الفصل 58
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
انتهت محاكمة المبارزة. تولى محارب الشمس هارفالد دور القائد المؤقت للبوابة الثانية عشرة. نظّم الموقف كما لو كان ينتظر وقوع حادثة كهذه.
“لم أتعرف عليك في المرة السابقة، أيها الأمير فاركا. شعرتُ أن لديك هالة غريبة، كنتَ من العائلة المالكة.”
قال هارفالد، محارب الشمس، مُبديًا احترامه. وضع يده على صدره وجثا على ركبة واحدة. هذه هي الطريقة المُثلى لاحترام رجلٍ أعلى.
“لم أتوقع أن أقابلك هنا مرة أخرى، يا سيدي هارفالد.”
ساعد باهيل محارب الشمس على النهوض. كان ظهوره مفاجأة للجميع، إذ لم يتوقع أحد رؤيته مجددًا، وخاصةً في مكان كهذا.
“أنا أيضًا لم أفعل ذلك، يا أمير.”
ألقى باهيل نظرة حذرة على وجه هارفالد. كان رجلاً نصف دمه بربري. ورغم نشأته في بيئة متحضرة، إلا أن آثار نصفه البربري كانت واضحة في بعض أجزاء جسده.
“ماذا سيحدث لقائد البوابة أوبير؟”
“سنستجوبه لنستخرج الحقيقة. لن يغادر زنزانته حتى يعترف بالحقيقة بفمه.”
حُبس أوبير خلف قضبان سجن البوابة تحت الأرض. جُرِّد من كل سلطاته وكُبِّل إلى زنزانته. نهاية مأساوية له.
تولى هارفالد، محارب الشمس، قيادة البوابة بسهولة تامة. وقد أظهر ذلك مدى ضعف الروح المعنوية والثقة بقائد الحرس تحت قيادة أوبير.
“لولاكَ يا سيد هارفالد، لكانت الأمور قد ساءت حتى بعد المحاكمة. شكرًا لك.”
أخيرًا، استعاد باهيل أنفاسه. فبدون هارفالد، سيكون الصدام بين فرقة المرتزقة وحامية البوابة احتمالًا قائمًا.
” كان أوبير سيُجرّد من سلطته على أي حال. تلقى الإمبراطور خبرًا يفيد بأن قائد البوابة الثانية عشرة لم يكن يؤدي عمله على أكمل وجه. لذلك، في الأيام القليلة الماضية، كنتُ أسأل عن رأي الجميع في قائد البوابة. غالبًا ما يُكلّف محاربو الشمس بمثل هذه المهمات. ”
كان محاربو الشمس جيش الإمبراطور الخاص، ويتألف حصريًا من البرابرة أو ذوي الدم البربري. هذا يعني أنهم لم يكونوا على صلة بنبلاء الإمبراطورية.
“محاربو الشمس الذين ليس لديهم أي صلة دم مع النبلاء قادرون على التعامل مع الأمور بشكل أكثر عدالة من أي شخص آخر.”
أدرك باهيل المنطق المعقد وراء تشكيل محاربي الشمس. هؤلاء المحاربون جماعة منفصلة عن طبقة النبلاء. وعندما أُمروا بذلك، لم يترددوا في قطع رؤوس حتى أعلى النبلاء شأناً إرضاءً للإمبراطور. ولأن محاربي الشمس كانوا رجالاً يُعطون الأولوية لإيمانهم الديني وشرف المحاربين، نادراً ما تأثروا بشهوات الدنيا.
من ناحية أخرى، كان الفولاذ الإمبراطوري يتألف في معظمه من نبلاء ذوي مكانة مرموقة، مما يعني أنهم كانوا يترددون في التصرف مع زملائهم النبلاء بسبب صلة الدم. وبينما ظل أعضاء الفولاذ الإمبراطوري يخدمون الإمبراطور بإخلاص، كانوا لا يزالون نبلاءً يتصرفون بما فيه مصلحة ثروات وشرف عائلاتهم النبيلة.
“البيروقراطيون الفاسدون هم القيح الذي ينخر الإمبراطورية. عندما يكون لديك قيح كهذا، يجب استئصاله قبل أن يكبر.” ألمح هارفالد إلى مستقبل أوبير.
“فهل ستعتبر يوريتش مذنبًا بأفعاله؟”
أدت كلمات باهيل إلى توسيع عيون هارفالد.
“مذنب بأي جريمة؟ بما أن كلام المساعد جريمان قد ثبتت صحته، فلا داعي لمعاقبة يوريتش. أفعاله كانت انتقامًا عادلًا، وبما أن جريمان قد مات، فلا مجال للتراجع عن شهادته.”
أغمض جريمان عينيه بعد انتهاء المبارزة. هجأ جسده بينما عادت روحه إلى أحضان لو.
“…لكن لو لا يؤيد الانتقام ” قال باهيل قبل أن يغلق فمه بسرعة.
“لا بد أنني مجنون؛ ينبغي أن أكون سعيدًا لأننا نجحنا في الإفلات من العقاب.”
الأمر ببساطة رغبةً في معارضة تصريح هارفالد المُخلص. أما باهيل، الذي تلقى تعليمه على يد كهنة وعلماء متدينين للغاية، فكان رجلاً مُخلصًا.
“صاحب السمو، لو يُوصينا بمسامحة بعضنا البعض، لكنّ الساقطين لا يُدركون خطاياهم إلا بعد عقابهم. لا يتوبون إلا بألم، تمامًا كما اعتنق الوثنيون في عهد والدتي الإيمان بعد كل هذا الألم.”
شعر هارفالد بدم البرابرة يتدفق في داخله. كان هذا الدم يغلي أحيانًا حتى ذروته، ويجعل رغباته الوحشية تطغى على إرادة لو. كلما شعر هارفالد بمثل هذا الشعور، يذكّر نفسه بكلمة لو.
‘التناسخ.’
الروح الملوثة بشهوات الأرض تصعد إلى الشمس. بعد أن يتقبلها لو، يحرق خطيئة الإنسان ويطهرها قبل أن يعيدها إلى هذا العالم.
الأرواح التي تفشل في التناسخ تصبح أرواحًا شريرة تتقاتل فيما بينها باستمرار قبل أن تعود إلى العدم. كانت نهاية مروعة حيث مُحي وجودها.
“أنت حقا رجل مخلص، السيد هارفالد.”
قال باهيل بنبرة مترددة غريبة، لا تُعبّر عن إطراء ولا عن ردّ. ثم نظر في عيني هارفالد.
“إذا رحمتُ أوبير، ستصبح روحي أكثر نقاءً، فرحمة القلب هي تعاليم حاكم الشمس لو. لكن أوبير، من ناحية أخرى، لن يتوب عن خطيئته، وستزداد روحه فسادًا. في النهاية، سيصبح روحًا شريرة تجوب الأرض. سأعاقب جسد أوبير حتى يتوب. وإن تاب حقًا، فستصبح روحه الملطخة نقية وتعود إلى أحضان لو.”
كانت عينا هارفالد ثابتتين. كان إيمانه راسخًا.
“عقاب للجسد.”
ترددت الكلمات في أذني باهيل. بإمكانه أن يتنبأ بمستقبل أوبير المعذب. سيُنفّذ هارفالد تعذيبه بأقصى درجات الود ودون أدنى ذرة من الحقد.
“هل هذا صحيح…”
” يا أميري، حالما يصل قائد البوابة الجديد، سأرافقك إلى عاصمة هامل بنفسي. إلى ذلك الحين.”
أومأ باهيل برأسه بينما غادر هارفالد الغرفة ليُنجز مهامه المتبقية. كان مُثقلًا بواجبات كقائد بوابة مؤقت. كان منشغلًا بتنظيف الفوضى التي تراكمت على يد أوبير، فالفساد الذي حدث تحت أنف أوبير أكبر من أن يُحصى.
* * *
“إنه لا يناسب، يوريتش، فقط بيعه.”
قال باتشمان ليوريتش: “لقد أرغم يوريتش نفسه على ارتداء الدرع الكامل، مما جعله يبدو سخيفًا للغاية”.
“ما هذا بحق الجحيم، يوريتش!”
“فقط ابق عاريًا، ستبدو أفضل بهذه الطريقة.”
” أنت بربري يا يوريتش. لذا، تصرّف كواحد.”
تبادل المرتزقة جميعهم التعليقات أثناء مرورهم. لم يكن يوريتش يرتدي الدرع، بل كان يبدو وكأنه يرتديه فوق جسده. كشفت فجوات الدرع عن جلده. كان قبيحًا بشكل لا يُصدق بالنسبة لبدلة من الدرع الصفيحية التي تتميز بدفاعها الحديدي.
“إيهيه.”
ألقى يوريتش الدرع جانبًا معبرًا عن انزعاجه. بدا يوريتش بربريًا ضخم البنية. عضلاته قوية بشكل خاص، لذا بدت بنيته مختلفة تمامًا عن الرجل العادي. لم يكن من الممكن أن يناسبه درع عادي.
“باهاهاهاها! يوريتش، هل أنت غاضب لأنك لم تستطع ارتداء هذا الدرع؟ هاه؟”
أمسك باتشمان بطنه وضحك وهو ينظر إلى يوريتش العابس. يوريتش، وقد احمرّ وجهه من الخجل، ركل التراب عن الأرض.
“اصمت وساعدني في خلع هذا الشيء. ما خطبه بحق الجحيم؟ لن أرتدي شيئًا كهذا أبدًا ” قال يوريتش وهو يخلع الطبقات العديدة التي يرتديها تحت الدرع.
طبقات الملابس المتعددة التي تُرتدى تحت الدرع بمثابة مواد ماصة للصدمات. حتى في حال تعرض مستخدم الدرع لإصابة بسلاح غير حاد، كانت طبقات القطن والجلد بمثابة طبقة حماية ثانوية بعد الصفيحة الفولاذية.
“على الرغم من أنني لا أستطيع ارتدائه، فهو في الواقع درع مذهل.”
هذه أول مرة يرى فيها يوريتش هيكل درع كامل الصفائح وداخله. ورغم أنه لم يستطع الدخول فيه، إلا أنه كان معقدًا ومتطورًا بما يكفي لإثارة إعجابه.
“إنه درعٌ يريده الجميع. لكن إن لم تستطع أنت، قائدنا، ارتداؤه، فعليك بيعه لأحد النبلاء. إنه جيدٌ جدًا بحيث لا يستطيع مرتزق عادي ارتداؤه. وعلى عكس أسلحة الفولاذ الإمبراطورية، فإن الإمبراطورية لا تُحبذ بقاء دروعها الكاملة في السوق ” قال باتشمان ليوريتش.
“نعم؟”
“لو لدينا شخص من منظمة الفولاذ الإمبراطوري هنا بدلاً من هارفالد، لكان قد أخذ الدرع بعد مبارزتك. سمعتُ أن بعض الهواة قد سُلبت دروعهم. لكن بالنسبة لهذا الدرع، فأنا متأكد من أن المشترين سيصطفون في طابور لأنك حصلت عليه من خلال عملية قانونية – محاكمة المبارزة. كان هناك أيضًا عدد من النبلاء في الحشد.”
“ما هو المبلغ الذي تعتقد أننا يمكن أن نحصل عليه من هذا؟”
” همم، درع كامل مُجهز كهذا عادةً ما يبدأ سعره من حوالي مئة مليون شيل، لكن هذا قديم بعض الشيء، وخوذة الوجه مُحطمة. لكنني متأكد من أنه سيُباع بسهولة بحوالي ثمانين مليون شيل ” قدر باتشمان، فارتجف يوريتش.
“ماذا؟”
“لا يُطلقون على هذه اسم كنوز عبثًا. تُنتج الدروع الكاملة بكميات قليلة في مصنع الإمبراطورية، لذا يُؤخذ ندرتها في الاعتبار عند تحديد سعرها.”
“انتظر، هذا الشيء يُباع بمئة مليون شيل؟ يا للهول!”
تذكر يوريتش فجأةً إلى جبل السماء المُغطّى بالثلوج. لم يأخذ سوى السيف من الفارس الإمبراطوري فوردجال. درعه، على الأرجح، لا يزال في قلب عاصفة ثلجية في الجبال.
لم يكن يوريتش على علم بقيمة الدرع في جبال السماء. لو يعلم، لكان قد أحضره معه مهما كلف الأمر.
“هممم.”
تذكر يوريتش كل المصاعب التي واجهها بسبب المال. كان عليه أن يتدحرج في الساحات الرملية كمصارع، وكاد أن يموت عدة مرات وهو يعمل مرتزقًا.
“المال يجعل الحياة في هذا العالم أسهل بكثير.”
السرقة وسيلة شائعة لأخذ ما يريده المرء في قبيلته، لكنه يتجنبها. أراد أن يعيش وفقًا لقواعد وقوانين الحضارة قدر الإمكان، إذ يرغب في تعلم أسلوب حياتهم.
“اللعنة، لو أنني أحضرت هذا الدرع معي… لم أكن لأضطر إلى المرور بكل هذه القذارة.”
نظر باتشمان إلى يوريتش بوجه محير.
“ما الخطب؟ ألست سعيدًا؟ ستحصل على صندوق كامل من العملات الذهبية، أنت غني الآن! وإذا أنهينا هذه المهمة، فستجلس على كومة من المال ضخمة لدرجة أنك لن تعرف ماذا تفعل بها. هذا الأمير معجب بك كثيرًا، لذا قد يعرض عليك منصب فارس برتبة شبه نبيلة. يا إلهي، الآن بعد أن فكرت في الأمر، أشعر بغيرة شديدة!”
هتف باتشمان بحماس. بدا يوريتش رجلاً شريفًا. إذا حقق نجاحًا باهرًا، فسيعتني بباتشمان بالتأكيد.
“حسنًا، دعنا نبيعه.”
بعد تفكيرٍ قصير، قرر يوريتش بيع الدرع. عثر باتشمان على مشترٍ بسرعة.
جاء رجل نبيل، بدا أنه لا علاقة له بالقتال والمعارك، إلى خيمة المرتزقة لشراء درع كامل. وبالنظر إلى الخواتم الفاخرة العديدة في أصابعه، بدا رجلاً ثريًا.
” أوهوهوهو، أخيرًا، درعٌ كاملٌّ شرعيٌّ تمامًا! لن يستطيعوا انتزاعه مني.”
ابتسم النبيل عندما أُتمّت الصفقة. مدّ يده وداعب الدرع المصفح بالكامل. وبعد أن تأكد من حالته، سلّم الحقيبة المليئة بالجواهر بسعادة.
“إنه يشتري درعًا لن يرتديه حتى.”
لم يُعجب يوريتش بالصفقة، لكنه لم يُظهر ذلك. حُوّلت قطعة سلاح ممتازة إلى زينة لأحد النبلاء الأثرياء.
“لكنني أعتقد أن هذا جزء من طريق الحضارة.”
أثار هذا الفكر ابتسامةً على وجه يوريتش. رأى النبيل يوريتش يبتسم، فظنّ أنه سعيدٌ بالجواهر.
“لقد كان هذا فوزًا مربحًا لنا كلينا، يا كابتن المرتزق يوريتش.”
“حسنًا، لم يكن سيئًا جدًا. أنا سعيد لأنك راضٍ عنه.”
عرض النبيل مصافحته. بدا يوريتش يعرف عادات الشعوب المتحضرة. ردّ المصافحة وهزّ كتفيه برفق.
“أوه، هل تعرف ماذا يناديك الناس؟” نظر النبيل إلى الوراء وهو يغادر الخيمة.
“هاه؟”
بدا يوريتش ينظر إلى الجواهر واحدة تلو الأخرى، ثم نظر إلى الأعلى.
“يُطلقون عليك اسم “يوريتش محطم الدروع”. استغل هذه الشهرة جيدًا! صورتك وأنت تُحطم صفيحة فولاذية بركبتك العارية محفورة في أذهان الناس. من شاهد مبارزتك بالأمس سيذكر اسمك أينما ذهب. كان هناك محارب حطم درعًا بيديه العاريتين! أوهوهوهوهو!”
أنهى النبيل كلامه بغمزة. شعر يوريتش بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
يوريتش محطم الدروع. وصل اسمه إلى العاصمة قبل وصول يوريتش بكثير. وصل باهيل وأخوة يوريتش إلى العاصمة بعد نصف شهر، ومن بين من اعتبروا أنفسهم سيوفًا، لم يكن هناك الكثير ممن يجهلون اسم يوريتش.
الفصل 58 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات