الفصل الثامن: مصارعو حورس
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
هناك نوعان من المصارعين. الأول هو المصارعون الأحرار. كانوا رجالًا أحرارًا وقّعوا عقودًا مع سماسرة المصارعين الذين كانوا يتقاضون تعويضات بأشكال مختلفة، وكان لهم أيضًا الحق في رفض أي قتال يرونه خطيرًا عليهم. أما النوع الثاني فهو المصارعون العبيد. قضوا حياتهم يقاتلون لصالح السماسرة الذين يملكونهم حتى وفاتهم. كان معظم العبيد في الإمبراطورية، مثل هؤلاء الرجال، برابرة أو أجانب.
أقام مصارعو حورس معسكرًا. أشعلوا نارًا طوال الليل، وترددت ثرثرة صاخبة في أرجاء المعسكر.
“مرحبًا يا يوريتش، تعالَ لتتناول طعامك هنا. هذه المنطقة للعبيد ” نادى المصارعون الأحرار الآخرون على يوريتش.
“أوه، أنا بخير هنا. أريد أن أراقبهم قليلًا ” أجاب يوريتش وهو يلوح بيديه.
“لماذا يريد مراقبة العبيد؟ يا له من رجل غريب!”
“هو أجنبي أيضًا. من أين قال إنه من؟ لديه لكنة فريدة حقًا.”
“بالحكم على حجمه، ربما يكون من الشمال؟”
“هل يحاول العثور على زميل شمالي بين العبيد أم شيء من هذا القبيل؟”
تجاذب المصارعون أطراف الحديث حول الوافد الجديد. تجاهل يوريتش تلك الثرثرة وسار نحو تجمع العبيد.
“همم؟ أنت المبتدئ. اسمك… يوريتش، صحيح؟” اعترف به الحارس الذي يحرس العبيد.
“من أين جاء ذلك العبد هناك؟” سأل يوريتش الحارس وهو يشير إلى أحد العبيد. هز الحارس كتفيه ردًا.
“إنه من الجنوب، بالطبع. قصير القامة، وبشرته نحاسية اللون. أمثاله غالبًا ما يكونون من الجنوب.”
“حقًا؟ إذًا، هل يمكنك التمييز بين الجنوبيين والشماليين من مظهرهم فقط؟”
اتسعت عينا الحارس مندهشا من سؤال يوريتش.
“كيف لا تعرف ذلك؟ من أين أنت أصلًا؟”
“أنا من مكانٍ ناءٍ. تفضل، خذ هذا كدفعةٍ لهذه المحادثة.”
ألقى يوريتش عملة من فئة عشرة آلاف شل للحارس. ضحك الحارس وهو ينتزعها من الهواء.
“حسنًا، أُفضّل أن يكون لديّ شخصٌ أتحدث إليه بدلًا من الوقوف هنا مُحدّقًا في هؤلاء العبيد. الجنوبيون، كما ذكرتُ، عادةً ما يكونون أصغر حجمًا – أقصر وأكثر نحافة. قد ترى جنوبيًا أكبر حجمًا بين الحين والآخر، لكن هذا ليس هو الحال عادةً. كما افتقروا إلى القوة البشرية نظرًا لحجمهم، لذلك لم يمضِ وقت طويل حتى استولت الإمبراطورية على أرضهم. المشكلة كانت في الشماليين. أنتم لستم من الشمال، أليس كذلك؟”
” لا علاقة لي بالشمال. أنا مجرد أجنبي لا أجيد الهامليانية بعد، فلا داعي للقلق.”
“هل هذا صحيح؟ سمعتُ أن بعض الممالك لا تزال لا تتحدث لغتنا… حسنًا. على أي حال، كان الشمال مصدر إزعاج للإمبراطورية. استغرقنا عشر سنوات لغزوهم، بينما استغرقنا عامًا واحدًا فقط لغزو الجنوب. صحيح أن مساحة الشمال لم تكن أكبر من مساحة الجنوب، لكن الأمر استغرق منا عشرة أضعاف ذلك. حتى يومنا هذا، لا يزال لدينا الكثير من كبار السن الذين يصرّون على أسنانهم غضبًا كلما سمعوا عن الشماليين. كانت مقاومتهم شرسة لدرجة أنها ألحقت الضرر بالإمبراطورية أيضًا.”
“هل الرجل الكبير هناك شمالي إذن؟” اختار يوريتش عبدًا أكبر من المجموعة.
” أوه؟ لديك عينان جميلتان. لقد تمكنت من تمييز الشمالي الوحيد في مجموعتنا. إنه سفين، مصارع عبد، وقد نجا لأكثر من ثلاث سنوات. على الرغم من ضخامتهم، إلا أنهم شرسون ومهرة في القتال. والأهم من ذلك كله، أنهم لا يخشون الموت. يؤمنون بأن من يموت في المعركة يذهب إلى الجنة، التي يسمونها “ميدان السيوف”. كما يعتقدون أن الموت بسبب الشيخوخة أو المرض لا يدخل الجنة كما يفعل الموت في المعركة. أمرٌ سخيفٌ حقًا.”
“هذه السيدة العجوز التي أعرفها قالت أيضًا أنك ستُعامل بشكل جيد في الحياة الآخرة إذا مت كمحارب ” قال يوريتش ردًا على تفسير الحارس.
“لا تُصدّق ما يقوله كبار السن. عليك أن تعرف متى تموت وأنت في هذا العمر.”
ضحك الحارس على تعليقه، وضحك يوريتش معه. بدا يوريتش متكئًا على شجرة وهو يراقب العبيد. كان العبيد مقيدين من أقدامهم، فإذا تمكن أحدهم من الهرب، فلن يبتعد كثيرًا. وإذا أُلقي القبض عليهم وهم يهربون، فسيكون مصيرهم متوقعًا تمامًا.
“العبيد.”
لم يكن هذا مصطلحًا غريبًا على يوريتش. أحيانًا، كانت القبائل التي لا تتفق جيدًا تخوض الحروب. كانوا يقتلون جميع الرجال ويأخذون النساء. ولم يكن الأطفال استثناءً. ففي النهاية، يكبر الأطفال ليصبحوا هم أنفسهم الرجال الذين يحملون السيوف للقتال.
“هممم.”
بعد مشاهدة العبيد، توجه يوريتش إلى حيث كانت مجموعة المصارعين الأحرار ينهون وجباتهم.
“مرحبًا، أيها المبتدئ، نعم أنت هناك ” شخص يُدعى يوريتش.
“اسمي هو يوريتش، وليس ‘المبتدئ’.”
” لم نسمع عنك من قبل، لذا فأنت في الواقع مبتدئ.” ضحكت مجموعة المصارعين. ” تعالَ وعرّف بنفسك. أنت مبتدئ، فتصرّف كواحد ” قال أحد المصارعين ليوريتش.
كان ذلك قتالات تقليديًا. اقترب منهم يوريتش بوجهٍ خالٍ من أي تعبير.
“اسمي دونوفان. أنا ما يُمكن وصفه بـ”وجه” مصارعي حورس، إن صحّ التعبير. ” كان دونوفان مصارعًا ذا بشرة سمراء وعضلات مشدودة، يُشعّ بهالة المحارب الخبير. لم يكن وصف نفسه بـ”وجه” الفرقة بأكملها مُبالغًا فيه. كان برفقته العديد من المصارعين الآخرين، مما يُظهر أنه شخصية مؤثرة للغاية داخل المجموعة.
“اسمي يوريتش. إلى اللقاء.”
“توقف هنا. من أين أنت؟” سأل دونوفان يوريتش، وأوقفه أحد مرافقيه.
“مهلاً، عندما يسألك دونوفان سؤالاً، أجبه يا سيد المبتدئ. أوه!”
أمسك يوريتش ذراع المصارع وسحبها بقوة. صرخ المصارع من الألم بينما انهارت عضلاته وأربطته.
“انحنِ قليلًا وستُصاب بالشلل لبقية حياتك. لن يكون لديك عملٌ كمصارعٍ بعد الآن، بالطبع. ما رأيك؟” ضحك يوريتش بقسوة. غرق قلب المصارع. في النهاية، هؤلاء المصارعون مجرد رجال عصاباتٍ مُمَجَّدين، موهبتهم الوحيدة هي إتقان استخدام السيف. بذراعٍ مُقعدة، لن يكون لديهم وسيلةٌ لكسب عيشهم.
” أنت تمزح، أليس كذلك؟” انفجر المصارع في عرق بارد.
“بالطبع، أنا أمزح فقط يا صديقي.” ابتسم يوريتش للمصارع وهو يدفعه للخلف. التقط المصارع أنفاسه كما لو أنه رأى الموت في عينيه.
انتزع دونوفان قطعة من اللحم المشوي بفمه. حدّق في يوريتش وهو يلعق أصابعه الملطخة بالدهون.
“أنت بربري، أليس كذلك؟ أستطيع أن أشم رائحتك. أعرف رائحة قتلك لبني جنسك قديمًا، أيها المبتدئ.”
“هاه؟ ما هذه الرائحة؟” سخر يوريتش من دونوفان وهو يتجه نحوه.
“رائحة الوحوش التي لم تستطع أن تصبح بشرًا حقيقيين، رائحة من يتظاهرون بأنهم بشر من الخارج. أي بربري أنت؟ من الشمال؟ أم من الجنوب؟ ماذا يفعل ريفي مثلك هنا، متظاهرًا بأنه واحد منا؟” ضحك دونوفان، وانضم المصارعون الآخرون بهدوء إلى السخرية.
” يا إلهي، أنفك رائع! كأنك كلب، لا إنسان!”
صعق يوريتش الهواء بكلماته. ضيّق دونوفان عينيه على يوريتش.
“إذا كنتَ بربريًا، فتصرّف كواحدٍ منهم. تحمّل مسؤوليتك ونظّف ما خلفنا نحن المتحضرين، وتوقف عن التظاهر بأنك واحدٌ منّا.”
لم يُخفِ يوريتش هويته، لكنه لم يكن يتوقع أن يتعرف عليها أحد. لم يكن هناك ما يفصله عن أهل جبال السماء، خاصةً مع الملابس المناسبة. لكن دونوفان لاحظ الهالة البربرية المميزة التي تُحيط بيوريتش.
“عندما كنتُ في الجيش قبل عشر سنوات، أُرسلنا لغزو أراضي البرابرة في الجنوب. رأيتُ وقتلتُ عددًا لا يُحصى من البرابرة مثلك؛ حيوانات لا تزال تفوح منها رائحة وحشية ” سخر دونوفان بكراهية شديدة.
أطلق يوريتش ضحكة خفيفة.
“ما هذا؟ هل نُعرّف بأنفسنا الآن؟ اسمي دونوفان. كنتُ جنديًا في الجيش، وذبحتُ الكثير من البرابرة. حيوانات! ماذا، هل تريدني أن أُعرّف بنفسي أيضًا؟ ” سخر يوريتش من دونوفان مُقلدًا إياه. احمرّ وجه دونوفان بشدة من الحرج.
“نم بعين واحدة مفتوحة، أيها المبتدئ ” قال دونوفان بنبرة خبيثة، لكن يوريتش تجاهل تهديده كما لو كان مزحة.
“في تجربتي البربرية، هناك شيء خاطئ للغاية معكم أيها الناس.” فتح يوريتش فمه وأخرج لسانه. “أنتم تتحدثون كثيرًا بألسنتكم المزدحمة، وقد كنت أفكر في السبب… لأنه لا يتم قطع ألسنتكم بسبب التحدث كثيرًا، ولأن أعناقكم وألسنتكم لا تزال سليمة، يمكنكم القيام بكل هذا الحديث مرة أخرى.”
أخرج يوريتش سيفه من حزامه.
بوو!
عند سماع صوت سيف يوريتش، صرخ المصارعون وهرعوا لسحب أسلحتهم.
“سـ- سحب سيفه! هل تريد فعل هذا حقًا؟ هاه؟” صرخ المصارعون في وجه يوريتش.
رفع يوريتش سيفه واتخذ وضعية القتال. دفأت عضلاته استعدادًا للقتال الوشيك. اكتست عيناه بلون قاتل بارد كالحجر.
” لقد أهنتم محاربًا، والآن ستدفعون ثمن ذلك بحياتكم أيها الثرثارون. سأشق رؤوسكم جميعًا. ” لم تحمل كلمات يوريتش القاسية أي تلميح من الفكاهة. كان جادًا كما كان دائمًا، ونيته القاتلة ملأت الجو برائحة كريهة.
“هل هو يحاول قتالي فعلا؟”
اتسعت عينا دونوفان مندهشةً. لم يكن ينوي خوض معركة حقيقية. الأمر أشبه بطقوسٍ لمبتدئ، بربريٍّ في آنٍ واحد، أن يمرّ بمثل هذا الموقف.
من غير المرجح أن يفوز يوريتش على مجموعة من المصارعين. وحتى لو تغلب عليهم جميعًا، فسيظل محاطًا بالحراس المسلحين على أي حال.
هل يظن حقًا أنه قادر على الفوز؟ أم أن هذا مجرد جنون بربري؟
استلّ دونوفان سيفه. بصفته جنديًا مخضرمًا ومصارعًا، لم يتردد أبدًا في القتال. لو اضطر للقتال، لفعل ذلك دون تردد.
وكان الرجلان على وشك أن يتقاطع سيوفهما.
“توقفوا! توقفوا أيها الأغبياء!” اندفع حورس نحو المصارعين في مواجهة. لا بد أن أحدهم أبلغه بالموقف، أو ربما كان يراقب الوضع لأنه يعلم أن قتالًا على وشك الحدوث منذ فترة.
“لا توقفهم يا حورس! استل البربري سيفه أولاً. أين وجدتَ بربريًا ليكون مصارعك؟ كان يجب أن يكون عبدًا كغيره ” طالب المصارعون الآخرون حورس. استعد يوريتش بصمت لصد الهجوم.
عليّ صد الضربة وقطع رقبته. عليّ أن أقطع أكثر من واحد في حركتي الأولى. بدا يوريتش ينوي في الواقع قتال هؤلاء المصارعين.
“توقف! لا يمكنك الموت قبل سداد ديونك. إن كنت تريد القتال حقًا، فافعل ذلك في الساحة! يوريتش، لقد أخذت مني مئة ألف شيكل مقدمًا. دونوفان، أنت مدين لي بأكثر من مليون! ضع سيوفك جانبًا. وإلا، فسأحوّل الفائز إلى عبد، بغض النظر عن هويته.”
بدا حورس غاضبًا. غمّد دونوفان سيفه دون أن يُبدي أي مقاومة.
“إذا كان هذا ما يريده القائد، فسأدعك تحتفظ بكبريائك ” تمتم دونوفان وهو يشير إلى المصارعين الآخرين. فتبعوه جميعًا وسحبوا أسلحتهم.
“لقد كنت محظوظا، أيها البربري.”
ابتعد المصارعون.
“من المحظوظ؟” تمتم يوريتش وهو يغرس شفرته في الأرض. تلألأت عضلاته المتعرقة في انعكاس نار المخيم.
انتزع دونوفان قطعة من اللحم المشوي بفمه. حدّق في يوريتش وهو يلعق أصابعه الملطخة بالدهون. “أنت بربري، أليس كذلك؟ أستطيع أن أشم رائحتك. أعرف رائحة قتلك لبني جنسك قديمًا، أيها المبتدئ.” “هاه؟ ما هذه الرائحة؟” سخر يوريتش من دونوفان وهو يتجه نحوه. “رائحة الوحوش التي لم تستطع أن تصبح بشرًا حقيقيين، رائحة من يتظاهرون بأنهم بشر من الخارج. أي بربري أنت؟ من الشمال؟ أم من الجنوب؟ ماذا يفعل ريفي مثلك هنا، متظاهرًا بأنه واحد منا؟” ضحك دونوفان، وانضم المصارعون الآخرون بهدوء إلى السخرية. ” يا إلهي، أنفك رائع! كأنك كلب، لا إنسان!” صعق يوريتش الهواء بكلماته. ضيّق دونوفان عينيه على يوريتش. “إذا كنتَ بربريًا، فتصرّف كواحدٍ منهم. تحمّل مسؤوليتك ونظّف ما خلفنا نحن المتحضرين، وتوقف عن التظاهر بأنك واحدٌ منّا.” لم يُخفِ يوريتش هويته، لكنه لم يكن يتوقع أن يتعرف عليها أحد. لم يكن هناك ما يفصله عن أهل جبال السماء، خاصةً مع الملابس المناسبة. لكن دونوفان لاحظ الهالة البربرية المميزة التي تُحيط بيوريتش. “عندما كنتُ في الجيش قبل عشر سنوات، أُرسلنا لغزو أراضي البرابرة في الجنوب. رأيتُ وقتلتُ عددًا لا يُحصى من البرابرة مثلك؛ حيوانات لا تزال تفوح منها رائحة وحشية ” سخر دونوفان بكراهية شديدة. أطلق يوريتش ضحكة خفيفة. “ما هذا؟ هل نُعرّف بأنفسنا الآن؟ اسمي دونوفان. كنتُ جنديًا في الجيش، وذبحتُ الكثير من البرابرة. حيوانات! ماذا، هل تريدني أن أُعرّف بنفسي أيضًا؟ ” سخر يوريتش من دونوفان مُقلدًا إياه. احمرّ وجه دونوفان بشدة من الحرج. “نم بعين واحدة مفتوحة، أيها المبتدئ ” قال دونوفان بنبرة خبيثة، لكن يوريتش تجاهل تهديده كما لو كان مزحة. “في تجربتي البربرية، هناك شيء خاطئ للغاية معكم أيها الناس.” فتح يوريتش فمه وأخرج لسانه. “أنتم تتحدثون كثيرًا بألسنتكم المزدحمة، وقد كنت أفكر في السبب… لأنه لا يتم قطع ألسنتكم بسبب التحدث كثيرًا، ولأن أعناقكم وألسنتكم لا تزال سليمة، يمكنكم القيام بكل هذا الحديث مرة أخرى.” أخرج يوريتش سيفه من حزامه. بوو! عند سماع صوت سيف يوريتش، صرخ المصارعون وهرعوا لسحب أسلحتهم. “سـ- سحب سيفه! هل تريد فعل هذا حقًا؟ هاه؟” صرخ المصارعون في وجه يوريتش. رفع يوريتش سيفه واتخذ وضعية القتال. دفأت عضلاته استعدادًا للقتال الوشيك. اكتست عيناه بلون قاتل بارد كالحجر. ” لقد أهنتم محاربًا، والآن ستدفعون ثمن ذلك بحياتكم أيها الثرثارون. سأشق رؤوسكم جميعًا. ” لم تحمل كلمات يوريتش القاسية أي تلميح من الفكاهة. كان جادًا كما كان دائمًا، ونيته القاتلة ملأت الجو برائحة كريهة. “هل هو يحاول قتالي فعلا؟” اتسعت عينا دونوفان مندهشةً. لم يكن ينوي خوض معركة حقيقية. الأمر أشبه بطقوسٍ لمبتدئ، بربريٍّ في آنٍ واحد، أن يمرّ بمثل هذا الموقف. من غير المرجح أن يفوز يوريتش على مجموعة من المصارعين. وحتى لو تغلب عليهم جميعًا، فسيظل محاطًا بالحراس المسلحين على أي حال. هل يظن حقًا أنه قادر على الفوز؟ أم أن هذا مجرد جنون بربري؟ استلّ دونوفان سيفه. بصفته جنديًا مخضرمًا ومصارعًا، لم يتردد أبدًا في القتال. لو اضطر للقتال، لفعل ذلك دون تردد. وكان الرجلان على وشك أن يتقاطع سيوفهما. “توقفوا! توقفوا أيها الأغبياء!” اندفع حورس نحو المصارعين في مواجهة. لا بد أن أحدهم أبلغه بالموقف، أو ربما كان يراقب الوضع لأنه يعلم أن قتالًا على وشك الحدوث منذ فترة. “لا توقفهم يا حورس! استل البربري سيفه أولاً. أين وجدتَ بربريًا ليكون مصارعك؟ كان يجب أن يكون عبدًا كغيره ” طالب المصارعون الآخرون حورس. استعد يوريتش بصمت لصد الهجوم. عليّ صد الضربة وقطع رقبته. عليّ أن أقطع أكثر من واحد في حركتي الأولى. بدا يوريتش ينوي في الواقع قتال هؤلاء المصارعين. “توقف! لا يمكنك الموت قبل سداد ديونك. إن كنت تريد القتال حقًا، فافعل ذلك في الساحة! يوريتش، لقد أخذت مني مئة ألف شيكل مقدمًا. دونوفان، أنت مدين لي بأكثر من مليون! ضع سيوفك جانبًا. وإلا، فسأحوّل الفائز إلى عبد، بغض النظر عن هويته.” بدا حورس غاضبًا. غمّد دونوفان سيفه دون أن يُبدي أي مقاومة. “إذا كان هذا ما يريده القائد، فسأدعك تحتفظ بكبريائك ” تمتم دونوفان وهو يشير إلى المصارعين الآخرين. فتبعوه جميعًا وسحبوا أسلحتهم. “لقد كنت محظوظا، أيها البربري.” ابتعد المصارعون. “من المحظوظ؟” تمتم يوريتش وهو يغرس شفرته في الأرض. تلألأت عضلاته المتعرقة في انعكاس نار المخيم.
الفصل الثامن: مصارعو حورس ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ هناك نوعان من المصارعين. الأول هو المصارعون الأحرار. كانوا رجالًا أحرارًا وقّعوا عقودًا مع سماسرة المصارعين الذين كانوا يتقاضون تعويضات بأشكال مختلفة، وكان لهم أيضًا الحق في رفض أي قتال يرونه خطيرًا عليهم. أما النوع الثاني فهو المصارعون العبيد. قضوا حياتهم يقاتلون لصالح السماسرة الذين يملكونهم حتى وفاتهم. كان معظم العبيد في الإمبراطورية، مثل هؤلاء الرجال، برابرة أو أجانب. أقام مصارعو حورس معسكرًا. أشعلوا نارًا طوال الليل، وترددت ثرثرة صاخبة في أرجاء المعسكر. “مرحبًا يا يوريتش، تعالَ لتتناول طعامك هنا. هذه المنطقة للعبيد ” نادى المصارعون الأحرار الآخرون على يوريتش. “أوه، أنا بخير هنا. أريد أن أراقبهم قليلًا ” أجاب يوريتش وهو يلوح بيديه. “لماذا يريد مراقبة العبيد؟ يا له من رجل غريب!” “هو أجنبي أيضًا. من أين قال إنه من؟ لديه لكنة فريدة حقًا.” “بالحكم على حجمه، ربما يكون من الشمال؟” “هل يحاول العثور على زميل شمالي بين العبيد أم شيء من هذا القبيل؟” تجاذب المصارعون أطراف الحديث حول الوافد الجديد. تجاهل يوريتش تلك الثرثرة وسار نحو تجمع العبيد. “همم؟ أنت المبتدئ. اسمك… يوريتش، صحيح؟” اعترف به الحارس الذي يحرس العبيد. “من أين جاء ذلك العبد هناك؟” سأل يوريتش الحارس وهو يشير إلى أحد العبيد. هز الحارس كتفيه ردًا. “إنه من الجنوب، بالطبع. قصير القامة، وبشرته نحاسية اللون. أمثاله غالبًا ما يكونون من الجنوب.” “حقًا؟ إذًا، هل يمكنك التمييز بين الجنوبيين والشماليين من مظهرهم فقط؟” اتسعت عينا الحارس مندهشا من سؤال يوريتش. “كيف لا تعرف ذلك؟ من أين أنت أصلًا؟” “أنا من مكانٍ ناءٍ. تفضل، خذ هذا كدفعةٍ لهذه المحادثة.” ألقى يوريتش عملة من فئة عشرة آلاف شل للحارس. ضحك الحارس وهو ينتزعها من الهواء. “حسنًا، أُفضّل أن يكون لديّ شخصٌ أتحدث إليه بدلًا من الوقوف هنا مُحدّقًا في هؤلاء العبيد. الجنوبيون، كما ذكرتُ، عادةً ما يكونون أصغر حجمًا – أقصر وأكثر نحافة. قد ترى جنوبيًا أكبر حجمًا بين الحين والآخر، لكن هذا ليس هو الحال عادةً. كما افتقروا إلى القوة البشرية نظرًا لحجمهم، لذلك لم يمضِ وقت طويل حتى استولت الإمبراطورية على أرضهم. المشكلة كانت في الشماليين. أنتم لستم من الشمال، أليس كذلك؟” ” لا علاقة لي بالشمال. أنا مجرد أجنبي لا أجيد الهامليانية بعد، فلا داعي للقلق.” “هل هذا صحيح؟ سمعتُ أن بعض الممالك لا تزال لا تتحدث لغتنا… حسنًا. على أي حال، كان الشمال مصدر إزعاج للإمبراطورية. استغرقنا عشر سنوات لغزوهم، بينما استغرقنا عامًا واحدًا فقط لغزو الجنوب. صحيح أن مساحة الشمال لم تكن أكبر من مساحة الجنوب، لكن الأمر استغرق منا عشرة أضعاف ذلك. حتى يومنا هذا، لا يزال لدينا الكثير من كبار السن الذين يصرّون على أسنانهم غضبًا كلما سمعوا عن الشماليين. كانت مقاومتهم شرسة لدرجة أنها ألحقت الضرر بالإمبراطورية أيضًا.” “هل الرجل الكبير هناك شمالي إذن؟” اختار يوريتش عبدًا أكبر من المجموعة. ” أوه؟ لديك عينان جميلتان. لقد تمكنت من تمييز الشمالي الوحيد في مجموعتنا. إنه سفين، مصارع عبد، وقد نجا لأكثر من ثلاث سنوات. على الرغم من ضخامتهم، إلا أنهم شرسون ومهرة في القتال. والأهم من ذلك كله، أنهم لا يخشون الموت. يؤمنون بأن من يموت في المعركة يذهب إلى الجنة، التي يسمونها “ميدان السيوف”. كما يعتقدون أن الموت بسبب الشيخوخة أو المرض لا يدخل الجنة كما يفعل الموت في المعركة. أمرٌ سخيفٌ حقًا.” “هذه السيدة العجوز التي أعرفها قالت أيضًا أنك ستُعامل بشكل جيد في الحياة الآخرة إذا مت كمحارب ” قال يوريتش ردًا على تفسير الحارس. “لا تُصدّق ما يقوله كبار السن. عليك أن تعرف متى تموت وأنت في هذا العمر.” ضحك الحارس على تعليقه، وضحك يوريتش معه. بدا يوريتش متكئًا على شجرة وهو يراقب العبيد. كان العبيد مقيدين من أقدامهم، فإذا تمكن أحدهم من الهرب، فلن يبتعد كثيرًا. وإذا أُلقي القبض عليهم وهم يهربون، فسيكون مصيرهم متوقعًا تمامًا. “العبيد.” لم يكن هذا مصطلحًا غريبًا على يوريتش. أحيانًا، كانت القبائل التي لا تتفق جيدًا تخوض الحروب. كانوا يقتلون جميع الرجال ويأخذون النساء. ولم يكن الأطفال استثناءً. ففي النهاية، يكبر الأطفال ليصبحوا هم أنفسهم الرجال الذين يحملون السيوف للقتال. “هممم.” بعد مشاهدة العبيد، توجه يوريتش إلى حيث كانت مجموعة المصارعين الأحرار ينهون وجباتهم. “مرحبًا، أيها المبتدئ، نعم أنت هناك ” شخص يُدعى يوريتش. “اسمي هو يوريتش، وليس ‘المبتدئ’.” ” لم نسمع عنك من قبل، لذا فأنت في الواقع مبتدئ.” ضحكت مجموعة المصارعين. ” تعالَ وعرّف بنفسك. أنت مبتدئ، فتصرّف كواحد ” قال أحد المصارعين ليوريتش. كان ذلك قتالات تقليديًا. اقترب منهم يوريتش بوجهٍ خالٍ من أي تعبير. “اسمي دونوفان. أنا ما يُمكن وصفه بـ”وجه” مصارعي حورس، إن صحّ التعبير. ” كان دونوفان مصارعًا ذا بشرة سمراء وعضلات مشدودة، يُشعّ بهالة المحارب الخبير. لم يكن وصف نفسه بـ”وجه” الفرقة بأكملها مُبالغًا فيه. كان برفقته العديد من المصارعين الآخرين، مما يُظهر أنه شخصية مؤثرة للغاية داخل المجموعة. “اسمي يوريتش. إلى اللقاء.” “توقف هنا. من أين أنت؟” سأل دونوفان يوريتش، وأوقفه أحد مرافقيه. “مهلاً، عندما يسألك دونوفان سؤالاً، أجبه يا سيد المبتدئ. أوه!” أمسك يوريتش ذراع المصارع وسحبها بقوة. صرخ المصارع من الألم بينما انهارت عضلاته وأربطته. “انحنِ قليلًا وستُصاب بالشلل لبقية حياتك. لن يكون لديك عملٌ كمصارعٍ بعد الآن، بالطبع. ما رأيك؟” ضحك يوريتش بقسوة. غرق قلب المصارع. في النهاية، هؤلاء المصارعون مجرد رجال عصاباتٍ مُمَجَّدين، موهبتهم الوحيدة هي إتقان استخدام السيف. بذراعٍ مُقعدة، لن يكون لديهم وسيلةٌ لكسب عيشهم. ” أنت تمزح، أليس كذلك؟” انفجر المصارع في عرق بارد. “بالطبع، أنا أمزح فقط يا صديقي.” ابتسم يوريتش للمصارع وهو يدفعه للخلف. التقط المصارع أنفاسه كما لو أنه رأى الموت في عينيه.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات