You dont have javascript enabled! Please enable it!
]
Switch Mode
نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

سجلات قاتل الملك 12

قطع أحجية تتناسق

قطع أحجية تتناسق

 قطع أحجية تتناسق

 

 قطع أحجية تتناسق  


نحو نهاية الصيف، صادف أن استرقتُ السمع لمحادثة أخرجتني من حالتي السعيدة من الجهل و الغفلة.

حين نكون أطفالًا، نادراً ما نفكّر في المستقبل. وهذه البراءة تمنحنا حرية الاستمتاع كما لا يستطيع البالغون. اليوم الذي نبدأ فيه القلق بشأن المستقبل، هو اليوم الذي نودّع فيه طفولتنا.

كان المساء قد حلّ، وكانت الفرقة متوقفة على جانب الطريق.

كان "أبِنثي" قد أعطاني تمرينًا جديدًا في "السمباثي": مبدأ الحرارة المتغيّرة المحوَّلة إلى الحركة الثابتة – أو اسمٌ متكلّف من هذا القبيل.

كان الأمر معقّدًا، لكنه انسجم في ذهني كقطعة أحجية وُضعت في مكانها الصحيح. استغرق الأمر حوالي خمس عشرة دقيقة، ومن نبرة "أبِنثي"، خمّنت أنه كان يتوقّع أن يستغرق ثلاث أو أربع ساعات على الأقل.

لذا خرجتُ أبحث عنه. جزئيًا لأحصل على درسي التالي، وجزئيًا لأكون متفاخرًا و مغرورا قليلًا.

تتبعت أثره حتى عربة والديّ.

سمعتُ أصوات الثلاثة قبل أن أراهم. كانت أصواتهم همسات، أشبه بالموسيقى البعيدة التي تصدرها المحادثات عندما تكون خافتة جدًا بحيث لا يمكن تمييز كلماتها. لكنني، حين اقتربت أكثر، سمعت كلمة واحدة بوضوح: "تشاندريان".

توقفت فجأة عندما سمعت ذلك. الجميع في الفرقة كان يعرف أن والديّ يعمل على أغنية. لقد أمضى أكثر من عامٍ وهو يجمع القصص القديمة والأناشيد من أهل المدن و البلدات التي نمرّ بها في رحلاتنا.

لسنوات، كان يجمع الحكايات عن "لانري"(Lanre). ثم بدأ بجمع قصص الجانّ القديمة، والأساطير عن الأشباح و العفاريت ورجال "الشامبل"(shamble-men). ثم بدأ يطرح أسئلة عن "التشاندريان"...

*رجال الشامبل هنا و بالرواية هم كائنات مخيف تشبه المتشردين من الخرق و الأسمال البالية التي يرتدونها، سأتركها الشامبل للتفريق بينهم و المتشردين *

وكان ذلك قبل عدّة أشهر. على مدار نصف العام الماضي، بدأ يسأل عن "التشاندريان" أكثر من "لانري"، و"لايرا"(Lyra)، والباقين.

*لانري و لايرا سيتم شرح من يكونون مستقبلا*

معظم الأغاني التي يكتبها والدي تُستكمَل في موسمٍ واحد، أما هذه، فكانت تتجاوز عامها الثاني.

ينبغي أن تعلم هذا أيضًا: لم يكن والدي يسمح قطّ لأي كلمة أو همسة من أغنية أن تُسمع قبل أن تكتمل وتصبح جاهزة للعزف.

وحدها والدتي كانت تُؤتمن على أسراره و منحها ثقته، إذ إن يدها كانت دومًا حاضرة في أيّ أغنية يُبدعها. ذكاء اللحن و إتقانه كان من صنيعه، أمّا أبهى الكلمات فكانت من صنعها.

حين تنتظر بضعة أسابيع أو شهرًا لسماع أغنية مكتملة، فإنّ الترقّب يُضفي على اللحن نكهة مميّزة. لكن بعد عام، يبدأ الحماس بالتعفّن و التلاشي. وبحلول هذا الوقت، كانت سنة ونصف قد انقضت، وكان الناس قد بلغوا حافّة الجنون من شدّة الفضول.

وقد أدى ذلك أحيانًا إلى كلمات قاسية، حين يُمسك بأحدهم وهو يتجوّل قريبًا أكثر من اللازم من عربتنا أثناء عمل والدي ووالدتي.

فتقدّمتُ أكثر نحو نار والديّ، أخطو بخفّة و هدوء. التنصّت عادة مستهجنة، لكنني اكتسبت عادات أسوأ و طورتها منذ ذلك الحين.

"...أعرف الكثير عنهم" سمعت 'بِن' يقول متابعا: "لكنني راغب و مستعد."

"يسرّني أن أتحدث مع رجلٍ مُتعلم في هذا الشأن. "كان صوت والدي العميق و الجهوري يتباين مع طبقة صوت 'بِن' الرقيقة. "لقد سئمتُ هؤلاء القرويين المؤمنين كثيرا بالخرافات، و..."

أُضيف حطب إلى النار، فضاعت كلمات والدي وسط طقطقة اللهيب.

وتقدّمتُ بسرعة ما استطعت، حتى اختبأت في ظلّ عربة والديّ الطويل.

"...أشعر وكأنني أطارد أشباحًا مع هذه الأغنية. محاولة جمع شتات و أجزاء هذه القصة أشبه بلعبة حمقَى. ليتني ما بدأت بها أصلًا."

"هراء،" قالت والدتي. "ستكون هذه أفضل أعمالك، وأنت تعلم ذلك."

"أتظنّين أنّ هناك قصة أصلية تنحدر منها سائر القصص؟" سأل "بِن".

"أساس تاريخي لشخصية 'لانري'؟"

"كلّ الإشارات و الدلائل تؤكّد ذلك و تشير له" قال والدي. "الأمر يشبه أن تنظر إلى اثني عشر حفيدًا، فترى أنّ عشرة منهم يملكون عيونًا زرقاء. عندها تعرف أنّ الجدة كانت زرقاء العينين أيضًا. لقد فعلتُ هذا من قبل، وأجيده و أَبْرعُ فيه.

كتبتُ 'أسفل الأسوار' بنفس الطريقة. لكن..." وسمعتُه يتنهّد.

"ما المشكلة إذًا؟"

قالت أمي شارحة: "القصة أقدم من ذلك، الأمر أشبه بالنظر إلى أبناء أبناء الأحفاد."

فتذمّر والدي قائلاً: "وهم مشتّتون في الجهات الأربع. وحين أعثر على أحدهم، أجده بخمسة أعين: عينان خضراوان، وزرقاء، وبُنّية، وعيْن باللون الأخضر المُصفرّ. ثم أجد التالي بعين واحدة، وتلك العين تغيّر لونها! كيف يُفترض بي أن أستخلص و أستنتج شيئًا من هذا؟"

تنحنح 'بن' وقال: "تشبيه مُقلق، لكنّك مرحّب بك في التنقيب في ذاكرتي و لا تتردد في سؤالي بشأن 'التشانْدريان'. لقد سمعت الكثير من القصص على مرّ السنين."

فقال والدي: "أول ما أحتاج إلى معرفته هو عددهم الحقيقي. أغلب القصص تقول إنهم سبعة، لكن حتى هذا فيه اختلاف. بعضها يذكر ثلاثة، وأخرى خمسة، وفي 'سقوط فيِليور' يُقال إنهم ثلاثة عشر: واحد لكل 'بونتيفيت'(pontifet) في 'آتور'، و واحد آخر إضافي للعاصمة."

*"بونتيفيت" هي كلمة قريبة من "Pontiff" باللاتينية، والتي تعني غالبا "رئيس الكهنة" أو "الزعيم الديني الأعلى"، مثلما يُقال "البابا" في الكنيسة الكاثوليكية، لكنها هنا تشير إلى سلطة دينية عليا في مملكة آتور داخل عالم الرواية...*

قال 'بن': "هذا يمكنني الإجابة عنه. سبعة. يمكنك أن تثق بذلك إلى حدٍّ بعيد. فهذا جزء من اسمهم، في الحقيقة. 'تشاين' تعني سبعة. و 'تشاين-ديان' (Chaen-dian) تعني: سبعة منهم. تشانْدريان."

قال والدي بدهشة: "لم أكن أعلم هذا. 'تشاين'… من أيّ لغة هذه؟ 'يِلّيش'(Yllish)؟"

فقالت أمي: "يبدو أنها 'تيما'."

قال 'بن' لها: "أذنك ثاقبة و ممتازة. هي فعلاً لغة 'تيميك' بالواقع، تسبق لغة 'تيما' بحوالي ألف عام."

فقال والدي: "هذا يُبَسِّط الأمور. ليتني سألتك قبل شهر. لا أظن أنّك تعرف لماذا يفعلون ما يفعلونه؟" كان واضحا من نبرة والدي أنه لا يتوقّع جوابًا حقًا.

ضحك 'بن' وقال: "تلك هي المعضلة الحقيقية و اللغز المهم، أليست كذلك؟ أظن أن هذا هو ما يجعلهم أكثر رُعبًا من باقي أشباح القصص. الشبح يريد الانتقام، الشيطان يريد روحك، و 'رَجُل-الخرقة'(*هو مفرد رجال الشامبل*) يكون جائعا وباردا. هذا يُخفّف من فظاعتهم. فالأشياء التي نفهمها و نعرف عنها يمكننا أن نحاول السيطرة عليها. أمّا التشانْدريان فيأتون مثل البرق في سماء صافية: دمارٌ خالص، بلا نَسَق أو منطق."

قال والدي بعزيمة قاتمة: "أغنيتي ستحوي الأمرين معًا. أعتقد أنني اكتشفت سببهم بعد كل هذا الوقت. لقد جمّعت الأمر خيطًا بخيط من شذرات القصص وبقايا الحكايات. وهذا ما يجعل الأمر مقيتًا إلى هذا الحدّ، أن أُنهي الجزء الأصعب، ثم تُرهقني هذه التفاصيل الصغيرة."

قال 'بن' بفضول: "أترى أنك عرفت السبب؟ ما هي نظريتك؟"

قهقه والدي بخفوت وقال: "أوه، لا يا 'بن'، سيتعيّن عليك أن تنتظر مع الآخرين. لقد أرهقت نفسي في هذه الأغنية لدرجة لا تسمح لي بالتخلّي عن قلبها قبل أن تُستكمل."

تمكّنت من سماع خيبة الأمل في صوت 'بن'. قال متذمّرًا: "أنا متأكّد أن كل هذا مجرد حيلة متقنة لإبقائي مسافرًا معكم. لن أتمكن من الرحيل حتى أسمع هذا الشيء الملعون."

فقالت أمي: "إذاً ساعدنا على إنهائها. إشارات و علامات 'التشانْدريان' قطعة أخرى من المعلومات الأساسية التي لم نستطع تثبيتها و تحديدها. الكل يتّفق على أنّ هناك علامات تنذر بوجودهم، لكن لا أحد يتّفق على ماهيّتها."

قال 'بن' مفكرًا: "دعني أرى... اللهب الأزرق واضح بالطبع. لكنني أتحفّظ على نسبته إلى 'التشانْدريان' تحديدًا. في بعض القصص هو علامة على الشياطين، وفي غيرها يظهر مع مخلوقات الـ'فاي'(Fae)، أو السحر عمومًا."

أشارت أمي قائلة: "ويُظهِر وجود هواء فاسد في المناجم أيضًا."

فقال والدي: "حقًا؟"

أومأت برأسها: "عندما تحترق المصابيح بهالة زرقاء، فاعلم أن الهواء مشبع بغاز 'الفايردامب'(firedamp)."

فقال والدي: "يا إلهي... 'الفايردامب' في منجم فحم! إما أن تطفئ المصباح فتتوه في الظلام، أو تتركه مشتعلاً فتنسف المكان بأكمله. هذا أرعب من أي شيطان."

قال 'بن' وهو يصفي حلقه بخجل: "وأعترف أيضًا أن بعض 'الأركانيست' يستعملون أحيانا شموعًا أو مشاعل مُعَدّة سلفًا، لإبهار سكان القرى السُّذّج."

ضحكت أمي وقالت: "تذكّر من تتحدّث إليه يا 'بن'. نحن لا نحمل ضغينة على رجل من أجل بعض الاستعراضات. في الواقع، ستكون الشموع الزرقاء هي الحل المثالي في المرة القادمة التي نلعب فيها 'دَايونيكا'. إذا كنت قد عثرت على بعضها مختبئة في مكان ما، بالطبع."

قال 'بن' بصوت مسلي: "سأرى ما يمكنني فعله. أما بالنسبة للإشارات الأخرى... يُقال إن أحدهم يمتلك عيونًا مثل الماعز، أو لا عيون، أو عيونًا سوداء. لقد سمعت هذا كثيرًا. سمعت أيضًا أن النباتات تموت عندما يكون 'التشانْدريان' بالقرب. الخشب يتعفن، المعدن يصدأ، والطوب يتفتت..." توقف. "لكنني لست متأكدًا إن كان ذلك يشير إلى عدة علامات أم كلها تشير إلى نفس الشيء."

*قصده هنا انها تجتمع كلها في علامة واحد، وباقي العلامات مجرد نتيجة لها، كمثال يطلقون غازا سحريا، و هذا الغاز يجعل النار زرقاء و النباتات تذبل... هذا مثال فقط و من عندي*

قال والدي بحزن: "أنت تبدأ في رؤية المشكلة التي أواجهها. ولا زالت هناك مسألة إن كانوا جميعًا يشتركون في نفس العلامات، أو لكل منهم علاماته الخاصة."

قالت أمي بإرهاق و انزعاج: "لقد أخبرتك، علامة واحدة لكل واحد منهم. هذا هو التفسير الانسب و الأكثر منطقية."

قال والدي: "نظرية زوجتي المفضلة." ثم تابع قائلاً: "لكن هذا لا يتناسب مع الواقع. في بعض القصص، العلامة الوحيدة هي اللهب الأزرق. وفي أخرى، تجد الحيوانات تصبح مجنونة دون أن يكون هناك لهب أزرق. وفي أخرى، تجد رجلًا بعينين سوداويتين، والحيوانات تصاب بالجنون، وهناك لهب أزرق."

قالت أمي: "لقد أخبرتك كيف تفسّر ذلك." بدا من نبرة صوتها الغاضبة أنهم قد ناقشوا هذه المسألة من قبل. "ليس من الضروري أن تكون كلها موجودة معًا. يمكنهم الظهور في مجموعات من ثلاثة أو أربعة. إذا جعل أحدهم النار تتوهج خافتة، فسيبدو الأمر وكأنهم جميعًا جعلوا النار خافتة. هذا يفسّر الاختلافات في القصص. أعداد مختلفة وعلامات مختلفة حسب كيفية تجميعهم معًا."

تمتم والدي بشيء غير واضح.

قال 'بن' مبتسمًا، كاسراً التوتر: "إنها زوجة ذكية لديك يا 'آرل' (Arl)." ثم سأل مازحًا: "بكم ستبيعها؟" *انظروا لجواب الديوثي، لا غيرة (*_*) *

قال والدي: "للأسف، أنا بحاجة إليها لعملي. ولكن إذا كنت مهتمًا بإيجار قصير الأمد، أعتقد أنه يمكننا ترتيب...-" ثم سمعنا صوت دَفْعٍ مصحوبًا بصوت ضحكة مأساوية من والدي. "هل من علامات أخرى تخطر ببالك؟"

تابع والدي: "يُقال إنهم باردون عند اللمس. لكن كيف يمكن لأحد أن يعرف ذلك، فهذا أمر يتجاوز فهمي. سمعت أيضًا أن النيران لا تشتعل حولهم. لكن هذا يتناقض مباشرة مع اللهب الأزرق. قد يكون-"

اشتد الرياح، مما جعل الأشجار تهتز. غط حفيف أوراق الأشجار المتساقطة ما قاله 'بن'. استغليت الضوضاء للتسلل خطوات قليلة أقرب.

سمعت والدي يقول بعد أن هدأت الرياح: "...أنهم 'مربوطون بالظل'(yoked to shadow)، مهما كان معنى ذلك."

أصدر 'بن' صوتًا غير راضٍ. "لا أستطيع القول أيضًا. سمعت قصة كانوا قد تم التخلي عنهم فيها لأن ظلالهم كانت تشير في الاتجاه الخطأ، نحو النور. وكان هناك أخرى حيث تم الإشارة إلى أحدهم بعبارة 'مُظلَّم-الظل'(shadow-hamed). كان 'شيء ما المُظَلَّم-الظل'. اللعنة، لا أستطيع تذكر الاسم..."

قال والدي: "بالحديث عن الأسماء، هذه نقطة أخرى أواجه فيها صعوبة. لدي بعض العشرات التي جمعتها وأود أن أسمع رأيك فيها. الأكثر-"

قاطع 'بن' والدي قائلاً: "في الواقع، 'آرل'، أود لو لم تقم بذكرها بصوت عالٍ. الأسماء الخاصة بالأشخاص، أقصد. يمكنك أن تكتبها في التراب إذا أردت، أو يمكنني أن أذهب لأحضر لوحًا، لكنني سأكون أكثر راحة إذا لم تنطق بأي منها. أفضل أن أكون في أمان من أن أكون في الألم، كما يقولون."

سادت لحظة من الصمت العميق. توقفت في منتصف خطواتي، وقد رفعت قدما واحدة عن الأرض، خشية أن يكونوا قد سمعوني.

قال 'بن' بتوتر: "والآن، لا تراقبوني هكذا، أيها الاثنين."

جاء صوت أمي الرقيق قائلة: "نحن فقط متفاجئون، 'بن'. لا تبدو من نوع الأشخاص الذين يؤمنون بالخرافات."

قال 'بن': "لست كذلك." ثم أضاف: "أنا حذر. هناك فرق."

قال والدي: "بالطبع"، ثم تابع: "لن-"

قاطعه 'بن' بغضب و انزعاج: "احتفظ بذلك للعملاء الذين يدفعون، 'آرل'. أنت ممثل جيد لدرجة أنك تظهر ذلك الآن، لكنني أعلم تمامًا متى يظن أحدهم أنني أحمق."

قال والدي معتذرًا: "لم أتوقع ذلك، 'بن'. أنت متعلم، وأنا متعب من أن الناس يلمسون الحديد ويرتشفون بيرة بمجرد أن أذكر 'التشاندريان'. أنا فقط أعيد بناء قصة، لست أتدخل في الفنون المظلمة."

قال 'بن' مدافعًا: "اسمعني. أنا أُقدّر كلاكما لدرجة أنني لا أريد أن تظنوا بي ظنًا سيئًا كأنني أحمق مسنّ. وبالإضافة إلى ذلك، لدي شيء أود التحدث عنه معكما لاحقًا، وسأحتاج إلى أن تأخذاني على محمل الجد حينها."

استمرت الرياح في الازدياد، فاستخدمت الصوت لتغطية خطواتي الأخيرة. تملّصت حول زاوية عربة والديّ وألقيت نظرة عبر ستار من الأوراق. كان الثلاثة يجلسون حول نار المخيم. كان 'بن' جالسًا على جذع شجرة، ملتفًا في معطفه البني المهترئ. كان والديّ يجلسان قبالته، وأمي متكئة على والدي، ومعطف مفرود حولهما.

سكب 'بن' من إبريق فخاري في كوب جِلدي وناوله لأمي. كانت أنفاسه تتكثف في الهواء وهو يتحدث: "كيف يشعرون تجاه الشياطين في 'آتور'؟"

قال والدي: "خائفين." وضرب على صدغه. "كل تلك الديانات تجعل أدمغتهم رخوة."

سأل 'بن': "ماذا عن 'فينتاس'؟ عدد غير قليل منهم من 'التهليين'. هل يشعرون بنفس الطريقة؟"

هزت أمي رأسها: "يظنون أنه شيء سخيف. يحبون شياطينهم أن تكون مجازية."

ثم سأل 'بن': "ماذا يخافون منه في الليل في 'فينتاس' إذًا؟"

أجابت أمي: "الفاي."

قال والدي في نفس الوقت: "الدراغوار(Draugar)."

قال 'بن': "أنتما على صواب، حسب الجزء الذي تتواجدان فيه من البلاد، وهنا في الكومنولث، يضحك الناس على كلا الفكرتين" ثم أشار إلى الأشجار المحيطة بهم. "لكنهم هنا حذرون مع حلول فصل الخريف خوفًا من لفت انتباه 'رجال الشامبل'."

قال والدي: "هذه هي طبيعة الأمور. نصف كونك فنانًا جيدًا هو أن تعرف إلى أي جانب يميل جمهورك."

قال 'بن' ضاحكًا: "ما زلت تعتقد أنني مجنون. استمع، لو وصلنا غدًا إلى 'بيران'(Biren) وأخبرك أحدهم أن هناك 'رجال الشامبل' في الغابات، هل ستصدقه؟"

هز والدي رأسه مرة أخرى: "لا."

سأل 'بن' مرة أخرى: "ماذا لو أخبرك اثنان؟"

هز رأسه مجددًا.

اقترب 'بن' إلى الأمام وهو جالس على جذع الشجرة وقال: "ماذا لو أخبرك دزينة (*12*) من الناس، بكل جدية، أن رجال الشامبل كانوا في الحقول، يأكلون-"

قال والدي مقاطعًا: "بالطبع لن أصدقهم. هذا سخيف."

وافق 'بن' قائلاً: "بالطبع هو كذلك." رفع إصبعه وقال: "لكن السؤال الحقيقي هو هذا: هل ستذهب إلى الغابة؟"

جلس والدي ثابتًا للحظة، يبدو عليه التفكير العميق.

أومأ 'بن' قائلاً: "ستكون أحمقا إذا تجاهلت تحذير نصف البلدة، حتى وإن كنت لا تصدق ما يعتقدونه. إذا لم يكن رجال الشامبل، فما الذي تخاف منه؟"

قال والدي: "الدببة."

قال 'بن': "اللصوص وقطاع الطرق."

"مخاوف منطقية ومعقولة جيدٌ أن تكون لدى فنان" قال 'بن'. "مخاوف لا يقدرها أهل البلدة. كل مكان له خرافاته الصغيرة، وكل واحد يضحك على ما يظنه أهل البلدة في الجهة الأخرى من النهر." ثم نظر إليهم بجدية. "لكن هل سمع أحدكما أغنية أو قصة فكاهية عن 'التشاندريان'؟ أنا على يقين أنك لم تسمع."

هزت أمي رأسها بعد لحظة من التفكير. أخذ والدي رشفة طويلة قبل أن ينضم إليها.

قال 'بن' مكملاً: "الآن، أنا لا أقول إن 'التشاندريان' موجودون هناك، يضربون كالبرق من السماء الزرقاء الصافية. لكن الناس في كل مكان يخافون منهم. عادةً ما يكون هناك سبب لذلك."

ابتسم "بن" و قلب كوبه الفخاري، وسكب آخر رشفة و قطرات من الجعة منه على الأرض. "والأسماء أشياء غريبة. أشياء خطيرة." ثم نظر إليهم بنظرة حادة. "أعرف ذلك جيدًا لأنني رجل متعلم. وإن كنت قليلًا ما أؤمن بالخرافات..." ثم هز كتفيه. "حسنًا، هذا اختياري. أنا عجوز قديم. يجب أن تتحملوني و تسايروني."

هز والدي رأسه بتفكير. "من الغريب أنني لم ألاحظ أن الجميع يعاملون 'التشاندريان' بنفس الطريقة و على قدم المساواة. كان يجب أن أرى ذلك." ثم هز رأسه وكأنه يحاول تصفية ذهنه. "يمكننا العودة إلى الأسماء لاحقًا، على ما أعتقد. ماذا كان الأمر الذي أردت التحدث عنه سابقا؟"

كنت على وشك التسلل بعيدًا قبل أن يُقبض عليّ، لكن ما قاله "بن" جمدني في مكاني قبل أن أتحرك خطوة واحدة.

قال "بن": "من الصعب أن تراه، بما أنكما والديه. لكن ابنكما الصغير 'كڤوث' ذكي جدًا." ثم ملأ كوبه من جديد ومدّ الجرة إلى والدي، الذي رفضها. "في الواقع، كلمة 'ذكي' لا تكفي لوصفه، ولا حتى نصفها."

راقبت أمي "بن" من فوق فنجانها. "أي شخص يقضي بعض الوقت مع الفتى يمكنه أن يرى ذلك، 'بن'. لا أرى لماذا يجب أن نُلفت الانتباه إلى هذا الأمر. أقلها أنت."

أجاب "بن" وهو يمد قدميه تقريبًا نحو النار: "أعتقد أنكم لا تدركون الموقف تمامًا." ثم سأل: "كيف كان قد بدأ العزف على العود؟"

بدا والدي متفاجئًا قليلًا من التغيير المفاجئ في الموضوع. "بسهولة إلى حد ما، لماذا؟"

"كم كان عمره؟"

فكر والدي لحظة وهو يمسك بلحيته. وفي الصمت، كانت كلمات أمي كأنها نغمات فلوت: "ثماني سنوات."

قال "بن" وهو يمد قدمه أكثر نحو النار: "تذكر عندما تعلمت العزف. هل تتذكر كم كان عمرك؟ هل تتذكر الصعوبات التي واجهتها؟"

استمر والدي في فرك لحيته، لكن وجهه أصبح أكثر تأملًا الآن، وعيناه تبدوان بعيدتين.

تابع آبنثي حديثه: "أراهن أنه تعلم كل وتر وكل طريقة عزف بعد أن تم إظهاره له مرة واحدة فقط، دون أن يتردد او يتعثر أو يتذمر. وعندما أخطأ، لم يكن ذلك إلا مرة واحدة، أليس كذلك؟" بدا والدي منزعجًا قليلاً و قال: "في الغالب، لكنه واجه صعوبة، مثل أي شخص آخر. وتر الـ "E". كان يواجه مشكلة كبيرة مع الـ "E" الكبير والمخفض."

قاطعت أمي بلطف: "أتذكر ذلك أيضًا، عزيزي، لكنني أعتقد أن السبب كان يداه الصغيرتان. كان في غاية الصغر…"

قال بن بهدوء: "أراهن أنه لم يعيقه ذلك طويلاً. لديه يدان رائعتان؛ أمي كانت ستسميهما أصابع الساحر."

ابتسم والدي. "هو حصل عليهما من والدته، رقيقين لكن قويين. مثاليين لغسل الأواني، أليس كذلك، يا امرأة؟"

صاحت أمي في وجهه و صفعته بخفة، ثم أمسكت بيده وأخذتها لتعرضها على بن. "هو حصل عليهما من والده، رشيقين ولطيفين. مثاليين لإغواء بنات النبلاء."

بدأ والدي بالاعتراض، لكنها تجاهلته. "بعينيه وتلك اليدين، لن تكون هناك امرأة آمنة في العالم عندما يبدأ في مطاردة السيدات."

"المغازلة، عزيزتي"، صحح والدي بلطف.

"اللفظة فقط، أما التفاصيل فغير"، هزت أمي كتفيها. "إنه مجرد مطاردة وسباق، وعندما ينتهي السباق، أعتقد أنني أشفق على النساء العفيفات اللواتي يركضن."

ثم استندت إلى والدي، واضعة يده في حجرها. أمالت رأسها قليلًا وأخذ إشارتها، فمال هو ليقبل طرف فمها. (×_×)

قال بن، وهو يرفع كوبه في تحية: "آمين."

وضع والدي ذراعه الأخرى حولها وأعطاها عناقًا صغيرا. "لا زلت لا أرى ما الذي تعنيه، بن."

قال بن مبتسمًا وهو يشير إلى الجملة السابقة: "هو يفعل كل شيء بهذه الطريقة، سريعًا كالسوط، نادرًا ما يرتكب أخطاء. أراهن أنه يعرف كل أغنية غنّيتها له. هو يعرف أكثر عن محتويات عربتي مما أعرف أنا بنفسي."

رفع بن الجرة وفتح غطاءها. "لكن الأمر ليس مجرد حفظ. هو يفهم. نصف الأشياء التي كنت أود أن أريه إياها قد اكتشفها بنفسه."

أعاد 'بن' ملء كوب أمي. "هو في الحادية عشرة من عمره. هل عرفت من قبل ولدًا في مثل سنه يتحدث كما يتحدث؟ الكثير من هذا يأتي من العيش في جو منير." أشار بن إلى العربات. "لكن أفكار معظم الأطفال في الحادية عشرة تتعلق برمي حجارة في الماء، وكيفية هزّ قطّة من ذيلها."

ضحكت أمي ضحكة مكتومة، لكن وجه أبنثي كان جادًا. "هذا صحيح، سيدتي. كان لدي طلاب أكبر سنًا كانوا سيفرحون إذا استطاعوا فعل نصف ما فعله." ابتسم. "لو كانت لدي يديه، وربع عقله و ذكائه، لكنت آكل من أطباق فضية في غضون عام."

سادت لحظة صمت. تكلمت أمي بصوت خافت: "أتذكر عندما كان مجرد طفل صغير، يخطو خطواته حولنا. يراقب، دائمًا يراقب. بعينين لامعتين واضحتين و صافيتين، وكأنهما تريدان ابتلاع العالم." كان في صوتها شيء من الرجفة. وضع والدي ذراعه حولها، فاستندت برأسها إلى صدره.

استمر الصمت لفترة أطول. كنت أفكر في الهروب عندما كسره والدي. "ماذا تقترح أن نفعل؟" كان صوته مزيجًا من القلق الطفيف والفخر الأبوي.

ابتسم بن بلطف. "لا شيء سوى أن تفكروا في الخيارات التي قد تقدموها له عندما يحين الوقت. سيسجل اسمه و بصمته في العالم كأحد الأفضل."

"أفضل ماذا؟" همهم والدي.

"أيًا كان ما يختاره. إذا بقي هنا، فلا أشك أنه سيصبح الـ 'إليين'(Illien) التالي."

ابتسم والدي. 'إليين' هو بطل الفرق المؤدية. الوحيد الذي يُعتبر مشهورًا من أبناء 'إديما روه' في كل التاريخ. كل أغاني أجدادنا أقدمها وأفضلها هي أغانيه.

وعلاوة على ذلك، إذا صدقت القصص، فإن إليين أعاد اختراع آلة العود في حياته. كان إلين صانع عود و آلات موسيقية بارعًا، حوّل العود الملكي القديم الهش والثقيل إلى العود الرائع والمرن المكون من سبعة أوتار الذي نستخدمه اليوم. وتزعم القصص أن عُود إليين نفسه كان يحتوي على ثمانية أوتار.

" 'إليين'. أحب هذه الفكرة"، قالت أمي. "الملوك يأتون من مسافات بعيدة للاستماع إلى عزف صغيري كڤوث."

"موسيقاه قد توقف مشاجرات الحانات وحروب الحدود." ابتسم بن.

"النساء المجنونات و المتوحشات في حضنه" قال والدي بحماس، "يضعن صدورهن على رأسه."

سادت لحظة صمت مذهول. ثم تحدثت أمي ببطء، وكان في صوتها شيء من الحدة. "أعتقد أنك تعني 'وحوشا برية' تضع رؤوسها في حضنه.'"

"هل أنا أقصد ذلك؟"

سعل بن واستمر. "إذا قرر أن يصبح أركانيست، أقسم أنه سيحصل على تعيين ملكي بحلول سن الرابعة والعشرين. وإذا دخل رأسه أن يصبح تاجرًا، فلا أشك أنه سيملك نصف العالم بحلول وفاته."

عبس والدي. ابتسم بن وقال، "لا تقلق بشأن الأخير. هو فضولي جدًا ليكون تاجرًا."

توقف بن وكأنه يفكر في كلماته التالية بعناية. "سيتم قبوله في الجامعة، كما تعلم. ليس قبل سنوات بالطبع. السابعة عشرة هي أصغر سن يمكنهم قبوله، لكن ليس لدي أي شك في..."

فقدت ما قاله بن بعد ذلك. الجامعة! كنت قد بدأت أفكر فيها بنفس الطريقة التي يفكر بها معظم الأطفال في محكمة 'الفاي'، مكان أسطوري مخصص للأحلام. مدرسة بحجم مدينة صغيرة. عشرة أضعاف عشرة آلاف كتاب. أشخاص يعرفون إجابات أي سؤال قد أسأله...

كان هناك هدوء عندما عدت من وعيي إليهم.

كان والدي ينظر إلى أمي، وهي متكئة تحت ذراعه. "ما رأيك، يا امرأة؟ هل حدث أن ذهبتِ إلى سريرك مع سامي رحّال قبل اثني عشر عامًا؟ ربما ذلك قد يحل هذا لغزنا الصغير."

صفعت أمي على خده برفق، ثم عَبرَت ملامحها لحظةُ تفكير و تأمل. "بالحديث عن ذلك، كان هناك ليلة، منذ حوالي اثني عشر عامًا، جاءني رجل. غمرني بالقبلات وألحان عذبة. سلبني عفتي واختطفني بعيدًا." توقفت، "لكن لم يكن لديه شعر أحمر. لا يمكن أن يكون هو."

ابتسمت ابتسامة ماكرة لوالدي، الذي بدا عليه قليل من الإحراج. ثم قبّلته. فقبلها بالمقابل. (°_°)

هكذا أحب أن أتذكرهما اليوم. تسللت بعيدًا وأفكاري ترقص و تدور في رأسي حول الجامعة.


 قطع أحجية تتناسق  

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

Ads Blocker Detected!!!

We have detected that you are using extensions to block ads. Please support us by disabling these ads blocker.

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط