الفصل 14
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
جاب مصارعو حورس الأراضي الإمبراطورية، وأقاموا بطولاتهم أينما حلوا. ورحبت بهم كل مدينة وطئتها أقدامهم، من الغرب إلى الشرق.
“هذه أرض طيبة.”
هذه أول مرة يرى فيها يوريتش ارضا زراعية شاسعة. بدا أهل هذه الأرض يعتمدون على زراعة أراضيهم لدعم سكانهم المزدهرين، على عكس قبيلته حيث كانوا يعتمدون على الصيد وجمع الثمار.
” كلما اتجهنا شرقًا، اتسعت هذه الاراضي الزراعية. الشرق أغنى من الغرب ” قال باتشمان وهو يسير بجانب يوريتش ورمحه معلق على كتفه.
كلما سافروا شرقًا، ازدادت الأرض خصوبةً وانبساطًا، بينما بقيت جبال السماء بعيدة. وارتسمت على وجوه سكان هذه الأراضي المزدهرة السعادة والرضا.
هذه الأرض مختلفة عن أرض الوطن. إنها غنية وخصبة.
كانت السهول التي اعتاد عليها يوريتش صخرية ووعرة. ولم يكن من الممكن زراعة المحاصيل مهما حاول المرء.
” إذًا، يزرعون البذور في التربة ويحصدون المحاصيل…؟” تمتم يوريتش بأفكاره. على الجانب الآخر من الجبال، كانت مصادر الغذاء نادرة دائمًا في السهول. كان من الصعب الحصول على مصدر غذائي مستقر بالاعتماد فقط على الصيد والجمع.
‘الزراعة.’
عندما غادرت الحيوانات الأرض، لم يكن أمام حتى أمهر الصيادين خيار سوى العودة إلى ديارهم خاليي الوفاض، وكان الجمع عملاً خاضعًا تمامًا لرحمة السماء والأرض. كان الصيد والجمع أمرين لا يستطيع البشر السيطرة عليهما. عندما لم تتوافق إرادة السماء والأرض مع احتياجات القبائل، وأصبح الطعام شحيحًا، كان الأطفال والشيوخ أول من يموت.
“بهذه الطريقة، يمكننا حصاد المحاصيل القيمة بشكل مستدام، سنة بعد سنة ” قال باتشمان وهو ينظر إلى مزرعة القمح ذات اللون البني الذهبي.
“كل عام؟”
“نعم. بفضل الزراعة، يمكننا تجاوز عام صعب، إن لزم الأمر. لكن سنوات من فشل المحاصيل أمر مختلف. قد يتحول الأمر إلى مجاعة، وقد يموت الناس جوعًا.”
حدق يوريتش في حقل القمح.
“يمكن زراعة الغذاء في هذه الأرض.”
بفضل الزراعة، لن يضطر أبناء قبيلته للقلق من الموت جوعًا. ولن يضطروا أيضًا لقضاء أيام بعيدًا عن ديارهم في رحلة صيد. بدأت رغبة واحدة تتجذر في قلب يوريتش.
في تلك الليلة، رأى يوريتش حلمًا. في حلمه، رأى نفسه يقود محاربي الفأس الحجرية فوق جبال السماء. واصل يوريتش ومحاربوه مسيرتهم وهم يحلمون بأرض ذهبية.
“آه ” استيقظ يوريتش من حلمه. تذكر أنه في مدينة بعد أن استيقظ تحت سقف غريب.
” ما هو هذا الحلم؟”
سرعان ما تلاشى حلمه في اللاوعي لحظة استيقاظه. نهض يوريتش من فراشه وهو يحكّ حكة في رأسه ومؤخرته.
“يا له من يوم، الطقس رائع!” قال يوريتش وهو يفتح النوافذ. خلال فترة وجوده مع مصارعي حورس، رأى يوريتش أشياءً كثيرة. كل يوم يفاجئه بأشياء لم يرها أو يختبرها من قبل.
“لا يزال لدي الكثير لأراه!”
ارتدى يوريتش ملابسه وربط حزام سلاحه حول خصره. بوو! في ردهة مسكنهم، كان المصارعون الذين استيقظوا باكراً منهمكين في فطورهم. لوّح بعضهم بأيديهم وسلّموا على يوريتش. “مرحبًا، يوريتش، تعال إلى هنا وتناول الطعام معنا.” جلس يوريتش على مقعده وأكل بطاطا مخبوزة. بعد أن كاد يبتلعها كاملة، بدأ يلتهم دجاجة كاملة. “حورس يناديك يا يوريتش. ربما يتعلق الأمر بالمنافسة ” قال باتشمان ليوريتش وهو ينقر على كتفه. مسح يوريتش أطراف شعره بأصابعه الدهنية. “أنت هنا ” قال حورس بينما دخل يوريتش الغرفة. دونوفان يجلس بجانبه بوجهٍ غير راضٍ. أصبح فريق مصارعي حورس الآن بقيادة اثنين من أفضل المصارعين: دونوفان، الوجه الأصلي للفريق، ويوريتش، النجم الجديد. أثر هذان الاثنان على مواجهات المصارعين، ولكن نظرًا لاختلاف علاقاتهما، لم يكن التعاون خيارًا واردًا. فكّر حورس في الموقف قائلًا: “هذا يناسبني تمامًا”. وجود قائدين متعارضين يعني التوازن، وهذا التوازن يُسهّل على حورس السيطرة على الفريق. “هذه المرة، سيكون هناك خمسة مصارعين من الأريغان، وثلاثة من عبيدهم، وسبعة مرتزقة، بالإضافة إلى بطلين أرسلهما النبلاء. ستتضمن البطولة اثنتي عشرة مباراة، وقد خُصصت لنا خمس مباريات. إحدى هذه المباريات ستكون ضد أحد الأبطال، لذا سنرسل أحد عبيدنا كبطاقة قابلة للرمي. ” كان حورس قائدًا ماهرًا، وكان قادرًا على التحكم بسهولة في وتيرة مفاوضات البطولة. ” ماذا تقصد بـ “البطاقة التي يمكن التخلص منها”؟” سأل يوريتش، وسخر دونوفان. “هل تريد هزيمة بطلٍ اختاره نبيلٌ بعناية؟ من الأفضل أن نرسل مصارعًا عبدًا نستطيع خسارته ” أجاب دونوفان وكأنه رأى هذا مراتٍ لا تُحصى. تابع حورس بشرحٍ أسهل ليوريتش. “هذه المباريات هي سبب وجود المصارعين العبيد، يوريتش. أحيانًا، لا ينبغي لنا الفوز بالمباراة.” “هاه، هل هذا صحيح؟” سخر يوريتش وهو يدغدغ أذنه. خسارة مباريات كهذه هي غاية مصارعي العبيد. أما المباريات التي بدا الفوز فيها مستبعدًا للغاية، أو المباريات التي كان من المفترض أن يخسروها عمدًا – مهما كان السبب – فهو مصير معظم مصارعي العبيد. “لنُرسل بومان. ظهرت عليه بقع داكنة تحت عينيه، ولم يعد يأكل كما كان من قبل. ربما أصيب بمرض ما ” قال حورس بينما أومأ دونوفان موافقًا. غالبًا ما كان المصارعون العبيد الذين يمرضون أول من يُضحى بهم. “يبدو أن مبارياتنا في النصف الأول من البطولة.” “سأختار مباراة مصارعي أريغان ” أعلن دونوفان. كانت للمباريات بين مصارعي فرقتين مختلفتين أهمية كبيرة، إذ المصارعون يقاتلون دفاعًا عن كرامة فرقهم. وعندما لم تكن المباراة للتضحية، كان وجه الفريق هو الذي يقاتل غالبًا. وبالطبع، الانتصارات تُجسّد أهمية المناسبة أيضًا. “إنها مباراة ثلاثة ضد ثلاثة. أعتقد أنكِ ويوريتش يجب أن تكونا ضمن الثلاثة.” التقت أعين يوريتش ودونوفان فورًا عندما نطق حورس بهذه الكلمات. “إذا جعلتنا نقاتل معًا، سيعود أحدنا بجمجمة مكسورة. أليس كذلك يا يوريتش؟” سخر دونوفان كما لو أن حورس قد عرض عليه شيئًا سخيفًا. “أنا أعترض. لا تعجبني هذه الفكرة يا حورس ” قال يوريتش بهدوء وهو يهز كتفيه ويرفع يده معبرًا عن اعتراضه. مع أن المصارعين لن يتقاتلا في الساحة، إلا أن كرههما المتبادل سيجعل تعاونهما أمرًا صعبًا للغاية. “أجل، أجل، أعرف. كان عليّ فقط أن أشرح الأمر. حسنًا، إذن يا يوريتش، خذ هذه الفرصة. اختر أي مصارعين تريد القتال بهما. سيحصل كلٌّ منكما على مليون ونصف شيل.” “يا حورس!” أصبح دونوفان غاضبًا. لم يكن ينوي تفويت هذا القدر من المال. ضيق حورس عينيه على دونوفان. “لقد فعلناها على طريقتك في البطولة الماضية يا دونوفان. الآن جاء دور يوريتش. إذا لم يرغب يوريتش في الفوز بهذه المباراة، فلديك الحق في ذلك.” “لماذا لا أرغب في أخذها؟ لديّ اقتراح. ماذا لو استخدمنا أحد المصارعين العبيد كرجل ثالث، وأنا والمصارع الحر الآخر نأخذ مليوني شيل لكلٍّ منا؟” فكر حورس للحظة ثم أجاب ” أي مصارع عبد تريد استخدامه؟” “أريد سفين.” “إذا كنت تستخدم سفين، يمكن أن يحصل كل منكما على 1.8 مليون شيل لكل منهما.” “حسنًا. حينها سأكون أنا وباتشمان وسفين.” كتب حورس الأسماء الثلاثة على ورقة البطولة. درس يوريتش كتابته بعناية. ‘كتابة.’ الكتابة أكثر ما أثار اهتمامه مؤخرًا. ترك الكلمات كعلامات لتسجيل الأشياء وتذكرها – هذا ما فعله المتحضرون. لقد حافظوا على تاريخهم بالكتابة، لا بالتناقل الشفهي. “لو كنت أعرف القراءة والكتابة، لكان بإمكاني أن أتعلم الكثير.” ومع ذلك، حتى أغلبية سكان الحضارة كانوا غير متمكنين من القراءة والكتابة. معظمهم لم يكن يعرف سوى قراءة وكتابة أسمائهم. “سأترك الأمر يمر هذه المرة، حورس، ولكن في المرة القادمة…” “أعلم يا دونوفان. سنفعلها على طريقتك في البطولة القادمة ” طمأن حورس دونوفان وهو يربت على كتفه. ابتسم دونوفان ابتسامةً مريرة. سار التخطيط للمباريات المتبقية بسرعة. “الأمور تسير على ما يرام”، فكّر حورس وهو يشاهد دونوفان ويوريتش يغادران الغرفة. منذ أن أصبح يوريتش مؤثرًا ثانويًا، انخفضت شكاوى المصارعين الآخرين المتعلقة بالمباريات بشكل كبير بفضل الإجراءات الأكثر عدالة من ذي قبل. ورغم وجود بعض الاستياء من عصابة دونوفان، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون ببعض المزايا التي كانوا يتمتعون بها دائمًا. “لا يستطيع دونوفان أن يطالب بنفس القدر من القوة على التوفيق بين اللاعبين كما كان من قبل.” جلس حورس على الطاولة يرتشف ما تبقى من نبيذه. اكتمل التخطيط، وحان وقت جني المال. * * * ” يا جدي، لماذا ما زلت عبدًا؟ ” سأل يوريتش سفين وهو يجلس بجانبه. كانت غرفة تحضير المصارعين تفوح منها رائحة العرق والرائحة الكريهة. “لأن حورس منحني فرصة ” أجاب سفين وهو يُلمّع فأسه ذي اليدين. على عكس المصارعين العبيد الآخرين، لسفين سلاحه الخاص. هذه إحدى علامات معاملته بشكل مختلف عن العبيد الآخرين. كان المصارعون الأحرار على دراية بذلك، لذلك لم يُزدرِ أحدٌ سفين قط. “ما هي الفرصة؟” “فرصةٌ أخرى لدخول حقل السيوف. أنقذني حورس عندما تقطعت بي السبل في المحيط، بل ومنحني مكانًا للقتال. لولاه، لربما بقيت روحي في هذا العالم إلى الأبد. الآن، لا أريد شيئًا سوى الموت في المعركة ” قال سفين بنبرة حزينة. بدت عيناه تحت حاجبيه الداكنين تبحثان عن شيءٍ بعيد. “ماذا عن منزلك؟ عائلتك؟” “ليس لديّ مكان ولا أحد أعود إليه ” أجاب سفين ببرود. انتقم الشماليون من الإمبراطورية لفترة طويلة، وسُلبت منهم جميع أراضيهم الزراعية. واضطر الشماليون الباقون للاختيار بين اتخاذ الأراضي القاحلة المتجمدة موطنهم الجديد أو إعلان ولائهم للإمبراطورية. “كانت قبيلتي ستهاجر شرقًا. لو كان الرجال فقط، لقاتلنا حتى الموت، لكنا نحن الرجال كنا نرعى النساء والأطفال. لو متنا في المعركة، لكانت حياتهم مأساوية للغاية. أنا متأكد من أنك تعرف ما يحدث لنساء وأطفال الخاسرين.” “تصبح النساء مجرد أشياء، والأطفال مقيدين ومستعبدين ما لم يُطعموا للكلاب البرية ” أجاب يوريتش كما لو الأمر واضح. فقدت عينا سفين تركيزهما. ينظر إلى الماضي. “تخبرنا أساطيرنا بوجود أرض جديدة عبر البحر الشرقي. ويُقال إن أحد أجدادنا وطئت قدماه تلك الأرض الشرقية وعاد، وأن أهلها ذوي شعر أسود وعيون سوداء. ” ” إذًا، تحطمت سفينك في رحلتك إلى هذه الأرض الجديدة وأصبحت عبدًا. عيناي تمتلئان بالدموع الآن ” قال يوريتش ضاحكًا. أصبحت لديه فكرة عن حال البحر الآن. “يمكنك أن تضحك كما تشاء. لقد كان قرارًا أحمق. الآن أمنيتي الوحيدة هي الموت في المعركة لأتمكن من دخول حقل السيوف.” بدا باتشمان يستمع إلى قصة سفين، فنقر على لسانه. ” سفين، لا يوجد شيء في البحر الشرقي. لن تجد سوى منحدرات في نهايته. حتى لو وصلتَ إلى حافة العالم، لكنتَ قد سقطتَ إلى حتفك. كنتُ بحارًا أيضًا. لم أسمع قط عن أرضٍ كهذه في الشرق.” كلمات باتشمان جعلت سفين يرتجف. حدق في باتشمان بغضب. “مهارات بناء السفن في الشمال تتفوق بكثير على ما لديكم في الإمبراطورية. هل نسيتم أن أفضل أنواع الخشب تأتي من الشمال؟” شعرا وكأن شجارًا سينشب بينهما حتى قبل بدء المباراة. وقف يوريتش وسط المصارعين المتصارعين لتخفيف حدة التوتر. “الأرض الشرقية، حافة العالم، لا يهمني أي شيء من هذا. لا أصدق حتى أن البحر واسع كما تقولان. أنا متأكد أن حافة العالم التي تتحدثان عنها لن تستغرق مني سوى بضعة أيام سباحة للوصول إليها، أليس كذلك؟” ردّ يوريتش، فردّ سفين وباتشمان على الفور. “إنه شاسع! شاسع جدًا!” “لن تتخيل ذلك حتى. يمكنك الإبحار لثلاثة أيام وليالٍ متتالية، ولن ترى نهاية الأمر.” زوو! فُتح باب غرفة التحضير، ودخل إليها مصارعٌ أنهى معركته للتو. كانت رائحته تفوح برائحة الدم. “حافة العالم.” انغمس يوريتش في أفكاره، ولم يرَ البحر بعد. هل هناك حقا حافة العالم على الجانب الآخر من البحر؟ أخبره شامان القبيلة أن وراء الجبال عالم الأرواح. لكن يوريتش عبر الجبال، ليكتشف أنه لا وجود له، وأن هناك عالمًا بشريًا مختلفًا. “لن أعرف ما هو موجود هناك إلا إذا قمت برؤيته بنفسي.” فتح عينيه المغمضتين منذ زمن طويل. أصبحت عيناه تلمعان بالفضول واليقين. كان بربريًا أميًا جاهلًا، لكن معرفته بمتعة اكتشاف المجهول تفوق أي شخص آخر. “إنه عالم كبير ” همس يوريتش ” هناك الكثير مما يمكن رؤيته.” نهض يوريتش وباتشمان وسفين في آنٍ واحد ودخلوا الساحة الرملية. هتف الجمهور، الذي أصبح مألوفًا الآن، فرحًا لهم. بوو! استل يوريتش سيفه. انفتحت البوابات على الجانب الآخر، كاشفةً عن مصارعين مُعادين. كانوا مصارعين حقيقيين مُدججين بالسلاح، وليسوا سجناء محكومين بالإعدام أو مصارعين عبيد. “لن أموت حتى أرى المزيد من هذا العالم.” استنشق هواء المعركة الساخن. بدا القتال وشيكًا. “أووه-أووه!” صرخ يوريتش وهو ينشر ذراعيه مثل الأجنحة.
ارتدى يوريتش ملابسه وربط حزام سلاحه حول خصره.
بوو!
في ردهة مسكنهم، كان المصارعون الذين استيقظوا باكراً منهمكين في فطورهم. لوّح بعضهم بأيديهم وسلّموا على يوريتش.
“مرحبًا، يوريتش، تعال إلى هنا وتناول الطعام معنا.”
جلس يوريتش على مقعده وأكل بطاطا مخبوزة. بعد أن كاد يبتلعها كاملة، بدأ يلتهم دجاجة كاملة.
“حورس يناديك يا يوريتش. ربما يتعلق الأمر بالمنافسة ” قال باتشمان ليوريتش وهو ينقر على كتفه. مسح يوريتش أطراف شعره بأصابعه الدهنية.
“أنت هنا ” قال حورس بينما دخل يوريتش الغرفة. دونوفان يجلس بجانبه بوجهٍ غير راضٍ.
أصبح فريق مصارعي حورس الآن بقيادة اثنين من أفضل المصارعين: دونوفان، الوجه الأصلي للفريق، ويوريتش، النجم الجديد. أثر هذان الاثنان على مواجهات المصارعين، ولكن نظرًا لاختلاف علاقاتهما، لم يكن التعاون خيارًا واردًا.
فكّر حورس في الموقف قائلًا: “هذا يناسبني تمامًا”. وجود قائدين متعارضين يعني التوازن، وهذا التوازن يُسهّل على حورس السيطرة على الفريق.
“هذه المرة، سيكون هناك خمسة مصارعين من الأريغان، وثلاثة من عبيدهم، وسبعة مرتزقة، بالإضافة إلى بطلين أرسلهما النبلاء. ستتضمن البطولة اثنتي عشرة مباراة، وقد خُصصت لنا خمس مباريات. إحدى هذه المباريات ستكون ضد أحد الأبطال، لذا سنرسل أحد عبيدنا كبطاقة قابلة للرمي. ”
كان حورس قائدًا ماهرًا، وكان قادرًا على التحكم بسهولة في وتيرة مفاوضات البطولة.
” ماذا تقصد بـ “البطاقة التي يمكن التخلص منها”؟” سأل يوريتش، وسخر دونوفان.
“هل تريد هزيمة بطلٍ اختاره نبيلٌ بعناية؟ من الأفضل أن نرسل مصارعًا عبدًا نستطيع خسارته ” أجاب دونوفان وكأنه رأى هذا مراتٍ لا تُحصى. تابع حورس بشرحٍ أسهل ليوريتش.
“هذه المباريات هي سبب وجود المصارعين العبيد، يوريتش. أحيانًا، لا ينبغي لنا الفوز بالمباراة.”
“هاه، هل هذا صحيح؟” سخر يوريتش وهو يدغدغ أذنه.
خسارة مباريات كهذه هي غاية مصارعي العبيد. أما المباريات التي بدا الفوز فيها مستبعدًا للغاية، أو المباريات التي كان من المفترض أن يخسروها عمدًا – مهما كان السبب – فهو مصير معظم مصارعي العبيد.
“لنُرسل بومان. ظهرت عليه بقع داكنة تحت عينيه، ولم يعد يأكل كما كان من قبل. ربما أصيب بمرض ما ” قال حورس بينما أومأ دونوفان موافقًا. غالبًا ما كان المصارعون العبيد الذين يمرضون أول من يُضحى بهم.
“يبدو أن مبارياتنا في النصف الأول من البطولة.”
“سأختار مباراة مصارعي أريغان ” أعلن دونوفان. كانت للمباريات بين مصارعي فرقتين مختلفتين أهمية كبيرة، إذ المصارعون يقاتلون دفاعًا عن كرامة فرقهم. وعندما لم تكن المباراة للتضحية، كان وجه الفريق هو الذي يقاتل غالبًا. وبالطبع، الانتصارات تُجسّد أهمية المناسبة أيضًا.
“إنها مباراة ثلاثة ضد ثلاثة. أعتقد أنكِ ويوريتش يجب أن تكونا ضمن الثلاثة.” التقت أعين يوريتش ودونوفان فورًا عندما نطق حورس بهذه الكلمات.
“إذا جعلتنا نقاتل معًا، سيعود أحدنا بجمجمة مكسورة. أليس كذلك يا يوريتش؟” سخر دونوفان كما لو أن حورس قد عرض عليه شيئًا سخيفًا.
“أنا أعترض. لا تعجبني هذه الفكرة يا حورس ” قال يوريتش بهدوء وهو يهز كتفيه ويرفع يده معبرًا عن اعتراضه. مع أن المصارعين لن يتقاتلا في الساحة، إلا أن كرههما المتبادل سيجعل تعاونهما أمرًا صعبًا للغاية.
“أجل، أجل، أعرف. كان عليّ فقط أن أشرح الأمر. حسنًا، إذن يا يوريتش، خذ هذه الفرصة. اختر أي مصارعين تريد القتال بهما. سيحصل كلٌّ منكما على مليون ونصف شيل.”
“يا حورس!” أصبح دونوفان غاضبًا. لم يكن ينوي تفويت هذا القدر من المال.
ضيق حورس عينيه على دونوفان.
“لقد فعلناها على طريقتك في البطولة الماضية يا دونوفان. الآن جاء دور يوريتش. إذا لم يرغب يوريتش في الفوز بهذه المباراة، فلديك الحق في ذلك.”
“لماذا لا أرغب في أخذها؟ لديّ اقتراح. ماذا لو استخدمنا أحد المصارعين العبيد كرجل ثالث، وأنا والمصارع الحر الآخر نأخذ مليوني شيل لكلٍّ منا؟”
فكر حورس للحظة ثم أجاب ” أي مصارع عبد تريد استخدامه؟”
“أريد سفين.”
“إذا كنت تستخدم سفين، يمكن أن يحصل كل منكما على 1.8 مليون شيل لكل منهما.”
“حسنًا. حينها سأكون أنا وباتشمان وسفين.”
كتب حورس الأسماء الثلاثة على ورقة البطولة. درس يوريتش كتابته بعناية.
‘كتابة.’
الكتابة أكثر ما أثار اهتمامه مؤخرًا. ترك الكلمات كعلامات لتسجيل الأشياء وتذكرها – هذا ما فعله المتحضرون. لقد حافظوا على تاريخهم بالكتابة، لا بالتناقل الشفهي.
“لو كنت أعرف القراءة والكتابة، لكان بإمكاني أن أتعلم الكثير.”
ومع ذلك، حتى أغلبية سكان الحضارة كانوا غير متمكنين من القراءة والكتابة. معظمهم لم يكن يعرف سوى قراءة وكتابة أسمائهم.
“سأترك الأمر يمر هذه المرة، حورس، ولكن في المرة القادمة…”
“أعلم يا دونوفان. سنفعلها على طريقتك في البطولة القادمة ” طمأن حورس دونوفان وهو يربت على كتفه. ابتسم دونوفان ابتسامةً مريرة. سار التخطيط للمباريات المتبقية بسرعة.
“الأمور تسير على ما يرام”، فكّر حورس وهو يشاهد دونوفان ويوريتش يغادران الغرفة. منذ أن أصبح يوريتش مؤثرًا ثانويًا، انخفضت شكاوى المصارعين الآخرين المتعلقة بالمباريات بشكل كبير بفضل الإجراءات الأكثر عدالة من ذي قبل. ورغم وجود بعض الاستياء من عصابة دونوفان، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون ببعض المزايا التي كانوا يتمتعون بها دائمًا.
“لا يستطيع دونوفان أن يطالب بنفس القدر من القوة على التوفيق بين اللاعبين كما كان من قبل.”
جلس حورس على الطاولة يرتشف ما تبقى من نبيذه. اكتمل التخطيط، وحان وقت جني المال.
* * *
” يا جدي، لماذا ما زلت عبدًا؟ ” سأل يوريتش سفين وهو يجلس بجانبه. كانت غرفة تحضير المصارعين تفوح منها رائحة العرق والرائحة الكريهة.
“لأن حورس منحني فرصة ” أجاب سفين وهو يُلمّع فأسه ذي اليدين. على عكس المصارعين العبيد الآخرين، لسفين سلاحه الخاص. هذه إحدى علامات معاملته بشكل مختلف عن العبيد الآخرين. كان المصارعون الأحرار على دراية بذلك، لذلك لم يُزدرِ أحدٌ سفين قط.
“ما هي الفرصة؟”
“فرصةٌ أخرى لدخول حقل السيوف. أنقذني حورس عندما تقطعت بي السبل في المحيط، بل ومنحني مكانًا للقتال. لولاه، لربما بقيت روحي في هذا العالم إلى الأبد. الآن، لا أريد شيئًا سوى الموت في المعركة ” قال سفين بنبرة حزينة. بدت عيناه تحت حاجبيه الداكنين تبحثان عن شيءٍ بعيد.
“ماذا عن منزلك؟ عائلتك؟”
“ليس لديّ مكان ولا أحد أعود إليه ” أجاب سفين ببرود. انتقم الشماليون من الإمبراطورية لفترة طويلة، وسُلبت منهم جميع أراضيهم الزراعية. واضطر الشماليون الباقون للاختيار بين اتخاذ الأراضي القاحلة المتجمدة موطنهم الجديد أو إعلان ولائهم للإمبراطورية.
“كانت قبيلتي ستهاجر شرقًا. لو كان الرجال فقط، لقاتلنا حتى الموت، لكنا نحن الرجال كنا نرعى النساء والأطفال. لو متنا في المعركة، لكانت حياتهم مأساوية للغاية. أنا متأكد من أنك تعرف ما يحدث لنساء وأطفال الخاسرين.”
“تصبح النساء مجرد أشياء، والأطفال مقيدين ومستعبدين ما لم يُطعموا للكلاب البرية ” أجاب يوريتش كما لو الأمر واضح. فقدت عينا سفين تركيزهما. ينظر إلى الماضي.
“تخبرنا أساطيرنا بوجود أرض جديدة عبر البحر الشرقي. ويُقال إن أحد أجدادنا وطئت قدماه تلك الأرض الشرقية وعاد، وأن أهلها ذوي شعر أسود وعيون سوداء. ”
” إذًا، تحطمت سفينك في رحلتك إلى هذه الأرض الجديدة وأصبحت عبدًا. عيناي تمتلئان بالدموع الآن ” قال يوريتش ضاحكًا. أصبحت لديه فكرة عن حال البحر الآن.
“يمكنك أن تضحك كما تشاء. لقد كان قرارًا أحمق. الآن أمنيتي الوحيدة هي الموت في المعركة لأتمكن من دخول حقل السيوف.”
بدا باتشمان يستمع إلى قصة سفين، فنقر على لسانه.
” سفين، لا يوجد شيء في البحر الشرقي. لن تجد سوى منحدرات في نهايته. حتى لو وصلتَ إلى حافة العالم، لكنتَ قد سقطتَ إلى حتفك. كنتُ بحارًا أيضًا. لم أسمع قط عن أرضٍ كهذه في الشرق.”
كلمات باتشمان جعلت سفين يرتجف. حدق في باتشمان بغضب.
“مهارات بناء السفن في الشمال تتفوق بكثير على ما لديكم في الإمبراطورية. هل نسيتم أن أفضل أنواع الخشب تأتي من الشمال؟”
شعرا وكأن شجارًا سينشب بينهما حتى قبل بدء المباراة. وقف يوريتش وسط المصارعين المتصارعين لتخفيف حدة التوتر.
“الأرض الشرقية، حافة العالم، لا يهمني أي شيء من هذا. لا أصدق حتى أن البحر واسع كما تقولان. أنا متأكد أن حافة العالم التي تتحدثان عنها لن تستغرق مني سوى بضعة أيام سباحة للوصول إليها، أليس كذلك؟” ردّ يوريتش، فردّ سفين وباتشمان على الفور.
“إنه شاسع! شاسع جدًا!”
“لن تتخيل ذلك حتى. يمكنك الإبحار لثلاثة أيام وليالٍ متتالية، ولن ترى نهاية الأمر.”
زوو!
فُتح باب غرفة التحضير، ودخل إليها مصارعٌ أنهى معركته للتو. كانت رائحته تفوح برائحة الدم.
“حافة العالم.”
انغمس يوريتش في أفكاره، ولم يرَ البحر بعد.
هل هناك حقا حافة العالم على الجانب الآخر من البحر؟
أخبره شامان القبيلة أن وراء الجبال عالم الأرواح. لكن يوريتش عبر الجبال، ليكتشف أنه لا وجود له، وأن هناك عالمًا بشريًا مختلفًا.
“لن أعرف ما هو موجود هناك إلا إذا قمت برؤيته بنفسي.”
فتح عينيه المغمضتين منذ زمن طويل. أصبحت عيناه تلمعان بالفضول واليقين. كان بربريًا أميًا جاهلًا، لكن معرفته بمتعة اكتشاف المجهول تفوق أي شخص آخر.
“إنه عالم كبير ” همس يوريتش ” هناك الكثير مما يمكن رؤيته.”
نهض يوريتش وباتشمان وسفين في آنٍ واحد ودخلوا الساحة الرملية. هتف الجمهور، الذي أصبح مألوفًا الآن، فرحًا لهم.
بوو!
استل يوريتش سيفه. انفتحت البوابات على الجانب الآخر، كاشفةً عن مصارعين مُعادين. كانوا مصارعين حقيقيين مُدججين بالسلاح، وليسوا سجناء محكومين بالإعدام أو مصارعين عبيد.
“لن أموت حتى أرى المزيد من هذا العالم.”
استنشق هواء المعركة الساخن. بدا القتال وشيكًا.
“أووه-أووه!”
صرخ يوريتش وهو ينشر ذراعيه مثل الأجنحة.
الفصل 14 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ جاب مصارعو حورس الأراضي الإمبراطورية، وأقاموا بطولاتهم أينما حلوا. ورحبت بهم كل مدينة وطئتها أقدامهم، من الغرب إلى الشرق. “هذه أرض طيبة.” هذه أول مرة يرى فيها يوريتش ارضا زراعية شاسعة. بدا أهل هذه الأرض يعتمدون على زراعة أراضيهم لدعم سكانهم المزدهرين، على عكس قبيلته حيث كانوا يعتمدون على الصيد وجمع الثمار. ” كلما اتجهنا شرقًا، اتسعت هذه الاراضي الزراعية. الشرق أغنى من الغرب ” قال باتشمان وهو يسير بجانب يوريتش ورمحه معلق على كتفه. كلما سافروا شرقًا، ازدادت الأرض خصوبةً وانبساطًا، بينما بقيت جبال السماء بعيدة. وارتسمت على وجوه سكان هذه الأراضي المزدهرة السعادة والرضا. هذه الأرض مختلفة عن أرض الوطن. إنها غنية وخصبة. كانت السهول التي اعتاد عليها يوريتش صخرية ووعرة. ولم يكن من الممكن زراعة المحاصيل مهما حاول المرء. ” إذًا، يزرعون البذور في التربة ويحصدون المحاصيل…؟” تمتم يوريتش بأفكاره. على الجانب الآخر من الجبال، كانت مصادر الغذاء نادرة دائمًا في السهول. كان من الصعب الحصول على مصدر غذائي مستقر بالاعتماد فقط على الصيد والجمع. ‘الزراعة.’ عندما غادرت الحيوانات الأرض، لم يكن أمام حتى أمهر الصيادين خيار سوى العودة إلى ديارهم خاليي الوفاض، وكان الجمع عملاً خاضعًا تمامًا لرحمة السماء والأرض. كان الصيد والجمع أمرين لا يستطيع البشر السيطرة عليهما. عندما لم تتوافق إرادة السماء والأرض مع احتياجات القبائل، وأصبح الطعام شحيحًا، كان الأطفال والشيوخ أول من يموت. “بهذه الطريقة، يمكننا حصاد المحاصيل القيمة بشكل مستدام، سنة بعد سنة ” قال باتشمان وهو ينظر إلى مزرعة القمح ذات اللون البني الذهبي. “كل عام؟” “نعم. بفضل الزراعة، يمكننا تجاوز عام صعب، إن لزم الأمر. لكن سنوات من فشل المحاصيل أمر مختلف. قد يتحول الأمر إلى مجاعة، وقد يموت الناس جوعًا.” حدق يوريتش في حقل القمح. “يمكن زراعة الغذاء في هذه الأرض.” بفضل الزراعة، لن يضطر أبناء قبيلته للقلق من الموت جوعًا. ولن يضطروا أيضًا لقضاء أيام بعيدًا عن ديارهم في رحلة صيد. بدأت رغبة واحدة تتجذر في قلب يوريتش. في تلك الليلة، رأى يوريتش حلمًا. في حلمه، رأى نفسه يقود محاربي الفأس الحجرية فوق جبال السماء. واصل يوريتش ومحاربوه مسيرتهم وهم يحلمون بأرض ذهبية. “آه ” استيقظ يوريتش من حلمه. تذكر أنه في مدينة بعد أن استيقظ تحت سقف غريب. ” ما هو هذا الحلم؟” سرعان ما تلاشى حلمه في اللاوعي لحظة استيقاظه. نهض يوريتش من فراشه وهو يحكّ حكة في رأسه ومؤخرته. “يا له من يوم، الطقس رائع!” قال يوريتش وهو يفتح النوافذ. خلال فترة وجوده مع مصارعي حورس، رأى يوريتش أشياءً كثيرة. كل يوم يفاجئه بأشياء لم يرها أو يختبرها من قبل. “لا يزال لدي الكثير لأراه!”
ارتدى يوريتش ملابسه وربط حزام سلاحه حول خصره. بوو! في ردهة مسكنهم، كان المصارعون الذين استيقظوا باكراً منهمكين في فطورهم. لوّح بعضهم بأيديهم وسلّموا على يوريتش. “مرحبًا، يوريتش، تعال إلى هنا وتناول الطعام معنا.” جلس يوريتش على مقعده وأكل بطاطا مخبوزة. بعد أن كاد يبتلعها كاملة، بدأ يلتهم دجاجة كاملة. “حورس يناديك يا يوريتش. ربما يتعلق الأمر بالمنافسة ” قال باتشمان ليوريتش وهو ينقر على كتفه. مسح يوريتش أطراف شعره بأصابعه الدهنية. “أنت هنا ” قال حورس بينما دخل يوريتش الغرفة. دونوفان يجلس بجانبه بوجهٍ غير راضٍ. أصبح فريق مصارعي حورس الآن بقيادة اثنين من أفضل المصارعين: دونوفان، الوجه الأصلي للفريق، ويوريتش، النجم الجديد. أثر هذان الاثنان على مواجهات المصارعين، ولكن نظرًا لاختلاف علاقاتهما، لم يكن التعاون خيارًا واردًا. فكّر حورس في الموقف قائلًا: “هذا يناسبني تمامًا”. وجود قائدين متعارضين يعني التوازن، وهذا التوازن يُسهّل على حورس السيطرة على الفريق. “هذه المرة، سيكون هناك خمسة مصارعين من الأريغان، وثلاثة من عبيدهم، وسبعة مرتزقة، بالإضافة إلى بطلين أرسلهما النبلاء. ستتضمن البطولة اثنتي عشرة مباراة، وقد خُصصت لنا خمس مباريات. إحدى هذه المباريات ستكون ضد أحد الأبطال، لذا سنرسل أحد عبيدنا كبطاقة قابلة للرمي. ” كان حورس قائدًا ماهرًا، وكان قادرًا على التحكم بسهولة في وتيرة مفاوضات البطولة. ” ماذا تقصد بـ “البطاقة التي يمكن التخلص منها”؟” سأل يوريتش، وسخر دونوفان. “هل تريد هزيمة بطلٍ اختاره نبيلٌ بعناية؟ من الأفضل أن نرسل مصارعًا عبدًا نستطيع خسارته ” أجاب دونوفان وكأنه رأى هذا مراتٍ لا تُحصى. تابع حورس بشرحٍ أسهل ليوريتش. “هذه المباريات هي سبب وجود المصارعين العبيد، يوريتش. أحيانًا، لا ينبغي لنا الفوز بالمباراة.” “هاه، هل هذا صحيح؟” سخر يوريتش وهو يدغدغ أذنه. خسارة مباريات كهذه هي غاية مصارعي العبيد. أما المباريات التي بدا الفوز فيها مستبعدًا للغاية، أو المباريات التي كان من المفترض أن يخسروها عمدًا – مهما كان السبب – فهو مصير معظم مصارعي العبيد. “لنُرسل بومان. ظهرت عليه بقع داكنة تحت عينيه، ولم يعد يأكل كما كان من قبل. ربما أصيب بمرض ما ” قال حورس بينما أومأ دونوفان موافقًا. غالبًا ما كان المصارعون العبيد الذين يمرضون أول من يُضحى بهم. “يبدو أن مبارياتنا في النصف الأول من البطولة.” “سأختار مباراة مصارعي أريغان ” أعلن دونوفان. كانت للمباريات بين مصارعي فرقتين مختلفتين أهمية كبيرة، إذ المصارعون يقاتلون دفاعًا عن كرامة فرقهم. وعندما لم تكن المباراة للتضحية، كان وجه الفريق هو الذي يقاتل غالبًا. وبالطبع، الانتصارات تُجسّد أهمية المناسبة أيضًا. “إنها مباراة ثلاثة ضد ثلاثة. أعتقد أنكِ ويوريتش يجب أن تكونا ضمن الثلاثة.” التقت أعين يوريتش ودونوفان فورًا عندما نطق حورس بهذه الكلمات. “إذا جعلتنا نقاتل معًا، سيعود أحدنا بجمجمة مكسورة. أليس كذلك يا يوريتش؟” سخر دونوفان كما لو أن حورس قد عرض عليه شيئًا سخيفًا. “أنا أعترض. لا تعجبني هذه الفكرة يا حورس ” قال يوريتش بهدوء وهو يهز كتفيه ويرفع يده معبرًا عن اعتراضه. مع أن المصارعين لن يتقاتلا في الساحة، إلا أن كرههما المتبادل سيجعل تعاونهما أمرًا صعبًا للغاية. “أجل، أجل، أعرف. كان عليّ فقط أن أشرح الأمر. حسنًا، إذن يا يوريتش، خذ هذه الفرصة. اختر أي مصارعين تريد القتال بهما. سيحصل كلٌّ منكما على مليون ونصف شيل.” “يا حورس!” أصبح دونوفان غاضبًا. لم يكن ينوي تفويت هذا القدر من المال. ضيق حورس عينيه على دونوفان. “لقد فعلناها على طريقتك في البطولة الماضية يا دونوفان. الآن جاء دور يوريتش. إذا لم يرغب يوريتش في الفوز بهذه المباراة، فلديك الحق في ذلك.” “لماذا لا أرغب في أخذها؟ لديّ اقتراح. ماذا لو استخدمنا أحد المصارعين العبيد كرجل ثالث، وأنا والمصارع الحر الآخر نأخذ مليوني شيل لكلٍّ منا؟” فكر حورس للحظة ثم أجاب ” أي مصارع عبد تريد استخدامه؟” “أريد سفين.” “إذا كنت تستخدم سفين، يمكن أن يحصل كل منكما على 1.8 مليون شيل لكل منهما.” “حسنًا. حينها سأكون أنا وباتشمان وسفين.” كتب حورس الأسماء الثلاثة على ورقة البطولة. درس يوريتش كتابته بعناية. ‘كتابة.’ الكتابة أكثر ما أثار اهتمامه مؤخرًا. ترك الكلمات كعلامات لتسجيل الأشياء وتذكرها – هذا ما فعله المتحضرون. لقد حافظوا على تاريخهم بالكتابة، لا بالتناقل الشفهي. “لو كنت أعرف القراءة والكتابة، لكان بإمكاني أن أتعلم الكثير.” ومع ذلك، حتى أغلبية سكان الحضارة كانوا غير متمكنين من القراءة والكتابة. معظمهم لم يكن يعرف سوى قراءة وكتابة أسمائهم. “سأترك الأمر يمر هذه المرة، حورس، ولكن في المرة القادمة…” “أعلم يا دونوفان. سنفعلها على طريقتك في البطولة القادمة ” طمأن حورس دونوفان وهو يربت على كتفه. ابتسم دونوفان ابتسامةً مريرة. سار التخطيط للمباريات المتبقية بسرعة. “الأمور تسير على ما يرام”، فكّر حورس وهو يشاهد دونوفان ويوريتش يغادران الغرفة. منذ أن أصبح يوريتش مؤثرًا ثانويًا، انخفضت شكاوى المصارعين الآخرين المتعلقة بالمباريات بشكل كبير بفضل الإجراءات الأكثر عدالة من ذي قبل. ورغم وجود بعض الاستياء من عصابة دونوفان، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون ببعض المزايا التي كانوا يتمتعون بها دائمًا. “لا يستطيع دونوفان أن يطالب بنفس القدر من القوة على التوفيق بين اللاعبين كما كان من قبل.” جلس حورس على الطاولة يرتشف ما تبقى من نبيذه. اكتمل التخطيط، وحان وقت جني المال. * * * ” يا جدي، لماذا ما زلت عبدًا؟ ” سأل يوريتش سفين وهو يجلس بجانبه. كانت غرفة تحضير المصارعين تفوح منها رائحة العرق والرائحة الكريهة. “لأن حورس منحني فرصة ” أجاب سفين وهو يُلمّع فأسه ذي اليدين. على عكس المصارعين العبيد الآخرين، لسفين سلاحه الخاص. هذه إحدى علامات معاملته بشكل مختلف عن العبيد الآخرين. كان المصارعون الأحرار على دراية بذلك، لذلك لم يُزدرِ أحدٌ سفين قط. “ما هي الفرصة؟” “فرصةٌ أخرى لدخول حقل السيوف. أنقذني حورس عندما تقطعت بي السبل في المحيط، بل ومنحني مكانًا للقتال. لولاه، لربما بقيت روحي في هذا العالم إلى الأبد. الآن، لا أريد شيئًا سوى الموت في المعركة ” قال سفين بنبرة حزينة. بدت عيناه تحت حاجبيه الداكنين تبحثان عن شيءٍ بعيد. “ماذا عن منزلك؟ عائلتك؟” “ليس لديّ مكان ولا أحد أعود إليه ” أجاب سفين ببرود. انتقم الشماليون من الإمبراطورية لفترة طويلة، وسُلبت منهم جميع أراضيهم الزراعية. واضطر الشماليون الباقون للاختيار بين اتخاذ الأراضي القاحلة المتجمدة موطنهم الجديد أو إعلان ولائهم للإمبراطورية. “كانت قبيلتي ستهاجر شرقًا. لو كان الرجال فقط، لقاتلنا حتى الموت، لكنا نحن الرجال كنا نرعى النساء والأطفال. لو متنا في المعركة، لكانت حياتهم مأساوية للغاية. أنا متأكد من أنك تعرف ما يحدث لنساء وأطفال الخاسرين.” “تصبح النساء مجرد أشياء، والأطفال مقيدين ومستعبدين ما لم يُطعموا للكلاب البرية ” أجاب يوريتش كما لو الأمر واضح. فقدت عينا سفين تركيزهما. ينظر إلى الماضي. “تخبرنا أساطيرنا بوجود أرض جديدة عبر البحر الشرقي. ويُقال إن أحد أجدادنا وطئت قدماه تلك الأرض الشرقية وعاد، وأن أهلها ذوي شعر أسود وعيون سوداء. ” ” إذًا، تحطمت سفينك في رحلتك إلى هذه الأرض الجديدة وأصبحت عبدًا. عيناي تمتلئان بالدموع الآن ” قال يوريتش ضاحكًا. أصبحت لديه فكرة عن حال البحر الآن. “يمكنك أن تضحك كما تشاء. لقد كان قرارًا أحمق. الآن أمنيتي الوحيدة هي الموت في المعركة لأتمكن من دخول حقل السيوف.” بدا باتشمان يستمع إلى قصة سفين، فنقر على لسانه. ” سفين، لا يوجد شيء في البحر الشرقي. لن تجد سوى منحدرات في نهايته. حتى لو وصلتَ إلى حافة العالم، لكنتَ قد سقطتَ إلى حتفك. كنتُ بحارًا أيضًا. لم أسمع قط عن أرضٍ كهذه في الشرق.” كلمات باتشمان جعلت سفين يرتجف. حدق في باتشمان بغضب. “مهارات بناء السفن في الشمال تتفوق بكثير على ما لديكم في الإمبراطورية. هل نسيتم أن أفضل أنواع الخشب تأتي من الشمال؟” شعرا وكأن شجارًا سينشب بينهما حتى قبل بدء المباراة. وقف يوريتش وسط المصارعين المتصارعين لتخفيف حدة التوتر. “الأرض الشرقية، حافة العالم، لا يهمني أي شيء من هذا. لا أصدق حتى أن البحر واسع كما تقولان. أنا متأكد أن حافة العالم التي تتحدثان عنها لن تستغرق مني سوى بضعة أيام سباحة للوصول إليها، أليس كذلك؟” ردّ يوريتش، فردّ سفين وباتشمان على الفور. “إنه شاسع! شاسع جدًا!” “لن تتخيل ذلك حتى. يمكنك الإبحار لثلاثة أيام وليالٍ متتالية، ولن ترى نهاية الأمر.” زوو! فُتح باب غرفة التحضير، ودخل إليها مصارعٌ أنهى معركته للتو. كانت رائحته تفوح برائحة الدم. “حافة العالم.” انغمس يوريتش في أفكاره، ولم يرَ البحر بعد. هل هناك حقا حافة العالم على الجانب الآخر من البحر؟ أخبره شامان القبيلة أن وراء الجبال عالم الأرواح. لكن يوريتش عبر الجبال، ليكتشف أنه لا وجود له، وأن هناك عالمًا بشريًا مختلفًا. “لن أعرف ما هو موجود هناك إلا إذا قمت برؤيته بنفسي.” فتح عينيه المغمضتين منذ زمن طويل. أصبحت عيناه تلمعان بالفضول واليقين. كان بربريًا أميًا جاهلًا، لكن معرفته بمتعة اكتشاف المجهول تفوق أي شخص آخر. “إنه عالم كبير ” همس يوريتش ” هناك الكثير مما يمكن رؤيته.” نهض يوريتش وباتشمان وسفين في آنٍ واحد ودخلوا الساحة الرملية. هتف الجمهور، الذي أصبح مألوفًا الآن، فرحًا لهم. بوو! استل يوريتش سيفه. انفتحت البوابات على الجانب الآخر، كاشفةً عن مصارعين مُعادين. كانوا مصارعين حقيقيين مُدججين بالسلاح، وليسوا سجناء محكومين بالإعدام أو مصارعين عبيد. “لن أموت حتى أرى المزيد من هذا العالم.” استنشق هواء المعركة الساخن. بدا القتال وشيكًا. “أووه-أووه!” صرخ يوريتش وهو ينشر ذراعيه مثل الأجنحة.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات