الفصل 59: اللقاء
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
هامل، العاصمة الإمبراطورية، أكبر مدينة في الإمبراطورية، ويبلغ عدد سكانها مئة ألف نسمة. سُميت تيمّنًا بسيد المدينة هامل، سلف الإمبراطورية. والآن، أصبح اسم هامل رمزًا للعاصمة، وأصبح اسم الأمة “إمبراطورية”، وهو ما يُشير إلى وجودها.
هامل، العاصمة الإمبراطورية، أكبر مدينة في الإمبراطورية، ويبلغ عدد سكانها مئة ألف نسمة. سُميت تيمّنًا بسيد المدينة هامل، سلف الإمبراطورية. والآن، أصبح اسم هامل رمزًا للعاصمة، وأصبح اسم الأمة “إمبراطورية”، وهو ما يُشير إلى وجودها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
خارج أسوار المدينة، كانت أعمال الترميم جارية . بلغ طول الأسوار ما يعادل سبعة رجال بالغين مجتمعين. استخدم العمال الرافعات لرفع الأحجار الثقيلة.
الفصل 59: اللقاء ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
بدا يوريتش في حالة ذهول. لم يستطع استيعاب كل هذه المشاهد الجديدة، وبدا أن امتلاك عدة أزواج من العيون لن يكفيه. لم يسبق له أن وجد مكانًا مزدحمًا كهذا. سار الناس من كل الأنواع، لا يلتفتون لأحد سوى أنفسهم.
“يوريتش، ستضيع. ابقَ قريبًا من كايليوس ” قال باهيل. كان يراقب وجه يوريتش المذهول منذ قليل.
” يوريتش اصيب بالصدمة في زيارته الأولى للعاصمة الإمبراطورية.”
لم يكن هناك مكانٌ كهذا في أي مكانٍ آخر في العالم. بدت هامل مدينةً متكاملة. مركزًا أكاديميًا وأكبر مدينةٍ تجاريةٍ في العالم. من بين مئة ألف نسمةٍ من سكانها، كان عشرون ألفًا منهم متنقلين، مما يدل على كثافة حركة المرور فيها.
“قلب الإمبراطورية.”
أدرك يوريتش أخيرًا معنى المثل القائل: هنا يكمن جوهر الحضارة. ورغم أنه لم يلج إلا أطراف المدينة، إلا أنه أدرك ذلك بشدّة: ما رآه من العالم المتحضر حتى الآن لم يكن سوى غيض من فيض.
” ستكون المدينة أكثر ازدحامًا من المعتاد بسبب بطولة المبارزة السنوية التي تقترب. على أي حال، يُسمح لخمسة أشخاص فقط بدخول القصر.”
قال هارفالد، محارب الشمس، للمجموعة: “لا يُمكن لأي فرقة مرتزقة خارجية دخول قصر الإمبراطور”. صفق يوريتش بيديه وجمع رؤوس المرتزقة.
“سيدخل باتشمان القصر معي. فليبحث باقيكم عن مكان مناسب لنا للإقامة.”
أصبح المرتزقة يسيل لعابهم بابتسامة عريضة على وجوههم. أجسادهم تتوق لفكرة الترفيه الوشيك.
العاصمة الإمبراطورية تضمّ نساءً جميلاتٍ بقدر مساحتها. ما دمتَ تملك المال، لم يكن هناك حدٌّ للترفيه الذي يمكنك العثور عليه.
بعد وداع المرتزقة، تأمل يوريتش الساحة الإمبراطورية. هناك العديد من الملابس التي لم يرها من قبل، بالإضافة إلى العديد من اللغات التي تنتمي إلى الممالك الإقليمية، وليست اللغة الإمبراطورية. هناك شوارع مرصوفة في كل مكان، وآبار متصلة بقنوات مائية لم يسمع عنها إلا هو. كان لكل بئر جنديان مُكلفان بمراقبته للتأكد من عدم تسرب أي سم أو قذارة إليه.
اقترب يوريتش من البئر المتصلة بالقناة. نظر إليه الجندي. ” أيها الريفي، إذا أردتَ الشرب، فأحضر دلوك. لا يمكنك وضع يدك في البئر، ” قال الجندي ليوريتش بقسوة. كان الأمن في العاصمة مُحكمًا للغاية لدرجة أن الجنود متمركزين عند كل بئر. “انتبه لكلامك أيها الجندي. هذا الرجل ضيفٌ على الإمبراطورية ” قال هارفالد وهو يتجه نحو البئر. ارتجف الجندي عندما لاحظ لباس هارفالد. “محارب الشمس!” لم تكن مكانة هارفالد شيئًا يُستهان به حتى من قِبل جندي. نظر الجندي بين هارفالد ويوريتش. “لا بأس، لا بأس. بالطبع، أنا من سكان الريف. هاها، هذا مذهل. لم أرَ شيئًا كهذا من قبل! من أين تأتي هذه المياه؟” ضحك يوريتش وهو يربت على كتف الجندي. “إيهم، هنا كوب لك.” أخرج الجندي كأسًا برونزيًا من حزامه. أخذه يوريتش وملأ به كوبًا كاملًا من الماء. “آه!” ابتلع يوريتش الماء. كان لذيذًا. ما كان ليتخيل أبدًا أنه ماءٌ ساكن لو لم يره بنفسه. “كيف الحال، يوريتش؟” انتظر هارفالد رد فعل يوريتش. بدا الإمبراطوريون، وخاصةً أهل العاصمة، فخورين بهاميل للغاية. كانوا يستمتعون برؤية ردود فعل الغرباء. “…هذا مذهل.” في موطن يوريتش، من الشائع أن ينجو الناس من الجفاف بشرب المياه المتجمعة على الأرض. وكثيرًا ما كان يموت الضعفاء بسبب شرب المياه الملوثة. الماء مصدر الحياة. حدّق يوريتش في نهاية القناة. بدت القنوات، التي انفصلت كشبكة عنكبوت، تمر فوق المباني لتمنع تلوثها بأي مواد خارجية. هذه القنوات بمثابة شرايين الحياة للمدينة. “قلب الإمبراطورية.” بدت المدينة بأكملها وكأنها كيانٌ واحد. الأحياء التي تفصلها مخططات المدينة في غاية الجمال كقطعة فنية. ورغم كونها مدينةً تضم مئة ألف نسمة، لم يكن من الصعب العثور على طريقك طالما اتبعت لافتات الشوارع. “هذا رائع جدًا. يجب أن تفخر بأنك جندي تحمي مكانًا كهذا.” قال يوريتش للجندي وهو يُعيد الكأس البرونزية. ضرب الجندي على صدره كأنه أمرٌ مُسلّم به. رنّت سترته المُسلسلَة. “بالتأكيد، أيها الغريب. لقد بذلنا قصارى جهدنا لهذه المدينة.” ارتفع فخر الجندي، وعكس معنويات جنود هذه المدينة العالية. “كم من الوقت سوف يمر قبل أن تولد حضارة مثل هذه في مسقط رأسي…” انتاب يوريتش شعورٌ بالحزن. شعر بالفجوة بين شعبه والحضار. “سيعيش إخوتي دون أن يعرفوا شيئًا كهذا. سيظنون أن الاختلاط بالقبائل الأخرى في تلك السهلية الصغيرة هو كل ما في العالم…” شعر باختناق في قلبه. أراد أن يُري إخوته في الوطن ما رآه وشعر به. رهبة رؤية العالم الواسع، والشعور الطاغي بالمجهول. الشعور بأن الأكل والشرب والقتل والموت ليست الأشياء الوحيدة التي تدور حولها الحياة، وملاحقة شيء يتجاوزها للشعور الحقيقي بأنك على قيد الحياة. شعر يوريتش بحيوية حقيقية عندما وصل إلى العالم المتحضر. وجد معنى الحياة وشعر برسالة. استكشف وانظر. تقدم للأمام. سمع صوتا داخليا. أصبح سعيدًا وحزينًا في الوقت نفسه. أراد أن يصرخ. “يوريتش! سيكون لدينا متسع من الوقت للتجول في المدينة لاحقًا. سنبقى هنا لفترة.” صرخ باهيل من بعيد. كانوا يخططون للبقاء في العاصمة حتى يكبر، أي بعد شهرين. “السيد يوريتش.” نادى هارفالد يوريتش بلقبٍ أعلى. أشاد بأداء يوريتش في مبارزة المبارزة الأخيرة. “إنه محارب يستحق لقب سيد .” “إذا كنت مهتمًا بـ “محاربي الشمس”، فمرحبًا بك دائمًا. يبدو أنك تفتقر إلى فهم العقيدة، ولكن هذا شيء يمكنك تعلمه دائمًا.” “أنا لست مهتمًا.” رفض يوريتش في لمح البصر. صُدم هارفالد من رد يوريتش المباشر. “همم، يبدو أنك لا تفهمني تمامًا. هذا ليس عرضًا نقدمه للجميع. شرف عظيم لنا أن ننضم إلى فريق “محاربي الشمس”.” “هذا الشرف ليس شرفي.” توقف هارفالد لثانية واحدة، ثم سأل مرة أخرى. “فما هو الشرف الذي تبحث عنه؟” “لا أعرف حتى. قلبي لا يتجه لخدمة أحد. أنا فقط أتبع ما يمليه عليّ قلبي.” “قلبك … هذه مجرد كلمة فاخرة لحياة من الفجور، حياة من مجرد اتباع رغباتك، يا سيدي يوريتش.” “رغباتي ليست سيئة ولا هي من الفجور.” بدا يوريتش يزداد انزعاجًا. أصبح يسأم من محاضرات هارفالد. ” إذا كنتَ من أتباع الشمس، فمن الصواب أن تعيشَ بإخلاصٍ وفقًا لعقيدة الشمس بدلًا من اتباع رغباتك المظلمة. أنت من أتباع الشمس، أليس كذلك؟” لم يتراجع هارفالد. “الآن أستطيع أن أرى لماذا أراد سفين قتل هارفالد.” معتقدات راسخة، وغرورٌ لاعتقاده أنه وحده على حق. شعورٌ بالاستحقاق والانتماء إلى جماعةٍ يدعم هذا الغرور. بدا هارفالد، وفقًا لمعايير معينة، رجلًا أخلاقيًا وصالحًا للغاية. لم يحاول يوريتش إنقاذ المزارعين، لكن هارفالد فعل ذلك دون تردد. “طرق مختلفة للناس المتحضرين.” بدا يوريتش يحترم مختلف أشكال الحضارة. حتى عندما لم يفهمها تمامًا، كان يتركها كما هي. “لا أشعر بالحاجة لاحترام من لا يحترم أسلوب حياتي يا هارفالد. لو تكلمت بكلمة أخرى…” تدهورت حالة يوريتش المزاجية. كاد أن ينطق بكلمة، وأصابعه تتحسس مقبض سيفه. “يوريتش!” اندفع باهيل بعيدًا عن كايليوس وسحب يوريتش إلى الخلف. “هل نسيت من تعمل معه الآن؟” قال باهيل وهو يمسك بذراع يوريتش. حدقت عيناه الزرقاوان في يوريتش. “انت، أنت من سيدفع لي بالطبع ” ابتسم يوريتش. “إذن أغلق فمك. إذا كنت مرتزقًا، فتصرف كواحد.” قال باهيل وهو ينقر على صدر يوريتش. بردت حرارة رأس يوريتش بسرعة، ونظر إلى هارفالد. “دعونا نبقى ضمن حدودنا، يا سيدي هارفالد.” أدرك هارفالد أن الأمور قد ساءت، فأومأ برأسه موافقًا. بدا هارفالد وفيًا للغاية، لكنه لا يزال يعرف كيف يفهم ما يدور في المكان. “على أية حال، فإن محاربي الشمس يرحبون دائمًا بمحارب مثلك، يا سيدي يوريتش.” أصر هارفالد. ضحك يوريتش وهو يمسك بطنه. “لقد كان ذلك مذهلاً حقًا، سموك” فكّر فيليون في نفسه وهو يكبت دموعه. باهيل وقف بين يوريتش وهارفالد قبل أن ينشأ بينهما صراع. قبل فترة ليست ببعيدة، لم يكن باهيل يتمتع بمثل هذه الكرامة أو القدرة على الفعل. “لقد شكلتك التجارب القاسية إلى أمير عظيم، نعم.” تخيل فيليون باهيل في تتويجه. * * * كان قصر السنونو مسكنًا لضيوف الإمبراطورية. ومثل السنونو المهاجر، الضيوف يأتون ويذهبون. بعد أن أرشدهم هارفالد، أمضت مجموعة باهيل يومين في قصر السنونو. ولم يُلبَّ طلبهم للقاء بعد. “ماذا تقصد بعدم إمكانية اللقاء؟ ما الذي تتحدث عنه؟” انزعج فيليون. لم يتمكن باهيل من البقاء في القصر إلا كضيف ملكي، إذ لم يُوافق حتى على طلب لجوئهم. “جلالته مشغول دائمًا بالأعمال الرسمية. سنُبلغكم بالموعد حين يحين الوقت ” قال مسؤول الإقامة الذي أشرف على أعمال إقامة السنونو لفيليون المُحبط. “هذا هو الأمير فاركا أنيو بوركانا! هل تقصد أن طلب اللجوء الملكي أمرٌ قابلٌ للتنفيذ؟” أصر فيليون، لكن الضابط رد دون أن يغير تعبير وجهه. “حتى لو قلتَ ذلك، فهذا خارج عن سيطرتي يا سيدي فيليون. أنا مجرد رسول لمن يقيمون في دار السنونو.” تحول وجه فيليون إلى اللون الأحمر. “اعتقدت أن كل شيء سوف يسير بسلاسة بمجرد وصولنا إلى العاصمة الإمبراطورية!” لم تكن المجموعة قد رأت وجه الإمبراطور بعد. لو استطاعوا، لَأرادوا اقتحام القصر الذي يقيم فيه الإمبراطور. “هذا يكفي، يا سيد فيليون. ” خرج باهيل وهو يمسح عرقه. كان عائدًا من تدريبه مع أحد فرسان الحرس. كان باهيل يتدرب كلما سنحت له الفرصة طوال الرحلة. خلال رحلتهم، اكتسب عضلاتٍ كثيرة. أصبحت ذراعاه أكثر سمكًا، وعضلاته أكثر تناسقًا. “الأمير فاركا أنيو بوركانا، صاحب السمو.” قال موظف الإقامة باحترام. استقبله باهيل برفع يده. “أرى أن جلالته ليس مهتمًا كثيرًا بلقائي. ربما يظن أن أميرًا منفيًا لا يستطيع حتى الحفاظ على مكانه في مملكته لا يستحق وقته ” قال باهيل مبتسمًا، وهزّ موظف الإقامة رأسه. “في قصر السنونو، ينتظر الكثيرون لقاءً واحدًا لشهور. الإمبراطور مشغولٌ جدًا.” نظر باهيل إلى الضابط. لم يعد هناك جدوى من قول المزيد. “أعتذر عن الإزعاج. أنت معذور.” صرف باهيل الضابط. بدا فيليون يسير بجانبه، بوجهٍ ملؤه عدم الرضا. “صاحب السمو، أنت لست مجرد ضيف. أنت وريث عرش بوركانا!” “ماذا إذن؟ هل تُسقط السماء جيشًا لوريث العرش؟ أم ينهض جيش من الأرض ليساعدني في استعادة عرشي؟” قال باهيل ببرود. صمت فيليون. “أعلم أنك تقصد الخير، وأنك تريد لي الأفضل يا سيدي فيليون. لكن اسمي ومكانتي لا يعنيان شيئًا؛ هذا ما تعلمته طوال رحلتنا. مكانتي ليست ما سيجعلني ملكًا، بل أنا.” “لكن يا صاحب السمو، أنت من أصحاب المكانة الملكية، مهما قال الناس. في هذا الصدد، كن عنيدًا بعض الشيء، كالأيام الخوالي.” مسح باهيل عرقه بمنشفة وهو يستمع إلى فيليون. راقب المارة في مقر إقامة السنونو. عدد كبير منهم، مثل فيليون، يستجوبون مسؤول المقر. “معظمهم ينتظرون لقاء الإمبراطور. خلال اليومين الماضيين، رأيت الكثير منهم يستسلم ويغادر.” ربما يكون باهيل واحدًا منهم. فكّر للحظة، ثم أغمض عينيه، ثم فتحهما. “سيد فيليون، من فضلك استدعِ يوريتش. ربما يكون في ثكنات محاربي الشمس.” أخفى فيليون استياءه وأومأ برأسه. في اليومين الماضيين، كان يوريتش يتردد كثيرًا على محاربي الشمس وقد لفت لقبه الجديد، محطم الدروع، انتباههم.
اقترب يوريتش من البئر المتصلة بالقناة. نظر إليه الجندي.
” أيها الريفي، إذا أردتَ الشرب، فأحضر دلوك. لا يمكنك وضع يدك في البئر، ” قال الجندي ليوريتش بقسوة. كان الأمن في العاصمة مُحكمًا للغاية لدرجة أن الجنود متمركزين عند كل بئر.
“انتبه لكلامك أيها الجندي. هذا الرجل ضيفٌ على الإمبراطورية ” قال هارفالد وهو يتجه نحو البئر. ارتجف الجندي عندما لاحظ لباس هارفالد.
“محارب الشمس!”
لم تكن مكانة هارفالد شيئًا يُستهان به حتى من قِبل جندي. نظر الجندي بين هارفالد ويوريتش.
“لا بأس، لا بأس. بالطبع، أنا من سكان الريف. هاها، هذا مذهل. لم أرَ شيئًا كهذا من قبل! من أين تأتي هذه المياه؟” ضحك يوريتش وهو يربت على كتف الجندي.
“إيهم، هنا كوب لك.”
أخرج الجندي كأسًا برونزيًا من حزامه. أخذه يوريتش وملأ به كوبًا كاملًا من الماء.
“آه!”
ابتلع يوريتش الماء. كان لذيذًا. ما كان ليتخيل أبدًا أنه ماءٌ ساكن لو لم يره بنفسه.
“كيف الحال، يوريتش؟”
انتظر هارفالد رد فعل يوريتش. بدا الإمبراطوريون، وخاصةً أهل العاصمة، فخورين بهاميل للغاية. كانوا يستمتعون برؤية ردود فعل الغرباء.
“…هذا مذهل.”
في موطن يوريتش، من الشائع أن ينجو الناس من الجفاف بشرب المياه المتجمعة على الأرض. وكثيرًا ما كان يموت الضعفاء بسبب شرب المياه الملوثة. الماء مصدر الحياة.
حدّق يوريتش في نهاية القناة. بدت القنوات، التي انفصلت كشبكة عنكبوت، تمر فوق المباني لتمنع تلوثها بأي مواد خارجية. هذه القنوات بمثابة شرايين الحياة للمدينة.
“قلب الإمبراطورية.”
بدت المدينة بأكملها وكأنها كيانٌ واحد. الأحياء التي تفصلها مخططات المدينة في غاية الجمال كقطعة فنية. ورغم كونها مدينةً تضم مئة ألف نسمة، لم يكن من الصعب العثور على طريقك طالما اتبعت لافتات الشوارع.
“هذا رائع جدًا. يجب أن تفخر بأنك جندي تحمي مكانًا كهذا.”
قال يوريتش للجندي وهو يُعيد الكأس البرونزية. ضرب الجندي على صدره كأنه أمرٌ مُسلّم به. رنّت سترته المُسلسلَة.
“بالتأكيد، أيها الغريب. لقد بذلنا قصارى جهدنا لهذه المدينة.”
ارتفع فخر الجندي، وعكس معنويات جنود هذه المدينة العالية.
“كم من الوقت سوف يمر قبل أن تولد حضارة مثل هذه في مسقط رأسي…”
انتاب يوريتش شعورٌ بالحزن. شعر بالفجوة بين شعبه والحضار.
“سيعيش إخوتي دون أن يعرفوا شيئًا كهذا. سيظنون أن الاختلاط بالقبائل الأخرى في تلك السهلية الصغيرة هو كل ما في العالم…”
شعر باختناق في قلبه. أراد أن يُري إخوته في الوطن ما رآه وشعر به. رهبة رؤية العالم الواسع، والشعور الطاغي بالمجهول.
الشعور بأن الأكل والشرب والقتل والموت ليست الأشياء الوحيدة التي تدور حولها الحياة، وملاحقة شيء يتجاوزها للشعور الحقيقي بأنك على قيد الحياة.
شعر يوريتش بحيوية حقيقية عندما وصل إلى العالم المتحضر. وجد معنى الحياة وشعر برسالة.
استكشف وانظر. تقدم للأمام.
سمع صوتا داخليا.
أصبح سعيدًا وحزينًا في الوقت نفسه. أراد أن يصرخ.
“يوريتش! سيكون لدينا متسع من الوقت للتجول في المدينة لاحقًا. سنبقى هنا لفترة.”
صرخ باهيل من بعيد. كانوا يخططون للبقاء في العاصمة حتى يكبر، أي بعد شهرين.
“السيد يوريتش.”
نادى هارفالد يوريتش بلقبٍ أعلى. أشاد بأداء يوريتش في مبارزة المبارزة الأخيرة.
“إنه محارب يستحق لقب سيد .”
“إذا كنت مهتمًا بـ “محاربي الشمس”، فمرحبًا بك دائمًا. يبدو أنك تفتقر إلى فهم العقيدة، ولكن هذا شيء يمكنك تعلمه دائمًا.”
“أنا لست مهتمًا.”
رفض يوريتش في لمح البصر. صُدم هارفالد من رد يوريتش المباشر.
“همم، يبدو أنك لا تفهمني تمامًا. هذا ليس عرضًا نقدمه للجميع. شرف عظيم لنا أن ننضم إلى فريق “محاربي الشمس”.”
“هذا الشرف ليس شرفي.”
توقف هارفالد لثانية واحدة، ثم سأل مرة أخرى.
“فما هو الشرف الذي تبحث عنه؟”
“لا أعرف حتى. قلبي لا يتجه لخدمة أحد. أنا فقط أتبع ما يمليه عليّ قلبي.”
“قلبك … هذه مجرد كلمة فاخرة لحياة من الفجور، حياة من مجرد اتباع رغباتك، يا سيدي يوريتش.”
“رغباتي ليست سيئة ولا هي من الفجور.”
بدا يوريتش يزداد انزعاجًا. أصبح يسأم من محاضرات هارفالد.
” إذا كنتَ من أتباع الشمس، فمن الصواب أن تعيشَ بإخلاصٍ وفقًا لعقيدة الشمس بدلًا من اتباع رغباتك المظلمة. أنت من أتباع الشمس، أليس كذلك؟”
لم يتراجع هارفالد.
“الآن أستطيع أن أرى لماذا أراد سفين قتل هارفالد.”
معتقدات راسخة، وغرورٌ لاعتقاده أنه وحده على حق. شعورٌ بالاستحقاق والانتماء إلى جماعةٍ يدعم هذا الغرور.
بدا هارفالد، وفقًا لمعايير معينة، رجلًا أخلاقيًا وصالحًا للغاية. لم يحاول يوريتش إنقاذ المزارعين، لكن هارفالد فعل ذلك دون تردد.
“طرق مختلفة للناس المتحضرين.”
بدا يوريتش يحترم مختلف أشكال الحضارة. حتى عندما لم يفهمها تمامًا، كان يتركها كما هي.
“لا أشعر بالحاجة لاحترام من لا يحترم أسلوب حياتي يا هارفالد. لو تكلمت بكلمة أخرى…”
تدهورت حالة يوريتش المزاجية. كاد أن ينطق بكلمة، وأصابعه تتحسس مقبض سيفه.
“يوريتش!”
اندفع باهيل بعيدًا عن كايليوس وسحب يوريتش إلى الخلف.
“هل نسيت من تعمل معه الآن؟”
قال باهيل وهو يمسك بذراع يوريتش. حدقت عيناه الزرقاوان في يوريتش.
“انت، أنت من سيدفع لي بالطبع ” ابتسم يوريتش.
“إذن أغلق فمك. إذا كنت مرتزقًا، فتصرف كواحد.”
قال باهيل وهو ينقر على صدر يوريتش. بردت حرارة رأس يوريتش بسرعة، ونظر إلى هارفالد.
“دعونا نبقى ضمن حدودنا، يا سيدي هارفالد.”
أدرك هارفالد أن الأمور قد ساءت، فأومأ برأسه موافقًا. بدا هارفالد وفيًا للغاية، لكنه لا يزال يعرف كيف يفهم ما يدور في المكان.
“على أية حال، فإن محاربي الشمس يرحبون دائمًا بمحارب مثلك، يا سيدي يوريتش.”
أصر هارفالد. ضحك يوريتش وهو يمسك بطنه.
“لقد كان ذلك مذهلاً حقًا، سموك”
فكّر فيليون في نفسه وهو يكبت دموعه. باهيل وقف بين يوريتش وهارفالد قبل أن ينشأ بينهما صراع. قبل فترة ليست ببعيدة، لم يكن باهيل يتمتع بمثل هذه الكرامة أو القدرة على الفعل.
“لقد شكلتك التجارب القاسية إلى أمير عظيم، نعم.”
تخيل فيليون باهيل في تتويجه.
* * *
كان قصر السنونو مسكنًا لضيوف الإمبراطورية. ومثل السنونو المهاجر، الضيوف يأتون ويذهبون.
بعد أن أرشدهم هارفالد، أمضت مجموعة باهيل يومين في قصر السنونو. ولم يُلبَّ طلبهم للقاء بعد.
“ماذا تقصد بعدم إمكانية اللقاء؟ ما الذي تتحدث عنه؟”
انزعج فيليون. لم يتمكن باهيل من البقاء في القصر إلا كضيف ملكي، إذ لم يُوافق حتى على طلب لجوئهم.
“جلالته مشغول دائمًا بالأعمال الرسمية. سنُبلغكم بالموعد حين يحين الوقت ” قال مسؤول الإقامة الذي أشرف على أعمال إقامة السنونو لفيليون المُحبط.
“هذا هو الأمير فاركا أنيو بوركانا! هل تقصد أن طلب اللجوء الملكي أمرٌ قابلٌ للتنفيذ؟”
أصر فيليون، لكن الضابط رد دون أن يغير تعبير وجهه.
“حتى لو قلتَ ذلك، فهذا خارج عن سيطرتي يا سيدي فيليون. أنا مجرد رسول لمن يقيمون في دار السنونو.”
تحول وجه فيليون إلى اللون الأحمر.
“اعتقدت أن كل شيء سوف يسير بسلاسة بمجرد وصولنا إلى العاصمة الإمبراطورية!”
لم تكن المجموعة قد رأت وجه الإمبراطور بعد. لو استطاعوا، لَأرادوا اقتحام القصر الذي يقيم فيه الإمبراطور.
“هذا يكفي، يا سيد فيليون. ”
خرج باهيل وهو يمسح عرقه. كان عائدًا من تدريبه مع أحد فرسان الحرس. كان باهيل يتدرب كلما سنحت له الفرصة طوال الرحلة. خلال رحلتهم، اكتسب عضلاتٍ كثيرة. أصبحت ذراعاه أكثر سمكًا، وعضلاته أكثر تناسقًا.
“الأمير فاركا أنيو بوركانا، صاحب السمو.”
قال موظف الإقامة باحترام. استقبله باهيل برفع يده.
“أرى أن جلالته ليس مهتمًا كثيرًا بلقائي. ربما يظن أن أميرًا منفيًا لا يستطيع حتى الحفاظ على مكانه في مملكته لا يستحق وقته ” قال باهيل مبتسمًا، وهزّ موظف الإقامة رأسه.
“في قصر السنونو، ينتظر الكثيرون لقاءً واحدًا لشهور. الإمبراطور مشغولٌ جدًا.”
نظر باهيل إلى الضابط. لم يعد هناك جدوى من قول المزيد.
“أعتذر عن الإزعاج. أنت معذور.”
صرف باهيل الضابط. بدا فيليون يسير بجانبه، بوجهٍ ملؤه عدم الرضا.
“صاحب السمو، أنت لست مجرد ضيف. أنت وريث عرش بوركانا!”
“ماذا إذن؟ هل تُسقط السماء جيشًا لوريث العرش؟ أم ينهض جيش من الأرض ليساعدني في استعادة عرشي؟”
قال باهيل ببرود. صمت فيليون.
“أعلم أنك تقصد الخير، وأنك تريد لي الأفضل يا سيدي فيليون. لكن اسمي ومكانتي لا يعنيان شيئًا؛ هذا ما تعلمته طوال رحلتنا. مكانتي ليست ما سيجعلني ملكًا، بل أنا.”
“لكن يا صاحب السمو، أنت من أصحاب المكانة الملكية، مهما قال الناس. في هذا الصدد، كن عنيدًا بعض الشيء، كالأيام الخوالي.”
مسح باهيل عرقه بمنشفة وهو يستمع إلى فيليون. راقب المارة في مقر إقامة السنونو. عدد كبير منهم، مثل فيليون، يستجوبون مسؤول المقر.
“معظمهم ينتظرون لقاء الإمبراطور. خلال اليومين الماضيين، رأيت الكثير منهم يستسلم ويغادر.”
ربما يكون باهيل واحدًا منهم. فكّر للحظة، ثم أغمض عينيه، ثم فتحهما.
“سيد فيليون، من فضلك استدعِ يوريتش. ربما يكون في ثكنات محاربي الشمس.”
أخفى فيليون استياءه وأومأ برأسه. في اليومين الماضيين، كان يوريتش يتردد كثيرًا على محاربي الشمس وقد لفت لقبه الجديد، محطم الدروع، انتباههم.
بدا يوريتش في حالة ذهول. لم يستطع استيعاب كل هذه المشاهد الجديدة، وبدا أن امتلاك عدة أزواج من العيون لن يكفيه. لم يسبق له أن وجد مكانًا مزدحمًا كهذا. سار الناس من كل الأنواع، لا يلتفتون لأحد سوى أنفسهم. “يوريتش، ستضيع. ابقَ قريبًا من كايليوس ” قال باهيل. كان يراقب وجه يوريتش المذهول منذ قليل. ” يوريتش اصيب بالصدمة في زيارته الأولى للعاصمة الإمبراطورية.” لم يكن هناك مكانٌ كهذا في أي مكانٍ آخر في العالم. بدت هامل مدينةً متكاملة. مركزًا أكاديميًا وأكبر مدينةٍ تجاريةٍ في العالم. من بين مئة ألف نسمةٍ من سكانها، كان عشرون ألفًا منهم متنقلين، مما يدل على كثافة حركة المرور فيها. “قلب الإمبراطورية.” أدرك يوريتش أخيرًا معنى المثل القائل: هنا يكمن جوهر الحضارة. ورغم أنه لم يلج إلا أطراف المدينة، إلا أنه أدرك ذلك بشدّة: ما رآه من العالم المتحضر حتى الآن لم يكن سوى غيض من فيض. ” ستكون المدينة أكثر ازدحامًا من المعتاد بسبب بطولة المبارزة السنوية التي تقترب. على أي حال، يُسمح لخمسة أشخاص فقط بدخول القصر.” قال هارفالد، محارب الشمس، للمجموعة: “لا يُمكن لأي فرقة مرتزقة خارجية دخول قصر الإمبراطور”. صفق يوريتش بيديه وجمع رؤوس المرتزقة. “سيدخل باتشمان القصر معي. فليبحث باقيكم عن مكان مناسب لنا للإقامة.” أصبح المرتزقة يسيل لعابهم بابتسامة عريضة على وجوههم. أجسادهم تتوق لفكرة الترفيه الوشيك. العاصمة الإمبراطورية تضمّ نساءً جميلاتٍ بقدر مساحتها. ما دمتَ تملك المال، لم يكن هناك حدٌّ للترفيه الذي يمكنك العثور عليه. بعد وداع المرتزقة، تأمل يوريتش الساحة الإمبراطورية. هناك العديد من الملابس التي لم يرها من قبل، بالإضافة إلى العديد من اللغات التي تنتمي إلى الممالك الإقليمية، وليست اللغة الإمبراطورية. هناك شوارع مرصوفة في كل مكان، وآبار متصلة بقنوات مائية لم يسمع عنها إلا هو. كان لكل بئر جنديان مُكلفان بمراقبته للتأكد من عدم تسرب أي سم أو قذارة إليه.
بدا يوريتش في حالة ذهول. لم يستطع استيعاب كل هذه المشاهد الجديدة، وبدا أن امتلاك عدة أزواج من العيون لن يكفيه. لم يسبق له أن وجد مكانًا مزدحمًا كهذا. سار الناس من كل الأنواع، لا يلتفتون لأحد سوى أنفسهم. “يوريتش، ستضيع. ابقَ قريبًا من كايليوس ” قال باهيل. كان يراقب وجه يوريتش المذهول منذ قليل. ” يوريتش اصيب بالصدمة في زيارته الأولى للعاصمة الإمبراطورية.” لم يكن هناك مكانٌ كهذا في أي مكانٍ آخر في العالم. بدت هامل مدينةً متكاملة. مركزًا أكاديميًا وأكبر مدينةٍ تجاريةٍ في العالم. من بين مئة ألف نسمةٍ من سكانها، كان عشرون ألفًا منهم متنقلين، مما يدل على كثافة حركة المرور فيها. “قلب الإمبراطورية.” أدرك يوريتش أخيرًا معنى المثل القائل: هنا يكمن جوهر الحضارة. ورغم أنه لم يلج إلا أطراف المدينة، إلا أنه أدرك ذلك بشدّة: ما رآه من العالم المتحضر حتى الآن لم يكن سوى غيض من فيض. ” ستكون المدينة أكثر ازدحامًا من المعتاد بسبب بطولة المبارزة السنوية التي تقترب. على أي حال، يُسمح لخمسة أشخاص فقط بدخول القصر.” قال هارفالد، محارب الشمس، للمجموعة: “لا يُمكن لأي فرقة مرتزقة خارجية دخول قصر الإمبراطور”. صفق يوريتش بيديه وجمع رؤوس المرتزقة. “سيدخل باتشمان القصر معي. فليبحث باقيكم عن مكان مناسب لنا للإقامة.” أصبح المرتزقة يسيل لعابهم بابتسامة عريضة على وجوههم. أجسادهم تتوق لفكرة الترفيه الوشيك. العاصمة الإمبراطورية تضمّ نساءً جميلاتٍ بقدر مساحتها. ما دمتَ تملك المال، لم يكن هناك حدٌّ للترفيه الذي يمكنك العثور عليه. بعد وداع المرتزقة، تأمل يوريتش الساحة الإمبراطورية. هناك العديد من الملابس التي لم يرها من قبل، بالإضافة إلى العديد من اللغات التي تنتمي إلى الممالك الإقليمية، وليست اللغة الإمبراطورية. هناك شوارع مرصوفة في كل مكان، وآبار متصلة بقنوات مائية لم يسمع عنها إلا هو. كان لكل بئر جنديان مُكلفان بمراقبته للتأكد من عدم تسرب أي سم أو قذارة إليه.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات