الفصل 52
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
استل باهيل سيفه عندما نزل عن الحصان ووضعه على حلق اللص الساقط. “سيدي، أرجوك ارحمني، هذه المرة فقط! لن أسرق مرة أخرى. أرجوك، ارحمني! تذكر رحمة حاكم الشمس!” توسل اللص على بطنه بذراعه المكسورة. راقب يوريتش باهيل بعناية من الخلف. “أنت ترتجف، باهيل.” كانت شفتا باهيل ويداه ترتجفان بالفعل. لم يسبق له ارتكاب جريمة قتل من قبل. “إذا الأمر صعب عليك، فهل تريدني أن أفعله؟ لقد قتلتُ الكثير من الناس بالفعل، لذا هذا لا يعني لي شيئًا.” شعر اللص بالرعب من كلمات يوريتش، والتفت نحو يوريتش ليتسول أكثر. “سيدي! سيدي! سيدي المحارب!” بلل اللص سرواله. أصبح وجهه مغطى بمزيج من الدموع والمخاط والدم؛ لم يكن مظهره جذابًا على الإطلاق. حدّق باهيل في عينيّ يوريتش قبل أن يهزّ رأسه. ورفع سيف العزم. بوو! اخترق سيف باهيل قلب اللص. بدا شعور قتل رجلٍ وانغماس النصل في جسده أخفّ مما توقع. تجلّت أمام عينيه صورٌ شتى: الشمس الساطعة، الفتاة الميتة في الحظيرة، النصل البارد. الدماء المتدفقة تتناثر على خدي باهيل. “أوه.” ارتجف اللص حتى الموت. سقط باهيل أرضًا، عاجزًا عن سحب النصل من صدر اللص. خرج القيء الذي يحبسه. ” آه، هيو.” هز باهيل كتفيه بعنف على الأرض. تأوه وهو يمسك التراب تحته. تخلص من الغضب الذي كان متراكمًا بداخله. لم يبقَ مكانه إلا الفراغ، وهو أمر لا يمكن ملؤه. لا عودة للوراء. لقد قتل باهيل رجلاً بيديه. “أنا الرجل الذي سيصبح ملكًا.” كيف يمكن لرجل كهذا أن يحفظ يديه من الدماء؟ سيُضطر في النهاية إلى أن تُلطخ يداه بدم عمه، وهذا المستقبل ليس ببعيد. “هذا مجرد تدريب. ليس شيئًا.” لم تتوقف الدموع عن التدفق من عينيه. وضع يوريتش يده على رأس باهيل. “لا تقلق يا باهيل. معاشرة امرأة وقتل الرجل هو طقوس الوصول إلى الرجولة ” ابتسم يوريتش. “لا يزال قلبي يؤلمني يا يوريتش. أشعر وكأنه قد طُعن. ظننتُ أنه سيزول بعد أن قتلتُ هذا الرجل، لكنه لن يزول ” قال باهيل وهو يضم صدره. ” الأمر هكذا فقط في المرة الأولى. كلما قتلتَ أكثر، قلت حساسيتكَ؛ تمامًا كما يُصبحُ جلدُكَ مُتيبّسًا.” نظر باهيل إلى يوريتش. بدت كلماته باردة. “…سيتعين عليّ أن أعترف عندما نصل إلى المدينة.” نهض باهيل ضعيفًا. أراد مقابلة كاهن والتخلص من هذا الذنب. “لا تتصرف كطفلة صغيرة يا باهيل. كم شخصًا تعتقد أنهم ماتوا بسببك؟ من أجلك؟ لا تنظر إليّ بتلك النظرة – نظرة أنك خسرت كل شيء – لمجرد أنك قتلت شخصًا واحدًا بيديك. أنت من طبقة النبلاء – يمكنك أن تكون أكثر جرأة. لذا، استمر في قتل الناس بأوامرك، وسأقتلهم جميعًا، طالما أنك تدفع لي.” رفع باهيل رأسه. بدا يوريتش ينتظر باهيل لينهض، ويداه ممدودتان. لا يزال مبتسمًا. ضحك باهيل معه. ضحكة فوضوية، فالقيء في حلقه لم تزل بعد. “لنعد يا يوريتش. لكن لا تخبر أحدًا أنني بكيت.” أمسك باهيل بيد يوريتش ونهض. حالما عادوا إلى المرتزقة، أخبر يوريتش الجميع كيف قتل باهيل رجلاً، ثم بكى بكاءً شديدًا. أصبح هذا حديث عشاءهم ذلك اليوم. [ المترجم: لما تقول لصاحبك متقولش لحد ويروح يقول لكل الناس مش لحد بس… ] * * * سافر المرتزقة ومحاربو الشمس معًا لمدة يومين آخرين. ” سررتُ بمشاركة الطريق معكم يا أخوة يوريتش! وباهل، فليتذكر حاكم الشمس قلبكَ الطاهر!” قال هارفالد عند وصولهم إلى المدينة. اشترى محاربو الشمس خيولهم الجديدة وغادروا المدينة في ذلك اليوم. “يا لها من مجموعة مملة من الرجال، يغادرون دون حتى الذهاب إلى حيّ الضوء الأحمر،” قال المرتزقة فيما بينهم. كانوا متحمسين للغاية لمشهد المدينة الذي لم يروه منذ مدة. بدت المدينة التي يزورونها هذه المرة صغيرة، لذا لم يُسمح للفرقة بأكملها بالدخول. نصب المرتزقة معسكرهم أمام أبواب المدينة مباشرةً. وفي المخيم، اجتمع رؤساء المرتزقة وفيليون لمراجعة جدول أعمالهم. “سندخل قريبًا إلى مملكة الإمبراطور. عندما ندخل، لن يتمكن الدوق هارماتي من المساس بنا. سنكشف عن هويتنا ونطلب حماية الجيش الإمبراطوري ” قال فيليون وهو يفتح الخريطة الورقية. كانت مملكة الإمبراطور أرضًا يحكمها الإمبراطور نفسه. أصبح أمنهم جيدًا لدرجة أنه من النادر رؤية عصابة من قطاع الطرق. “ههه، إذًا سنصل إلى مملكة الإمبراطور قريبًا. هذه هي الإمبراطورية الحقيقية.” تحدث المرتزقة الذين كانوا هناك سابقًا، و أصبح حماسهم واضحًا. انقسمت الأرض المتحضرة إلى ثلاثة أقاليم: إقليم الإمبراطور، وإقليم الإمبراطورية، وممالك التبعية. كان إقليم الإمبراطور، كما يوحي اسمه، هو العالم المركزي للإمبراطورية، الذي كان الإمبراطور مسؤولاً عنه مباشرةً. أقاليم الإمبراطورية مقاطعات يحكمها النبلاء الإمبراطوريون، بينما ممالك التبعية سبع أراضٍ ضمتها الإمبراطورية خلال حرب التوحيد الكبرى قبل خمسين عامًا. تمت الإشارة إلى كل هذه الأراضي بشكل جماعي باسم الأراضي الإمبراطورية، مع بقاء عدد قليل من الأراضي البربرية في الضواحي الجنوبية والشمالية. “نحن، بوركانا، أيضًا واحدة من الممالك السبع.” ما ميّز بوركانا هو موقعها الساحلي. بوركانا المملكة التي امتدت على معظم الساحل الشرقي. عندما يُفكّر المرء في بوركانا، يتبادر إلى ذهنه البحر. “هل انتهت مهمتنا عندما ندخل إلى نطاق الإمبراطور؟” “ليس تمامًا. مملكة الإمبراطور آمنة، لكن الخطر لا يزال قائمًا. حتى لو اجتزنا المملكة ووصلنا إلى العاصمة، فلن نتمكن من دفع مكافأتكم إلا بعد أن يتولى الأمير فاركا العرش بنجاح. من الأفضل أن تكونوا جيشه الخاص حتى ذلك الحين. ” قال فيليون بحذر وهو ينظر حوله إلى وجوه المرتزقة: “لا يزال أمام باهيل ثلاثة أشهر حتى يصبح بالغًا رسميًا، وكانوا يخططون للبقاء في العاصمة حتى ذلك الحين”. “كيف انتهى بي الأمر إلى الاهتمام بما يفكر فيه هؤلاء المرتزقة… أعتقد أنني جلبت ذلك إلى نفسي…” انتظر فيليون ردّ المرتزقة. لقد تبعوا الأمير حتى وصل إلى هنا نظير المكافأة التي وعدهم بها الملك المستقبلي. مع أن بوركانا كانت مجرد مملكة تابعة، إلا أنها كانت مملكةً على أي حال. إذا أصبح باهيل ملكًا، فسيدفع بكل سرور مكافآتٍ كافيةً لتغيير حياة المرتزقة تمامًا. “ومع ذلك، أصبح الأمير والمرتزقة قريبين جدًا خلال الرحلة، وخاصة مع زعيم المرتزقة يوريتش.” كان من الصعب الثقة بالمرتزقة الذين يتأثرون بسهولة بالمال، لكن يوريتش، زعيمهم، كان رجلاً جديرًا بالثقة. “أنت تغطي نفقاتنا، أليس كذلك؟ إذًا، لا ينبغي أن يكون لدى المرتزقة أي مشكلة في ذلك.” قال يوريتش وهو ينظر إلى المرتزقة الآخرين، الذين أومأوا برؤوسهم موافقين: “لقد انضموا جميعًا إلى هذه المهمة على أمل تغيير حياتهم. لم يكن التزامًا هينًا”. “حسنًا، سنغادر بعد أن نجدد مؤننا. المرة القادمة ستكون داخل نطاق الإمبراطور!” حاول فيليون الإشارة بيده اليمنى نحوهم، ثم انتقل إلى اليسرى. ما زال ينسى أنه فقد معظم أصابع يده اليمنى بين الحين والآخر. ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة. تفرق المرتزقة بعد مراجعة جدولهم. بدا يوريتش على وشك أن يفعل الشيء نفسه ويدخل المملكة، لكن فيليون تبعه. “زعيم المرتزقة يوريتش.” “هاه؟ ماذا؟ هل تحتاج شيئًا؟” نظر يوريتش إلى فيليون. أراد العثور على ورشة صهر، لأن شفرات فؤوسه كانت باهتة، ومقابضها كانت تهتز من كثرة الصدمات. “من فضلك اعتني بالأمير ” قال فيليون وهو يميل رأسه قليلاً. ” أهلاً سيدي، ما الأمر؟ هل فعلتُ شيئاً خاطئاً؟” قال يوريتش وهو يربت على ظهره. “الأمير يُقدّرك كثيرًا. كنتَ أول شخص في عمره يلتقيه ولم يُعامله باحترامٍ مُطلق، كأخٍ له.” أمال يوريتش رأسه وضحك. “هذه مشكلة. لا أعتبر الرجال الضعفاء مثل باهيل إخوتي. بالنسبة لي، الإخوة هم رجالٌ يستطيعون الوقوف معي جنبًا إلى جنب كمحاربين، بالطبع.” “إذن، هذا كل ما في الأمر… أرى أن أفكارك مختلفة عن أفكار الأمير ” قال فيليون عابسًا. لقد دُهِسَ قلب باهيل. داعب يوريتش قلادته الشمس ونظر إلى وجه فيليون. “نعم، إنه ليس أخي. لا يستحق هذا اللقب.” طاردت عينا يوريتش قلادته. تذكر لحظة معموديته. في العالم المتحضر، تتعدد أساليب العيش بقدر تعدد الناس. “…لكنني أعتبره صديقًا – أول صديق لي في الحضارة؛ صديقٌ يستحق عنايةً فائقة. لذا، لا تقلق يا سيدي فيليون.” ابتسم فيليون أخيرا. “شكرا لك، يوريتش.”
انضمّ المرتزقة إلى محاربي الشمس الذين كانوا قد بدأوا معركتهم مع قطاع الطرق. رفع هارفالد سيفه، فرأى المرتزقة خلفه.
“كنت أعلم أنك ستأتي، وبالطبع سيأتي زملائي من أتباع الشمس للمساعدة! لحسن الحظ!” هتف هارفالد، ووجهه مغطى بالدماء. أسقط درعه الذي كان يحمل رمز الشمس على رقبة اللص الساقط.
“للشمس!”
واصل محاربو الشمس القتال وهم يهتفون باسم حاكمهم. سقط قطاع الطرق واحدًا تلو الآخر بصرخة عاجزة، فكل ما كان لديهم لحماية أنفسهم من محاربي الإمبراطورية النخبة هو أسلحة صدئة ودروع قماشية، أو معاطف من الفرو، إن حالفهم الحظ. لم يكونوا ندًا لمحاربي الشمس الشجعان والمرتزقة.
“وااااه!”
نهب المرتزقة قرية المزرعة وأخرجوا قطاع الطرق من مخبئهم. وتناثرت الغنائم التي جمعها قطاع الطرق على الأرض خلفهم.
“هذا أمر سهل للغاية بالنسبة للمال.”
اكتشف باتشمان لصًا مختبئًا تحت السرير وطعنه بعمق برمحه.
“كيوغ.”
أُخرج اللص المذبوح من مخبئه. أخرج باتشمان خنجره وذبحه.
“تقاضي المال للتخلص من قطاع طرق كهؤلاء؟ هذا جيد لنا.”
سأل المرتزق الذي كان برفقة باتشمان: “همف، باتشمان، هل تريد بعضًا من هذا؟ هاه، لم آكل خبزًا طريًا كهذا منذ زمن طويل ” قال وهو يعضّ قطعة الخبز على الطاولة المجاورة. بدا الجميع في قمة الثقة.
“كفّ عن حشو فمك أيها الخنزير. الجميع ما زالوا يقاتلون.”
خرج باتشمان من المنزل بعد أن وبّخ المرتزق. كانت المعركة تقترب من نهايتها، ولم يُلاقِ قطاع الطرق الذين حاولوا الفرار سوى السهام، فانهاروا صرعى.
قرب نهاية المعركة، دخل باهيل إلى قرية المزرعة.
“هؤلاء المزارعون الفقراء.”
ألقى باهيل نظرة على القرية. بدت المنازل المدمرة وكأنها ستستغرق وقتًا طويلاً لإعادة بنائها.
“يا إلهي، شكرًا جزيلاً لك، شكرًا لك.”
“لا أعرف كيف يمكننا ردّ الجميل لك. شكرًا لك يا سيدي.”
أعرب المزارعون الناجون عن امتنانهم. كانوا هم من نجوا بصعوبة. في نظرهم، كان محاربو الشمس والمرتزقة بمثابة منقذين.
زوو!
دخل باهيل إلى الحظيرة وهو يسحب سيفه ويحمله بشكل فضفاض.
“أوه.”
غطى باهيل فمه من رائحة الدم. ما أمامه فتح عينيه.
كانت أشعة الضوء تتدفق عبر الألواح المكسورة، كاشفةً عن فتاة صغيرة على كومة القش. لم تتجاوز العاشرة من عمرها. بدت عيناها غائمتين، و هناك جرح داكن في رقبتها. لم يمضِ وقت طويل وهي لا تزال تتنفس. سال دمها من تنورتها.
زوو!
انفتحت حدقتا باهيل، وصرّ على أسنانه.
“كيف يمكنهم أن يفعلوا هذا لطفلة…؟”
ابتلع الغثيان المتصاعد. فكّ عباءته ليغطي جسد الفتاة الصغيرة.
“أوه، لو، حاكم الشمس، من فضلك امسح الألم المحفور في روح هذه الفتاة الصغيرة ” تلا باهيل صلاة قصيرة قبل أن يقفز على قدميه ليهرع خارج الحظيرة.
” هاها! اركض! حاول الركض!”
“أنت تجري بشكل جيد جدًا، يا صديقي!”
خارج الحظيرة، كان المرتزقة يطلقون أقواسهم، ويراهنون على من سيصيب اللص الهارب.
“يا غبي، لا يمكنك حتى ضرب هذا؟”
“ماذا عن محاولتك؟ فمك كبير.”
تناوب المرتزقة على محاولة إصابة اللص، الذي كان يتلوى ويتلوى بعنف هربًا من الموت. وبعد أن تفادى السهام بصعوبة، تسلق اللص التل.
“ههه، إنه بارعٌ جدًا في تفادي هذه الهجمات. قد ينجو إذا تجاوز التل.”
قال المرتزقة الذين أطلقوا السهم الأخير على اللص مع صفارة: ” اللص على وشك الوصول إلى قمة التل. سينجو إن نجح في العبور إلى الجانب الآخر”.
” آه، لقد افتقدناه. يا له من حظٍّ عاثر.”
لم يطارد المرتزقة اللص. هدفهم هزيمته، لذا لم يكونوا قلقين بشأن قتله واحدًا تلو الآخر.
“لا تدعه يذهب ” قال باهيل وهو يسير نحو المرتزق وينتزع القوس منه.
“إيه؟ إيه؟ ماذا تظن أنك تفعل يا سيدي الشاب؟”
رفع المرتزق الذي تم أخذ قوسه للتو كتفيه.
سحب باهيل وتر القوس، لكن السهم الذي أطلقه لم يضرب اللص.
“اللعنة.”
لم يستطع أن يمحو صورة الفتاة الميتة في الحظيرة من ذهنه. عاد إليه الغثيان مرارًا وتكرارًا.
كان غاضبًا. شعر بكراهية شديدة تجاه قطاع الطرق الذين اعتدوا على فتاة عاجزة وقتلوها.
“الدم مقابل الدم.”
لم يكن الانتقام من مبادئ الحركة الشمس. لم يكن الكراهية والغضب مقبولين، لكن العاطفة الشديدة أثارت باهيل.
“لكن قلبي يؤلمني. إنه يؤلمني.”
عبس باهيل، ووضع أصابعه على شفتيه وصفّر.
“كايليوس!”
اندفع كايليوس، الذي كان يتحرك القرية ذهابًا وإيابًا، نحو الصفارة. بدا حصانًا ذكيًا. ورغم أنه كان حصانًا بريًا أفلت من قبضة البشر، إلا أنه من الواضح أنه من سلالة جيدة.
“السيد الشاب؟”
لم يفهم المرتزقة ما كان باهيل يحاول تحقيقه. ارتفع على الحصان وأمسك باللجام.
“لن أسمح له بالهروب. سأقتله بنفسي.”
ركب باهيل حصانه عبر القرية.
“باهيل؟”
رأى يوريتش باهيل وكايليوس يركضان خلفه.
“يوريتش! لن ندعه يفلت منا، هيا بنا!”
صرخ باهيل وهو يوقف كايليوس للحظة. هزّ يوريتش كتفيه وقفز على الحصان.
“مهما قال صاحب العمل.”
اندفع كايليوس صاعدًا التلّ حاملًا رجلين على ظهره. كان اللص الهارب أمامهما في لمح البصر. بعد أن ركض كايليوس بكل قوته، زفر بصوت عالٍ.
“يوريتش، أمسكه!”
صرخ باهيل وهو يقود الحصان إلى جوار اللص. قفز يوريتش عن الحصان على اللص.
بوو!
ثبّت يوريتش اللص أرضًا بجسده الضخم. قاوم اللص وحاول الانتقام، لكن دون جدوى.
“توقف عن التلوي، أيها الوغد.”
بوو!
لوى يوريتش ذراع اللص كما لو يلوي ذراع طفل.
” أوه!!!”
ارتجف اللص مع الصراخ.
بوو!
أمسك يوريتش اللص من شعره وألقاه أرضًا. تمزق شعره، وبقايا فروة رأسه لا تزال عالقة بجذورها.
استل باهيل سيفه عندما نزل عن الحصان ووضعه على حلق اللص الساقط. “سيدي، أرجوك ارحمني، هذه المرة فقط! لن أسرق مرة أخرى. أرجوك، ارحمني! تذكر رحمة حاكم الشمس!” توسل اللص على بطنه بذراعه المكسورة. راقب يوريتش باهيل بعناية من الخلف. “أنت ترتجف، باهيل.” كانت شفتا باهيل ويداه ترتجفان بالفعل. لم يسبق له ارتكاب جريمة قتل من قبل. “إذا الأمر صعب عليك، فهل تريدني أن أفعله؟ لقد قتلتُ الكثير من الناس بالفعل، لذا هذا لا يعني لي شيئًا.” شعر اللص بالرعب من كلمات يوريتش، والتفت نحو يوريتش ليتسول أكثر. “سيدي! سيدي! سيدي المحارب!” بلل اللص سرواله. أصبح وجهه مغطى بمزيج من الدموع والمخاط والدم؛ لم يكن مظهره جذابًا على الإطلاق. حدّق باهيل في عينيّ يوريتش قبل أن يهزّ رأسه. ورفع سيف العزم. بوو! اخترق سيف باهيل قلب اللص. بدا شعور قتل رجلٍ وانغماس النصل في جسده أخفّ مما توقع. تجلّت أمام عينيه صورٌ شتى: الشمس الساطعة، الفتاة الميتة في الحظيرة، النصل البارد. الدماء المتدفقة تتناثر على خدي باهيل. “أوه.” ارتجف اللص حتى الموت. سقط باهيل أرضًا، عاجزًا عن سحب النصل من صدر اللص. خرج القيء الذي يحبسه. ” آه، هيو.” هز باهيل كتفيه بعنف على الأرض. تأوه وهو يمسك التراب تحته. تخلص من الغضب الذي كان متراكمًا بداخله. لم يبقَ مكانه إلا الفراغ، وهو أمر لا يمكن ملؤه. لا عودة للوراء. لقد قتل باهيل رجلاً بيديه. “أنا الرجل الذي سيصبح ملكًا.” كيف يمكن لرجل كهذا أن يحفظ يديه من الدماء؟ سيُضطر في النهاية إلى أن تُلطخ يداه بدم عمه، وهذا المستقبل ليس ببعيد. “هذا مجرد تدريب. ليس شيئًا.” لم تتوقف الدموع عن التدفق من عينيه. وضع يوريتش يده على رأس باهيل. “لا تقلق يا باهيل. معاشرة امرأة وقتل الرجل هو طقوس الوصول إلى الرجولة ” ابتسم يوريتش. “لا يزال قلبي يؤلمني يا يوريتش. أشعر وكأنه قد طُعن. ظننتُ أنه سيزول بعد أن قتلتُ هذا الرجل، لكنه لن يزول ” قال باهيل وهو يضم صدره. ” الأمر هكذا فقط في المرة الأولى. كلما قتلتَ أكثر، قلت حساسيتكَ؛ تمامًا كما يُصبحُ جلدُكَ مُتيبّسًا.” نظر باهيل إلى يوريتش. بدت كلماته باردة. “…سيتعين عليّ أن أعترف عندما نصل إلى المدينة.” نهض باهيل ضعيفًا. أراد مقابلة كاهن والتخلص من هذا الذنب. “لا تتصرف كطفلة صغيرة يا باهيل. كم شخصًا تعتقد أنهم ماتوا بسببك؟ من أجلك؟ لا تنظر إليّ بتلك النظرة – نظرة أنك خسرت كل شيء – لمجرد أنك قتلت شخصًا واحدًا بيديك. أنت من طبقة النبلاء – يمكنك أن تكون أكثر جرأة. لذا، استمر في قتل الناس بأوامرك، وسأقتلهم جميعًا، طالما أنك تدفع لي.” رفع باهيل رأسه. بدا يوريتش ينتظر باهيل لينهض، ويداه ممدودتان. لا يزال مبتسمًا. ضحك باهيل معه. ضحكة فوضوية، فالقيء في حلقه لم تزل بعد. “لنعد يا يوريتش. لكن لا تخبر أحدًا أنني بكيت.” أمسك باهيل بيد يوريتش ونهض. حالما عادوا إلى المرتزقة، أخبر يوريتش الجميع كيف قتل باهيل رجلاً، ثم بكى بكاءً شديدًا. أصبح هذا حديث عشاءهم ذلك اليوم. [ المترجم: لما تقول لصاحبك متقولش لحد ويروح يقول لكل الناس مش لحد بس… ] * * * سافر المرتزقة ومحاربو الشمس معًا لمدة يومين آخرين. ” سررتُ بمشاركة الطريق معكم يا أخوة يوريتش! وباهل، فليتذكر حاكم الشمس قلبكَ الطاهر!” قال هارفالد عند وصولهم إلى المدينة. اشترى محاربو الشمس خيولهم الجديدة وغادروا المدينة في ذلك اليوم. “يا لها من مجموعة مملة من الرجال، يغادرون دون حتى الذهاب إلى حيّ الضوء الأحمر،” قال المرتزقة فيما بينهم. كانوا متحمسين للغاية لمشهد المدينة الذي لم يروه منذ مدة. بدت المدينة التي يزورونها هذه المرة صغيرة، لذا لم يُسمح للفرقة بأكملها بالدخول. نصب المرتزقة معسكرهم أمام أبواب المدينة مباشرةً. وفي المخيم، اجتمع رؤساء المرتزقة وفيليون لمراجعة جدول أعمالهم. “سندخل قريبًا إلى مملكة الإمبراطور. عندما ندخل، لن يتمكن الدوق هارماتي من المساس بنا. سنكشف عن هويتنا ونطلب حماية الجيش الإمبراطوري ” قال فيليون وهو يفتح الخريطة الورقية. كانت مملكة الإمبراطور أرضًا يحكمها الإمبراطور نفسه. أصبح أمنهم جيدًا لدرجة أنه من النادر رؤية عصابة من قطاع الطرق. “ههه، إذًا سنصل إلى مملكة الإمبراطور قريبًا. هذه هي الإمبراطورية الحقيقية.” تحدث المرتزقة الذين كانوا هناك سابقًا، و أصبح حماسهم واضحًا. انقسمت الأرض المتحضرة إلى ثلاثة أقاليم: إقليم الإمبراطور، وإقليم الإمبراطورية، وممالك التبعية. كان إقليم الإمبراطور، كما يوحي اسمه، هو العالم المركزي للإمبراطورية، الذي كان الإمبراطور مسؤولاً عنه مباشرةً. أقاليم الإمبراطورية مقاطعات يحكمها النبلاء الإمبراطوريون، بينما ممالك التبعية سبع أراضٍ ضمتها الإمبراطورية خلال حرب التوحيد الكبرى قبل خمسين عامًا. تمت الإشارة إلى كل هذه الأراضي بشكل جماعي باسم الأراضي الإمبراطورية، مع بقاء عدد قليل من الأراضي البربرية في الضواحي الجنوبية والشمالية. “نحن، بوركانا، أيضًا واحدة من الممالك السبع.” ما ميّز بوركانا هو موقعها الساحلي. بوركانا المملكة التي امتدت على معظم الساحل الشرقي. عندما يُفكّر المرء في بوركانا، يتبادر إلى ذهنه البحر. “هل انتهت مهمتنا عندما ندخل إلى نطاق الإمبراطور؟” “ليس تمامًا. مملكة الإمبراطور آمنة، لكن الخطر لا يزال قائمًا. حتى لو اجتزنا المملكة ووصلنا إلى العاصمة، فلن نتمكن من دفع مكافأتكم إلا بعد أن يتولى الأمير فاركا العرش بنجاح. من الأفضل أن تكونوا جيشه الخاص حتى ذلك الحين. ” قال فيليون بحذر وهو ينظر حوله إلى وجوه المرتزقة: “لا يزال أمام باهيل ثلاثة أشهر حتى يصبح بالغًا رسميًا، وكانوا يخططون للبقاء في العاصمة حتى ذلك الحين”. “كيف انتهى بي الأمر إلى الاهتمام بما يفكر فيه هؤلاء المرتزقة… أعتقد أنني جلبت ذلك إلى نفسي…” انتظر فيليون ردّ المرتزقة. لقد تبعوا الأمير حتى وصل إلى هنا نظير المكافأة التي وعدهم بها الملك المستقبلي. مع أن بوركانا كانت مجرد مملكة تابعة، إلا أنها كانت مملكةً على أي حال. إذا أصبح باهيل ملكًا، فسيدفع بكل سرور مكافآتٍ كافيةً لتغيير حياة المرتزقة تمامًا. “ومع ذلك، أصبح الأمير والمرتزقة قريبين جدًا خلال الرحلة، وخاصة مع زعيم المرتزقة يوريتش.” كان من الصعب الثقة بالمرتزقة الذين يتأثرون بسهولة بالمال، لكن يوريتش، زعيمهم، كان رجلاً جديرًا بالثقة. “أنت تغطي نفقاتنا، أليس كذلك؟ إذًا، لا ينبغي أن يكون لدى المرتزقة أي مشكلة في ذلك.” قال يوريتش وهو ينظر إلى المرتزقة الآخرين، الذين أومأوا برؤوسهم موافقين: “لقد انضموا جميعًا إلى هذه المهمة على أمل تغيير حياتهم. لم يكن التزامًا هينًا”. “حسنًا، سنغادر بعد أن نجدد مؤننا. المرة القادمة ستكون داخل نطاق الإمبراطور!” حاول فيليون الإشارة بيده اليمنى نحوهم، ثم انتقل إلى اليسرى. ما زال ينسى أنه فقد معظم أصابع يده اليمنى بين الحين والآخر. ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة. تفرق المرتزقة بعد مراجعة جدولهم. بدا يوريتش على وشك أن يفعل الشيء نفسه ويدخل المملكة، لكن فيليون تبعه. “زعيم المرتزقة يوريتش.” “هاه؟ ماذا؟ هل تحتاج شيئًا؟” نظر يوريتش إلى فيليون. أراد العثور على ورشة صهر، لأن شفرات فؤوسه كانت باهتة، ومقابضها كانت تهتز من كثرة الصدمات. “من فضلك اعتني بالأمير ” قال فيليون وهو يميل رأسه قليلاً. ” أهلاً سيدي، ما الأمر؟ هل فعلتُ شيئاً خاطئاً؟” قال يوريتش وهو يربت على ظهره. “الأمير يُقدّرك كثيرًا. كنتَ أول شخص في عمره يلتقيه ولم يُعامله باحترامٍ مُطلق، كأخٍ له.” أمال يوريتش رأسه وضحك. “هذه مشكلة. لا أعتبر الرجال الضعفاء مثل باهيل إخوتي. بالنسبة لي، الإخوة هم رجالٌ يستطيعون الوقوف معي جنبًا إلى جنب كمحاربين، بالطبع.” “إذن، هذا كل ما في الأمر… أرى أن أفكارك مختلفة عن أفكار الأمير ” قال فيليون عابسًا. لقد دُهِسَ قلب باهيل. داعب يوريتش قلادته الشمس ونظر إلى وجه فيليون. “نعم، إنه ليس أخي. لا يستحق هذا اللقب.” طاردت عينا يوريتش قلادته. تذكر لحظة معموديته. في العالم المتحضر، تتعدد أساليب العيش بقدر تعدد الناس. “…لكنني أعتبره صديقًا – أول صديق لي في الحضارة؛ صديقٌ يستحق عنايةً فائقة. لذا، لا تقلق يا سيدي فيليون.” ابتسم فيليون أخيرا. “شكرا لك، يوريتش.”
استل باهيل سيفه عندما نزل عن الحصان ووضعه على حلق اللص الساقط.
“سيدي، أرجوك ارحمني، هذه المرة فقط! لن أسرق مرة أخرى. أرجوك، ارحمني! تذكر رحمة حاكم الشمس!”
توسل اللص على بطنه بذراعه المكسورة. راقب يوريتش باهيل بعناية من الخلف.
“أنت ترتجف، باهيل.”
كانت شفتا باهيل ويداه ترتجفان بالفعل. لم يسبق له ارتكاب جريمة قتل من قبل.
“إذا الأمر صعب عليك، فهل تريدني أن أفعله؟ لقد قتلتُ الكثير من الناس بالفعل، لذا هذا لا يعني لي شيئًا.”
شعر اللص بالرعب من كلمات يوريتش، والتفت نحو يوريتش ليتسول أكثر.
“سيدي! سيدي! سيدي المحارب!”
بلل اللص سرواله. أصبح وجهه مغطى بمزيج من الدموع والمخاط والدم؛ لم يكن مظهره جذابًا على الإطلاق.
حدّق باهيل في عينيّ يوريتش قبل أن يهزّ رأسه. ورفع سيف العزم.
بوو!
اخترق سيف باهيل قلب اللص. بدا شعور قتل رجلٍ وانغماس النصل في جسده أخفّ مما توقع. تجلّت أمام عينيه صورٌ شتى: الشمس الساطعة، الفتاة الميتة في الحظيرة، النصل البارد. الدماء المتدفقة تتناثر على خدي باهيل.
“أوه.”
ارتجف اللص حتى الموت. سقط باهيل أرضًا، عاجزًا عن سحب النصل من صدر اللص. خرج القيء الذي يحبسه.
” آه، هيو.”
هز باهيل كتفيه بعنف على الأرض. تأوه وهو يمسك التراب تحته. تخلص من الغضب الذي كان متراكمًا بداخله. لم يبقَ مكانه إلا الفراغ، وهو أمر لا يمكن ملؤه. لا عودة للوراء. لقد قتل باهيل رجلاً بيديه.
“أنا الرجل الذي سيصبح ملكًا.”
كيف يمكن لرجل كهذا أن يحفظ يديه من الدماء؟ سيُضطر في النهاية إلى أن تُلطخ يداه بدم عمه، وهذا المستقبل ليس ببعيد.
“هذا مجرد تدريب. ليس شيئًا.”
لم تتوقف الدموع عن التدفق من عينيه. وضع يوريتش يده على رأس باهيل.
“لا تقلق يا باهيل. معاشرة امرأة وقتل الرجل هو طقوس الوصول إلى الرجولة ” ابتسم يوريتش.
“لا يزال قلبي يؤلمني يا يوريتش. أشعر وكأنه قد طُعن. ظننتُ أنه سيزول بعد أن قتلتُ هذا الرجل، لكنه لن يزول ” قال باهيل وهو يضم صدره.
” الأمر هكذا فقط في المرة الأولى. كلما قتلتَ أكثر، قلت حساسيتكَ؛ تمامًا كما يُصبحُ جلدُكَ مُتيبّسًا.”
نظر باهيل إلى يوريتش. بدت كلماته باردة.
“…سيتعين عليّ أن أعترف عندما نصل إلى المدينة.”
نهض باهيل ضعيفًا. أراد مقابلة كاهن والتخلص من هذا الذنب.
“لا تتصرف كطفلة صغيرة يا باهيل. كم شخصًا تعتقد أنهم ماتوا بسببك؟ من أجلك؟ لا تنظر إليّ بتلك النظرة – نظرة أنك خسرت كل شيء – لمجرد أنك قتلت شخصًا واحدًا بيديك. أنت من طبقة النبلاء – يمكنك أن تكون أكثر جرأة. لذا، استمر في قتل الناس بأوامرك، وسأقتلهم جميعًا، طالما أنك تدفع لي.”
رفع باهيل رأسه. بدا يوريتش ينتظر باهيل لينهض، ويداه ممدودتان. لا يزال مبتسمًا.
ضحك باهيل معه. ضحكة فوضوية، فالقيء في حلقه لم تزل بعد.
“لنعد يا يوريتش. لكن لا تخبر أحدًا أنني بكيت.”
أمسك باهيل بيد يوريتش ونهض. حالما عادوا إلى المرتزقة، أخبر يوريتش الجميع كيف قتل باهيل رجلاً، ثم بكى بكاءً شديدًا. أصبح هذا حديث عشاءهم ذلك اليوم.
[ المترجم: لما تقول لصاحبك متقولش لحد ويروح يقول لكل الناس مش لحد بس… ]
* * *
سافر المرتزقة ومحاربو الشمس معًا لمدة يومين آخرين.
” سررتُ بمشاركة الطريق معكم يا أخوة يوريتش! وباهل، فليتذكر حاكم الشمس قلبكَ الطاهر!” قال هارفالد عند وصولهم إلى المدينة. اشترى محاربو الشمس خيولهم الجديدة وغادروا المدينة في ذلك اليوم.
“يا لها من مجموعة مملة من الرجال، يغادرون دون حتى الذهاب إلى حيّ الضوء الأحمر،” قال المرتزقة فيما بينهم. كانوا متحمسين للغاية لمشهد المدينة الذي لم يروه منذ مدة.
بدت المدينة التي يزورونها هذه المرة صغيرة، لذا لم يُسمح للفرقة بأكملها بالدخول. نصب المرتزقة معسكرهم أمام أبواب المدينة مباشرةً.
وفي المخيم، اجتمع رؤساء المرتزقة وفيليون لمراجعة جدول أعمالهم.
“سندخل قريبًا إلى مملكة الإمبراطور. عندما ندخل، لن يتمكن الدوق هارماتي من المساس بنا. سنكشف عن هويتنا ونطلب حماية الجيش الإمبراطوري ” قال فيليون وهو يفتح الخريطة الورقية. كانت مملكة الإمبراطور أرضًا يحكمها الإمبراطور نفسه. أصبح أمنهم جيدًا لدرجة أنه من النادر رؤية عصابة من قطاع الطرق.
“ههه، إذًا سنصل إلى مملكة الإمبراطور قريبًا. هذه هي الإمبراطورية الحقيقية.”
تحدث المرتزقة الذين كانوا هناك سابقًا، و أصبح حماسهم واضحًا.
انقسمت الأرض المتحضرة إلى ثلاثة أقاليم: إقليم الإمبراطور، وإقليم الإمبراطورية، وممالك التبعية. كان إقليم الإمبراطور، كما يوحي اسمه، هو العالم المركزي للإمبراطورية، الذي كان الإمبراطور مسؤولاً عنه مباشرةً. أقاليم الإمبراطورية مقاطعات يحكمها النبلاء الإمبراطوريون، بينما ممالك التبعية سبع أراضٍ ضمتها الإمبراطورية خلال حرب التوحيد الكبرى قبل خمسين عامًا.
تمت الإشارة إلى كل هذه الأراضي بشكل جماعي باسم الأراضي الإمبراطورية، مع بقاء عدد قليل من الأراضي البربرية في الضواحي الجنوبية والشمالية.
“نحن، بوركانا، أيضًا واحدة من الممالك السبع.”
ما ميّز بوركانا هو موقعها الساحلي. بوركانا المملكة التي امتدت على معظم الساحل الشرقي. عندما يُفكّر المرء في بوركانا، يتبادر إلى ذهنه البحر.
“هل انتهت مهمتنا عندما ندخل إلى نطاق الإمبراطور؟”
“ليس تمامًا. مملكة الإمبراطور آمنة، لكن الخطر لا يزال قائمًا. حتى لو اجتزنا المملكة ووصلنا إلى العاصمة، فلن نتمكن من دفع مكافأتكم إلا بعد أن يتولى الأمير فاركا العرش بنجاح. من الأفضل أن تكونوا جيشه الخاص حتى ذلك الحين. ”
قال فيليون بحذر وهو ينظر حوله إلى وجوه المرتزقة: “لا يزال أمام باهيل ثلاثة أشهر حتى يصبح بالغًا رسميًا، وكانوا يخططون للبقاء في العاصمة حتى ذلك الحين”.
“كيف انتهى بي الأمر إلى الاهتمام بما يفكر فيه هؤلاء المرتزقة… أعتقد أنني جلبت ذلك إلى نفسي…”
انتظر فيليون ردّ المرتزقة. لقد تبعوا الأمير حتى وصل إلى هنا نظير المكافأة التي وعدهم بها الملك المستقبلي. مع أن بوركانا كانت مجرد مملكة تابعة، إلا أنها كانت مملكةً على أي حال. إذا أصبح باهيل ملكًا، فسيدفع بكل سرور مكافآتٍ كافيةً لتغيير حياة المرتزقة تمامًا.
“ومع ذلك، أصبح الأمير والمرتزقة قريبين جدًا خلال الرحلة، وخاصة مع زعيم المرتزقة يوريتش.”
كان من الصعب الثقة بالمرتزقة الذين يتأثرون بسهولة بالمال، لكن يوريتش، زعيمهم، كان رجلاً جديرًا بالثقة.
“أنت تغطي نفقاتنا، أليس كذلك؟ إذًا، لا ينبغي أن يكون لدى المرتزقة أي مشكلة في ذلك.”
قال يوريتش وهو ينظر إلى المرتزقة الآخرين، الذين أومأوا برؤوسهم موافقين: “لقد انضموا جميعًا إلى هذه المهمة على أمل تغيير حياتهم. لم يكن التزامًا هينًا”.
“حسنًا، سنغادر بعد أن نجدد مؤننا. المرة القادمة ستكون داخل نطاق الإمبراطور!”
حاول فيليون الإشارة بيده اليمنى نحوهم، ثم انتقل إلى اليسرى. ما زال ينسى أنه فقد معظم أصابع يده اليمنى بين الحين والآخر. ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة.
تفرق المرتزقة بعد مراجعة جدولهم. بدا يوريتش على وشك أن يفعل الشيء نفسه ويدخل المملكة، لكن فيليون تبعه.
“زعيم المرتزقة يوريتش.”
“هاه؟ ماذا؟ هل تحتاج شيئًا؟”
نظر يوريتش إلى فيليون. أراد العثور على ورشة صهر، لأن شفرات فؤوسه كانت باهتة، ومقابضها كانت تهتز من كثرة الصدمات.
“من فضلك اعتني بالأمير ” قال فيليون وهو يميل رأسه قليلاً.
” أهلاً سيدي، ما الأمر؟ هل فعلتُ شيئاً خاطئاً؟” قال يوريتش وهو يربت على ظهره.
“الأمير يُقدّرك كثيرًا. كنتَ أول شخص في عمره يلتقيه ولم يُعامله باحترامٍ مُطلق، كأخٍ له.”
أمال يوريتش رأسه وضحك.
“هذه مشكلة. لا أعتبر الرجال الضعفاء مثل باهيل إخوتي. بالنسبة لي، الإخوة هم رجالٌ يستطيعون الوقوف معي جنبًا إلى جنب كمحاربين، بالطبع.”
“إذن، هذا كل ما في الأمر… أرى أن أفكارك مختلفة عن أفكار الأمير ” قال فيليون عابسًا. لقد دُهِسَ قلب باهيل.
داعب يوريتش قلادته الشمس ونظر إلى وجه فيليون.
“نعم، إنه ليس أخي. لا يستحق هذا اللقب.”
طاردت عينا يوريتش قلادته. تذكر لحظة معموديته. في العالم المتحضر، تتعدد أساليب العيش بقدر تعدد الناس.
“…لكنني أعتبره صديقًا – أول صديق لي في الحضارة؛ صديقٌ يستحق عنايةً فائقة. لذا، لا تقلق يا سيدي فيليون.”
ابتسم فيليون أخيرا.
“شكرا لك، يوريتش.”
الفصل 52 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
استل باهيل سيفه عندما نزل عن الحصان ووضعه على حلق اللص الساقط. “سيدي، أرجوك ارحمني، هذه المرة فقط! لن أسرق مرة أخرى. أرجوك، ارحمني! تذكر رحمة حاكم الشمس!” توسل اللص على بطنه بذراعه المكسورة. راقب يوريتش باهيل بعناية من الخلف. “أنت ترتجف، باهيل.” كانت شفتا باهيل ويداه ترتجفان بالفعل. لم يسبق له ارتكاب جريمة قتل من قبل. “إذا الأمر صعب عليك، فهل تريدني أن أفعله؟ لقد قتلتُ الكثير من الناس بالفعل، لذا هذا لا يعني لي شيئًا.” شعر اللص بالرعب من كلمات يوريتش، والتفت نحو يوريتش ليتسول أكثر. “سيدي! سيدي! سيدي المحارب!” بلل اللص سرواله. أصبح وجهه مغطى بمزيج من الدموع والمخاط والدم؛ لم يكن مظهره جذابًا على الإطلاق. حدّق باهيل في عينيّ يوريتش قبل أن يهزّ رأسه. ورفع سيف العزم. بوو! اخترق سيف باهيل قلب اللص. بدا شعور قتل رجلٍ وانغماس النصل في جسده أخفّ مما توقع. تجلّت أمام عينيه صورٌ شتى: الشمس الساطعة، الفتاة الميتة في الحظيرة، النصل البارد. الدماء المتدفقة تتناثر على خدي باهيل. “أوه.” ارتجف اللص حتى الموت. سقط باهيل أرضًا، عاجزًا عن سحب النصل من صدر اللص. خرج القيء الذي يحبسه. ” آه، هيو.” هز باهيل كتفيه بعنف على الأرض. تأوه وهو يمسك التراب تحته. تخلص من الغضب الذي كان متراكمًا بداخله. لم يبقَ مكانه إلا الفراغ، وهو أمر لا يمكن ملؤه. لا عودة للوراء. لقد قتل باهيل رجلاً بيديه. “أنا الرجل الذي سيصبح ملكًا.” كيف يمكن لرجل كهذا أن يحفظ يديه من الدماء؟ سيُضطر في النهاية إلى أن تُلطخ يداه بدم عمه، وهذا المستقبل ليس ببعيد. “هذا مجرد تدريب. ليس شيئًا.” لم تتوقف الدموع عن التدفق من عينيه. وضع يوريتش يده على رأس باهيل. “لا تقلق يا باهيل. معاشرة امرأة وقتل الرجل هو طقوس الوصول إلى الرجولة ” ابتسم يوريتش. “لا يزال قلبي يؤلمني يا يوريتش. أشعر وكأنه قد طُعن. ظننتُ أنه سيزول بعد أن قتلتُ هذا الرجل، لكنه لن يزول ” قال باهيل وهو يضم صدره. ” الأمر هكذا فقط في المرة الأولى. كلما قتلتَ أكثر، قلت حساسيتكَ؛ تمامًا كما يُصبحُ جلدُكَ مُتيبّسًا.” نظر باهيل إلى يوريتش. بدت كلماته باردة. “…سيتعين عليّ أن أعترف عندما نصل إلى المدينة.” نهض باهيل ضعيفًا. أراد مقابلة كاهن والتخلص من هذا الذنب. “لا تتصرف كطفلة صغيرة يا باهيل. كم شخصًا تعتقد أنهم ماتوا بسببك؟ من أجلك؟ لا تنظر إليّ بتلك النظرة – نظرة أنك خسرت كل شيء – لمجرد أنك قتلت شخصًا واحدًا بيديك. أنت من طبقة النبلاء – يمكنك أن تكون أكثر جرأة. لذا، استمر في قتل الناس بأوامرك، وسأقتلهم جميعًا، طالما أنك تدفع لي.” رفع باهيل رأسه. بدا يوريتش ينتظر باهيل لينهض، ويداه ممدودتان. لا يزال مبتسمًا. ضحك باهيل معه. ضحكة فوضوية، فالقيء في حلقه لم تزل بعد. “لنعد يا يوريتش. لكن لا تخبر أحدًا أنني بكيت.” أمسك باهيل بيد يوريتش ونهض. حالما عادوا إلى المرتزقة، أخبر يوريتش الجميع كيف قتل باهيل رجلاً، ثم بكى بكاءً شديدًا. أصبح هذا حديث عشاءهم ذلك اليوم. [ المترجم: لما تقول لصاحبك متقولش لحد ويروح يقول لكل الناس مش لحد بس… ] * * * سافر المرتزقة ومحاربو الشمس معًا لمدة يومين آخرين. ” سررتُ بمشاركة الطريق معكم يا أخوة يوريتش! وباهل، فليتذكر حاكم الشمس قلبكَ الطاهر!” قال هارفالد عند وصولهم إلى المدينة. اشترى محاربو الشمس خيولهم الجديدة وغادروا المدينة في ذلك اليوم. “يا لها من مجموعة مملة من الرجال، يغادرون دون حتى الذهاب إلى حيّ الضوء الأحمر،” قال المرتزقة فيما بينهم. كانوا متحمسين للغاية لمشهد المدينة الذي لم يروه منذ مدة. بدت المدينة التي يزورونها هذه المرة صغيرة، لذا لم يُسمح للفرقة بأكملها بالدخول. نصب المرتزقة معسكرهم أمام أبواب المدينة مباشرةً. وفي المخيم، اجتمع رؤساء المرتزقة وفيليون لمراجعة جدول أعمالهم. “سندخل قريبًا إلى مملكة الإمبراطور. عندما ندخل، لن يتمكن الدوق هارماتي من المساس بنا. سنكشف عن هويتنا ونطلب حماية الجيش الإمبراطوري ” قال فيليون وهو يفتح الخريطة الورقية. كانت مملكة الإمبراطور أرضًا يحكمها الإمبراطور نفسه. أصبح أمنهم جيدًا لدرجة أنه من النادر رؤية عصابة من قطاع الطرق. “ههه، إذًا سنصل إلى مملكة الإمبراطور قريبًا. هذه هي الإمبراطورية الحقيقية.” تحدث المرتزقة الذين كانوا هناك سابقًا، و أصبح حماسهم واضحًا. انقسمت الأرض المتحضرة إلى ثلاثة أقاليم: إقليم الإمبراطور، وإقليم الإمبراطورية، وممالك التبعية. كان إقليم الإمبراطور، كما يوحي اسمه، هو العالم المركزي للإمبراطورية، الذي كان الإمبراطور مسؤولاً عنه مباشرةً. أقاليم الإمبراطورية مقاطعات يحكمها النبلاء الإمبراطوريون، بينما ممالك التبعية سبع أراضٍ ضمتها الإمبراطورية خلال حرب التوحيد الكبرى قبل خمسين عامًا. تمت الإشارة إلى كل هذه الأراضي بشكل جماعي باسم الأراضي الإمبراطورية، مع بقاء عدد قليل من الأراضي البربرية في الضواحي الجنوبية والشمالية. “نحن، بوركانا، أيضًا واحدة من الممالك السبع.” ما ميّز بوركانا هو موقعها الساحلي. بوركانا المملكة التي امتدت على معظم الساحل الشرقي. عندما يُفكّر المرء في بوركانا، يتبادر إلى ذهنه البحر. “هل انتهت مهمتنا عندما ندخل إلى نطاق الإمبراطور؟” “ليس تمامًا. مملكة الإمبراطور آمنة، لكن الخطر لا يزال قائمًا. حتى لو اجتزنا المملكة ووصلنا إلى العاصمة، فلن نتمكن من دفع مكافأتكم إلا بعد أن يتولى الأمير فاركا العرش بنجاح. من الأفضل أن تكونوا جيشه الخاص حتى ذلك الحين. ” قال فيليون بحذر وهو ينظر حوله إلى وجوه المرتزقة: “لا يزال أمام باهيل ثلاثة أشهر حتى يصبح بالغًا رسميًا، وكانوا يخططون للبقاء في العاصمة حتى ذلك الحين”. “كيف انتهى بي الأمر إلى الاهتمام بما يفكر فيه هؤلاء المرتزقة… أعتقد أنني جلبت ذلك إلى نفسي…” انتظر فيليون ردّ المرتزقة. لقد تبعوا الأمير حتى وصل إلى هنا نظير المكافأة التي وعدهم بها الملك المستقبلي. مع أن بوركانا كانت مجرد مملكة تابعة، إلا أنها كانت مملكةً على أي حال. إذا أصبح باهيل ملكًا، فسيدفع بكل سرور مكافآتٍ كافيةً لتغيير حياة المرتزقة تمامًا. “ومع ذلك، أصبح الأمير والمرتزقة قريبين جدًا خلال الرحلة، وخاصة مع زعيم المرتزقة يوريتش.” كان من الصعب الثقة بالمرتزقة الذين يتأثرون بسهولة بالمال، لكن يوريتش، زعيمهم، كان رجلاً جديرًا بالثقة. “أنت تغطي نفقاتنا، أليس كذلك؟ إذًا، لا ينبغي أن يكون لدى المرتزقة أي مشكلة في ذلك.” قال يوريتش وهو ينظر إلى المرتزقة الآخرين، الذين أومأوا برؤوسهم موافقين: “لقد انضموا جميعًا إلى هذه المهمة على أمل تغيير حياتهم. لم يكن التزامًا هينًا”. “حسنًا، سنغادر بعد أن نجدد مؤننا. المرة القادمة ستكون داخل نطاق الإمبراطور!” حاول فيليون الإشارة بيده اليمنى نحوهم، ثم انتقل إلى اليسرى. ما زال ينسى أنه فقد معظم أصابع يده اليمنى بين الحين والآخر. ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة. تفرق المرتزقة بعد مراجعة جدولهم. بدا يوريتش على وشك أن يفعل الشيء نفسه ويدخل المملكة، لكن فيليون تبعه. “زعيم المرتزقة يوريتش.” “هاه؟ ماذا؟ هل تحتاج شيئًا؟” نظر يوريتش إلى فيليون. أراد العثور على ورشة صهر، لأن شفرات فؤوسه كانت باهتة، ومقابضها كانت تهتز من كثرة الصدمات. “من فضلك اعتني بالأمير ” قال فيليون وهو يميل رأسه قليلاً. ” أهلاً سيدي، ما الأمر؟ هل فعلتُ شيئاً خاطئاً؟” قال يوريتش وهو يربت على ظهره. “الأمير يُقدّرك كثيرًا. كنتَ أول شخص في عمره يلتقيه ولم يُعامله باحترامٍ مُطلق، كأخٍ له.” أمال يوريتش رأسه وضحك. “هذه مشكلة. لا أعتبر الرجال الضعفاء مثل باهيل إخوتي. بالنسبة لي، الإخوة هم رجالٌ يستطيعون الوقوف معي جنبًا إلى جنب كمحاربين، بالطبع.” “إذن، هذا كل ما في الأمر… أرى أن أفكارك مختلفة عن أفكار الأمير ” قال فيليون عابسًا. لقد دُهِسَ قلب باهيل. داعب يوريتش قلادته الشمس ونظر إلى وجه فيليون. “نعم، إنه ليس أخي. لا يستحق هذا اللقب.” طاردت عينا يوريتش قلادته. تذكر لحظة معموديته. في العالم المتحضر، تتعدد أساليب العيش بقدر تعدد الناس. “…لكنني أعتبره صديقًا – أول صديق لي في الحضارة؛ صديقٌ يستحق عنايةً فائقة. لذا، لا تقلق يا سيدي فيليون.” ابتسم فيليون أخيرا. “شكرا لك، يوريتش.”
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات