الفصل السادس
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
نادي قتال أنقرة سري. على عكس ما يوحي به اسمه من دلالات سلبية، كان منشأة ترفيهية قانونية تمامًا. ” إذًا، هل الأمر أشبه بقتال بالأيدي؟” حرك يوريتش جسده ليخفف من حدة التوتر. “يوريتش، لقد أخبرتك مرارًا وتكرارًا. لا يجوز قتل أحد. القتل هنا مخالف للقواعد ” كرر دوناو كلامه. رسم صورة لرجل يُقطع رأسه، وعقد ذراعيه ليشكل علامة X. “لكن ماذا لو ماتوا من ضربة خفيفة جدًا؟ ها، لا بأس. أنت لا تفهمني على أي حال. ” ضحك يوريتش على الفكرة. لقد قرر الانضمام إلى نادي القتال بعد أن علم أن هذا هو المكان الذي يمكنه فيه الحصول على الكثير من الـ cils. علاوة على ذلك، كان واثقًا جدًا من نفسه. “الرجال هنا كلهم أضعف مني.” بالنسبة ليوريتش، لم يكونوا سوى حمقى بأجساد عادية. كان هذا المكان مليئًا بالضعفاء الذين لم يقتلوا شخصًا واحدًا من قبل. كان من الصعب اعتبارهم بشرًا. ’لكن النساء، من ناحية أخرى، كنّ رائعات’. ابتسم يوريتش وهو يتذكر ليلته الرائعة في حي الضوء الأحمر. “على هذا الجانب من الجبال، المال هو كل شيء.” خطى يوريتش على الرمال. برزت أسنان عدد لا يُحصى من المقاتلين المتساقطة من بين حبيبات الرمل. وما إن دخل الساحة حتى انفجر الجمهور بهتافات وصافرات. “بوووو!” “مرحبًا، أليس هذا هو مصارع الذراع من اليوم الآخر؟” “أموالي عليك!” صرخ الناس وهم ينظرون إلى يوريتش. لم يكترث يوريتش لنظراتهم. كان منشغلاً بالتفكير فيما سيفعله بأرباحه. ماذا أفعل بالمال الذي أجنيه من هذا؟ سأستمتع مع النساء مجددًا، بالطبع، ولكن ماذا أيضًا؟ بينما بدا يوريتش غارقًا في أحلام اليقظة، دخل خصمه الحلبة من الجهة المقابلة. كان المقاتل رجلاً متصلبًا ذا مفاصل بارزة. بدا وكأنه قد شهد الكثير من المعارك في نادي القتال. “هل أشتري فأسًا ببقية المال؟ أسلحتهم أمتن من أسلحتي. لا بد أن لديهم حدادين أفضل هنا ” فكّر يوريتش في نفسه. دينغ! رنّ الجرس معلنًا بدء القتال. تقدّم خصم يوريتش مُندفعًا للأمام. “يا له من شخصٍ سيئ الحظ، أن أكون خصمه الأول!” صرخ المقاتل. اندفع يوريتش جانبًا. “ضربة واحدة، مباشرة في الضلوع.” طعن يوريتش في خاصرة المقاتل. حتى مقاتل نادي القتال المخضرم شعر ببطئه الشديد مقارنةً بالحيوانات البرية والمحاربين في وطنه. لم يقاتل الرجال هنا دفاعًا عن حياتهم. بالنسبة ليوريتش، لم يكن هناك محارب واحد حقيقي في هذه الغرفة. كان فوردجال آرتن، الرجل الذي حارب معي، محاربًا مستعدًا للموت في المعركة. رجال كهؤلاء موجودون في هذا الجانب أيضًا، هكذا فكّر يوريتش في فارس الإمبراطورية الذي قاتله في جبال السماء. بوو! لكم يوريتش المقاتل بالقوة المناسبة. سُمع صوت طقطقة قادم من قفصه الصدري. “إن كنتَ محظوظًا، ستعيش. وإن لم تكن كذلك، فهذا مؤسف.” استدار يوريتش ورفع يده منتصرًا دون أن ينظر إلى خصمه الساقط. كان المقاتل على الأرض يُظهر بياض عينيه ويزبد من فمه. اندفع بعض الرجال إلى الساحة لحمله على نقالة. “يوريتش هو الفائز!” نظر يوريتش حوله في ملل. لم يكن الأمر ممتعًا بالنسبة له. لولا المال، لما راودته الفكرة أصلًا. “ماذا حدث للتو؟ هل قضَى عليه بلكمة واحدة فقط؟” يا وغد، ما هذا؟ هذا مُزوَّر، أليس كذلك؟ “رأيتَ الرجل الآخر مُستلقيًا هناك، والرغوة تسيل من فمه. الأمر ليس مُزوَّرًا.” كان الجمهور يشتعل غضبًا واندلعت المشاجرات. راهن الكثير منهم على فوز المقاتل على يوريتش، لأن هذه كانت أول مباراة له في النادي. “مهلاً، فاز يوريتش بجدارة! سلّم المال الآن!” طالب دوناو مدير النادي. أخرج المدير حقيبته المعدنية وهو ينقر بلسانه. “أخبر خصمك أن يهدأ في المباراة القادمة. إذا أنهى المباراة بهذه الطريقة مجددًا، فسنخسر جمهورنا.” “حسنًا، حسنًا، لقد حصلت عليه.” أومأ دوناو برأسه بلا مبالاة وهو يخطف حقيبة العملات المعدنية. “تلك اللكمة الواحدة جلبت لنا مائة ألف شيكل.” لم يتمكن دوناو من التوقف عن الابتسام. “لنكررها يا يوريتش!” رفع دوناو إصبعه وهو ينظر إلى يوريتش. ثم فاز يوريتش بثلاث مباريات متتالية. بلغ إجمالي مكاسبهم في ذلك اليوم نصف مليون، وهو مبلغ باهظ جدًا بالنسبة لأرباح يوم واحد. “ه … “هذه هي الجنة حقًا.” نظر يوريتش إلى السقف بوجهه المحمر. سدد بعض اللكمات، واكسب المال، وأنفقه على الطعام والشراب – ناهيك عن النساء. “لا أصدق أنني كنت أركض في السهول لأصطاد الحيوانات. يا له من جنون!” سكبت العاهرة المزيد من الخمر في فم يوريتش. ارتعش جسده وهو يبتلع الشراب. “لا تُبالغوا يا سيداتي. ليس لدينا الكثير من المال لنُبذره اليوم.” حذّر دوناو بشدة العاهرات اللواتي كنّ يتجوّلن في الغرفة بفساتينهنّ الشفافة. “أوه، إذن كيف هذا؟” أحضرت إحدى العاهرات ورقا، ثم ألقين فيها بعض الأعشاب وأشعلنها.
نادي قتال أنقرة سري. على عكس ما يوحي به اسمه من دلالات سلبية، كان منشأة ترفيهية قانونية تمامًا.
” إذًا، هل الأمر أشبه بقتال بالأيدي؟” حرك يوريتش جسده ليخفف من حدة التوتر.
“يوريتش، لقد أخبرتك مرارًا وتكرارًا. لا يجوز قتل أحد. القتل هنا مخالف للقواعد ” كرر دوناو كلامه. رسم صورة لرجل يُقطع رأسه، وعقد ذراعيه ليشكل علامة X.
“لكن ماذا لو ماتوا من ضربة خفيفة جدًا؟ ها، لا بأس. أنت لا تفهمني على أي حال. ” ضحك يوريتش على الفكرة. لقد قرر الانضمام إلى نادي القتال بعد أن علم أن هذا هو المكان الذي يمكنه فيه الحصول على الكثير من الـ cils. علاوة على ذلك، كان واثقًا جدًا من نفسه.
“الرجال هنا كلهم أضعف مني.”
بالنسبة ليوريتش، لم يكونوا سوى حمقى بأجساد عادية. كان هذا المكان مليئًا بالضعفاء الذين لم يقتلوا شخصًا واحدًا من قبل. كان من الصعب اعتبارهم بشرًا.
’لكن النساء، من ناحية أخرى، كنّ رائعات’. ابتسم يوريتش وهو يتذكر ليلته الرائعة في حي الضوء الأحمر.
“على هذا الجانب من الجبال، المال هو كل شيء.”
خطى يوريتش على الرمال. برزت أسنان عدد لا يُحصى من المقاتلين المتساقطة من بين حبيبات الرمل. وما إن دخل الساحة حتى انفجر الجمهور بهتافات وصافرات.
“بوووو!”
“مرحبًا، أليس هذا هو مصارع الذراع من اليوم الآخر؟”
“أموالي عليك!”
صرخ الناس وهم ينظرون إلى يوريتش. لم يكترث يوريتش لنظراتهم. كان منشغلاً بالتفكير فيما سيفعله بأرباحه.
ماذا أفعل بالمال الذي أجنيه من هذا؟ سأستمتع مع النساء مجددًا، بالطبع، ولكن ماذا أيضًا؟
بينما بدا يوريتش غارقًا في أحلام اليقظة، دخل خصمه الحلبة من الجهة المقابلة. كان المقاتل رجلاً متصلبًا ذا مفاصل بارزة. بدا وكأنه قد شهد الكثير من المعارك في نادي القتال.
“هل أشتري فأسًا ببقية المال؟ أسلحتهم أمتن من أسلحتي. لا بد أن لديهم حدادين أفضل هنا ” فكّر يوريتش في نفسه.
دينغ!
رنّ الجرس معلنًا بدء القتال. تقدّم خصم يوريتش مُندفعًا للأمام.
“يا له من شخصٍ سيئ الحظ، أن أكون خصمه الأول!” صرخ المقاتل. اندفع يوريتش جانبًا.
“ضربة واحدة، مباشرة في الضلوع.”
طعن يوريتش في خاصرة المقاتل. حتى مقاتل نادي القتال المخضرم شعر ببطئه الشديد مقارنةً بالحيوانات البرية والمحاربين في وطنه. لم يقاتل الرجال هنا دفاعًا عن حياتهم. بالنسبة ليوريتش، لم يكن هناك محارب واحد حقيقي في هذه الغرفة.
كان فوردجال آرتن، الرجل الذي حارب معي، محاربًا مستعدًا للموت في المعركة. رجال كهؤلاء موجودون في هذا الجانب أيضًا، هكذا فكّر يوريتش في فارس الإمبراطورية الذي قاتله في جبال السماء.
بوو!
لكم يوريتش المقاتل بالقوة المناسبة. سُمع صوت طقطقة قادم من قفصه الصدري.
“إن كنتَ محظوظًا، ستعيش. وإن لم تكن كذلك، فهذا مؤسف.”
استدار يوريتش ورفع يده منتصرًا دون أن ينظر إلى خصمه الساقط. كان المقاتل على الأرض يُظهر بياض عينيه ويزبد من فمه. اندفع بعض الرجال إلى الساحة لحمله على نقالة.
“يوريتش هو الفائز!”
نظر يوريتش حوله في ملل. لم يكن الأمر ممتعًا بالنسبة له. لولا المال، لما راودته الفكرة أصلًا.
“ماذا حدث للتو؟ هل قضَى عليه بلكمة واحدة فقط؟”
يا وغد، ما هذا؟ هذا مُزوَّر، أليس كذلك؟
“رأيتَ الرجل الآخر مُستلقيًا هناك، والرغوة تسيل من فمه. الأمر ليس مُزوَّرًا.”
كان الجمهور يشتعل غضبًا واندلعت المشاجرات. راهن الكثير منهم على فوز المقاتل على يوريتش، لأن هذه كانت أول مباراة له في النادي.
“مهلاً، فاز يوريتش بجدارة! سلّم المال الآن!” طالب دوناو مدير النادي.
أخرج المدير حقيبته المعدنية وهو ينقر بلسانه.
“أخبر خصمك أن يهدأ في المباراة القادمة. إذا أنهى المباراة بهذه الطريقة مجددًا، فسنخسر جمهورنا.”
“حسنًا، حسنًا، لقد حصلت عليه.” أومأ دوناو برأسه بلا مبالاة وهو يخطف حقيبة العملات المعدنية.
“تلك اللكمة الواحدة جلبت لنا مائة ألف شيكل.”
لم يتمكن دوناو من التوقف عن الابتسام.
“لنكررها يا يوريتش!” رفع دوناو إصبعه وهو ينظر إلى يوريتش. ثم فاز يوريتش بثلاث مباريات متتالية. بلغ إجمالي مكاسبهم في ذلك اليوم نصف مليون، وهو مبلغ باهظ جدًا بالنسبة لأرباح يوم واحد.
“ه …
“هذه هي الجنة حقًا.” نظر يوريتش إلى السقف بوجهه المحمر. سدد بعض اللكمات، واكسب المال، وأنفقه على الطعام والشراب – ناهيك عن النساء.
“لا أصدق أنني كنت أركض في السهول لأصطاد الحيوانات. يا له من جنون!”
سكبت العاهرة المزيد من الخمر في فم يوريتش. ارتعش جسده وهو يبتلع الشراب.
“لا تُبالغوا يا سيداتي. ليس لدينا الكثير من المال لنُبذره اليوم.” حذّر دوناو بشدة العاهرات اللواتي كنّ يتجوّلن في الغرفة بفساتينهنّ الشفافة.
“أوه، إذن كيف هذا؟”
أحضرت إحدى العاهرات ورقا، ثم ألقين فيها بعض الأعشاب وأشعلنها.
أخذت المرأة الورقة إلى فمها أولًا. فتدفق الدخان العطر من فمها وأنفها.
“أليس هذا تبغًا جنوبيًا؟ تبغًا؟” اتسعت عينا دوناو فضولًا.
“لا توجد رسوم إضافية هذه المرة، السيد دوناو.”
“هاه، أرى ما تفعله، ولكنني سأسمح لك بذلك.”
وضع دوناو الغليون في فمه دون تردد، واستنشق الدخان الكثيف. شعر وكأنه يحلق في الهواء.
“جرب هذا، يوريتش.”
أخذ يوريتش الأنبوب وأخذ نفسًا كبيرًا.
‘هذا هو…’
اتسعت عيناه. تعرف على الرائحة.
“هذا هو الشيء التي كانت تدخنه الشامان العجوز دائمًا.”
نادي قتال أنقرة سري. على عكس ما يوحي به اسمه من دلالات سلبية، كان منشأة ترفيهية قانونية تمامًا. ” إذًا، هل الأمر أشبه بقتال بالأيدي؟” حرك يوريتش جسده ليخفف من حدة التوتر. “يوريتش، لقد أخبرتك مرارًا وتكرارًا. لا يجوز قتل أحد. القتل هنا مخالف للقواعد ” كرر دوناو كلامه. رسم صورة لرجل يُقطع رأسه، وعقد ذراعيه ليشكل علامة X. “لكن ماذا لو ماتوا من ضربة خفيفة جدًا؟ ها، لا بأس. أنت لا تفهمني على أي حال. ” ضحك يوريتش على الفكرة. لقد قرر الانضمام إلى نادي القتال بعد أن علم أن هذا هو المكان الذي يمكنه فيه الحصول على الكثير من الـ cils. علاوة على ذلك، كان واثقًا جدًا من نفسه. “الرجال هنا كلهم أضعف مني.” بالنسبة ليوريتش، لم يكونوا سوى حمقى بأجساد عادية. كان هذا المكان مليئًا بالضعفاء الذين لم يقتلوا شخصًا واحدًا من قبل. كان من الصعب اعتبارهم بشرًا. ’لكن النساء، من ناحية أخرى، كنّ رائعات’. ابتسم يوريتش وهو يتذكر ليلته الرائعة في حي الضوء الأحمر. “على هذا الجانب من الجبال، المال هو كل شيء.” خطى يوريتش على الرمال. برزت أسنان عدد لا يُحصى من المقاتلين المتساقطة من بين حبيبات الرمل. وما إن دخل الساحة حتى انفجر الجمهور بهتافات وصافرات. “بوووو!” “مرحبًا، أليس هذا هو مصارع الذراع من اليوم الآخر؟” “أموالي عليك!” صرخ الناس وهم ينظرون إلى يوريتش. لم يكترث يوريتش لنظراتهم. كان منشغلاً بالتفكير فيما سيفعله بأرباحه. ماذا أفعل بالمال الذي أجنيه من هذا؟ سأستمتع مع النساء مجددًا، بالطبع، ولكن ماذا أيضًا؟ بينما بدا يوريتش غارقًا في أحلام اليقظة، دخل خصمه الحلبة من الجهة المقابلة. كان المقاتل رجلاً متصلبًا ذا مفاصل بارزة. بدا وكأنه قد شهد الكثير من المعارك في نادي القتال. “هل أشتري فأسًا ببقية المال؟ أسلحتهم أمتن من أسلحتي. لا بد أن لديهم حدادين أفضل هنا ” فكّر يوريتش في نفسه. دينغ! رنّ الجرس معلنًا بدء القتال. تقدّم خصم يوريتش مُندفعًا للأمام. “يا له من شخصٍ سيئ الحظ، أن أكون خصمه الأول!” صرخ المقاتل. اندفع يوريتش جانبًا. “ضربة واحدة، مباشرة في الضلوع.” طعن يوريتش في خاصرة المقاتل. حتى مقاتل نادي القتال المخضرم شعر ببطئه الشديد مقارنةً بالحيوانات البرية والمحاربين في وطنه. لم يقاتل الرجال هنا دفاعًا عن حياتهم. بالنسبة ليوريتش، لم يكن هناك محارب واحد حقيقي في هذه الغرفة. كان فوردجال آرتن، الرجل الذي حارب معي، محاربًا مستعدًا للموت في المعركة. رجال كهؤلاء موجودون في هذا الجانب أيضًا، هكذا فكّر يوريتش في فارس الإمبراطورية الذي قاتله في جبال السماء. بوو! لكم يوريتش المقاتل بالقوة المناسبة. سُمع صوت طقطقة قادم من قفصه الصدري. “إن كنتَ محظوظًا، ستعيش. وإن لم تكن كذلك، فهذا مؤسف.” استدار يوريتش ورفع يده منتصرًا دون أن ينظر إلى خصمه الساقط. كان المقاتل على الأرض يُظهر بياض عينيه ويزبد من فمه. اندفع بعض الرجال إلى الساحة لحمله على نقالة. “يوريتش هو الفائز!” نظر يوريتش حوله في ملل. لم يكن الأمر ممتعًا بالنسبة له. لولا المال، لما راودته الفكرة أصلًا. “ماذا حدث للتو؟ هل قضَى عليه بلكمة واحدة فقط؟” يا وغد، ما هذا؟ هذا مُزوَّر، أليس كذلك؟ “رأيتَ الرجل الآخر مُستلقيًا هناك، والرغوة تسيل من فمه. الأمر ليس مُزوَّرًا.” كان الجمهور يشتعل غضبًا واندلعت المشاجرات. راهن الكثير منهم على فوز المقاتل على يوريتش، لأن هذه كانت أول مباراة له في النادي. “مهلاً، فاز يوريتش بجدارة! سلّم المال الآن!” طالب دوناو مدير النادي. أخرج المدير حقيبته المعدنية وهو ينقر بلسانه. “أخبر خصمك أن يهدأ في المباراة القادمة. إذا أنهى المباراة بهذه الطريقة مجددًا، فسنخسر جمهورنا.” “حسنًا، حسنًا، لقد حصلت عليه.” أومأ دوناو برأسه بلا مبالاة وهو يخطف حقيبة العملات المعدنية. “تلك اللكمة الواحدة جلبت لنا مائة ألف شيكل.” لم يتمكن دوناو من التوقف عن الابتسام. “لنكررها يا يوريتش!” رفع دوناو إصبعه وهو ينظر إلى يوريتش. ثم فاز يوريتش بثلاث مباريات متتالية. بلغ إجمالي مكاسبهم في ذلك اليوم نصف مليون، وهو مبلغ باهظ جدًا بالنسبة لأرباح يوم واحد. “ه … “هذه هي الجنة حقًا.” نظر يوريتش إلى السقف بوجهه المحمر. سدد بعض اللكمات، واكسب المال، وأنفقه على الطعام والشراب – ناهيك عن النساء. “لا أصدق أنني كنت أركض في السهول لأصطاد الحيوانات. يا له من جنون!” سكبت العاهرة المزيد من الخمر في فم يوريتش. ارتعش جسده وهو يبتلع الشراب. “لا تُبالغوا يا سيداتي. ليس لدينا الكثير من المال لنُبذره اليوم.” حذّر دوناو بشدة العاهرات اللواتي كنّ يتجوّلن في الغرفة بفساتينهنّ الشفافة. “أوه، إذن كيف هذا؟” أحضرت إحدى العاهرات ورقا، ثم ألقين فيها بعض الأعشاب وأشعلنها.
مع أن الاستنشاق مختلف، إلا أن رائحته تُشبه رائحة الأعشاب التي كان الشامان يدخنونها دائمًا. كان يشتم نفس الرائحة كلما كان معهم. المحاربون يتجنبون التبغ، ظنًا منهم أنه شيء لا يدخنه إلا المحاربون القدامى الذين على وشك الموت. كان محظورًا على المحاربين الشباب في ريعان شبابهم، مع أن أحدًا لم يعرف السبب. كان يُنظر إليه باستياء على أنه مجرد شيء يُنظر إليه على أنه غير مرغوب فيه بالنسبة للمحاربين.
“ليس الأمر سيئًا جدًا. هل كان الشيوخ والشامان يكتمون الأمر لأنفسهم طوال هذا الوقت؟”
شعر يوريتش بالنعاس. غمضت عيناه الحادتان اللامعتان، وبدأ تركيزه يتلاشى. أصبح الخمر يتدفق كالماء، والطعام يتدفق إليه رغم شبعه. بدت همسات العاهرات أحلى من أي وقت مضى.
“كيف تشعر بهذا، يا سيد بطل الساحة؟” سألت إحدى النساء يوريتش وهي تدفن وجهها بين ساقيه العضليتين.
“ليس سيئًا، لا، بل جيد جدًا ” همس يوريتش وهو يستسلم لموجة المتعة. عندما استيقظ، كان صباح جديد قد بزغ.
* * *
بدا يوريتش ودوناو يكسبان ثروتهما من حفلات السهر، ويقضيان الليالي في احتساء الخمر مع نساء حيّ أنقرةن للدعارة. كان الحفل يستمر طوال الليل. وعندما استيقظا في اليوم التالي، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف النهار.
“استيقظ يا يوريتش! حان وقت جني المال ” أيقظ دوناو يوريتش من نومه الهنيء. في هذه اللحظة، يعامل يوريتش كخادمه.
“اصمت، رأسي يطن. أنت تعلم أنني لا أفهم ما تقوله ” تمتم يوريتش بانزعاج وهو ينهض ويداه ملفوفتان حول رأسه المؤلم. لقد كان يواصل حياته الفاسدة بمساعدة دوناو.
“لقد أصبحنا في فترة ما بعد الظهر بالفعل، أليس كذلك؟”
كانت الشمس في طريقها للغروب. شعر يوريتش بثقلٍ أكبر من المعتاد.
“أوه ” أخذ يوريتش نفسًا عميقًا سريعًا. قضم ما تبقى من فاكهة الليلة الماضية واعتبرها فطورًا.
“أنت مستيقظ يا بطلي. إليك قبلة للحظ السعيد.”
تبادلت القبل.
قبلت إحدى العاهرات خد يوريتش بشفتيها المحمرتين. في هذه اللحظة، يوريتش ودوناو يعيشان في حيّ الأضواء الحمراء.
‘كم من الوقت مضى؟’
لم يستطع يوريتش تذكر عدد الأيام التي مرّت منذ أن تخطى جبال السماء. هل كانت ثلاثين يومًا؟ لا، ربما أقرب إلى خمسين. لم يكن يُحصي عدد الأيام بدقة؛ كان يُكرّر نفس اليوم والليلة مرارًا وتكرارًا.
“دوناو ” نادى يوريتش على شريكه.
“ماذا تريد يا يوريتش؟ لدينا أماكن نزورها وأموال نجنيها. لقد تراكمت علينا الديون، فلا نملك خيارًا سوى تضييع ثانية أخرى.” سخر دوناو وهو يعبس. إن قلة الانضباط والسيطرة في حياته جعلته يُنفق بتهور أكثر. كانت عليه ديون كثيرة، حتى أنه حصل على قرض من مُرابٍ أنقرةني.
“فأسي ” تمتم يوريتش وهو يجلس القرفصاء على الأرض ليرسم رسمًا لزوج من فأس المعركة.
“هل تريدني أن أشتري لك فؤوسًا؟ لماذا؟ هل تريد قطع بعض الحطب أو شيء من هذا القبيل؟
“فأس.”
أكد يوريتش مجددًا على طلبه مشيرًا بثبات إلى رسمه. تردد دوناو في إنفاق ماله على يوريتش، لكنه أومأ برأسه موافقًا.
” سنمر على الحدادين بعد المعارك. لكن أولًا، لدينا عمل لننجزه.”
وصل يوريتش ودوناو إلى نادي القتال. كان مدير الساحة بانتظارهما.
“ها أنتم ذا، يوريتش ودوناو! الجميع هنا متشوقون لرؤية معارككم.”
استقبل المدير يوريتش. أصبح يوريتش نجم نادي القتال. يوريتش الذي لا يُهزم. منذ ظهوره الأول، لم يخسر أي نزال. لم يكن الناس يهتمون بفوزه، بل كانوا يُعجبون به في كل نزال بغض النظر عن النتيجة.
” دعنا نجعل هذا سريعًا، يوريتش!” قال دوناو ليوريتش بينما كان يدلك ظهره وكتفيه المشدودين.
“أنت مالي، لا يمكن أن تخسره.”
جلس يوريتش مغمض العينين، يتلقى تدليك دوناو. كان يجد صعوبة في التخلص من نعاسه، رغم نومه الهانئ.
” أوه، أعتقد أننا نبدأ الآن ” قال يوريتش وهو يدخل الساحة الرملية. استغرق الأمر ثانية، لكنه أخيرًا رأى خصمه الآن.
’لا يبدو قويًا جدًا. ربما سأضربه في فكه وأنتهي من الأمر.’ فكّر يوريتش في نفسه وهو يتجه نحو خصمه. اندفع المقاتل للأمام.
بوو!
نظر يوريتش إلى القبضة التي دفنت نفسها في معدته.
“اعتقدت أنني تفاديت هذا؟”
بوو!
سلسلة من اللكمات دفعت يوريتش خارج موقعه.
“ووواه!” هدر الحشد عند رؤية هذا المنظر غير المتوقع.
رفع يوريتش ذراعيه ليحمي نفسه من اللكمات. لم يصدق ما يحدث.
“هل أنا تراجعت؟”
الخمر، النساء، التبغ. لم يسبق ليوريتش أن عاش حياةً مضطربةً كهذه. ولأول مرة في حياته، أدرك أن حواسه القتالية قد خارت. بدا يوريتش في السادسة عشرة من عمره فقط. ظن أنه يزداد قوةً، وأن العكس غير ممكن. جاب السهول والغابات صائدًا الحيوانات، وقاتل الرجال في ساحات القتال.
” اللعنة! ”
بدا يوريتش هادئًا دائمًا في معاركه في النادي، لأنه يعلم أنه أقوى بكثير من خصومه. كان يشعر وكأنه أسدٌ يلهو بفريسته، لكن اليوم كان مختلفًا. لم تكن الأفضلية ليوريتش. كان يلعن ويثور من الخجل والغضب. كان يشد كل عضلة في جسده، دون أن يكبح جماح قوته.
بوو!
ارتطمت قبضة يوريتش بوجه المقاتل. تهشمت عظام وجهه كأنها طباشير هشة، وبرزت مقلتا عينيه من محجريهما من شدة الضغط داخل جمجمته.
“آه!”
“لا لا!”
صرخ الحشد من الرعب.
بوو!
بدا المقاتل الساقط ميتًا بلا شك. كان وجهه مشوهًا بشدة، وكانت مقلتا عينيه المفصولتان عن العصب البصري تتدحرجان على الرمال. لكان الأمر أسوأ لو نجا بطريقة ما في هذه الحالة.
لم يكن نادي القتال في أنقرة مكانًا للقتال حتى الموت، بل كان مجرد مكان ترفيهي لعمال المناجم وعصابات العصابات، يستمتعون فيه ويراهنون على معارك مثيرة.
“آه، لقد انجرفتُ. قتلته بالخطأ ” قال يوريتش بلا مبالاة كما لو الأمر عاديًا، ومسح دم المقاتل القتيل عن قبضته.
“يوريتش! قلتُ لك لا تقتله، فهذا ممنوع!” انفجر دوناو غضبًا على يوريتش. سرعان ما تفاقمت الأمور. تعرّض رجلٌ للضرب حتى الموت داخل المدينة. كان هناك الكثير من الشهود، لذا لن تُوجّه إليهم تهمة القتل العمد. ومع ذلك، خالفوا قواعد نادي القتال.
“لن يسمحوا لنا بالدخول إلى هنا مرة أخرى، اللعنة!”
كان هذا هو السبب الحقيقي وراء غضب دوناو الشديد. نادي القتال مصدر دخله. كان ينفق ثروة طائلة كما لو أنه جمع كل أمواله من معارك يوريتش، مما يعني أنه على وشك أن يُدفن تحت وطأة ديون طائلة دون أي سبيل لسدادها.
“دوناو، يوريتش، لا تعودا إلى هنا لفترة ” أكد مدير الساحة. قال لفترة، لكن في الحقيقة، هذا يعني حظرًا دائمًا.
“ماذا حدث للتو؟ هل طردنا لمجرد أنني قتلت شخصًا واحدًا؟ ماذا، لا يموت الناس في المعارك هنا؟” قفز يوريتش من مكانه، يصرخ بغضب. لم يفهم الرجال الآخرون ما يقوله، لكنهم أدركوا سريعًا أنه كان غاضبًا. اقترب منهم الحراس المسلحون ببطء.
“توقف يا يوريتش! علينا الخروج من هنا.” أقنع دوناو يوريتش بالهدوء. إذا تشاجر يوريتش مع الحراس وقتل أحدهم عن طريق الخطأ، فسيكون ذلك مشكلة كبيرة.
“هذا الرجل هو آلة قتل.”
عرف دوناو يوريتش الحقيقي. لقد رآه بنفسه. استعاد ذاكرته إلى أول لقاء لهما عندما عامل يوريتش حياة ثلاثة رجال معاملةً لا تُطاق. سرت قشعريرة في جسده. عاد إليه الخوف الذي كان يشعر به تجاه يوريتش منذ فترة. بدا يوريتش رجلاً مرعباً.
“ربما حان الوقت بالنسبة لي للمضي قدما بعيدا عن هذا الرجل.”
بعد كل شيء، كان دوناو رجلاً محتالاً يزدهر بالخيانة والاحتيال.
نادي قتال أنقرة سري. على عكس ما يوحي به اسمه من دلالات سلبية، كان منشأة ترفيهية قانونية تمامًا. ” إذًا، هل الأمر أشبه بقتال بالأيدي؟” حرك يوريتش جسده ليخفف من حدة التوتر. “يوريتش، لقد أخبرتك مرارًا وتكرارًا. لا يجوز قتل أحد. القتل هنا مخالف للقواعد ” كرر دوناو كلامه. رسم صورة لرجل يُقطع رأسه، وعقد ذراعيه ليشكل علامة X. “لكن ماذا لو ماتوا من ضربة خفيفة جدًا؟ ها، لا بأس. أنت لا تفهمني على أي حال. ” ضحك يوريتش على الفكرة. لقد قرر الانضمام إلى نادي القتال بعد أن علم أن هذا هو المكان الذي يمكنه فيه الحصول على الكثير من الـ cils. علاوة على ذلك، كان واثقًا جدًا من نفسه. “الرجال هنا كلهم أضعف مني.” بالنسبة ليوريتش، لم يكونوا سوى حمقى بأجساد عادية. كان هذا المكان مليئًا بالضعفاء الذين لم يقتلوا شخصًا واحدًا من قبل. كان من الصعب اعتبارهم بشرًا. ’لكن النساء، من ناحية أخرى، كنّ رائعات’. ابتسم يوريتش وهو يتذكر ليلته الرائعة في حي الضوء الأحمر. “على هذا الجانب من الجبال، المال هو كل شيء.” خطى يوريتش على الرمال. برزت أسنان عدد لا يُحصى من المقاتلين المتساقطة من بين حبيبات الرمل. وما إن دخل الساحة حتى انفجر الجمهور بهتافات وصافرات. “بوووو!” “مرحبًا، أليس هذا هو مصارع الذراع من اليوم الآخر؟” “أموالي عليك!” صرخ الناس وهم ينظرون إلى يوريتش. لم يكترث يوريتش لنظراتهم. كان منشغلاً بالتفكير فيما سيفعله بأرباحه. ماذا أفعل بالمال الذي أجنيه من هذا؟ سأستمتع مع النساء مجددًا، بالطبع، ولكن ماذا أيضًا؟ بينما بدا يوريتش غارقًا في أحلام اليقظة، دخل خصمه الحلبة من الجهة المقابلة. كان المقاتل رجلاً متصلبًا ذا مفاصل بارزة. بدا وكأنه قد شهد الكثير من المعارك في نادي القتال. “هل أشتري فأسًا ببقية المال؟ أسلحتهم أمتن من أسلحتي. لا بد أن لديهم حدادين أفضل هنا ” فكّر يوريتش في نفسه. دينغ! رنّ الجرس معلنًا بدء القتال. تقدّم خصم يوريتش مُندفعًا للأمام. “يا له من شخصٍ سيئ الحظ، أن أكون خصمه الأول!” صرخ المقاتل. اندفع يوريتش جانبًا. “ضربة واحدة، مباشرة في الضلوع.” طعن يوريتش في خاصرة المقاتل. حتى مقاتل نادي القتال المخضرم شعر ببطئه الشديد مقارنةً بالحيوانات البرية والمحاربين في وطنه. لم يقاتل الرجال هنا دفاعًا عن حياتهم. بالنسبة ليوريتش، لم يكن هناك محارب واحد حقيقي في هذه الغرفة. كان فوردجال آرتن، الرجل الذي حارب معي، محاربًا مستعدًا للموت في المعركة. رجال كهؤلاء موجودون في هذا الجانب أيضًا، هكذا فكّر يوريتش في فارس الإمبراطورية الذي قاتله في جبال السماء. بوو! لكم يوريتش المقاتل بالقوة المناسبة. سُمع صوت طقطقة قادم من قفصه الصدري. “إن كنتَ محظوظًا، ستعيش. وإن لم تكن كذلك، فهذا مؤسف.” استدار يوريتش ورفع يده منتصرًا دون أن ينظر إلى خصمه الساقط. كان المقاتل على الأرض يُظهر بياض عينيه ويزبد من فمه. اندفع بعض الرجال إلى الساحة لحمله على نقالة. “يوريتش هو الفائز!” نظر يوريتش حوله في ملل. لم يكن الأمر ممتعًا بالنسبة له. لولا المال، لما راودته الفكرة أصلًا. “ماذا حدث للتو؟ هل قضَى عليه بلكمة واحدة فقط؟” يا وغد، ما هذا؟ هذا مُزوَّر، أليس كذلك؟ “رأيتَ الرجل الآخر مُستلقيًا هناك، والرغوة تسيل من فمه. الأمر ليس مُزوَّرًا.” كان الجمهور يشتعل غضبًا واندلعت المشاجرات. راهن الكثير منهم على فوز المقاتل على يوريتش، لأن هذه كانت أول مباراة له في النادي. “مهلاً، فاز يوريتش بجدارة! سلّم المال الآن!” طالب دوناو مدير النادي. أخرج المدير حقيبته المعدنية وهو ينقر بلسانه. “أخبر خصمك أن يهدأ في المباراة القادمة. إذا أنهى المباراة بهذه الطريقة مجددًا، فسنخسر جمهورنا.” “حسنًا، حسنًا، لقد حصلت عليه.” أومأ دوناو برأسه بلا مبالاة وهو يخطف حقيبة العملات المعدنية. “تلك اللكمة الواحدة جلبت لنا مائة ألف شيكل.” لم يتمكن دوناو من التوقف عن الابتسام. “لنكررها يا يوريتش!” رفع دوناو إصبعه وهو ينظر إلى يوريتش. ثم فاز يوريتش بثلاث مباريات متتالية. بلغ إجمالي مكاسبهم في ذلك اليوم نصف مليون، وهو مبلغ باهظ جدًا بالنسبة لأرباح يوم واحد. “ه … “هذه هي الجنة حقًا.” نظر يوريتش إلى السقف بوجهه المحمر. سدد بعض اللكمات، واكسب المال، وأنفقه على الطعام والشراب – ناهيك عن النساء. “لا أصدق أنني كنت أركض في السهول لأصطاد الحيوانات. يا له من جنون!” سكبت العاهرة المزيد من الخمر في فم يوريتش. ارتعش جسده وهو يبتلع الشراب. “لا تُبالغوا يا سيداتي. ليس لدينا الكثير من المال لنُبذره اليوم.” حذّر دوناو بشدة العاهرات اللواتي كنّ يتجوّلن في الغرفة بفساتينهنّ الشفافة. “أوه، إذن كيف هذا؟” أحضرت إحدى العاهرات ورقا، ثم ألقين فيها بعض الأعشاب وأشعلنها.
أخذت المرأة الورقة إلى فمها أولًا. فتدفق الدخان العطر من فمها وأنفها. “أليس هذا تبغًا جنوبيًا؟ تبغًا؟” اتسعت عينا دوناو فضولًا. “لا توجد رسوم إضافية هذه المرة، السيد دوناو.” “هاه، أرى ما تفعله، ولكنني سأسمح لك بذلك.” وضع دوناو الغليون في فمه دون تردد، واستنشق الدخان الكثيف. شعر وكأنه يحلق في الهواء. “جرب هذا، يوريتش.” أخذ يوريتش الأنبوب وأخذ نفسًا كبيرًا. ‘هذا هو…’ اتسعت عيناه. تعرف على الرائحة. “هذا هو الشيء التي كانت تدخنه الشامان العجوز دائمًا.”
مع أن الاستنشاق مختلف، إلا أن رائحته تُشبه رائحة الأعشاب التي كان الشامان يدخنونها دائمًا. كان يشتم نفس الرائحة كلما كان معهم. المحاربون يتجنبون التبغ، ظنًا منهم أنه شيء لا يدخنه إلا المحاربون القدامى الذين على وشك الموت. كان محظورًا على المحاربين الشباب في ريعان شبابهم، مع أن أحدًا لم يعرف السبب. كان يُنظر إليه باستياء على أنه مجرد شيء يُنظر إليه على أنه غير مرغوب فيه بالنسبة للمحاربين. “ليس الأمر سيئًا جدًا. هل كان الشيوخ والشامان يكتمون الأمر لأنفسهم طوال هذا الوقت؟” شعر يوريتش بالنعاس. غمضت عيناه الحادتان اللامعتان، وبدأ تركيزه يتلاشى. أصبح الخمر يتدفق كالماء، والطعام يتدفق إليه رغم شبعه. بدت همسات العاهرات أحلى من أي وقت مضى. “كيف تشعر بهذا، يا سيد بطل الساحة؟” سألت إحدى النساء يوريتش وهي تدفن وجهها بين ساقيه العضليتين. “ليس سيئًا، لا، بل جيد جدًا ” همس يوريتش وهو يستسلم لموجة المتعة. عندما استيقظ، كان صباح جديد قد بزغ. * * * بدا يوريتش ودوناو يكسبان ثروتهما من حفلات السهر، ويقضيان الليالي في احتساء الخمر مع نساء حيّ أنقرةن للدعارة. كان الحفل يستمر طوال الليل. وعندما استيقظا في اليوم التالي، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف النهار. “استيقظ يا يوريتش! حان وقت جني المال ” أيقظ دوناو يوريتش من نومه الهنيء. في هذه اللحظة، يعامل يوريتش كخادمه. “اصمت، رأسي يطن. أنت تعلم أنني لا أفهم ما تقوله ” تمتم يوريتش بانزعاج وهو ينهض ويداه ملفوفتان حول رأسه المؤلم. لقد كان يواصل حياته الفاسدة بمساعدة دوناو. “لقد أصبحنا في فترة ما بعد الظهر بالفعل، أليس كذلك؟” كانت الشمس في طريقها للغروب. شعر يوريتش بثقلٍ أكبر من المعتاد. “أوه ” أخذ يوريتش نفسًا عميقًا سريعًا. قضم ما تبقى من فاكهة الليلة الماضية واعتبرها فطورًا. “أنت مستيقظ يا بطلي. إليك قبلة للحظ السعيد.” تبادلت القبل. قبلت إحدى العاهرات خد يوريتش بشفتيها المحمرتين. في هذه اللحظة، يوريتش ودوناو يعيشان في حيّ الأضواء الحمراء. ‘كم من الوقت مضى؟’ لم يستطع يوريتش تذكر عدد الأيام التي مرّت منذ أن تخطى جبال السماء. هل كانت ثلاثين يومًا؟ لا، ربما أقرب إلى خمسين. لم يكن يُحصي عدد الأيام بدقة؛ كان يُكرّر نفس اليوم والليلة مرارًا وتكرارًا. “دوناو ” نادى يوريتش على شريكه. “ماذا تريد يا يوريتش؟ لدينا أماكن نزورها وأموال نجنيها. لقد تراكمت علينا الديون، فلا نملك خيارًا سوى تضييع ثانية أخرى.” سخر دوناو وهو يعبس. إن قلة الانضباط والسيطرة في حياته جعلته يُنفق بتهور أكثر. كانت عليه ديون كثيرة، حتى أنه حصل على قرض من مُرابٍ أنقرةني. “فأسي ” تمتم يوريتش وهو يجلس القرفصاء على الأرض ليرسم رسمًا لزوج من فأس المعركة. “هل تريدني أن أشتري لك فؤوسًا؟ لماذا؟ هل تريد قطع بعض الحطب أو شيء من هذا القبيل؟ “فأس.” أكد يوريتش مجددًا على طلبه مشيرًا بثبات إلى رسمه. تردد دوناو في إنفاق ماله على يوريتش، لكنه أومأ برأسه موافقًا. ” سنمر على الحدادين بعد المعارك. لكن أولًا، لدينا عمل لننجزه.” وصل يوريتش ودوناو إلى نادي القتال. كان مدير الساحة بانتظارهما. “ها أنتم ذا، يوريتش ودوناو! الجميع هنا متشوقون لرؤية معارككم.” استقبل المدير يوريتش. أصبح يوريتش نجم نادي القتال. يوريتش الذي لا يُهزم. منذ ظهوره الأول، لم يخسر أي نزال. لم يكن الناس يهتمون بفوزه، بل كانوا يُعجبون به في كل نزال بغض النظر عن النتيجة. ” دعنا نجعل هذا سريعًا، يوريتش!” قال دوناو ليوريتش بينما كان يدلك ظهره وكتفيه المشدودين. “أنت مالي، لا يمكن أن تخسره.” جلس يوريتش مغمض العينين، يتلقى تدليك دوناو. كان يجد صعوبة في التخلص من نعاسه، رغم نومه الهانئ. ” أوه، أعتقد أننا نبدأ الآن ” قال يوريتش وهو يدخل الساحة الرملية. استغرق الأمر ثانية، لكنه أخيرًا رأى خصمه الآن. ’لا يبدو قويًا جدًا. ربما سأضربه في فكه وأنتهي من الأمر.’ فكّر يوريتش في نفسه وهو يتجه نحو خصمه. اندفع المقاتل للأمام. بوو! نظر يوريتش إلى القبضة التي دفنت نفسها في معدته. “اعتقدت أنني تفاديت هذا؟” بوو! سلسلة من اللكمات دفعت يوريتش خارج موقعه. “ووواه!” هدر الحشد عند رؤية هذا المنظر غير المتوقع. رفع يوريتش ذراعيه ليحمي نفسه من اللكمات. لم يصدق ما يحدث. “هل أنا تراجعت؟” الخمر، النساء، التبغ. لم يسبق ليوريتش أن عاش حياةً مضطربةً كهذه. ولأول مرة في حياته، أدرك أن حواسه القتالية قد خارت. بدا يوريتش في السادسة عشرة من عمره فقط. ظن أنه يزداد قوةً، وأن العكس غير ممكن. جاب السهول والغابات صائدًا الحيوانات، وقاتل الرجال في ساحات القتال. ” اللعنة! ” بدا يوريتش هادئًا دائمًا في معاركه في النادي، لأنه يعلم أنه أقوى بكثير من خصومه. كان يشعر وكأنه أسدٌ يلهو بفريسته، لكن اليوم كان مختلفًا. لم تكن الأفضلية ليوريتش. كان يلعن ويثور من الخجل والغضب. كان يشد كل عضلة في جسده، دون أن يكبح جماح قوته. بوو! ارتطمت قبضة يوريتش بوجه المقاتل. تهشمت عظام وجهه كأنها طباشير هشة، وبرزت مقلتا عينيه من محجريهما من شدة الضغط داخل جمجمته. “آه!” “لا لا!” صرخ الحشد من الرعب. بوو! بدا المقاتل الساقط ميتًا بلا شك. كان وجهه مشوهًا بشدة، وكانت مقلتا عينيه المفصولتان عن العصب البصري تتدحرجان على الرمال. لكان الأمر أسوأ لو نجا بطريقة ما في هذه الحالة. لم يكن نادي القتال في أنقرة مكانًا للقتال حتى الموت، بل كان مجرد مكان ترفيهي لعمال المناجم وعصابات العصابات، يستمتعون فيه ويراهنون على معارك مثيرة. “آه، لقد انجرفتُ. قتلته بالخطأ ” قال يوريتش بلا مبالاة كما لو الأمر عاديًا، ومسح دم المقاتل القتيل عن قبضته. “يوريتش! قلتُ لك لا تقتله، فهذا ممنوع!” انفجر دوناو غضبًا على يوريتش. سرعان ما تفاقمت الأمور. تعرّض رجلٌ للضرب حتى الموت داخل المدينة. كان هناك الكثير من الشهود، لذا لن تُوجّه إليهم تهمة القتل العمد. ومع ذلك، خالفوا قواعد نادي القتال. “لن يسمحوا لنا بالدخول إلى هنا مرة أخرى، اللعنة!” كان هذا هو السبب الحقيقي وراء غضب دوناو الشديد. نادي القتال مصدر دخله. كان ينفق ثروة طائلة كما لو أنه جمع كل أمواله من معارك يوريتش، مما يعني أنه على وشك أن يُدفن تحت وطأة ديون طائلة دون أي سبيل لسدادها. “دوناو، يوريتش، لا تعودا إلى هنا لفترة ” أكد مدير الساحة. قال لفترة، لكن في الحقيقة، هذا يعني حظرًا دائمًا. “ماذا حدث للتو؟ هل طردنا لمجرد أنني قتلت شخصًا واحدًا؟ ماذا، لا يموت الناس في المعارك هنا؟” قفز يوريتش من مكانه، يصرخ بغضب. لم يفهم الرجال الآخرون ما يقوله، لكنهم أدركوا سريعًا أنه كان غاضبًا. اقترب منهم الحراس المسلحون ببطء. “توقف يا يوريتش! علينا الخروج من هنا.” أقنع دوناو يوريتش بالهدوء. إذا تشاجر يوريتش مع الحراس وقتل أحدهم عن طريق الخطأ، فسيكون ذلك مشكلة كبيرة. “هذا الرجل هو آلة قتل.” عرف دوناو يوريتش الحقيقي. لقد رآه بنفسه. استعاد ذاكرته إلى أول لقاء لهما عندما عامل يوريتش حياة ثلاثة رجال معاملةً لا تُطاق. سرت قشعريرة في جسده. عاد إليه الخوف الذي كان يشعر به تجاه يوريتش منذ فترة. بدا يوريتش رجلاً مرعباً. “ربما حان الوقت بالنسبة لي للمضي قدما بعيدا عن هذا الرجل.” بعد كل شيء، كان دوناو رجلاً محتالاً يزدهر بالخيانة والاحتيال.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات