بوادر الاكتشاف ـ لقاء غير متوقع
المجلد الأول: بوادر الاكتشاف
الفصل 2- لقاء غير متوقع
وصل إلى الجامعة في تمام السابعة والنصف، وأوقف سيارته في المكان المخصص له. كان الحرم الجامعي هادئاً نسبياً في هذا الوقت المبكر. تنفس الهواء النقي بعمق وهو يتأمل مبنى كلية العلوم الذي قضى فيه معظم حياته المهنية. كان المبنى قديماً لكنه مهيب، بأعمدته الكلاسيكية ونوافذه الكبيرة.
دخل الكلية وتوجه مباشرة إلى مكتبه في الطابق الثالث. كان المكتب متواضعاً في حجمه لكنه منظم بدقة متناهية. رفوف الكتب تغطي الجدران، معظمها مراجع علمية في الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء. على المكتب، كان هناك كمبيوتر حديث نسبياً، هدية من الجامعة تقديراً لأبحاثه المتميزة، وإلى جانبه صورة قديمة له مع والديه أمام مرصد حلوان، التقطت عندما كان طالباً في السنة الأولى بالكلية.
وضع حقيبته على المكتب، وبدأ في إخراج أوراقه استعداداً لمحاضرة اليوم الأولى عن “الثقوب السوداء وتأثيرها على الزمكان”. كان يحب هذه المحاضرة بشكل خاص، لأنها تجمع بين النظريات الفيزيائية المعقدة والتطبيقات العملية في فهم الكون.
بينما كان منهمكاً في مراجعة ملاحظاته، سمع طرقات خفيفة على باب مكتبه. رفع رأسه مستغرباً، فالوقت كان مبكراً جداً على زيارة أي من زملائه أو طلابه.
“تفضل،” قال بصوت هادئ.
فُتح الباب ببطء، وظهر شاب نحيل في أوائل العشرينات من عمره، ببشرة قمحية وعينين عسليتين تشعان ذكاءً وحيوية. كان يرتدي قميصاً أزرق فاتحاً وبنطالاً جينز، وكان يحمل حقيبة ظهر ثقيلة تبدو مليئة بالكتب والأوراق.
“صباح الخير يا دكتور هشام،” قال الشاب بصوت مليء بالحماس والاحترام.
ابتسم الدكتور هشام عندما تعرف على الطالب. “صباح النور يا محمد. ما الذي يأتي بك إلى الكلية في هذا الوقت المبكر؟”
محمد حسن كان أحد طلابه المتميزين في السنة النهائية. كان شاباً استثنائياً، يمتلك عقلاً علمياً فذاً وشغفاً حقيقياً بعلوم الفضاء، وليس مجرد رغبة في الحصول على شهادة كمعظم زملائه.
“دكتور هشام، اليوم الرحلة الميدانية لمرصد حلوان! الأتوبيس في انتظارنا عند باب الكلية منذ نصف ساعة،” قال محمد بلهفة واضحة.
ارتبك الدكتور هشام للحظة، ثم ضرب جبينه بكفه. “يا إلهي! كيف نسيت؟” تساءل بصوت مسموع. كان هذا أول نسيان في حياته المهنية، وهو أمر غير معتاد بالنسبة له على الإطلاق.
“لا بأس يا دكتور، ما زال هناك متسع من الوقت،” طمأنه محمد بابتسامة ودودة.
“وماذا تفعل أنت هنا؟ ألم تذهب مع زملائك؟” سأل الدكتور هشام وهو يجمع أوراقه بسرعة، محاولاً إخفاء ارتباكه.
ابتسم محمد وقال: “كنت في المكتبة أعمل على بحثي عن المجرات القريبة. أفضل إنجاز العمل مبكراً.”
“لكن موعد تسليم البحث بعد ثلاثة أشهر!” قال الدكتور مندهشاً.
“أعلم ذلك يا دكتور، لكنني أحب أن أنهي مهامي قبل موعدها. هذا يمنحني وقتاً للمراجعة والتحسين،” أجاب محمد بثقة هادئة.
أعجب الدكتور هشام بحماس الشاب وجديته. كان محمد من الطلاب النادرين الذين يذكرونه بنفسه عندما كان في مثل سنه: شغوفاً، مجتهداً، مهووساً بأسرار الكون.
“حسناً، دعنا نذهب فوراً،” قال الدكتور هشام وهو يضع بعض الأوراق في حقيبته. “لا أريد أن نتأخر أكثر من ذلك.”
خرجا معاً متجهين نحو باب الكلية حيث كان الأتوبيس في الانتظار. كان عم سعيد، سائق الأتوبيس المخضرم ذو الشعر الأبيض والابتسامة الدائمة، يقف بجانب الباب يتحدث مع بعض الطلاب.
“يا دكتور هشام! هذه أول مرة تتأخر فيها منذ عرفتك!” قال عم سعيد مازحاً عندما رآهما يقتربان. كان رجلاً في الستينيات من عمره، عمل في الجامعة لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان يعرف كل أستاذ وموظف معرفة شخصية.
“معذرة يا عم سعيد، نسيت موعد الرحلة تماماً،” اعتذر الدكتور هشام وهو يصعد إلى الأتوبيس.
“لا عليك يا دكتور، الإنسان ليس آلة. النسيان من طبيعة البشر،” رد عم سعيد بطيبة قلب، وهو يربت على كتف الدكتور بود.
كان الأتوبيس مليئاً بطلاب السنة النهائية، حوالي خمسة وعشرين طالباً وطالبة، جميعهم متحمسون لزيارة مرصد حلوان، أحد أقدم وأهم المراصد الفلكية في الشرق الأوسط. كان الضجيج يملأ الأتوبيس: ضحكات، أحاديث متداخلة، نقاشات علمية، ومزاح شبابي.
جلس الدكتور هشام في المقعد الأمامي، بينما جلس محمد في المقعد المجاور له. انطلق الأتوبيس متجهاً نحو مرصد حلوان، الذي يبعد حوالي ثلاثين كيلومتراً عن وسط القاهرة.
المجلد الأول: بوادر الاكتشاف الفصل 2- لقاء غير متوقع وصل إلى الجامعة في تمام السابعة والنصف، وأوقف سيارته في المكان المخصص له. كان الحرم الجامعي هادئاً نسبياً في هذا الوقت المبكر. تنفس الهواء النقي بعمق وهو يتأمل مبنى كلية العلوم الذي قضى فيه معظم حياته المهنية. كان المبنى قديماً لكنه مهيب، بأعمدته الكلاسيكية ونوافذه الكبيرة. دخل الكلية وتوجه مباشرة إلى مكتبه في الطابق الثالث. كان المكتب متواضعاً في حجمه لكنه منظم بدقة متناهية. رفوف الكتب تغطي الجدران، معظمها مراجع علمية في الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء. على المكتب، كان هناك كمبيوتر حديث نسبياً، هدية من الجامعة تقديراً لأبحاثه المتميزة، وإلى جانبه صورة قديمة له مع والديه أمام مرصد حلوان، التقطت عندما كان طالباً في السنة الأولى بالكلية. وضع حقيبته على المكتب، وبدأ في إخراج أوراقه استعداداً لمحاضرة اليوم الأولى عن “الثقوب السوداء وتأثيرها على الزمكان”. كان يحب هذه المحاضرة بشكل خاص، لأنها تجمع بين النظريات الفيزيائية المعقدة والتطبيقات العملية في فهم الكون. بينما كان منهمكاً في مراجعة ملاحظاته، سمع طرقات خفيفة على باب مكتبه. رفع رأسه مستغرباً، فالوقت كان مبكراً جداً على زيارة أي من زملائه أو طلابه. “تفضل،” قال بصوت هادئ. فُتح الباب ببطء، وظهر شاب نحيل في أوائل العشرينات من عمره، ببشرة قمحية وعينين عسليتين تشعان ذكاءً وحيوية. كان يرتدي قميصاً أزرق فاتحاً وبنطالاً جينز، وكان يحمل حقيبة ظهر ثقيلة تبدو مليئة بالكتب والأوراق. “صباح الخير يا دكتور هشام،” قال الشاب بصوت مليء بالحماس والاحترام. ابتسم الدكتور هشام عندما تعرف على الطالب. “صباح النور يا محمد. ما الذي يأتي بك إلى الكلية في هذا الوقت المبكر؟” محمد حسن كان أحد طلابه المتميزين في السنة النهائية. كان شاباً استثنائياً، يمتلك عقلاً علمياً فذاً وشغفاً حقيقياً بعلوم الفضاء، وليس مجرد رغبة في الحصول على شهادة كمعظم زملائه. “دكتور هشام، اليوم الرحلة الميدانية لمرصد حلوان! الأتوبيس في انتظارنا عند باب الكلية منذ نصف ساعة،” قال محمد بلهفة واضحة. ارتبك الدكتور هشام للحظة، ثم ضرب جبينه بكفه. “يا إلهي! كيف نسيت؟” تساءل بصوت مسموع. كان هذا أول نسيان في حياته المهنية، وهو أمر غير معتاد بالنسبة له على الإطلاق. “لا بأس يا دكتور، ما زال هناك متسع من الوقت،” طمأنه محمد بابتسامة ودودة. “وماذا تفعل أنت هنا؟ ألم تذهب مع زملائك؟” سأل الدكتور هشام وهو يجمع أوراقه بسرعة، محاولاً إخفاء ارتباكه. ابتسم محمد وقال: “كنت في المكتبة أعمل على بحثي عن المجرات القريبة. أفضل إنجاز العمل مبكراً.” “لكن موعد تسليم البحث بعد ثلاثة أشهر!” قال الدكتور مندهشاً. “أعلم ذلك يا دكتور، لكنني أحب أن أنهي مهامي قبل موعدها. هذا يمنحني وقتاً للمراجعة والتحسين،” أجاب محمد بثقة هادئة. أعجب الدكتور هشام بحماس الشاب وجديته. كان محمد من الطلاب النادرين الذين يذكرونه بنفسه عندما كان في مثل سنه: شغوفاً، مجتهداً، مهووساً بأسرار الكون. “حسناً، دعنا نذهب فوراً،” قال الدكتور هشام وهو يضع بعض الأوراق في حقيبته. “لا أريد أن نتأخر أكثر من ذلك.” خرجا معاً متجهين نحو باب الكلية حيث كان الأتوبيس في الانتظار. كان عم سعيد، سائق الأتوبيس المخضرم ذو الشعر الأبيض والابتسامة الدائمة، يقف بجانب الباب يتحدث مع بعض الطلاب. “يا دكتور هشام! هذه أول مرة تتأخر فيها منذ عرفتك!” قال عم سعيد مازحاً عندما رآهما يقتربان. كان رجلاً في الستينيات من عمره، عمل في الجامعة لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان يعرف كل أستاذ وموظف معرفة شخصية. “معذرة يا عم سعيد، نسيت موعد الرحلة تماماً،” اعتذر الدكتور هشام وهو يصعد إلى الأتوبيس. “لا عليك يا دكتور، الإنسان ليس آلة. النسيان من طبيعة البشر،” رد عم سعيد بطيبة قلب، وهو يربت على كتف الدكتور بود. كان الأتوبيس مليئاً بطلاب السنة النهائية، حوالي خمسة وعشرين طالباً وطالبة، جميعهم متحمسون لزيارة مرصد حلوان، أحد أقدم وأهم المراصد الفلكية في الشرق الأوسط. كان الضجيج يملأ الأتوبيس: ضحكات، أحاديث متداخلة، نقاشات علمية، ومزاح شبابي. جلس الدكتور هشام في المقعد الأمامي، بينما جلس محمد في المقعد المجاور له. انطلق الأتوبيس متجهاً نحو مرصد حلوان، الذي يبعد حوالي ثلاثين كيلومتراً عن وسط القاهرة.
جميع الحقوق محفوظه للمولف إبراهيم محمود
المجلد الأول: بوادر الاكتشاف الفصل 2- لقاء غير متوقع وصل إلى الجامعة في تمام السابعة والنصف، وأوقف سيارته في المكان المخصص له. كان الحرم الجامعي هادئاً نسبياً في هذا الوقت المبكر. تنفس الهواء النقي بعمق وهو يتأمل مبنى كلية العلوم الذي قضى فيه معظم حياته المهنية. كان المبنى قديماً لكنه مهيب، بأعمدته الكلاسيكية ونوافذه الكبيرة. دخل الكلية وتوجه مباشرة إلى مكتبه في الطابق الثالث. كان المكتب متواضعاً في حجمه لكنه منظم بدقة متناهية. رفوف الكتب تغطي الجدران، معظمها مراجع علمية في الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء. على المكتب، كان هناك كمبيوتر حديث نسبياً، هدية من الجامعة تقديراً لأبحاثه المتميزة، وإلى جانبه صورة قديمة له مع والديه أمام مرصد حلوان، التقطت عندما كان طالباً في السنة الأولى بالكلية. وضع حقيبته على المكتب، وبدأ في إخراج أوراقه استعداداً لمحاضرة اليوم الأولى عن “الثقوب السوداء وتأثيرها على الزمكان”. كان يحب هذه المحاضرة بشكل خاص، لأنها تجمع بين النظريات الفيزيائية المعقدة والتطبيقات العملية في فهم الكون. بينما كان منهمكاً في مراجعة ملاحظاته، سمع طرقات خفيفة على باب مكتبه. رفع رأسه مستغرباً، فالوقت كان مبكراً جداً على زيارة أي من زملائه أو طلابه. “تفضل،” قال بصوت هادئ. فُتح الباب ببطء، وظهر شاب نحيل في أوائل العشرينات من عمره، ببشرة قمحية وعينين عسليتين تشعان ذكاءً وحيوية. كان يرتدي قميصاً أزرق فاتحاً وبنطالاً جينز، وكان يحمل حقيبة ظهر ثقيلة تبدو مليئة بالكتب والأوراق. “صباح الخير يا دكتور هشام،” قال الشاب بصوت مليء بالحماس والاحترام. ابتسم الدكتور هشام عندما تعرف على الطالب. “صباح النور يا محمد. ما الذي يأتي بك إلى الكلية في هذا الوقت المبكر؟” محمد حسن كان أحد طلابه المتميزين في السنة النهائية. كان شاباً استثنائياً، يمتلك عقلاً علمياً فذاً وشغفاً حقيقياً بعلوم الفضاء، وليس مجرد رغبة في الحصول على شهادة كمعظم زملائه. “دكتور هشام، اليوم الرحلة الميدانية لمرصد حلوان! الأتوبيس في انتظارنا عند باب الكلية منذ نصف ساعة،” قال محمد بلهفة واضحة. ارتبك الدكتور هشام للحظة، ثم ضرب جبينه بكفه. “يا إلهي! كيف نسيت؟” تساءل بصوت مسموع. كان هذا أول نسيان في حياته المهنية، وهو أمر غير معتاد بالنسبة له على الإطلاق. “لا بأس يا دكتور، ما زال هناك متسع من الوقت،” طمأنه محمد بابتسامة ودودة. “وماذا تفعل أنت هنا؟ ألم تذهب مع زملائك؟” سأل الدكتور هشام وهو يجمع أوراقه بسرعة، محاولاً إخفاء ارتباكه. ابتسم محمد وقال: “كنت في المكتبة أعمل على بحثي عن المجرات القريبة. أفضل إنجاز العمل مبكراً.” “لكن موعد تسليم البحث بعد ثلاثة أشهر!” قال الدكتور مندهشاً. “أعلم ذلك يا دكتور، لكنني أحب أن أنهي مهامي قبل موعدها. هذا يمنحني وقتاً للمراجعة والتحسين،” أجاب محمد بثقة هادئة. أعجب الدكتور هشام بحماس الشاب وجديته. كان محمد من الطلاب النادرين الذين يذكرونه بنفسه عندما كان في مثل سنه: شغوفاً، مجتهداً، مهووساً بأسرار الكون. “حسناً، دعنا نذهب فوراً،” قال الدكتور هشام وهو يضع بعض الأوراق في حقيبته. “لا أريد أن نتأخر أكثر من ذلك.” خرجا معاً متجهين نحو باب الكلية حيث كان الأتوبيس في الانتظار. كان عم سعيد، سائق الأتوبيس المخضرم ذو الشعر الأبيض والابتسامة الدائمة، يقف بجانب الباب يتحدث مع بعض الطلاب. “يا دكتور هشام! هذه أول مرة تتأخر فيها منذ عرفتك!” قال عم سعيد مازحاً عندما رآهما يقتربان. كان رجلاً في الستينيات من عمره، عمل في الجامعة لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان يعرف كل أستاذ وموظف معرفة شخصية. “معذرة يا عم سعيد، نسيت موعد الرحلة تماماً،” اعتذر الدكتور هشام وهو يصعد إلى الأتوبيس. “لا عليك يا دكتور، الإنسان ليس آلة. النسيان من طبيعة البشر،” رد عم سعيد بطيبة قلب، وهو يربت على كتف الدكتور بود. كان الأتوبيس مليئاً بطلاب السنة النهائية، حوالي خمسة وعشرين طالباً وطالبة، جميعهم متحمسون لزيارة مرصد حلوان، أحد أقدم وأهم المراصد الفلكية في الشرق الأوسط. كان الضجيج يملأ الأتوبيس: ضحكات، أحاديث متداخلة، نقاشات علمية، ومزاح شبابي. جلس الدكتور هشام في المقعد الأمامي، بينما جلس محمد في المقعد المجاور له. انطلق الأتوبيس متجهاً نحو مرصد حلوان، الذي يبعد حوالي ثلاثين كيلومتراً عن وسط القاهرة.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات