الفصل 48
“همف!” اهتزّ رأس رمح باتشمان. كان من المستحيل التنبؤ بالاتجاه الذي سيمتدّ إليه. كانت خدعة قتالية فردية تعلّمها في أيام المصارعة. ووش. لوّح باتشمان برمحه. حرّك دونوفان جسده لتجنّب الطعنة، ثمّ هاجم. “سأقطع رأس باتشمان” كان دونوفان ينوي قتل باتشمان تمامًا. فأرجح سيفه بنية القتل. بوو! صد باتشمان السيف بالجزء الخلفي من رمحه. “واو!” صرخ المرتزقة بإثارة. باتشمان يتمتع بمهارة غير متوقعة. استخدم قوة دفع رمحه لربط هجومه ودفاعه بسلاسة. ظن سفين أن باتشمان سوف يتعرض لإصابة خطيرة جراء الضربة في تلك اللحظة، لكن باتشمان نجح في الدفاع عن نفسه. ” تلك مهارة عالية المستوى.” دهش باتشمان نفسه من براعته في أداء هذه الحركة. أدرك أنه قد نضج كمحارب منذ أيام المصارعين. كان من الصعب قياس مدى تحسنه نظرًا لقلة الفرص المتاحة لمبارزة كهذه. “لقد اكتسبت قدرًا لا بأس به من الخبرة، في الواقع.” شعر بالرمح وكأنه امتداد لذراعه. بدا واثقًا تمامًا من سيطرته التامة على حركة الرمح. المحاربون يرتقون أحيانًا في المستويات خلال المعارك. كانت لحظة تقاطع الحياة والموت لحظةً تُبرز تركيز المرء وقدرته على التعلم إلى أقصى حد. “أنا أستطيع أن أفعل هذا.” شعر باتشمان بالارتقاء والنشاط. ثقته بنفسه التي كانت في أدنى مستوياتها سابقًا، أصبحت الآن في قمة أوجها. ” تعال إليّ يا دونوفان. سأقطعك من شرجك إلى فمك، وأشويك على النار لعشاء الليلة.” صوته أظهر ثقته. “أنت مجنون باتشمان.” أمسك دونوفان بمقبض سيفه بكلتا يديه ورفعه إلى منتصف الارتفاع. “استقراره متين. إنه بالفعل عسكري سابق.” تابع سفين المبارزة باهتمام. كان جنود الإمبراطورية مدربين على فنون القتال التقليدية. كان الاستقرار والبراعة أبرز صفاتهم بلا منازع. بوو! تقدم دونوفان. وجّه باتشمان رمحه في محاولة دفاعية، لكن دونوفان تصدى لكل ضربة وقلص المسافة بينهما. “سوف أنتهي إذا سمحت له بالاقتراب.” لوّح باتشمان بسيفه بأسنانه المشدودة. لم يكن الرمح يتحرك بالطريقة التي أرادها تمامًا بسبب الزخم الذي جعله يفقد سيطرته. تحطمت أحلامه في التوحد مع رمحه، وفجأة شعر بالرمح غريبًا بين يديه. سرعان ما تلاشت الثقة التي كانت تتضخم بداخله. من يتعرق أكثر، ينزف أقل. هذا ما يناله باتشمان لكسله في التدريب – خسارة. لقد كان واضحًا للمرتزقة أن باتشمان كان تحت السيطرة. “الموت يحدق بي مباشرة.” شعر باتشمان ببرودة الظلام المُقترب. ارتجفت ساقاه، وتلاشى الإحساس في أطراف أصابعه تدريجيًا. “دعونا ننهي نزاعنا هنا، باتشمان.” رفع دونوفان سيفه عالياً استعداداً لضربة قاضية قوية. الوقت قد فات على باتشمان ليسحب رمحه الممدود لصد الهجوم. بوو! سقط درع دائري بين دونوفان وباتشمان. رماه سفين. “ماذا تفعل أيها العجوز!” أدار دونوفان رأسه لينظر إلى الجاني. سفين يشير إلى الطابق الثاني. “زعيمنا هنا، دونوفان.” بدا يوريتش واقفًا بشموخ في الطابق الثاني. اتكأ على الحائط ونظر إلى الطابق الأرضي. “مرحبًا أيها الأوغاد، لقد عدت من الموت لأنكم كنتم تتشاجرون كثيرًا.” * * * تعافى يوريتش من المرض. كيف استطاع ذلك؟ كان بإمكانه أن يتحسن بمفرده بفضل لياقته البدنية العالية، أو ربما بفضل خافض الحرارة الذي وصفه له الطبيب. ربما كان مجرد علة بسيطة في البداية، أو ربما كانت عصيدة الحياة هي التي جددت طاقة يوريتش الحيوية. مهما الأمر، فقد عاد يوريتش إلى رشده. اختفى الظلام الذي يلف وجهه. “فو.” أصبحت أنفاسه صافية، وعيناه مشرقتين. أصبحت أيامه المريضة ضبابية كالحلم. من الصعب التمييز بين حلم وواقع. زوو! فتح يوريتش الباب وخرج من غرفته. سفين أول من لاحظ حركته، فتدخل فورًا في المبارزة بين باتشمان ودونوفان. “مممم، يبدو أن باتشمان ودونوفان يتقاتلان.” قيّم يوريتش الوضع في الطابق السفلي، ثم استعاد وعيه. تذكر بعض ما سمعه في نومه. كان المرتزقة منشغلين باختيار قائد جديد. “هل تغلب على المرض؟” “يوريتش مستيقظ.” نزل يوريتش إلى الطابق السفلي وسط المرتزقة المتذمرين وجلس على الطاولة. “لستُ متأكدًا مما حدث أثناء غيابي، ولكن الآن وقد عدت، أيًا كان ما كنتم تخططون له، فقد انتهى. ضعوا أسلحتكم جانبًا، كلاكما ” قال يوريتش بهدوء. بدا صوته مليئًا بالقوة. “لقد تحسّن تمامًا. لا يوجد أي أثر للمرض في صوته.” غمد دونوفان سيفه مطيعًا. لم يكن ينوي القتال منذ أن خرج يوريتش من فراشه سالمًا معافى. “لقد عشت.” احتفل باتشمان داخليًا وحاول أن يحافظ على وجهه جادًا. “هاه، لحسن الحظ، يوريتش مستيقظ.” “لا يوجد قائد مثل يوريتش.” “لقد كنت قلقًا بعض الشيء.” تبادل المرتزقة أطراف الحديث. دونوفان يعلم من هو الشخص الأكثر ثقة في الفرقة. بدا يوريتش أكثر الرجال احترامًا وثقةً في الفرقة. من خان يوريتش لن يكسب ثقة الفرقة أبدًا. عادت فرقة المرتزقة إلى قيادته فور استيقاظه. “الشمس تشرق في السماء. نظّف كل هذه الفوضى واستعد للمغادرة. ودونوفان، دعنا نتحدث.” أعطى يوريتش تعليماته بسرعة وكفاءة بعد أن أدرك الوضع الحالي. “لا بد أنك كنت تدعو للو بصدق؛ يا له من حظٍّ عظيم يا باتشمان!” قال دونوفان لخصمه في المبارزة وهو يسحب سيفه. ثم تبع يوريتش إلى فناء النزل. ” من الطبيعي أن يقود أقوى رجل المجموعة – كما أصبحتُ قائدًا لنا لمجرد أنني الأقوى ” قال يوريتش وهو يحرك جسده المتصلب. لسببٍ ما، لم يرفع دونوفان يده عن سيفه. “لا يمكننا الاستغناء عن قائد، خاصةً في مثل هذا الوقت. على أي حال، لقد استفقتَ حقًا.” “إذا لم أكن مؤهلًا لقيادة فرقتنا يومًا ما، فغالبًا ستكون أنت القائد التالي – يبدو الأمر طبيعيًا جدًا. هذا الاضطراب كان خطأي لعدم تعييني نائبًا للقائد. سأحرص على إبلاغ الفرقة بأكملها قبل مغادرتنا. نائب قائد أخوة يوريتش هو أنت يا دونوفان.” ارتجفت عينا دونوفان. بدا عرضًا لا يُصدق. حتى الآن، المرتزقة لا يعرفون من هو الرجل الثاني في القيادة بعد يوريتش. بدا باتشمان الأقرب إلى يوريتش بلا منازع، و لسفين عصابته الخاصة، وكان دونوفان خصمًا شرسًا ليوريتش لدرجة أنه لا يمكن اعتباره الرجل الثاني في القيادة. “هل تحاول أن تكون لطيفًا؟” هزّ يوريتش رأسه. أدار فأسه بيده ورماه على الشجرة، فأصابها بالضبط في المكان الذي صوّب إليه. استعاد حدّته بسرعة رغم تعافيه من مرضه. “لا، ليس هذا هو المقصود. أنا أضع شرطًا. عندما أموت، ستكون الفرقة ملكك. ولكن، إياك أن تقتل أخًا أبدًا. …لو وجدت باتشمان ميتا عندما استيقظت، لقتلتك بيديّ.” قال يوريتش وهو يسحب الفأس من الشجرة. بدت جملته الأخيرة مليئة بالغضب. “يوريتش، هل تهددني؟” تحركت أصابع دونوفان، ولمس مقبض سيفه. ” سواءً كنتَ تهديدًا أم لا، فأنا فقط أُنبِّهك. هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أسمح لك فيها بمحاولة قتل أخٍ لك. في المرة القادمة سأقضي عليك بهذه الكلمات، عاد يوريتش إلى النزل. دونوفان، الذي وقف وحيدًا في الفناء الخلفي، نظر إلى السماء وضحك. “هاه.” * * * أنهى المرتزقة استعداداتهم للمغادرة. دفعوا لصاحب النزل أجرة إقامتهم، وحملوا أمتعتهم على أكتافهم. “يوريتش، هناك بعض الحراس هنا.” جاء حراس المدينة يبحثون عن فرقة المرتزقة. حاول المرتزقة التظاهر باللامبالاة وهم يمدون أيديهم لأسلحتهم. “هل هذا من فعل الدوق هارماتي؟” سأل باهيل فيليون بحذرٍ شديد. هز فيليون رأسه. “حتى الدوق ليس له نفوذ كبير خارج الحدود. ربما هم هنا فقط لفحصنا. لا ينبغي أن تكون هناك مشكلة طالما حافظنا على هدوئنا ولباقتنا.” وقف المرتزقة منتظرين مواجهة الحراس. تحركت أعين الحراس باحثين عن قائد المرتزقة. “أين زعيمكم، يوريتش، جماعة إخوان يوريتش؟” سأل أحد الحراس. “هذا أنا، هل يمكنني مساعدتك؟ لا أعتقد أننا تسببنا في أي مشاكل في المدينة ” قال يوريتش وهو يتقدم. “هل سمعتَ خبر عودة نشاط الثعبان في فالجما؟ لقد اختُطف عددٌ من الأطفال.” “الثعبان؟ أليست هذه هي الطائفة التي تخطف الأطفال لتقديمهم كقرابين؟ أولئك الذين يحملون وشم الثعبان، أليس كذلك؟” سأل يوريتش وهو ينظر إلى مرتزقته، الذين كانوا يصبون اللعنات على الثعابين. نادرًا ما هناك أديان أو ثقافات تقبل الثعابين. حتى الجنوب، موطن هذه الطائفة، لم يكن يكن لهم سوى الكراهية. ” نحن أيضًا من أتباع الشمس المتدينين. صحيح أن معنا بعض الوثنيين الشماليين، لكن لا أحد منا من أتباع الثعابين ” قال يوريتش وهو يُخرج قلادته الشمس. ” بربري مُعتنق، لقد اتخذتَ قرارًا ممتازًا. ليت حاكم الشمس لو يُنير دربك يا يوريتش.” “وأنت أيضًا ” بدا رد يوريتش مختصرًا. فتش الحراس المرتزقة بسرعة. ” على أي حال، تمكنّا من القبض على آخر الثعابين. مع أننا نكره الشك في رفاقنا المؤمنين بلو، إلا أنه لا يمكن أن يكون هناك استثناءات في التفتيش، لذا…” قال الحارس بعينين ضيقتين. أشار يوريتش إلى مرتزقته. “فليتحققوا منكم. لنخرج من هنا بأسرع ما يمكن.” خلع المرتزقة قمصانهم. لدى جميع أتباع الثعابين المتدينين وشم ثعبان في مكان ما من أجسادهم. أما بالنسبة للمؤمنين الذكور، فكان وشم الثعبان عادةً في مكان ما من أجسادهم العلوية. ” يبدو أنكم سالمين، شكرًا لتعاونكم. رحلة آمنة يا يوريتش!” أنهى الحراس تفتيشهم وغادروا المرتزقة. بدا أنهم كانوا مشغولين جدًا. سار المرتزقة في صفٍّ واحد عبر المدينة. ولوّحت العاهرات للمرتزقة بصدورهن المكشوفة من نوافذ بيوتهن. “تعال مرة أخرى قبل أن تذهب، أيها السيد المرتزقة!” “سأعطيك خصمًا لأنه وقت النهار!” ثار المرتزقة. بمجرد مغادرتهم المدينة، لم يكونوا يعلمون متى سيصلون إلى حي آخر. لو واجهتهم أي مشاكل، لما رأوا حيًا آخر للدعارة لفترة طويلة، خاصةً وأنهم لا يتواجدون إلا في المدن ذات التطور الجيد. “ماذا ستفعل يا يوريتش؟ عليك أن تذهب بسرعة. لقد كنتَ فراشك طوال فترة وجودنا هنا ” قال باتشمان. “أنا بخير. أخبرهم أن يسرعوا. أنا متأكد أن السيد فيليون غاضبٌ لأننا لا نتحرك بسرعة.” كان فيليون يشتكي منذ مدة، لكن لم يُعر أحدٌ من المرتزقة اهتمامًا. نفذوا أوامرهم واندفعوا إلى حيّ الضوء الأحمر. ” أوه، أجل يا باهيل، سمعت أنك بذلت جهدًا كبيرًا لرعايتي أثناء مرضي. شكرًا لك، وكانت العصيدة لذيذة جدًا أيضًا ” قال يوريتش لباهيل وهو يفكر في الأمير الشاب وزونيبا. طعم العصيدة لا يزال حاضرًا في فمه. حتى عندما لم تكن لديه شهية بسبب المرض، كانت العصيدة لذيذة جدًا. نظر باهيل، الذي يراجع جدولهم للجزء التالي من الرحلة، إلى الأعلى. “لا شيء، ولا أعرف حتى إن كنتُ قد فعلتُ شيئًا. علاوةً على ذلك، أعتقد أننا تعرضنا للاحتيال من قِبل تلك الزونيبا بتلك العصيدة. لقد تذوقتُها أيضًا، بدت مجرد عصيدة لحم عادية. لم تعد لتحصيل باقي المبلغ، مع أنك تعافيتَ تمامًا في اليوم التالي… لذا يُمكن القول إنها أرادت فقط الاحتيال علينا للحصول على الدفعة الأولى من البداية.” ابتسم باهيل ابتسامةً مُرّة. استيقظ يوريتش في اليوم التالي بعد تناول عصيدة زونيبا. “لكنني لا أعتقد حقًا أن العصيدة هي التي شفيت يوريتش.” لا يزال باهيل يشك. “ربما يوريتش استيقظ بمفرده بدون العصيدة.” كانت مجرد عصيدة لحم عادية. ربما كانت غذاءً لذيذًا، لكنها لم تكن ذات قيمة كدواء. بينما المرتزقة منشغلين في منطقة الضوء الأحمر، ظل أولئك الذين بقوا يتجولون حول الساحة العامة.
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“همف!”
اهتزّ رأس رمح باتشمان. كان من المستحيل التنبؤ بالاتجاه الذي سيمتدّ إليه. كانت خدعة قتالية فردية تعلّمها في أيام المصارعة.
ووش.
لوّح باتشمان برمحه. حرّك دونوفان جسده لتجنّب الطعنة، ثمّ هاجم.
“سأقطع رأس باتشمان”
كان دونوفان ينوي قتل باتشمان تمامًا. فأرجح سيفه بنية القتل.
بوو!
صد باتشمان السيف بالجزء الخلفي من رمحه.
“واو!” صرخ المرتزقة بإثارة.
باتشمان يتمتع بمهارة غير متوقعة. استخدم قوة دفع رمحه لربط هجومه ودفاعه بسلاسة.
ظن سفين أن باتشمان سوف يتعرض لإصابة خطيرة جراء الضربة في تلك اللحظة، لكن باتشمان نجح في الدفاع عن نفسه.
” تلك مهارة عالية المستوى.”
دهش باتشمان نفسه من براعته في أداء هذه الحركة. أدرك أنه قد نضج كمحارب منذ أيام المصارعين. كان من الصعب قياس مدى تحسنه نظرًا لقلة الفرص المتاحة لمبارزة كهذه.
“لقد اكتسبت قدرًا لا بأس به من الخبرة، في الواقع.”
شعر بالرمح وكأنه امتداد لذراعه. بدا واثقًا تمامًا من سيطرته التامة على حركة الرمح.
المحاربون يرتقون أحيانًا في المستويات خلال المعارك. كانت لحظة تقاطع الحياة والموت لحظةً تُبرز تركيز المرء وقدرته على التعلم إلى أقصى حد.
“أنا أستطيع أن أفعل هذا.”
شعر باتشمان بالارتقاء والنشاط. ثقته بنفسه التي كانت في أدنى مستوياتها سابقًا، أصبحت الآن في قمة أوجها.
” تعال إليّ يا دونوفان. سأقطعك من شرجك إلى فمك، وأشويك على النار لعشاء الليلة.”
صوته أظهر ثقته.
“أنت مجنون باتشمان.”
أمسك دونوفان بمقبض سيفه بكلتا يديه ورفعه إلى منتصف الارتفاع.
“استقراره متين. إنه بالفعل عسكري سابق.”
تابع سفين المبارزة باهتمام. كان جنود الإمبراطورية مدربين على فنون القتال التقليدية. كان الاستقرار والبراعة أبرز صفاتهم بلا منازع.
بوو!
تقدم دونوفان. وجّه باتشمان رمحه في محاولة دفاعية، لكن دونوفان تصدى لكل ضربة وقلص المسافة بينهما.
“سوف أنتهي إذا سمحت له بالاقتراب.”
لوّح باتشمان بسيفه بأسنانه المشدودة. لم يكن الرمح يتحرك بالطريقة التي أرادها تمامًا بسبب الزخم الذي جعله يفقد سيطرته. تحطمت أحلامه في التوحد مع رمحه، وفجأة شعر بالرمح غريبًا بين يديه. سرعان ما تلاشت الثقة التي كانت تتضخم بداخله.
من يتعرق أكثر، ينزف أقل. هذا ما يناله باتشمان لكسله في التدريب – خسارة.
لقد كان واضحًا للمرتزقة أن باتشمان كان تحت السيطرة.
“الموت يحدق بي مباشرة.”
شعر باتشمان ببرودة الظلام المُقترب. ارتجفت ساقاه، وتلاشى الإحساس في أطراف أصابعه تدريجيًا.
“دعونا ننهي نزاعنا هنا، باتشمان.”
رفع دونوفان سيفه عالياً استعداداً لضربة قاضية قوية. الوقت قد فات على باتشمان ليسحب رمحه الممدود لصد الهجوم.
بوو!
سقط درع دائري بين دونوفان وباتشمان. رماه سفين.
“ماذا تفعل أيها العجوز!” أدار دونوفان رأسه لينظر إلى الجاني. سفين يشير إلى الطابق الثاني.
“زعيمنا هنا، دونوفان.”
بدا يوريتش واقفًا بشموخ في الطابق الثاني. اتكأ على الحائط ونظر إلى الطابق الأرضي.
“مرحبًا أيها الأوغاد، لقد عدت من الموت لأنكم كنتم تتشاجرون كثيرًا.”
* * *
تعافى يوريتش من المرض. كيف استطاع ذلك؟ كان بإمكانه أن يتحسن بمفرده بفضل لياقته البدنية العالية، أو ربما بفضل خافض الحرارة الذي وصفه له الطبيب. ربما كان مجرد علة بسيطة في البداية، أو ربما كانت عصيدة الحياة هي التي جددت طاقة يوريتش الحيوية. مهما الأمر، فقد عاد يوريتش إلى رشده. اختفى الظلام الذي يلف وجهه.
“فو.”
أصبحت أنفاسه صافية، وعيناه مشرقتين. أصبحت أيامه المريضة ضبابية كالحلم. من الصعب التمييز بين حلم وواقع.
زوو!
فتح يوريتش الباب وخرج من غرفته. سفين أول من لاحظ حركته، فتدخل فورًا في المبارزة بين باتشمان ودونوفان.
“مممم، يبدو أن باتشمان ودونوفان يتقاتلان.”
قيّم يوريتش الوضع في الطابق السفلي، ثم استعاد وعيه. تذكر بعض ما سمعه في نومه. كان المرتزقة منشغلين باختيار قائد جديد.
“هل تغلب على المرض؟”
“يوريتش مستيقظ.”
نزل يوريتش إلى الطابق السفلي وسط المرتزقة المتذمرين وجلس على الطاولة.
“لستُ متأكدًا مما حدث أثناء غيابي، ولكن الآن وقد عدت، أيًا كان ما كنتم تخططون له، فقد انتهى. ضعوا أسلحتكم جانبًا، كلاكما ” قال يوريتش بهدوء. بدا صوته مليئًا بالقوة.
“لقد تحسّن تمامًا. لا يوجد أي أثر للمرض في صوته.”
غمد دونوفان سيفه مطيعًا. لم يكن ينوي القتال منذ أن خرج يوريتش من فراشه سالمًا معافى.
“لقد عشت.”
احتفل باتشمان داخليًا وحاول أن يحافظ على وجهه جادًا.
“هاه، لحسن الحظ، يوريتش مستيقظ.”
“لا يوجد قائد مثل يوريتش.”
“لقد كنت قلقًا بعض الشيء.”
تبادل المرتزقة أطراف الحديث. دونوفان يعلم من هو الشخص الأكثر ثقة في الفرقة. بدا يوريتش أكثر الرجال احترامًا وثقةً في الفرقة. من خان يوريتش لن يكسب ثقة الفرقة أبدًا. عادت فرقة المرتزقة إلى قيادته فور استيقاظه.
“الشمس تشرق في السماء. نظّف كل هذه الفوضى واستعد للمغادرة. ودونوفان، دعنا نتحدث.”
أعطى يوريتش تعليماته بسرعة وكفاءة بعد أن أدرك الوضع الحالي.
“لا بد أنك كنت تدعو للو بصدق؛ يا له من حظٍّ عظيم يا باتشمان!” قال دونوفان لخصمه في المبارزة وهو يسحب سيفه. ثم تبع يوريتش إلى فناء النزل.
” من الطبيعي أن يقود أقوى رجل المجموعة – كما أصبحتُ قائدًا لنا لمجرد أنني الأقوى ” قال يوريتش وهو يحرك جسده المتصلب. لسببٍ ما، لم يرفع دونوفان يده عن سيفه.
“لا يمكننا الاستغناء عن قائد، خاصةً في مثل هذا الوقت. على أي حال، لقد استفقتَ حقًا.”
“إذا لم أكن مؤهلًا لقيادة فرقتنا يومًا ما، فغالبًا ستكون أنت القائد التالي – يبدو الأمر طبيعيًا جدًا. هذا الاضطراب كان خطأي لعدم تعييني نائبًا للقائد. سأحرص على إبلاغ الفرقة بأكملها قبل مغادرتنا. نائب قائد أخوة يوريتش هو أنت يا دونوفان.”
ارتجفت عينا دونوفان. بدا عرضًا لا يُصدق. حتى الآن، المرتزقة لا يعرفون من هو الرجل الثاني في القيادة بعد يوريتش. بدا باتشمان الأقرب إلى يوريتش بلا منازع، و لسفين عصابته الخاصة، وكان دونوفان خصمًا شرسًا ليوريتش لدرجة أنه لا يمكن اعتباره الرجل الثاني في القيادة.
“هل تحاول أن تكون لطيفًا؟”
هزّ يوريتش رأسه. أدار فأسه بيده ورماه على الشجرة، فأصابها بالضبط في المكان الذي صوّب إليه. استعاد حدّته بسرعة رغم تعافيه من مرضه.
“لا، ليس هذا هو المقصود. أنا أضع شرطًا. عندما أموت، ستكون الفرقة ملكك. ولكن، إياك أن تقتل أخًا أبدًا. …لو وجدت باتشمان ميتا عندما استيقظت، لقتلتك بيديّ.”
قال يوريتش وهو يسحب الفأس من الشجرة. بدت جملته الأخيرة مليئة بالغضب.
“يوريتش، هل تهددني؟”
تحركت أصابع دونوفان، ولمس مقبض سيفه.
” سواءً كنتَ تهديدًا أم لا، فأنا فقط أُنبِّهك. هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أسمح لك فيها بمحاولة قتل أخٍ لك. في المرة القادمة سأقضي عليك
بهذه الكلمات، عاد يوريتش إلى النزل. دونوفان، الذي وقف وحيدًا في الفناء الخلفي، نظر إلى السماء وضحك.
“هاه.”
* * *
أنهى المرتزقة استعداداتهم للمغادرة. دفعوا لصاحب النزل أجرة إقامتهم، وحملوا أمتعتهم على أكتافهم.
“يوريتش، هناك بعض الحراس هنا.”
جاء حراس المدينة يبحثون عن فرقة المرتزقة. حاول المرتزقة التظاهر باللامبالاة وهم يمدون أيديهم لأسلحتهم.
“هل هذا من فعل الدوق هارماتي؟” سأل باهيل فيليون بحذرٍ شديد. هز فيليون رأسه.
“حتى الدوق ليس له نفوذ كبير خارج الحدود. ربما هم هنا فقط لفحصنا. لا ينبغي أن تكون هناك مشكلة طالما حافظنا على هدوئنا ولباقتنا.”
وقف المرتزقة منتظرين مواجهة الحراس. تحركت أعين الحراس باحثين عن قائد المرتزقة.
“أين زعيمكم، يوريتش، جماعة إخوان يوريتش؟” سأل أحد الحراس.
“هذا أنا، هل يمكنني مساعدتك؟ لا أعتقد أننا تسببنا في أي مشاكل في المدينة ” قال يوريتش وهو يتقدم.
“هل سمعتَ خبر عودة نشاط الثعبان في فالجما؟ لقد اختُطف عددٌ من الأطفال.”
“الثعبان؟ أليست هذه هي الطائفة التي تخطف الأطفال لتقديمهم كقرابين؟ أولئك الذين يحملون وشم الثعبان، أليس كذلك؟”
سأل يوريتش وهو ينظر إلى مرتزقته، الذين كانوا يصبون اللعنات على الثعابين. نادرًا ما هناك أديان أو ثقافات تقبل الثعابين. حتى الجنوب، موطن هذه الطائفة، لم يكن يكن لهم سوى الكراهية.
” نحن أيضًا من أتباع الشمس المتدينين. صحيح أن معنا بعض الوثنيين الشماليين، لكن لا أحد منا من أتباع الثعابين ” قال يوريتش وهو يُخرج قلادته الشمس.
” بربري مُعتنق، لقد اتخذتَ قرارًا ممتازًا. ليت حاكم الشمس لو يُنير دربك يا يوريتش.”
“وأنت أيضًا ” بدا رد يوريتش مختصرًا. فتش الحراس المرتزقة بسرعة.
” على أي حال، تمكنّا من القبض على آخر الثعابين. مع أننا نكره الشك في رفاقنا المؤمنين بلو، إلا أنه لا يمكن أن يكون هناك استثناءات في التفتيش، لذا…” قال الحارس بعينين ضيقتين. أشار يوريتش إلى مرتزقته.
“فليتحققوا منكم. لنخرج من هنا بأسرع ما يمكن.”
خلع المرتزقة قمصانهم. لدى جميع أتباع الثعابين المتدينين وشم ثعبان في مكان ما من أجسادهم. أما بالنسبة للمؤمنين الذكور، فكان وشم الثعبان عادةً في مكان ما من أجسادهم العلوية.
” يبدو أنكم سالمين، شكرًا لتعاونكم. رحلة آمنة يا يوريتش!”
أنهى الحراس تفتيشهم وغادروا المرتزقة. بدا أنهم كانوا مشغولين جدًا.
سار المرتزقة في صفٍّ واحد عبر المدينة. ولوّحت العاهرات للمرتزقة بصدورهن المكشوفة من نوافذ بيوتهن.
“تعال مرة أخرى قبل أن تذهب، أيها السيد المرتزقة!”
“سأعطيك خصمًا لأنه وقت النهار!”
ثار المرتزقة. بمجرد مغادرتهم المدينة، لم يكونوا يعلمون متى سيصلون إلى حي آخر. لو واجهتهم أي مشاكل، لما رأوا حيًا آخر للدعارة لفترة طويلة، خاصةً وأنهم لا يتواجدون إلا في المدن ذات التطور الجيد.
“ماذا ستفعل يا يوريتش؟ عليك أن تذهب بسرعة. لقد كنتَ فراشك طوال فترة وجودنا هنا ” قال باتشمان.
“أنا بخير. أخبرهم أن يسرعوا. أنا متأكد أن السيد فيليون غاضبٌ لأننا لا نتحرك بسرعة.”
كان فيليون يشتكي منذ مدة، لكن لم يُعر أحدٌ من المرتزقة اهتمامًا. نفذوا أوامرهم واندفعوا إلى حيّ الضوء الأحمر.
” أوه، أجل يا باهيل، سمعت أنك بذلت جهدًا كبيرًا لرعايتي أثناء مرضي. شكرًا لك، وكانت العصيدة لذيذة جدًا أيضًا ” قال يوريتش لباهيل وهو يفكر في الأمير الشاب وزونيبا. طعم العصيدة لا يزال حاضرًا في فمه. حتى عندما لم تكن لديه شهية بسبب المرض، كانت العصيدة لذيذة جدًا.
نظر باهيل، الذي يراجع جدولهم للجزء التالي من الرحلة، إلى الأعلى.
“لا شيء، ولا أعرف حتى إن كنتُ قد فعلتُ شيئًا. علاوةً على ذلك، أعتقد أننا تعرضنا للاحتيال من قِبل تلك الزونيبا بتلك العصيدة. لقد تذوقتُها أيضًا، بدت مجرد عصيدة لحم عادية. لم تعد لتحصيل باقي المبلغ، مع أنك تعافيتَ تمامًا في اليوم التالي… لذا يُمكن القول إنها أرادت فقط الاحتيال علينا للحصول على الدفعة الأولى من البداية.” ابتسم باهيل ابتسامةً مُرّة. استيقظ يوريتش في اليوم التالي بعد تناول عصيدة زونيبا.
“لكنني لا أعتقد حقًا أن العصيدة هي التي شفيت يوريتش.”
لا يزال باهيل يشك.
“ربما يوريتش استيقظ بمفرده بدون العصيدة.”
كانت مجرد عصيدة لحم عادية. ربما كانت غذاءً لذيذًا، لكنها لم تكن ذات قيمة كدواء.
بينما المرتزقة منشغلين في منطقة الضوء الأحمر، ظل أولئك الذين بقوا يتجولون حول الساحة العامة.
الفصل 48
ازداد عدد الحشد في الساحة أكثر فأكثر، وكأن شيئًا ما على وشك الحدوث يستحق اهتمامهم. خرج الناس إلى الساحة حاملين سلالًا مليئة بالخضراوات الفاسدة أو الحجارة.
“ماذا يحدث؟” كان المرتزقة الذين كانوا يتكئون على حقائبهم يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم.
بوو!
رنّ الجرس معلنًا الظهر. كانت الشمس في أعلى نقطة لها في تلك اللحظة. “بوووو!” “موتوا أيتها الطائفة القذرة!” أطلق الناس صيحات الاستهجان وسحب حراس المدينة السجناء إلى وسط الساحة. ” أيها الوحوش!” “كيف يمكنكم أن تأكلوا أطفال البشر!” “أنتم لستم بشرًا حتى!” وعندما تم جر السجناء إلى الساحة، أصيب بعضهم بالقمامة التي ألقاها الحشد. “إنهم الثعابين.” جلس باهيل على ظهر كايليوس وأطلّ على الساحة. بدا السجناء عراة. على أجساد الرجال والنساء وشم أفعى، بعضها كبير على ظهورهم، وبعضها مخفي بذكاء في أماكن مثل باطن أقدامهم أو مؤخرة أعناقهم. “سيتم قطع رؤوسهم!” جن جنون الحشد عندما وقف الجلاد أمام السجناء وفي يده سيف إعدام كبير. ” يا حمقى! نحن نخلع جلد الجسد وننال الحياة الأبدية! هذا العالم لا قيمة له تحت الجلد! نحن متجهون إلى العالم الآخر، وسننتظركم هناك! ” صرخ أحد الثعابين. بعد أن سمع الحشد ادعائه، بدأوا يرشقونه بالحجارة . “توقفوا عن رمي الحجارة؛ توقفوا!” كبح الحراس جماح الحشد. لكانت مشكلة كبيرة لو مات السجناء قبل إعدامهم. “باهيل، عمّا يتحدثون؟ العالم الآخر؟” قال يوريتش، الذي يحدق في السماء مستلقيًا على ظهره، وسأل. “لا أعرف عقيدة الثعبان جيدًا، لكن يبدو أنهم يعتقدون أنه بمجرد موتهم في هذا العالم، ينتقلون إلى العالم الآخر؛ وأنهم بمجرد مغادرتهم هذا الجسد، يكتسبون جسدًا جديدًا في عالمهم الجديد. كل هذا كذب، لن تُخلّص أرواحهم أينما ذهبوا ” قال باهيل معبرًا عن كراهيته للأفعى. “واووهه … ” هتف الحشد. تقدم الثعابين واحدًا تلو الآخر، وسرعان ما سقطت رؤوسهم على الأرض. بدت عمليات الإعدام مشهدًا رائعًا. أُعدم جميع رجال الثعابين، وحان وقت إعدام النساء. بدت وشوم الثعابين على أجسادهن أخفى من وشوم الرجال. “همم؟” بدا بصر يوريتش فائقا. رأى وجهًا مألوفًا بين الثعابين الإناث. “زونيبا.” رأس زونيبا، الذي كان كثيف الشعر، أصبح الآن محلوقًا تمامًا. وشم الثعبان على فروة رأسها، فلا يظهر إلا على رأس محلوق بالكامل. “هممم.” غطى يوريتش فمه وفكر للحظة ثم جمع أجزاء اللغز. “زونيبا، معالجة الثعابين التي تضحي بالأطفال، وعصيدة اللحم التي تلقيتها منها بالصدفة.” سخر يوريتش وأمال رأسه. استطاع أن يفهم معظم ما حدث، لكن، لم يكن مهمًا إن على صواب أم لا. وحدها زونيبا تعلم الحقيقة. ‘باهيل.’ نظر يوريتش إلى باهيل، الجالس على كايليوس. لم يكن قد لاحظ بعد أن زونيبا كا نت بين السجناء. ” يا باهيل، ما فائدة مشاهدة الناس يُقطعون رؤوسهم؟ ستشاهد الكثير من ذلك على أي حال ما دمت معي. على أي حال، غيرت رأيي. سأذهب إلى حيّ الضوء الأحمر، هل تريد المجيء؟ هيا بنا نستمتع. ” سحب يوريتش باهيل بقوة، مما جعله يتعثر ويكاد يسقط من على الحصان، لكن يوريتش أمسكه بسرعة ووضعه على قدميه. “في ماذا بحق الجحيم تفكر؟ هل تعتقد أن السقوط من على الحصان مزحة؟ سأموت لو سقطت على رأسي!” صرخ باهيل في وجه يوريتش. بدأ قلبه ينبض بشدة. ضحك يوريتش وضغط على رأس باهيل. حرّكت أصابعه الخشنة شعر الأمير الشاب. فزع باهيل من تصرفات يوريتش، فلم يعد ينتبه إلى الإعدام. على أي حال، لم يستطع حتى رؤيته إلا وهو على ظهر كايليوس. بلغ صراخ الحشد ذروته، وحان دور زونيبا للإعدام. وبفضل طوله، برز يوريتش بين الحشد. نظر يوريتش إلى الوراء بعد أن شعر بنظرةٍ عليه. التقت عيناه بعيني زونيبا. “تلك المرأة تنظر إلي.” كانت زونيبا مستلقية على بطنها، لكنها تنظر إلى يوريتش ورأسها مرفوع. لم يكن تعبيرها كشخص يواجه الموت. بدت عيناها هادئتين، مما أثار ذكرى في يوريتش. ‘جوتفال.’ لسببٍ ما، ذكّرت المرأة يوريتش بالكاهن. اتسعت عيناه. “ماذا تنظرين؟ اخفضي رأسكِ للأسفل، أيتها العاهرة القذرة التي تعبد الثعابين!” ضغط الجلاد على رأس زونيبا، وظبط عنقها في وضع جيد لقطع الرأس. بوو! تدحرج رأسها على الأرض، وأطلق الجمهور صيحات استهجان تجاه الرأس الميت. “ماتت زونيبا. إلى أين تتجه روحها؟” أغمض يوريتش عينيه، ثم فتحهما مجددًا. سواء كانوا من أتباع الثعابين، أو الشماليين، أو الشمس.. يوريتش يأمل أن ينتهي بهم المطاف جميعًا في الحياة الآخرة التي يتمناها كلٌّ منهم.
رنّ الجرس معلنًا الظهر. كانت الشمس في أعلى نقطة لها في تلك اللحظة.
“بوووو!”
“موتوا أيتها الطائفة القذرة!”
أطلق الناس صيحات الاستهجان وسحب حراس المدينة السجناء إلى وسط الساحة.
” أيها الوحوش!”
“كيف يمكنكم أن تأكلوا أطفال البشر!”
“أنتم لستم بشرًا حتى!”
وعندما تم جر السجناء إلى الساحة، أصيب بعضهم بالقمامة التي ألقاها الحشد.
“إنهم الثعابين.”
جلس باهيل على ظهر كايليوس وأطلّ على الساحة. بدا السجناء عراة. على أجساد الرجال والنساء وشم أفعى، بعضها كبير على ظهورهم، وبعضها مخفي بذكاء في أماكن مثل باطن أقدامهم أو مؤخرة أعناقهم.
“سيتم قطع رؤوسهم!”
جن جنون الحشد عندما وقف الجلاد أمام السجناء وفي يده سيف إعدام كبير.
” يا حمقى! نحن نخلع جلد الجسد وننال الحياة الأبدية! هذا العالم لا قيمة له تحت الجلد! نحن متجهون إلى العالم الآخر، وسننتظركم هناك! ” صرخ أحد الثعابين. بعد أن سمع الحشد ادعائه، بدأوا يرشقونه بالحجارة .
“توقفوا عن رمي الحجارة؛ توقفوا!” كبح الحراس جماح الحشد. لكانت مشكلة كبيرة لو مات السجناء قبل إعدامهم.
“باهيل، عمّا يتحدثون؟ العالم الآخر؟” قال يوريتش، الذي يحدق في السماء مستلقيًا على ظهره، وسأل.
“لا أعرف عقيدة الثعبان جيدًا، لكن يبدو أنهم يعتقدون أنه بمجرد موتهم في هذا العالم، ينتقلون إلى العالم الآخر؛ وأنهم بمجرد مغادرتهم هذا الجسد، يكتسبون جسدًا جديدًا في عالمهم الجديد. كل هذا كذب، لن تُخلّص أرواحهم أينما ذهبوا ” قال باهيل معبرًا عن كراهيته للأفعى.
“واووهه … ”
هتف الحشد. تقدم الثعابين واحدًا تلو الآخر، وسرعان ما سقطت رؤوسهم على الأرض. بدت عمليات الإعدام مشهدًا رائعًا.
أُعدم جميع رجال الثعابين، وحان وقت إعدام النساء. بدت وشوم الثعابين على أجسادهن أخفى من وشوم الرجال.
“همم؟”
بدا بصر يوريتش فائقا. رأى وجهًا مألوفًا بين الثعابين الإناث.
“زونيبا.”
رأس زونيبا، الذي كان كثيف الشعر، أصبح الآن محلوقًا تمامًا. وشم الثعبان على فروة رأسها، فلا يظهر إلا على رأس محلوق بالكامل.
“هممم.”
غطى يوريتش فمه وفكر للحظة ثم جمع أجزاء اللغز.
“زونيبا، معالجة الثعابين التي تضحي بالأطفال، وعصيدة اللحم التي تلقيتها منها بالصدفة.”
سخر يوريتش وأمال رأسه. استطاع أن يفهم معظم ما حدث، لكن، لم يكن مهمًا إن على صواب أم لا. وحدها زونيبا تعلم الحقيقة.
‘باهيل.’
نظر يوريتش إلى باهيل، الجالس على كايليوس. لم يكن قد لاحظ بعد أن زونيبا كا نت بين السجناء.
” يا باهيل، ما فائدة مشاهدة الناس يُقطعون رؤوسهم؟ ستشاهد الكثير من ذلك على أي حال ما دمت معي. على أي حال، غيرت رأيي. سأذهب إلى حيّ الضوء الأحمر، هل تريد المجيء؟ هيا بنا نستمتع. ”
سحب يوريتش باهيل بقوة، مما جعله يتعثر ويكاد يسقط من على الحصان، لكن يوريتش أمسكه بسرعة ووضعه على قدميه.
“في ماذا بحق الجحيم تفكر؟ هل تعتقد أن السقوط من على الحصان مزحة؟ سأموت لو سقطت على رأسي!” صرخ باهيل في وجه يوريتش. بدأ قلبه ينبض بشدة.
ضحك يوريتش وضغط على رأس باهيل. حرّكت أصابعه الخشنة شعر الأمير الشاب.
فزع باهيل من تصرفات يوريتش، فلم يعد ينتبه إلى الإعدام. على أي حال، لم يستطع حتى رؤيته إلا وهو على ظهر كايليوس.
بلغ صراخ الحشد ذروته، وحان دور زونيبا للإعدام. وبفضل طوله، برز يوريتش بين الحشد.
نظر يوريتش إلى الوراء بعد أن شعر بنظرةٍ عليه. التقت عيناه بعيني زونيبا.
“تلك المرأة تنظر إلي.”
كانت زونيبا مستلقية على بطنها، لكنها تنظر إلى يوريتش ورأسها مرفوع. لم يكن تعبيرها كشخص يواجه الموت. بدت عيناها هادئتين، مما أثار ذكرى في يوريتش.
‘جوتفال.’
لسببٍ ما، ذكّرت المرأة يوريتش بالكاهن. اتسعت عيناه.
“ماذا تنظرين؟ اخفضي رأسكِ للأسفل، أيتها العاهرة القذرة التي تعبد الثعابين!”
ضغط الجلاد على رأس زونيبا، وظبط عنقها في وضع جيد لقطع الرأس.
بوو!
تدحرج رأسها على الأرض، وأطلق الجمهور صيحات استهجان تجاه الرأس الميت.
“ماتت زونيبا. إلى أين تتجه روحها؟”
أغمض يوريتش عينيه، ثم فتحهما مجددًا. سواء كانوا من أتباع الثعابين، أو الشماليين، أو الشمس.. يوريتش يأمل أن ينتهي بهم المطاف جميعًا في الحياة الآخرة التي يتمناها كلٌّ منهم.
رنّ الجرس معلنًا الظهر. كانت الشمس في أعلى نقطة لها في تلك اللحظة. “بوووو!” “موتوا أيتها الطائفة القذرة!” أطلق الناس صيحات الاستهجان وسحب حراس المدينة السجناء إلى وسط الساحة. ” أيها الوحوش!” “كيف يمكنكم أن تأكلوا أطفال البشر!” “أنتم لستم بشرًا حتى!” وعندما تم جر السجناء إلى الساحة، أصيب بعضهم بالقمامة التي ألقاها الحشد. “إنهم الثعابين.” جلس باهيل على ظهر كايليوس وأطلّ على الساحة. بدا السجناء عراة. على أجساد الرجال والنساء وشم أفعى، بعضها كبير على ظهورهم، وبعضها مخفي بذكاء في أماكن مثل باطن أقدامهم أو مؤخرة أعناقهم. “سيتم قطع رؤوسهم!” جن جنون الحشد عندما وقف الجلاد أمام السجناء وفي يده سيف إعدام كبير. ” يا حمقى! نحن نخلع جلد الجسد وننال الحياة الأبدية! هذا العالم لا قيمة له تحت الجلد! نحن متجهون إلى العالم الآخر، وسننتظركم هناك! ” صرخ أحد الثعابين. بعد أن سمع الحشد ادعائه، بدأوا يرشقونه بالحجارة . “توقفوا عن رمي الحجارة؛ توقفوا!” كبح الحراس جماح الحشد. لكانت مشكلة كبيرة لو مات السجناء قبل إعدامهم. “باهيل، عمّا يتحدثون؟ العالم الآخر؟” قال يوريتش، الذي يحدق في السماء مستلقيًا على ظهره، وسأل. “لا أعرف عقيدة الثعبان جيدًا، لكن يبدو أنهم يعتقدون أنه بمجرد موتهم في هذا العالم، ينتقلون إلى العالم الآخر؛ وأنهم بمجرد مغادرتهم هذا الجسد، يكتسبون جسدًا جديدًا في عالمهم الجديد. كل هذا كذب، لن تُخلّص أرواحهم أينما ذهبوا ” قال باهيل معبرًا عن كراهيته للأفعى. “واووهه … ” هتف الحشد. تقدم الثعابين واحدًا تلو الآخر، وسرعان ما سقطت رؤوسهم على الأرض. بدت عمليات الإعدام مشهدًا رائعًا. أُعدم جميع رجال الثعابين، وحان وقت إعدام النساء. بدت وشوم الثعابين على أجسادهن أخفى من وشوم الرجال. “همم؟” بدا بصر يوريتش فائقا. رأى وجهًا مألوفًا بين الثعابين الإناث. “زونيبا.” رأس زونيبا، الذي كان كثيف الشعر، أصبح الآن محلوقًا تمامًا. وشم الثعبان على فروة رأسها، فلا يظهر إلا على رأس محلوق بالكامل. “هممم.” غطى يوريتش فمه وفكر للحظة ثم جمع أجزاء اللغز. “زونيبا، معالجة الثعابين التي تضحي بالأطفال، وعصيدة اللحم التي تلقيتها منها بالصدفة.” سخر يوريتش وأمال رأسه. استطاع أن يفهم معظم ما حدث، لكن، لم يكن مهمًا إن على صواب أم لا. وحدها زونيبا تعلم الحقيقة. ‘باهيل.’ نظر يوريتش إلى باهيل، الجالس على كايليوس. لم يكن قد لاحظ بعد أن زونيبا كا نت بين السجناء. ” يا باهيل، ما فائدة مشاهدة الناس يُقطعون رؤوسهم؟ ستشاهد الكثير من ذلك على أي حال ما دمت معي. على أي حال، غيرت رأيي. سأذهب إلى حيّ الضوء الأحمر، هل تريد المجيء؟ هيا بنا نستمتع. ” سحب يوريتش باهيل بقوة، مما جعله يتعثر ويكاد يسقط من على الحصان، لكن يوريتش أمسكه بسرعة ووضعه على قدميه. “في ماذا بحق الجحيم تفكر؟ هل تعتقد أن السقوط من على الحصان مزحة؟ سأموت لو سقطت على رأسي!” صرخ باهيل في وجه يوريتش. بدأ قلبه ينبض بشدة. ضحك يوريتش وضغط على رأس باهيل. حرّكت أصابعه الخشنة شعر الأمير الشاب. فزع باهيل من تصرفات يوريتش، فلم يعد ينتبه إلى الإعدام. على أي حال، لم يستطع حتى رؤيته إلا وهو على ظهر كايليوس. بلغ صراخ الحشد ذروته، وحان دور زونيبا للإعدام. وبفضل طوله، برز يوريتش بين الحشد. نظر يوريتش إلى الوراء بعد أن شعر بنظرةٍ عليه. التقت عيناه بعيني زونيبا. “تلك المرأة تنظر إلي.” كانت زونيبا مستلقية على بطنها، لكنها تنظر إلى يوريتش ورأسها مرفوع. لم يكن تعبيرها كشخص يواجه الموت. بدت عيناها هادئتين، مما أثار ذكرى في يوريتش. ‘جوتفال.’ لسببٍ ما، ذكّرت المرأة يوريتش بالكاهن. اتسعت عيناه. “ماذا تنظرين؟ اخفضي رأسكِ للأسفل، أيتها العاهرة القذرة التي تعبد الثعابين!” ضغط الجلاد على رأس زونيبا، وظبط عنقها في وضع جيد لقطع الرأس. بوو! تدحرج رأسها على الأرض، وأطلق الجمهور صيحات استهجان تجاه الرأس الميت. “ماتت زونيبا. إلى أين تتجه روحها؟” أغمض يوريتش عينيه، ثم فتحهما مجددًا. سواء كانوا من أتباع الثعابين، أو الشماليين، أو الشمس.. يوريتش يأمل أن ينتهي بهم المطاف جميعًا في الحياة الآخرة التي يتمناها كلٌّ منهم.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات