You dont have javascript enabled! Please enable it!
]
Switch Mode
نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

سجلات قاتل الملك 14

اسم الريح

اسم الريح

اسم الريح

 

 


 

اسم الريح  

الشتاء هو وقت بطيء و فصل هادئ من السنة بالنسبة لفرقة متنقلة، لكن 'أبنثي' استغل الوقت جيدًا وأخيرًا بدأ في تعليمي "السمباثي" بجدية. ومع ذلك، كما هو الحال غالبًا، خاصة للأطفال، كانت التوقعات أكثر إثارة من الواقع.

لن يكون من العدل القول إنني شعرت بخيبة أمل تجاه "السمباثي". لكن بصراحة، كنت خائب الأمل. لم يكن كما توقعت أن يكون عليه 'السحر'.

كان مفيدًا. لم يكن هناك شكٌّ أو إنكار لذلك. كان بن يستخدم "السمباثي" لإضفاء ضوء على عروضنا. كان "السمباثي" يمكنه إشعال نار دون الحاجة إلى شرارة، أو رفع وزن ثقيل دون حبال أو بكرات ثقيلة و مرهقة.

لكن في المرة الأولى التي رأيته فيها، كان بن قد استدعى الريح بطريقة ما. لم يكن ذلك مجرد "سمباثي". كان ذلك سحرًا من قصص الكتب و الخيال. كان ذلك السر الذي أردته أكثر من أي شيء آخر.

كان ذوبان الثلج الربيعي قد انتهى منذ وقت طويل، وكان الفرقة تمر عبر غابات وحقول الكومنولث الغربي. كنت أركب كما هو معتاد في مقدمة عربة 'بن'. وكان الصيف على وشك أن يظهر نفسه مرة أخرى، وكل شيء أصبح أخضر و كان ينمو.

كانت الأمور هادئة لمدة ساعة تقريبًا. كان بن شبه نائم وهو يمسك بالزمام بيد واحدة بشكل غير محكم عندما اصطدمت العربة بحجر، مما جعلنا ننتبه من شرودنا و تأملاتنا.

جلس بن بشكل مستقيم أكثر في مقعده، وتوجه إليّ بنبرة أصبحت أعتبرها 'هل-لدي-لغزٌ-لكَ؟'. قال: "كيف ستجعل إناء من الماء يغلي؟"

نظرت حولي ورأيت صخرة كبيرة بجانب الطريق. أشرتُ إليها.

"يجب أن تكون تلك الصخرة دافئة من الجلوس تحت الشمس. كنت سأربطها بالماء في الإناء، وأستخدم حرارة الصخرة لجعل الماء يغلي."

“ التحويل من الصخرة إلى الماء ليست فعّالة جدًا”، وبخني 'بن'. “فقط حوالي جزء واحد من كل خمسة عشر سينتهي به الأمر بتسخين الماء.”

*قصده هنا، لنأخذ حرارة الصخرة و لنقسمها ل15 جزءا، ما سيصل للماء سيكون جزءا واحد من الخمسة عشر جزءا*

“ستنجح الطريقة” أجبته.

“سأوافقك على ذلك. لكن الطريقة غير دقيقة. يمكنك أن تقوم بذلك بشكل أفضل، إيلير.”

ثم بدأ في الصراخ على ألفا وبيتا، وهو علامة على أنه كان في مزاج جيد بالفعل. كانا يتقبلان ذلك الامر بهدوء كما في كل مرة، رغم أنه كان يتهمهما أحيانا بأشياء أنا متأكد أنه لا يوجد حمار قام بها طوعًا، خاصة بيتا الذي كان يتمتع بشخصية أخلاقية لا تشوبها شائبة.

توقف فجأة عن صراخه وسأل: "كيف ستسقط هذا الطائر؟" وأشار إلى صقر يحلق في السماء فوق حقل قمح على جانب الطريق.

“على الأرجح لن أفعل. لم يفعل لي شيئًا و لم يلحق بي أي ضرر.”

"افتراضيًا" رد 'بن'.

“أقول إنه، افتراضيًا، لن أفعل ذلك.”

ضحك بن. “تم الوصول للنقطة*، إيلير. كيف لن تفعل ذلك بالضبط؟ من فضلك مع التفاصيل.”

* قصده هنا أن الفكرة واضحة و فهمها بن *

“سأطلب من تيرين أن يسقطه.”

أومأ بن بتفكير: "جسنا، جيد. ومع ذلك، هو أمر و مسألة بينك وبين الطائر. هذا الصقر"، أشار إليه بسخط، "قال شيئًا غير لائق عن والدتك."

“آه. إذًا شرفي يقتضي أن أدافع عن سمعتها بنفسي.”

* آه، الولد ليس كأبيه، *

"بالطبع."

“هل لدي ريشة؟” قلت له.

"لا."

“ 'تِيلو' يحفظ و-” توقفت و ابتلعت ما كنت سأقوله بسبب نظرته الرافضة. “أنت لا تجعل الأمور سهلة أبدا، أليس كذلك؟”

“إنها عادة مزعجة اكتسبتها من طالب كان ذكيًا جدا لدرجة أن ذلك لم يكن في مصلحته”، ابتسم بن. “ماذا يمكنك أن تفعل حتى لو كان لديك ريشة؟”

“سأربطها بالطائر وأدهنها بصابون القطران.”

عقد بن حاجبيه، كما هي عادته. “أي نوع من الربط؟”

“كيميائي. ربما يكون من النوع الثاني المحفز.”

توقف قليلًا، مفكرًا. “الثاني المحفز...” خدش ذقنه. “لحل الزيت الذي يجعل الريشة ناعمة؟"*

* لمن لم يفهم، القصد هنا هو فصل نوع من الزيت الذي يدهن الطائر ريشه به، و هذا الزيت تفرزه غدد في جسمه *

أومأت برأسي.

نظر إلى الطائر. “لم أفكر في ذلك من قبل”، قالها بنوع من الإعجاب الهادئ. أخذتها كمجاملة.

“مع ذلك”، نظر إليّ مرة أخرى، “ليس لديك ريشة. كيف ستسقطه؟”

فكرت لعدة دقائق، لكنني لم أستطع التفكير في شيء. قررت أن أحاول تحويل هذا إلى نوع مختلف من الدرس.

“أنا”، قلت باستخفاف، “ببساطة سأستدعي الريح، وأجعلها تضرب الطائر من السماء.”

أعطاني بن نظرة محسوبة أخبرتني أنه يعلم تمامًا ما كنت أفكر فيه.

“وكيف ستفعل ذلك، إيلير؟”

أحسست أنه ربما كان مستعدًا أخيرًا ليكشف لي السر الذي كان يحتفظ به طوال أشهر الشتاء. وفي نفس الوقت، خطرت لي فكرة.

أخذت نفسًا عميقًا ونطقت الكلمات لربط الهواء في رئتي بالهواء الخارجي. وثبتت "آلارًا" في ذهني، وضغطت إبهامي وسبابة يدي أمام شفتيّ المضمومتين، ونفخت بينهما.

دَفَعَتني هبّة خفيفة من الريح من ورائي فربكت شعري و جعلته أشعثا، وجعلت القماش المشدود على العربة يتوتر للحظة. ربما كان مجرد مصادفة، لكن رغم ذلك، شعرت بابتسامة عارمة تملأ وجهي. لحظة، لم أفعل شيئًا سوى الابتسام كالمجنون ل'بن'، بينما كان وجهه باهتًا ومليئًا بعدم التصديق.

ثم شعرت بشيء يضغط على صدري، كما لو أنني كنت في أعماق الماء .

حاولت أن أتنفس لكنني لم أستطع. شعرت بالارتباك قليلاً، لكنني استمررت في المحاولة. كان الأمر وكأنني سقطت على ظهري فجأة وتم طرد كل الهواء من صدري.

فجأة، أدركت ما فعلته. انفجر جسدي في عرق بارد، وأمسكت بقميص بن بشدة، مشيرًا إلى صدري ورقبتي وفتحة فمي.

تبدل وجه بن من الصدمة إلى الشحوب وهو ينظر إلي.

أدركت كم كانت الأمور ساكنة و هادئة. لم يكن هناك أي حركة في العشب. حتى صوت العربة بدا مكتومًا، كما لو كان بعيدا في الأفق.

صرخ الرعب في ذهني، مما أغرق كل الأفكار. بدأت أخدش حلقي، ممزقًا قميصي. كان قلبي يضرب بشدة و طنينه في أذنيّ. شعرت بالألم وهو يخترق صدري المُجهَد بينما كنت أتخبط للحصول على الهواء.

تحرك بن فجأة بسرعة لم أر مثلها من قبل، وأمسكني من خرق قميصي الممزق وقفز من على المقعد. وهبط على العشب بجانب الطريق، فطرحني على الأرض بقوة لدرجة أنه لو كان لدي أي هواء في رئتي، لتم طرده مني.

كانت الدموع تفيض على وجهي بينما كنت أتصارع بلا وعي و أتخبط بلا هوادة. كنت أعرف أنني سأموت.

شعرت بعيوني حارة وحمراء. كنت أخدش الأرض بجنون بيدي الخدرتين والباردتين كالجليد.

كنت أدرك أن شخصًا ما كان يصرخ، لكن الصوت بدا بعيدًا جدًا. كان بن يركع فوقي، لكن السماء بدأت تغيم و تظلم خلفه. بدا كأنه مشتت الذهن، كما لو أنه كان يستمع لشيء لا أستطيع سماعه.

ثم نظر إلي، وكل ما أتذكره هو عينيه، كانتا بعيدتين مليئتين بقوة رهيبة وهائلة، باردة وغير مبالية.

نظر إلي. تحرك فمه. نادى الريح.

ورقة في البرق، قد اهتزت و ارتجفت. وكان دوي الرعد أسودا.

الشيء التالي الذي أتذكره هو 'بن' وهو يساعدني على النهوض. كنت مدركًا بشكل خافت أن العربات الأخرى توقفت ووجوه فضولية تراقبنا و تحدق بنا. خرجت أمي من عربتنا، ولاقاها بن في منتصف الطريق، ضاحكًا قائلاً شيئًا مطمئنًا. لم أستطع أن أميز الكلمات لأنني كنت أركز على التنفس بعمق، شهيقا وزفيرا.

استمرت العربات الأخرى في التحرك، وتبعتُ بن صامتًا إلى عربته. أظهر نوعًا من الانشغال وهو يتحقق من الحبال التي كانت تربط القماش المشدود بإحكام. جمعت أفكاري و قواي وساعدت قدر استطاعتي عندما مرت العربة الأخيرة في القافلة بجانبنا.

عندما نظرت للأعلى، كانت عينا بن غاضبتين. "بماذا كنت تفكر؟" همس. "حسنًا؟ ماذا؟ بماذا كنت تفكر؟" لم أره هكذا من قبل، كان جسده كله مشدودًا مثل عقدة محكمة من الغضب الشديد. كان يرتجف من شدة ذلك. رفع ذراعه ليضربني... ثم توقف. بعد لحظة، سقطت يده إلى جانبه.

ببطء تحرك بخطوات منهجية لفحص آخر الحبال، ثم تسلق إلى العربة. لم أعرف ماذا أفعل، فاتبعت خطاه.

أمسك بن باللجام و أصدر أمرا لألفا و بيتا ، فبدأت العربة في التحرك. كنا آخر من في الطابور الآن. كان بن ينظر إلى الأمام بلا حركة. لمست مقدمة قميصي الممزقة، كان الصمت متوترا و مشدودا.

فيما بعد و بعد فوات الأوان، أدركت أن ما فعلته كان غباءً فاضحًا. عندما ربطت أنفاسي بالهواء في الخارج، جعل ذلك التنفس مستحيلًا. لم تكن رئتاي قويتان بما يكفي لتحريك هذا الكم من الهواء. كنت سأحتاج إلى صدر كجهاز نفخٍ حديدي. كنت سأحظى بنفس الحظ لو حاولت شرب نهر أو رفع جبل.

سافرنا لمدة ساعتين في صمت غير مريح. كانت الشمس تكاد تلامس قمم الأشجار عندما تنهد بن أخيرًا بعمق، وأخرج الزفير في تنهيدة مدوية. ثم أعطاني اللجام.

عندما نظرت إليه، أدركت لأول مرة كم كان يبدو مسنًا. كنت دائمًا أعرف أنه في عمر العشرينات، لكنني لم أره يظهر هذا الشكل من قبل.

"كذبت على أمك هناك، كڤوث. لقد شاهدت نهاية ما حدث وقلقت عليك." كانت عينا بن لا تتحركان عن العربة التي أمامنا وهو يتحدث. "قلت لها إننا نعمل على شيء لأداء عرض مسرحي. إنها امرأة طيبة. هي تستحق أفضل من الأكاذيب."

واصلنا السير في صمت مؤلم لا ينتهي، ولكن لم يمضِ سوى بضع ساعات قبل غروب الشمس عندما سمعت أصواتًا تنادي "غريستون!"(Greystone) على طول الطريق. كان اهتزاز عربتنا وهي تلتفت إلى العشب قد انتشل بن من تفكيره العميق.

نظر حوله ورأى أن الشمس ما زالت في السماء. "لماذا نتوقف في وقت مبكر؟ شجرة عبر الطريق؟"

"غريستون." أشرت إلى الأمام إلى لوح حجري كان يطل فوق قمم العربات التي أمامنا.

"ماذا؟"

"في بعض الأحيان نصادف واحدا على جانب الطريق." أشرت مرة أخرى إلى الحجر الرمادي الذي كان يطل فوق قمم الأشجار الصغيرة بجانب الطريق. ومثل معظم الأحجار الرمادية، كان مستطيل الشكل و منحوتا بشكل خشن وبدائي، و يبلغ ارتفاعه حوالي اثني عشر قدمًا. بدت العربات التي تتجمع حولها غير ملحوظة مقارنة بالحضور الصلب والمتين لتلك الصخرة. "لقد سمعتهم يُسمّونها 'الحجارة الواقفة'، لكنني رأيت الكثير منها التي لم تكن واقفة، بل ملقاة على جوانبها. نحن نتوقف دائمًا لهذا اليوم عندما نجد واحدة، إلا إذا كنا في عجلة شديدة من أمرنا" توقفت، مدركًا أنني كنت أثرثر.

"لقد عرفتُها باسم آخر. 'أحجار الطريق'(Waystones) " قال بن بهدوء. بدا قديمًا ومتعبًا. بعد لحظة، سأل، "لماذا تتوقفون عندما تجدون واحدة؟"

"نحن فقط نتوقف دائمًا. إنها استراحة من الطريق." فكرت للحظة. "أظن أنهم يعتقدون أنها تجلب الحظ." تمنيت لو كان لدي المزيد لأقوله للحفاظ على استمرار الحديث، فقد أثار اهتمامه، لكنني لم أتمكن من التفكير في أي شيء آخر.

"أعتقد أنه من الممكن أن تكون كذلك" قاد بن ألفا وبيتا إلى مكان على الجانب البعيد من الصخرة، بعيدًا عن معظم العربات الأخرى. "عد لتناول العشاء أو بعده بقليل. نحتاج إلى التحدث." استدار دون أن ينظر إليّ وبدأ يفك ألفا عن العربة.

لم أرَ بن في مزاج كهذا من قبل. شعرت بالقلق أنني قد أفسدت الأمور بيننا، فالتفتُ وركضتُ نحو عربة والديّ.

وجدت أمي جالسة أمام نار جديدة، تضيف أغصانا صغيرة ببطء لتأجيجها. كان والدي جالسًا خلفها، يدلك رقبتها وكتفيها. رفعوا أعينهم و انتبهوا إلي عند سماع صوت خطواتي وهي تقترب.

"هل يمكنني تناول الطعام مع بن الليلة؟"

نظرت أمي إلى والدي، ثم عادت إلى النظر إليّ. "لا يجب أن تسبب له الإزعاج، عزيزي."

"هو من دعاني. إذا ذهبت الآن، يمكنني مساعدته في تجهيز الأشياء لليلة."

حركت أمي كتفيها، فبدأ والدي في تدليكهما مرة أخرى، ابتسمت لي. "حسنًا، لكن لا تبقيه مستيقظًا حتى ساعات متأخرة." ابتسمت لي مجددًا. "أعطني قبلة" مدت يديها وأعطيتها عناقًا وقبلة.

أعطاني والدي قبلة أيضًا. "دعني آخُذ قميصك. سيُتيح لي شيئًا أفعله بينما تحضر أمك العشاء." خلعني من القميص ولامس الحواف الممزقة. "هذا القميص مليء بالثقوب و ممزق أكثر من ما ينبغي."

بدأت أتهته في محاولة لتفسير ذلك، لكنه تجاهلني و أشار بيده موجهًا إياي للسكوت. "أعرف، أعرف، كان كله من أجل المصلحة العامة. حاول أن تكون أكثر حرصا وحذرًا، وإلا سأجعلك تخيطه بنفسك. هناك قميص جديد في حقيبتك. أحضر لي الإبرة والخيط بينما أنت هنا، إذا كنت كريمًا."

ركضت إلى خلف العربة وارتديت قميصًا جديدًا. بينما كنت أبحث عن الإبرة والخيط، سمعت أمي تغني:

"في المساء حينما تغرب الشمس بسرعة،

سأنتظرك و أشاهدك من فوق العلالي

لقد مضى وقت عودتك منذ زمن طويل

لكن حبي أبدي ومخلص."

أجاب والدي:

"في المساء حينما يختفي الضوء

قدماي أخيرًا في طريق العودة

الريح تعصف بين الصفصاف

من فضلك، أبقِ نار الموقد مشتعلة."

عندما خرجت من العربة، كان قد أخذ أمي في حركة درامية وكان يقبلها. وضعت الإبرة والخيط بجانب قميصي وانتظرت. بدا أن القبلة كانت جيدة. راقبتها بعين محسوبة و ثاقبة، مدركًا أنه في وقت ما في المستقبل قد أرغب في تقبيل سيدة. إذا فعلت ذلك، أردت أن أفعلها بشكل لائق وأكون على قدر من الكفاءة في ذلك.

بعد لحظة، لاحظ والدي وجودي وأعاد أمي إلى وضعها على قدميها. "سيكون نصف بنس للعرض، يا سيد 'متلصص' "، ضحك وقال. "ماذا تفعل هنا بعد، يا فتى؟ أراهنك بنفس الثمن أن سؤالًا هو الذي أبطأك."

"لماذا نتوقف عند الأحجار الرمادية؟"

"التقاليد، يا فتى"، قال بتفاخر وهو يمد ذراعيه على نطاق واسع. "وأيضًا الخرافات. هما نفس الشيء في النهاية. نتوقف من أجل الحظ الجيد ولأن الجميع يستمتع بعطلة غير متوقعة." توقف لحظة. "كنت أعرف قصيدة صغيرة عنهم. كيف كانت تذهب...؟

"كحجر الجذب حتى في منامنا

حجر قائم على الطريق القديم هو الدليل

ليرشدك أعمق فأعمق نحو عالم 'الفاي'.

حجر ثابت و منبسط حيث ترقد في التل أو الوادي

الحجر الرمادي يقود إلى... شيء ما، شيء ينتهي ب'ـيل'."

* آخر بيت ليس كما هو، بل نسي شيئا ما فيه، و قال انه يؤدي لمكان ربما او اسم أيا كان، و آخر اسمه ينتهي ب: 'ell' قد تكون hell أو dell ... *

وقف والدي لثانية أو اثنتين وهو يحدق في الفراغ، ممسكًا بشفته السفلى. أخيرًا، هز رأسه. "لا أستطيع أن أتذكر نهاية السطر الأخير. يا إلهي كم أكره الشِّعر. كيف يمكن لأحد أن يتذكر كلمات غير مُلحَنة و لم تُنسب إلى موسيقى؟" تجعد جبينه من التركيز وهو يكرر الكلمات بصمت لنفسه.

"ماذا يكون حجر الجذب؟" سألت.

"إنه اسم قديم ل'أحجار اللودن' (loden-stones)" شرحت أمي. "هي قطع من الحديد النجمي التي تجذب كل الحديد الآخر نحوها. رأيتُ واحدة منذ سنوات في خزانة المتحف." نظرتْ إلى والدي الذي كان لا يزال يهمس لنفسه. "لقد رأينا الحجر اللودني في 'بيليريسين' (Peleresin)، أليس كذلك؟"

"هممم؟ ماذا؟" انتشله السؤال من شروده و تأملاته. "نعم، بيليريسين." شد شفتيه مرة أخرى وعبس. "تذكر هذا، يا بني، حتى و إن نسيت كل شيء آخر. الشاعر هو موسيقي لا يجيد الغناء. على الكلمات أن تجد عقل الرجل أولاً قبل ان تلامس قلبه، وبعض عقول الرجال هي أهداف صغيرة و بائسة. أما الموسيقى فتمس القلب مباشرة مهما كان عقل المستمع صغيرًا أو عنيدًا."

أمي أصدرت تنهيدة غير لائقة بعض الشيء. "متعالي. أنت فقط أصبحت مسنًا."

* 'وومن، هاهاهاها...' فعلا آرل محق في كلماته الموسيقى خطيرة، لكن النساء مختلفات عنا في هذا الجانب *

أخذتْ نفسًا عميقًا وقالت بتفكير درامي، "في الواقع، هذه هي المأساة الحقيقية؛ ثاني شيء يزول هو ذاكرة الرجل."

* هي محقة في هذه، لكن رغم ذلك ستظل وومن *

انتفخ والدي بغضب لكنها تجاهلته وقالت لي: "علاوة على ذلك، فإن التقليد الوحيد الذي يجعل الفرق المؤدية تتوقف عند الأحجار الرمادية هو الكسل. يجب أن يكون الشعر كالتالي:

"مهما كان الفصل

طالما أنا على الطريق

أبحث عن ذريعة

حجر لودن أو لايستون

لأضع حملي و أستريح."

* أسكِت زوجتك يا رجل لقد فضحتنا، ليكن في علمكم انا أكبر كسول عرفه التاريخ و البشرية، 'لايستون' هو حجر منبسط، و'حملي' هنا تعني الحمولة لا يذهَبنّ تفكيركم بعيدا *

كان هناك بريق غامض في عيني والدي بينما تحرك خلفها. "عجوز؟" تحدث بصوت منخفض وهو يبدأ في فرك كتفيها مرة أخرى. "يا امرأة، عندي نية لإثبات خطأك."

(×_×)

ابتسمت ابتسامة ساخرة وقالت، "سيدي، لدي نية للسماح لك بذلك."

قررتُ أن أتركهما يكملان حديثهما، وبدأت بالركض عائدًا إلى عربة "بِن"، حين سمعتُ والدي ينادي من خلفي: "الموازين بعد الغداء غدًا؟ والمشهد الثاني من 'تينبِرتين'(Tinbertin)؟"

"حسنًا." أجبت وانطلقتُ أكمل ركضي.

عندما وصلتُ إلى عربة "بِن"، كان قد فكّ ربط ألفا وبيتا، وبدأ يُدلّكهما. شرعتُ أُعدّ النار، محيطًا الأوراق الجافة بهرم من الأغصان الصغيرة إلى الكبيرة. وعندما انتهيتُ، استدرت نحو المكان الذي جلس فيه "بِن".

سادت لحظة صمت أخرى. كان بوسعي أن أراه ينتقي كلماته بعناية وهو يتحدث. "إلى أيّ مدى تعرف عن أغنية والدك الجديدة؟"

"الأغنية عن 'لانري'؟" سألت. "ليس كثيرًا. أنت تعرف طبعه و شخصيته، لا أحد يسمع أغانيه حتى تُصبح مكتملة. حتى أنا لا أسمعها."

"لستُ أتحدث عن الأغنية بحد ذاتها" قال "بِن"، "بل عن القصة التي تقف خلفها. قصة 'لانري'."

فكّرتُ في العشرات من القصص التي سمعتُ والدي يجمعها طوال العام الماضي، محاولًا أن أستخلص الخيوط المشتركة بينها. "كان 'لانري' أميرًا،" قلت. "أو ملكًا. شخصًا مهمًا. كان يريد أن يصير أقوى من أيّ أحدٍ آخر في العالم. باع روحه مقابل القوة و السلطة، ولكنّ خطأ ما قد حدث، وأظنّه بعد ذلك جُنّ، أو لم يعُد قادرًا على النوم مجددًا، أو..."

توقفتُ حين رأيت "بِن" يهزّ رأسه.

"لم يبع روحه" قال 'بِن'. "هذا مجرد هراء." تنهد تنهيدة عظيمة بدا أنها أفرغته من الهواء و تركته محبطا.

"أنا أقوم بالأمر بطريقة خاطئة تمامًا. دعنا من أغنية والدك الآن. سنتحدث عنها بعد أن يُنهيها. معرفة قصة 'لانري' قد تمنحك نظرة أعمق و أفضل."

أخذ "بِن" نفسًا عميقًا وحاول من جديد. "تخيّل أن لديك طفلًا متهورًا في السادسة من عمره. ما الضرر الذي قد يتسبب فيه؟"

ترددت، غير متأكد من نوع الإجابة التي ينتظرها. الإجابة المباشرة قد تكون الأفضل. "ليس كثيرًا."

"تخيّل الآن أنه بلغ العشرين، ولا زال متهورًا، كم قد يكون خطيرًا؟"

قررتُ أن ألتزم بالإجابات الواضحة. "ما زال الضرر محدودًا، لكن أكثر من السابق."

"وماذا إن أعطيته سيفًا؟"

بدأ الإدراك يتسلّل إليّ، فأغمضتُ عيني. "أكثر، أكثر بكثير. فهمتُ، يا بِن. حقًّا فهمت. القوة في حد ذاتها لا بأس بها، والغباء في الغالب غير مؤذٍ. لكن القوة والغباء معًا خطر حقيقي."

* الحكمة واضحة *

"أنا لم أقل غبي قط،" صحّحني "بِن". "أنت ذكي، وكلانا نعرف ذلك. لكنك قد تكون متهورًا و طائشا. والشخص الذكي المتهور من أخطر ما يكون. والأسوأ من ذلك أنني علمتك بالفعل بعض الأشياء الخطيرة."

نظر "بِن" إلى النار التي أشعلتها، ثم التقط ورقة، تمتم ببضع كلمات، وشاهد شعلة صغيرة تومض و تتوهج في وسط الأغصان والحطب. التفت نحوي.

"بإمكانك أن تقتل نفسك بمجرد فعل شيء بسيط كهذا."

ابتسم ابتسامة باهتة. "أو أثناء بحثك عن اسم الريح."

كان على وشك قول شيء آخر، لكنه توقف، وفرك وجهه بيديه. أطلق تنهيدة عميقة بدت كأنها أفرغته تمامًا من الهواء و تكاد تفقده صوابه. وعندما أنزل يديه، كان وجهه شاحبًا مرهقًا. "كم عمرك الآن؟"

"سأبلغ الثانية عشرة الشهر القادم."

هزّ رأسه. "من السهل جدًا أن أنسى ذلك. أنت لا تتصرف كمن في سنك."

حرّك النار بعصا، وقال: "كنتُ في الثامنة عشرة حين بدأتُ الدراسة في الجامعة. ولم أصل إلى ما تعرفه الآن إلا عندما بلغت العشرين."

ظل يحدّق في النار. "أنا آسف، كڤوث. أحتاج أن أكون وحدي هذه الليلة. هناك الكثير لأفكر فيه."

أومأت برأسي بصمت. ذهبت إلى عربته، جمعت حاملا ثلاثي القوائم والغلاية، والماء والشاي. أحضرتهم بهدوء ووضعتهم إلى جانبه. وكان لا يزال شارد الذهن يحدق في النار حين ابتعدت.

ولأنني كنت أعلم أن والديّ لن يتوقعا عودتي في وقت قريب، اتجهتُ نحو الغابة. كان لديّ الكثير لأفكر فيه بدوري. كنتُ مدينًا لـ"بِن" بذلك على الأقل. تمنّيت لو أستطيع أن أفعل أكثر.

استغرق الأمر فترةً كاملةً من الأيام قبل أن يعود "بِن" إلى طبيعته المرحة من جديد. لكن حتى حينها، لم تكن الأمور كما كانت بيننا. كنا لا نزال صديقين مقرّبين، لكنّ شيئًا ما كان قد نشأ بيننا، وكنتُ أستطيع أن ألاحظ كيف كان يتعمّد أن يُبقي مسافةً فاصلةً بيننا.

توقفت الدروس تقريبًا. أوقف دراستي الناشئة في الخيمياء، وحصرني على الكيمياء فقط *. ورفض أن يعلّمني أيّ شيء من الرمزيّات (*الشعائريات*) (Sygaldry) تمامًا، وفوق كل ذلك، بدأ يُقنّن لي ما يراه من السمباثي آمنًا للتعلّم.

كنت أضيق ذرعًا بهذا البطء و التأخير، لكنّي لزمت الصمت و تمالكت نفسي، ووضعت ثقتي في أنّني إن أظهرت له تحمّلًا للمسؤولية وتحرّيًا دقيقًا للحذر مع حرصي الشديد، فإنّه سيسترخي في النهاية، وستعود الأمور إلى سابق عهدها. كنا كالعائلة، وكنت أعلم أنّ أيّ خلاف بيننا سيجد طريقه إلى الزوال. كل ما كنت أحتاجه هو الوقت.

لكنّني لم أكن أعلم أنّ وقتنا كان يوشك على الانتهاء.


ملاحظة:

* الكيمياء تعتمد بشكل أساسي على مبدأ التجربة القائمة على أسس ونظريات علمية وهي تتضمن العديد من التطبيقات والتجارب العلمية الموّثقة.

أما مفهوم الخيمياء فيقوم على الخرافات والسحر فلا يمكن اعتباره علم قائم بذاته، على أي هو يذكر بالخيال و الخرافات ذائما*

*آخر جملة (T~T)*

اسم الريح  

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

Ads Blocker Detected!!!

We have detected that you are using extensions to block ads. Please support us by disabling these ads blocker.

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط