى هذا، كيف ستجلب هذا الشيء؟ لنقطعه إلى لحم.” “مهلاً، انظر إلى هذا السلاح، إنه حادٌّ جدًا. يبدو غالي الثمن! أم أحتفظ به لنفسي؟” قال اللصوص وهم يُقيّمون أسلحة يوريتش و ضحكوا ضحكة هستيرية. “اقطعوا رأسه، أو ما شابه. انظروا إلى حجمه. ربما يكون مقاتلًا جيدًا ” قال أحد اللصوص وهو يلتقط فأسًا باهتًا. “سيموت يوريتش بهذه السرعة. عليّ أن أفعل شيئًا.” ارتجف باهيل خوفًا. لم يستطع استجماع شجاعته. لم يكن واثقًا من قدرته على مواجهة هؤلاء اللصوص. “كيف لي أن أهزمهم؟ مستحيل. لكن…” اتسعت عيناه وصدره يحترق. كان ممزقًا بين الشجاعة والصمت. “انظر، هذا الشخص مختبئ هنا، هاه!” تقدم لصٌّ آخر من خلف باهيل. هم أربعة رجال، لا ثلاثة. “آه!” حاول باهيل سحب سيفه، لكن اللص أمسكه من معصمه وثبته على الأرض. “انظر إلى هذا الوجه الجميل. كيف ستُلوّح بسيفك بذراع كذراعك؟” ضحك اللصُّ وفمه مفتوحٌ على مصراعيه. وصلت رائحة أنفاسه إلى أنف باهيل. “ه- هل تعرفون من أنا؟ أيها الأوغاد!” صرخ باهيل وهو يكافح. “ماذا؟ هل أنت الأمير أم ماذا؟” بوو! ركل اللص باهيل في معدته، فانقلب وتقيأ. “أوه، أوه.” جرّ اللص باهيل من شعره إلى بقية الرجال. وسرعان ما أحاط به اللصوص الأربعة. “مرحبًا، منذ متى لم نكن مع امرأة؟” “بف، مر أكثر من شهر الآن، كيكي.” “مع وجه مثل هذا، سيكون أفضل من بعض العاهرات الرخيصة.” قال اللصوص وهم ينظرون إلى باهيل. بعضهم قد خلع سراويله بالفعل. “يا للهول، لا أهتم بالرجال. هيا يا رفاق، سأذبح ذلك الرجل. يبدو أنه فاقد للوعي، لكن من الأفضل أن تكون آمنًا على أن تكون آسفًا.” “أتظن أننا نحب الرجال؟ لديه ثقب جيد يفي بالغرض. لا يوجد شيء آخر.” شعر باهيل بالرعب. وبينما يحاول الهرب، صفعه اللص على وجهه. “ابق ساكنًا. أم تريدني أن أقطع رأسك الآن؟” قال اللص وهو يوجه نصل سيفه نحو عنق باهيل. ارتجف باهيل. “مستحيل أن يحدث هذا، مستحيل. سيد فيليون… داميا…” ربط اللصوص يدي باهيل حول الشجرة. أصبح باهيل مقيدًا بحيث لم يبرز منه سوى الجزء السفلي من جسده. أنزل اللصوص سرواله بأيديهم الخشنة. “ههه، لقد رُبِّيَ تربيةً حسنةً، ومؤخرته أنعمُ من مؤخرةِ طفل. هل أنتَ حقًا أميرٌ في مكانٍ ما؟” سحب قطاع الطرق عصا لتحديد أدوارهم. “إحم، أعتقد أنني أول من يبدأ. تفووه.” بصق اللص في يده وفركها على قضيبه. “أفضّل أن أموت من أن أُهان…” كان باهيل على وشك أن يعض لسانه. بوو! سُمع صوت سحق عظام. التفت اللصوص الذين كانوا على وشك مضاجعة باهيل إلى الخلف. وخلفهم وقف يوريتش، ممسكًا برأس اللص بيده. أصبحت رقبته ملتوية للخلف كعنق بومة. “فو ” أطلق يوريتش نفسًا عميقًا. بدا منزعجًا من جسده الذي لا يزال يؤلمه. “لن أفعل ذلك مرة أخرى يا باهيل. مرة أخرى قد تُكسر ظهري، اللعنة. ما هذا يا باهيل؟ أهذا ما تُحبه؟ لن أفهمكم أبدًا أيها المتحضرون، يا إلهي.” حرك يوريتش لسانه في وجه قطاع الطرق و باهيل. “اصمت وأخرجني من هذا الأمر، أيها الوغد!” صرخ باهيل.

“أبي، أنا هنا.”
ابنه. حدّق المارغريف في ابنه بوجهٍ خالٍ من التعابير.
“أنا مشغول قليلاً هذه الأيام. ألا يمكننا التحدث لاحقًا؟”
“هناك شيء يجب أن أتحدث معك عنه.”
تنهد أوركويل.
“إذا لديك شيء تود قوله، فقله بسرعة. لا أستطيع أن أمنحك الكثير من وقتي.”
“أريد أن أذهب للدراسة في الخارج في العاصمة هامل ” قال له ابنه، مما جعل المارغريف يعقد حاجبيه.
“لأي سبب؟ يمكنك تعلم كل ما تحتاج لمعرفته عن فن المبارزة والتكتيكات العسكرية هنا. ماذا، هل تقول إن فرسان الإمبراطورية في هامل أفضل من والدك؟”
“ليس هذا هو المقصود يا أبي. أريد أن أتعلم الأدب. سمعتُ أن التعليم الأدبي في العاصمة في أوج ازدهاره. هناك يجتمع ألمع العلماء من الجنوب والشمال لمناقشة تعاليمهم يوميًا…”
بوو!
ضرب مارغريف أوركويل بقبضته على الطاولة. ارتجف ابنه.
“لقد لوثتك أمك. لا بد أنك تُركز كل تركيزك على لياقتك البدنية، لا على تحصيلك العلمي! كل ما تحتاجه كرجل هو أن تكون قادرًا على القراءة والكتابة!
“أبي!”
لم يتزحزح المارغريف حتى مع التوسل اليائس من ابنه.
” يا لك من مُحزن! اليوم رأيتُ مُحاربًا. مع أنه كان عدوًا، إلا أنه كان رجلًا استثنائيًا. هل تعلم ماذا فعل عندما انهار حصانه بعد أن حمله إلى هروبه؟ علقه على كتفيه وحمله! حمل الرجل حصانه! ” صرخ أوركويل بحماس، إذ لم يرَ مثله من قبل.
“ما فائدة هذه القوة الغاشمة يا أبي! انتهى زمن رفع اسمك بسيفك، لم يعد هناك أعداء! لقد هُزم الجنوب والشمال. لا مكان آخر نذهب إليه بسيوفهم!” صرخ الابن، مما زاد غضب والده.
“سنتحدث عن هذا لاحقًا. الآن، عليّ أن أنام قليلًا.” قاطع أوركويل ابنه في منتصف الجملة. أطرق الابن رأسه بخيبة أمل وارتجفت شفتاه.
“لقد تغيرت الأوقات، يا أبتي.”
لم يستجب المارغريف.
“لم يتغير شيء. لا شيء على الإطلاق.”
بعد أن رفض ابنه، نزل المارغريف إلى مكتبه في القبو، حيث كان مخزنه.
“ههه ” تنهد بارتياح بعد أن نزل إلى القبو. كل تعقيدات الحياة وصداعها، بالإضافة إلى زوجته وابنه، اختفت تدريجيًا من ذهنه.
أشعل المارغريف شمعةً لإضاءة القبو. جعل ضوء الشمعة المتذبذب الظلال ترقص.
“هوكان، كنتَ محاربًا بشجاعة الدب. ما زلتُ أراه بوضوحٍ فأسك الجليدي وهو يقطع خمسةً من رجالي ” تمتم المارغريف وهو يلامس الجماجم المعروضة. أسلحة البرابرة الذين قتلهم كانت ملقاة تحت جماجمهم. كانت ضربته حذرة كما لو كان يلمس حبيبته. وبينما يلمس الجماجم، عادت إليه ذكريات شبابه.
“زيزيبو، المحارب الذي كان يسمى ثعلب الصحراء، الذي ترك لي ندبة في صدري.”
احمرّ وجهه فرحًا. كان مناداة الجماجم واحدة تلو الأخرى، وتذكر معاركه ضدها، طقسًا مقدسًا لديه. كانت الجماجم بقايا الأعداء الذين هددوا حياته سابقًا، والآن، مجموعته.
” ستبقون جميعًا في أقوى حالاتكم إلى الأبد، بينما أنا أتقدم في السن ” رثى المارغريف. كان يتوق إلى أيام شبابه وقوته.
“حتى أعظم المحاربين لا يستطيعون التحرر من قيود الزمن.”
في النهاية، تم إقصاء كبار السن من قبل الشباب.
لكن الشباب لا يتعلمون المبارزة هذه الأيام، بل ينشغلون بأقلامهم.
إن فكرة إسناد المستقبل لهؤلاء الشباب جعلت قلبه ينخفض.
“يا أيها المحاربون البرابرة العظماء! أشتاق لأيامكم على هذه الأرض. لا يلمع السيف إلا أمام أعدائه!”
نام مارغريف أوركويل بين الجماجم، وهو يحلم بأيام شبابه المجيدة. كان زمنًا ملطخًا بالدماء، لكن ذكرياته بدت وردية.
استيقظ قبل شروق الشمس. ومع مرور السنين، رحلت الحيوية معها. كانت الشيخوخة أمرًا مُرًّا.
“نحن مستعدون.”
عندما خرج المارغريف إلى الثكنات، كان مساعده ينتظره مع الرجال العشرة الذين طلبهم.
“فليبدأ الصيد يا جنودي.”
* * *
بعد الركض وكايليوس على كتفيه، كان جسد يوريتش في حالة يرثى لها. تعرج وتعثر في الجبل. لم يستطع فرد ظهره من ثقل هذا الحمل، فانحني كرجل عجوز. كان جسده كله يؤلمه، لكن ظهره المشكلة الأكبر. شعر بأن فقراته ملتوية وغير متوازنة.
“إنه جاهز، يوريتش ” قال باهيل.
“ربما يجب أن أقول صلاة صغيرة لحاكم الشمس لو ” قال يوريتش مبتسمًا ” هل سينجح هذا حقًا؟”
“هناك ثلاث نتائج محتملة: أن تموت، أو تعيش ولكن تصبح مشلولًا، أو تشفى.”
“ينبغي لي حقا أن أصلي.”
ابتسم باهيل بمرارة. كانوا داخل جبل، لكن محيطهم لم يكن آمنًا تمامًا، إذ لم يكونوا يعلمون متى قد يظهر أعداؤهم.
“هنا نذهب، يوريتش.”
أمسك باهيل بالحبل الذي يمسك بجسم يوريتش العلوي. وبينما ارتفع قليلاً، بدا يوريتش يرتجف من الألم.
” هاف، هاف، افعلها، باهيل ” قال يوريتش كلماته الأخيرة قبل أن يعض اللجام الخشبي.
“أوه، حاكم الشمس لو ”
تلا باهيل دعاءً قصيرًا وهو يدوس على ظهر يوريتش ويشد الحبل. كان علاجًا بدائيًا للغاية، مشكوكًا في فعاليته، وكان ليُعادل التعذيب في العادة.
بوو!
بدا هناك صوت غريب. ورغم الشعور المشؤوم، سحب باهيل الحبل وعيناه مغمضتان كما أمره يوريتش.
“هوبب!”
بدا يوريتش يرتجف. عادت الفقرات المخلوعة إلى مكانها بينما انحنى الجزء العلوي من جسده إلى الخلف.
بوو!
انكسرت الكمامة الخشبية التي بين فكيه. سال الدم من فمه عندما انغرست القطع الخشبية في داخله.
“كررر.”
انسكبت رغوة دموية من فمه وتدحرجت عيناه إلى الخلف.
بوو!
أطلق باهيل، الذي كان مغطى بحبات العرق، الحبل.
“يوريتش؟”
لا رد. سارع باهيل للتحقق من البربري.
“يوريتش؟ أجبني!”
بدا يوريتش فاقدًا للوعي وغير مستجيب.
“هل مات؟”
فكرة موته بمثابة طعنة في قلب باهيل.
“لا تموت هكذا، من فضلك، يا بن العاهرة!”
فجأةً، شعر باهيل بالخوف من الغابة المحيطة به. شعر وكأن وحشًا سيخرج من العدم.
“أوه، لو، أتوسل إليك، من فضلك لا تأخذ روح يوريتش الآن ” بكى باهيل بشدة وهو يجلس القرفصاء.
فوو!

“أبي، أنا هنا.” ابنه. حدّق المارغريف في ابنه بوجهٍ خالٍ من التعابير. “أنا مشغول قليلاً هذه الأيام. ألا يمكننا التحدث لاحقًا؟” “هناك شيء يجب أن أتحدث معك عنه.” تنهد أوركويل. “إذا لديك شيء تود قوله، فقله بسرعة. لا أستطيع أن أمنحك الكثير من وقتي.” “أريد أن أذهب للدراسة في الخارج في العاصمة هامل ” قال له ابنه، مما جعل المارغريف يعقد حاجبيه. “لأي سبب؟ يمكنك تعلم كل ما تحتاج لمعرفته عن فن المبارزة والتكتيكات العسكرية هنا. ماذا، هل تقول إن فرسان الإمبراطورية في هامل أفضل من والدك؟” “ليس هذا هو المقصود يا أبي. أريد أن أتعلم الأدب. سمعتُ أن التعليم الأدبي في العاصمة في أوج ازدهاره. هناك يجتمع ألمع العلماء من الجنوب والشمال لمناقشة تعاليمهم يوميًا…” بوو! ضرب مارغريف أوركويل بقبضته على الطاولة. ارتجف ابنه. “لقد لوثتك أمك. لا بد أنك تُركز كل تركيزك على لياقتك البدنية، لا على تحصيلك العلمي! كل ما تحتاجه كرجل هو أن تكون قادرًا على القراءة والكتابة! “أبي!” لم يتزحزح المارغريف حتى مع التوسل اليائس من ابنه. ” يا لك من مُحزن! اليوم رأيتُ مُحاربًا. مع أنه كان عدوًا، إلا أنه كان رجلًا استثنائيًا. هل تعلم ماذا فعل عندما انهار حصانه بعد أن حمله إلى هروبه؟ علقه على كتفيه وحمله! حمل الرجل حصانه! ” صرخ أوركويل بحماس، إذ لم يرَ مثله من قبل. “ما فائدة هذه القوة الغاشمة يا أبي! انتهى زمن رفع اسمك بسيفك، لم يعد هناك أعداء! لقد هُزم الجنوب والشمال. لا مكان آخر نذهب إليه بسيوفهم!” صرخ الابن، مما زاد غضب والده. “سنتحدث عن هذا لاحقًا. الآن، عليّ أن أنام قليلًا.” قاطع أوركويل ابنه في منتصف الجملة. أطرق الابن رأسه بخيبة أمل وارتجفت شفتاه. “لقد تغيرت الأوقات، يا أبتي.” لم يستجب المارغريف. “لم يتغير شيء. لا شيء على الإطلاق.” بعد أن رفض ابنه، نزل المارغريف إلى مكتبه في القبو، حيث كان مخزنه. “ههه ” تنهد بارتياح بعد أن نزل إلى القبو. كل تعقيدات الحياة وصداعها، بالإضافة إلى زوجته وابنه، اختفت تدريجيًا من ذهنه. أشعل المارغريف شمعةً لإضاءة القبو. جعل ضوء الشمعة المتذبذب الظلال ترقص. “هوكان، كنتَ محاربًا بشجاعة الدب. ما زلتُ أراه بوضوحٍ فأسك الجليدي وهو يقطع خمسةً من رجالي ” تمتم المارغريف وهو يلامس الجماجم المعروضة. أسلحة البرابرة الذين قتلهم كانت ملقاة تحت جماجمهم. كانت ضربته حذرة كما لو كان يلمس حبيبته. وبينما يلمس الجماجم، عادت إليه ذكريات شبابه. “زيزيبو، المحارب الذي كان يسمى ثعلب الصحراء، الذي ترك لي ندبة في صدري.” احمرّ وجهه فرحًا. كان مناداة الجماجم واحدة تلو الأخرى، وتذكر معاركه ضدها، طقسًا مقدسًا لديه. كانت الجماجم بقايا الأعداء الذين هددوا حياته سابقًا، والآن، مجموعته. ” ستبقون جميعًا في أقوى حالاتكم إلى الأبد، بينما أنا أتقدم في السن ” رثى المارغريف. كان يتوق إلى أيام شبابه وقوته. “حتى أعظم المحاربين لا يستطيعون التحرر من قيود الزمن.” في النهاية، تم إقصاء كبار السن من قبل الشباب. لكن الشباب لا يتعلمون المبارزة هذه الأيام، بل ينشغلون بأقلامهم. إن فكرة إسناد المستقبل لهؤلاء الشباب جعلت قلبه ينخفض. “يا أيها المحاربون البرابرة العظماء! أشتاق لأيامكم على هذه الأرض. لا يلمع السيف إلا أمام أعدائه!” نام مارغريف أوركويل بين الجماجم، وهو يحلم بأيام شبابه المجيدة. كان زمنًا ملطخًا بالدماء، لكن ذكرياته بدت وردية. استيقظ قبل شروق الشمس. ومع مرور السنين، رحلت الحيوية معها. كانت الشيخوخة أمرًا مُرًّا. “نحن مستعدون.” عندما خرج المارغريف إلى الثكنات، كان مساعده ينتظره مع الرجال العشرة الذين طلبهم. “فليبدأ الصيد يا جنودي.” * * * بعد الركض وكايليوس على كتفيه، كان جسد يوريتش في حالة يرثى لها. تعرج وتعثر في الجبل. لم يستطع فرد ظهره من ثقل هذا الحمل، فانحني كرجل عجوز. كان جسده كله يؤلمه، لكن ظهره المشكلة الأكبر. شعر بأن فقراته ملتوية وغير متوازنة. “إنه جاهز، يوريتش ” قال باهيل. “ربما يجب أن أقول صلاة صغيرة لحاكم الشمس لو ” قال يوريتش مبتسمًا ” هل سينجح هذا حقًا؟” “هناك ثلاث نتائج محتملة: أن تموت، أو تعيش ولكن تصبح مشلولًا، أو تشفى.” “ينبغي لي حقا أن أصلي.” ابتسم باهيل بمرارة. كانوا داخل جبل، لكن محيطهم لم يكن آمنًا تمامًا، إذ لم يكونوا يعلمون متى قد يظهر أعداؤهم. “هنا نذهب، يوريتش.” أمسك باهيل بالحبل الذي يمسك بجسم يوريتش العلوي. وبينما ارتفع قليلاً، بدا يوريتش يرتجف من الألم. ” هاف، هاف، افعلها، باهيل ” قال يوريتش كلماته الأخيرة قبل أن يعض اللجام الخشبي. “أوه، حاكم الشمس لو ” تلا باهيل دعاءً قصيرًا وهو يدوس على ظهر يوريتش ويشد الحبل. كان علاجًا بدائيًا للغاية، مشكوكًا في فعاليته، وكان ليُعادل التعذيب في العادة. بوو! بدا هناك صوت غريب. ورغم الشعور المشؤوم، سحب باهيل الحبل وعيناه مغمضتان كما أمره يوريتش. “هوبب!” بدا يوريتش يرتجف. عادت الفقرات المخلوعة إلى مكانها بينما انحنى الجزء العلوي من جسده إلى الخلف. بوو! انكسرت الكمامة الخشبية التي بين فكيه. سال الدم من فمه عندما انغرست القطع الخشبية في داخله. “كررر.” انسكبت رغوة دموية من فمه وتدحرجت عيناه إلى الخلف. بوو! أطلق باهيل، الذي كان مغطى بحبات العرق، الحبل. “يوريتش؟” لا رد. سارع باهيل للتحقق من البربري. “يوريتش؟ أجبني!” بدا يوريتش فاقدًا للوعي وغير مستجيب. “هل مات؟” فكرة موته بمثابة طعنة في قلب باهيل. “لا تموت هكذا، من فضلك، يا بن العاهرة!” فجأةً، شعر باهيل بالخوف من الغابة المحيطة به. شعر وكأن وحشًا سيخرج من العدم. “أوه، لو، أتوسل إليك، من فضلك لا تأخذ روح يوريتش الآن ” بكى باهيل بشدة وهو يجلس القرفصاء. فوو!

كان كايليوس يستريح تحت الشجرة. زحف باهيل نحو الكائن الحي الوحيد حوله واتكأ عليه.
“هل متَّ حقًا يا يوريتش؟ هل متَّ حقًا؟”
سحب باهيل ركبته إلى وجهه وارتجف.
ووش.
اشتدت الرياح وبدأت الأشجار تصدر حفيفًا وكأنها تصرخ.
هل الأمر مخيف جدًا أن أكون وحدي؟
كان باهيل دائمًا محميًا من قِبل شخص ما حوله. حياته بعيدة كل البعد عن الخطر والعزلة.
فوو!
لو لم يكن هناك كايليوس، لكان يبكي بشدة.
“يوريتش، أنت على قيد الحياة، أليس كذلك؟”
زحف باهيل نحو البربري ووضع إصبعه على أنفه ليتأكد من أنه لا يزال يتنفس. كان هذا شيئًا سمعه من قبل.
هل هو يتنفس؟
ابتلع باهيل ريقه. انتبه إلى الإحساس في أطراف أصابعه.
“أنت على قيد الحياة، آه، أنت على قيد الحياة.”
بدا يوريتش يتنفس. سقط باهيل بجانبه وقد انتابته نوبة من الارتياح.
“لحسن الحظ، لحسن الحظ ” كرر باهيل الكلمات مرارًا وتكرارًا.
“فو ” أخذ باهيل نفسًا عميقًا وأخرج قطعة خبز من جيبه. كسر قطعة صغيرة من الخبز الصلب وأذابها بلعابه.
“عليّ فقط أن أصل إلى الإمبراطورية.”
أغمض باهيل عينيه.
“سأعيد الإذلال الذي سببتموه لي جميعًا.”
تلا باهيل أسماء الخونة. هناك العديد من النبلاء الذين ساندوا الدوق هارماتي. لم يتوقع أحد سقوط الملك ودخوله في غيبوبة. توقع الجميع أن يكون لدى باهيل خمس سنوات أخرى على الأقل للاستعداد لانتقال العرش.
“سقط الإمبراطور الأب قبل أن أتمكن من تثبيت قدمي. ربما كان ذلك من فعل الدوق.”
حدق باهيل في الأرض، غارقًا في التفكير.
“أتساءل كيف حال داميا. أنا متأكد أن الدوق لن يمسها… لكنني ما زلت قلقًا.”
كان باهيل قلقًا على أخته التوأم. بغض النظر عمن أصبح ملكًا، الأميرة أداةً جيدة. نادرًا ما يرون دماءً وسط صراعات السلطة.
فوو!
نهض كايليوس على قدميه فجأة، مما أثار انتباه باهيل.
بوو!
“أقسم أنني سمعت شيئًا من هنا.”
سمع صوت رجل. نظر باهيل حوله مذعورًا، ثم اختبأ خلف شجيرة.
“يا إلهي، لا أستطيع إخفاء يوريتش.”
لم يستطع باهيل سوى إخفاء نفسه. شعر بالشفقة.
“مرحبًا، انظر إلى هنا، إنه حصان.”
“هل هذا يخص ذلك الرجل الضخم هناك؟ إنه لا يستيقظ حتى مع وجودنا هنا.”
“هل هو ميت؟”
كانوا لصوصًا. مع أن ملابسهم المهلهلة ووجوههم الملطخة بالفحم جعلتهم يبدون أشبه بمُتجولين منهم لصوصًا.
“هناك ثلاثة منهم.”
كانوا رجالاً يعيشون على سرقة المسافرين.
“هل نتناول لحم الحصان على العشاء؟”
“لماذا تأكل الحصان أيها الأحمق؟ هل تعلم كم ثمن الحصان؟”
“السمسار يشتري الخيول أيضًا؟ همم.”
“أنا متأكد أنه سيفعل. ماذا سيفعل غير ذلك؟”
ضحك اللصوص وهم يتبادلون السخرية. حاولوا الاستيلاء على كايليوس، لكنهم قوبلوا بمقاومته الشرسة.
نيه!
رفع كايليوس حوافره الأمامية ودافع عن نفسه ضد قطاع الطرق.
” واو، انظر إلى هذا، كيف ستجلب هذا الشيء؟ لنقطعه إلى لحم.”
“مهلاً، انظر إلى هذا السلاح، إنه حادٌّ جدًا. يبدو غالي الثمن! أم أحتفظ به لنفسي؟”
قال اللصوص وهم يُقيّمون أسلحة يوريتش و ضحكوا ضحكة هستيرية.
“اقطعوا رأسه، أو ما شابه. انظروا إلى حجمه. ربما يكون مقاتلًا جيدًا ” قال أحد اللصوص وهو يلتقط فأسًا باهتًا.
“سيموت يوريتش بهذه السرعة. عليّ أن أفعل شيئًا.”
ارتجف باهيل خوفًا. لم يستطع استجماع شجاعته. لم يكن واثقًا من قدرته على مواجهة هؤلاء اللصوص.
“كيف لي أن أهزمهم؟ مستحيل. لكن…”
اتسعت عيناه وصدره يحترق. كان ممزقًا بين الشجاعة والصمت.
“انظر، هذا الشخص مختبئ هنا، هاه!”
تقدم لصٌّ آخر من خلف باهيل. هم أربعة رجال، لا ثلاثة.
“آه!” حاول باهيل سحب سيفه، لكن اللص أمسكه من معصمه وثبته على الأرض.
“انظر إلى هذا الوجه الجميل. كيف ستُلوّح بسيفك بذراع كذراعك؟”
ضحك اللصُّ وفمه مفتوحٌ على مصراعيه. وصلت رائحة أنفاسه إلى أنف باهيل.
“ه- هل تعرفون من أنا؟ أيها الأوغاد!” صرخ باهيل وهو يكافح.
“ماذا؟ هل أنت الأمير أم ماذا؟”
بوو!
ركل اللص باهيل في معدته، فانقلب وتقيأ.
“أوه، أوه.”
جرّ اللص باهيل من شعره إلى بقية الرجال. وسرعان ما أحاط به اللصوص الأربعة.
“مرحبًا، منذ متى لم نكن مع امرأة؟”
“بف، مر أكثر من شهر الآن، كيكي.”
“مع وجه مثل هذا، سيكون أفضل من بعض العاهرات الرخيصة.”
قال اللصوص وهم ينظرون إلى باهيل. بعضهم قد خلع سراويله بالفعل.
“يا للهول، لا أهتم بالرجال. هيا يا رفاق، سأذبح ذلك الرجل. يبدو أنه فاقد للوعي، لكن من الأفضل أن تكون آمنًا على أن تكون آسفًا.”
“أتظن أننا نحب الرجال؟ لديه ثقب جيد يفي بالغرض. لا يوجد شيء آخر.”
شعر باهيل بالرعب. وبينما يحاول الهرب، صفعه اللص على وجهه.
“ابق ساكنًا. أم تريدني أن أقطع رأسك الآن؟” قال اللص وهو يوجه نصل سيفه نحو عنق باهيل. ارتجف باهيل.
“مستحيل أن يحدث هذا، مستحيل. سيد فيليون… داميا…”
ربط اللصوص يدي باهيل حول الشجرة. أصبح باهيل مقيدًا بحيث لم يبرز منه سوى الجزء السفلي من جسده. أنزل اللصوص سرواله بأيديهم الخشنة.
“ههه، لقد رُبِّيَ تربيةً حسنةً، ومؤخرته أنعمُ من مؤخرةِ طفل. هل أنتَ حقًا أميرٌ في مكانٍ ما؟”
سحب قطاع الطرق عصا لتحديد أدوارهم.
“إحم، أعتقد أنني أول من يبدأ. تفووه.”
بصق اللص في يده وفركها على قضيبه.
“أفضّل أن أموت من أن أُهان…” كان باهيل على وشك أن يعض لسانه.
بوو!
سُمع صوت سحق عظام. التفت اللصوص الذين كانوا على وشك مضاجعة باهيل إلى الخلف. وخلفهم وقف يوريتش، ممسكًا برأس اللص بيده. أصبحت رقبته ملتوية للخلف كعنق بومة.
“فو ” أطلق يوريتش نفسًا عميقًا. بدا منزعجًا من جسده الذي لا يزال يؤلمه.
“لن أفعل ذلك مرة أخرى يا باهيل. مرة أخرى قد تُكسر ظهري، اللعنة. ما هذا يا باهيل؟ أهذا ما تُحبه؟ لن أفهمكم أبدًا أيها المتحضرون، يا إلهي.”
حرك يوريتش لسانه في وجه قطاع الطرق و باهيل.
“اصمت وأخرجني من هذا الأمر، أيها الوغد!”
صرخ باهيل.

*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com

 

“أبي، أنا هنا.” ابنه. حدّق المارغريف في ابنه بوجهٍ خالٍ من التعابير. “أنا مشغول قليلاً هذه الأيام. ألا يمكننا التحدث لاحقًا؟” “هناك شيء يجب أن أتحدث معك عنه.” تنهد أوركويل. “إذا لديك شيء تود قوله، فقله بسرعة. لا أستطيع أن أمنحك الكثير من وقتي.” “أريد أن أذهب للدراسة في الخارج في العاصمة هامل ” قال له ابنه، مما جعل المارغريف يعقد حاجبيه. “لأي سبب؟ يمكنك تعلم كل ما تحتاج لمعرفته عن فن المبارزة والتكتيكات العسكرية هنا. ماذا، هل تقول إن فرسان الإمبراطورية في هامل أفضل من والدك؟” “ليس هذا هو المقصود يا أبي. أريد أن أتعلم الأدب. سمعتُ أن التعليم الأدبي في العاصمة في أوج ازدهاره. هناك يجتمع ألمع العلماء من الجنوب والشمال لمناقشة تعاليمهم يوميًا…” بوو! ضرب مارغريف أوركويل بقبضته على الطاولة. ارتجف ابنه. “لقد لوثتك أمك. لا بد أنك تُركز كل تركيزك على لياقتك البدنية، لا على تحصيلك العلمي! كل ما تحتاجه كرجل هو أن تكون قادرًا على القراءة والكتابة! “أبي!” لم يتزحزح المارغريف حتى مع التوسل اليائس من ابنه. ” يا لك من مُحزن! اليوم رأيتُ مُحاربًا. مع أنه كان عدوًا، إلا أنه كان رجلًا استثنائيًا. هل تعلم ماذا فعل عندما انهار حصانه بعد أن حمله إلى هروبه؟ علقه على كتفيه وحمله! حمل الرجل حصانه! ” صرخ أوركويل بحماس، إذ لم يرَ مثله من قبل. “ما فائدة هذه القوة الغاشمة يا أبي! انتهى زمن رفع اسمك بسيفك، لم يعد هناك أعداء! لقد هُزم الجنوب والشمال. لا مكان آخر نذهب إليه بسيوفهم!” صرخ الابن، مما زاد غضب والده. “سنتحدث عن هذا لاحقًا. الآن، عليّ أن أنام قليلًا.” قاطع أوركويل ابنه في منتصف الجملة. أطرق الابن رأسه بخيبة أمل وارتجفت شفتاه. “لقد تغيرت الأوقات، يا أبتي.” لم يستجب المارغريف. “لم يتغير شيء. لا شيء على الإطلاق.” بعد أن رفض ابنه، نزل المارغريف إلى مكتبه في القبو، حيث كان مخزنه. “ههه ” تنهد بارتياح بعد أن نزل إلى القبو. كل تعقيدات الحياة وصداعها، بالإضافة إلى زوجته وابنه، اختفت تدريجيًا من ذهنه. أشعل المارغريف شمعةً لإضاءة القبو. جعل ضوء الشمعة المتذبذب الظلال ترقص. “هوكان، كنتَ محاربًا بشجاعة الدب. ما زلتُ أراه بوضوحٍ فأسك الجليدي وهو يقطع خمسةً من رجالي ” تمتم المارغريف وهو يلامس الجماجم المعروضة. أسلحة البرابرة الذين قتلهم كانت ملقاة تحت جماجمهم. كانت ضربته حذرة كما لو كان يلمس حبيبته. وبينما يلمس الجماجم، عادت إليه ذكريات شبابه. “زيزيبو، المحارب الذي كان يسمى ثعلب الصحراء، الذي ترك لي ندبة في صدري.” احمرّ وجهه فرحًا. كان مناداة الجماجم واحدة تلو الأخرى، وتذكر معاركه ضدها، طقسًا مقدسًا لديه. كانت الجماجم بقايا الأعداء الذين هددوا حياته سابقًا، والآن، مجموعته. ” ستبقون جميعًا في أقوى حالاتكم إلى الأبد، بينما أنا أتقدم في السن ” رثى المارغريف. كان يتوق إلى أيام شبابه وقوته. “حتى أعظم المحاربين لا يستطيعون التحرر من قيود الزمن.” في النهاية، تم إقصاء كبار السن من قبل الشباب. لكن الشباب لا يتعلمون المبارزة هذه الأيام، بل ينشغلون بأقلامهم. إن فكرة إسناد المستقبل لهؤلاء الشباب جعلت قلبه ينخفض. “يا أيها المحاربون البرابرة العظماء! أشتاق لأيامكم على هذه الأرض. لا يلمع السيف إلا أمام أعدائه!” نام مارغريف أوركويل بين الجماجم، وهو يحلم بأيام شبابه المجيدة. كان زمنًا ملطخًا بالدماء، لكن ذكرياته بدت وردية. استيقظ قبل شروق الشمس. ومع مرور السنين، رحلت الحيوية معها. كانت الشيخوخة أمرًا مُرًّا. “نحن مستعدون.” عندما خرج المارغريف إلى الثكنات، كان مساعده ينتظره مع الرجال العشرة الذين طلبهم. “فليبدأ الصيد يا جنودي.” * * * بعد الركض وكايليوس على كتفيه، كان جسد يوريتش في حالة يرثى لها. تعرج وتعثر في الجبل. لم يستطع فرد ظهره من ثقل هذا الحمل، فانحني كرجل عجوز. كان جسده كله يؤلمه، لكن ظهره المشكلة الأكبر. شعر بأن فقراته ملتوية وغير متوازنة. “إنه جاهز، يوريتش ” قال باهيل. “ربما يجب أن أقول صلاة صغيرة لحاكم الشمس لو ” قال يوريتش مبتسمًا ” هل سينجح هذا حقًا؟” “هناك ثلاث نتائج محتملة: أن تموت، أو تعيش ولكن تصبح مشلولًا، أو تشفى.” “ينبغي لي حقا أن أصلي.” ابتسم باهيل بمرارة. كانوا داخل جبل، لكن محيطهم لم يكن آمنًا تمامًا، إذ لم يكونوا يعلمون متى قد يظهر أعداؤهم. “هنا نذهب، يوريتش.” أمسك باهيل بالحبل الذي يمسك بجسم يوريتش العلوي. وبينما ارتفع قليلاً، بدا يوريتش يرتجف من الألم. ” هاف، هاف، افعلها، باهيل ” قال يوريتش كلماته الأخيرة قبل أن يعض اللجام الخشبي. “أوه، حاكم الشمس لو ” تلا باهيل دعاءً قصيرًا وهو يدوس على ظهر يوريتش ويشد الحبل. كان علاجًا بدائيًا للغاية، مشكوكًا في فعاليته، وكان ليُعادل التعذيب في العادة. بوو! بدا هناك صوت غريب. ورغم الشعور المشؤوم، سحب باهيل الحبل وعيناه مغمضتان كما أمره يوريتش. “هوبب!” بدا يوريتش يرتجف. عادت الفقرات المخلوعة إلى مكانها بينما انحنى الجزء العلوي من جسده إلى الخلف. بوو! انكسرت الكمامة الخشبية التي بين فكيه. سال الدم من فمه عندما انغرست القطع الخشبية في داخله. “كررر.” انسكبت رغوة دموية من فمه وتدحرجت عيناه إلى الخلف. بوو! أطلق باهيل، الذي كان مغطى بحبات العرق، الحبل. “يوريتش؟” لا رد. سارع باهيل للتحقق من البربري. “يوريتش؟ أجبني!” بدا يوريتش فاقدًا للوعي وغير مستجيب. “هل مات؟” فكرة موته بمثابة طعنة في قلب باهيل. “لا تموت هكذا، من فضلك، يا بن العاهرة!” فجأةً، شعر باهيل بالخوف من الغابة المحيطة به. شعر وكأن وحشًا سيخرج من العدم. “أوه، لو، أتوسل إليك، من فضلك لا تأخذ روح يوريتش الآن ” بكى باهيل بشدة وهو يجلس القرفصاء. فوو!

 

الفصل 41: الصياد البربري ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ هرع مارغريف أوركويل عائداً إلى قصره. “أبي، لدي شيء أريد أن أخبرك به…” استقبل ابنه، الذي بلغ الرابعة عشرة هذا العام، والده عند البوابة. “تحرك.” مرّ المارغريف بابنه دون أن يعانقه. كان ينوي الانطلاق قبل طلوع الفجر. “هناك فريسة جديدة.” ارتفعت زوايا فمه بشراسة. لم يكن مهتمًا بزوجته أو ابنه، إذ كانا مجرد أدواتٍ في يده لضمان استمرار سلالته. “أعطني التقرير ” قال المارغريف لمساعده الذي كان يراقب بوابة المدينة. “مرت أخوة يوريتش عبر البوابات أمس، ووضعنا بعض أجهزة التتبع عليهم. بناءً على توجيهاتهم، يبدو أنهم سينضمون إلى الأمير في بلدة فالجما.” “أرسل رسولًا إلى الدوق هارماتي وأبلغه أنني سأأخذ بعضًا من رجالي وأأسر الأمير بنفسي قبل أن يصل إلى فالجما. أحضر لي عشرة من أفضل رجالنا.” “هل تقول إنك ستعبر الحدود بنفسك؟ إذا غادر رئيس الدفاع بوابته…” “كفى هذه الرسمية، لقد سئمت منها. سأذهب وراء فريستي. هنا يكمن القتال الحقيقي ” قال المارغريف وهو يفرك يديه بابتسامة عريضة. شعر بحرارة جسده ترتفع من أعماقه. ’ها هي تلك العادة السيئة مرة أخرى’، فكّر المساعد وهو ينظر إلى المارغريف. بدا المارغريف أوركويل فارسًا بارعًا. ورغم أنه كان من مملكة صغيرة، إلا أن اسمه كان ذائع الصيت في ساحات معارك عديدة. “أوركويل الصياد البربري.” كان لقبًا حنينيًا. تلاشى في العصر الحالي، حيث أصبحت “سياسة إدماج البرابرة” الجديدة محور السياسات الإمبراطورية. إلا أن من قاتلوا إلى جانب المارغريف تذكروه جيدًا. “معذرة. سأرتاح قليلًا قبل أن أعود.” غادر المساعد الغرفة، وقام المارغريف من سريره.

*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com

 

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

Ads Blocker Detected!!!

We have detected that you are using extensions to block ads. Please support us by disabling these ads blocker.

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط