الفصل 18: المرتزقة
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
بوو!
بدا لحم الخنزير المشويّ يُشوى على نحوٍ رائع. وقف يوريتش بجانبه، يشحذ شفرة فأسه.
“هل لا يمكننا أن نأكله بعد؟” سأل يوريتش.
“إنه ليس قريبًا حتى من الانتهاء، يوريتش ” هز باتشمان رأسه ووبخه بينما يقلب الخنزير الصغير.
“هل سنتحرك قريبًا؟ جسدي يؤلمني من قلة الحركة لفترة طويلة. ننتظر هنا منذ ثلاثة أيام ” سأل الرجال الآخرون.
كان المصارعون السابقون ينتظرون معركة. أصبح مصارعو حورس الآن فرقة مرتزقة. منذ أن وافق الحراس والمصارعون الاثنا والعشرون على تغيير مسارهم المهني، كانوا يكسبون قوت يومهم من خلال العمل الشاق كحراس أمن وأمناء. لم يرغب أحد في توظيف مجموعة مرتزقة صغيرة مجهولة الهوية لمهمة كبيرة.
“لا يمكننا الاستمرار في هذا. لا نجني أي مال”، فكّر يوريتش وهو يحدق في الأفق يقضم أظافره. بالكاد تكفيهم هذه الأعمال الضئيلة لإطعامهم وتأمين سكن لهم. علاوة على ذلك، لم يكن أحد في مجموعتهم متعلمًا بما يكفي لرعاية ميزانيتهم، لذا لم يتمكنوا حتى من الحفاظ على المال القليل الذي يكسبونه. المال الذي ادّخروه بقيادة حورس كان ينفد بالفعل.
هذا جعل يوريتش وبقية المصارعين يدركون أهمية حورس في معيشتهم. فعندما كان حورس حيًا وبصحة جيدة، لم يقلقهم أبدًا بشأن الطعام والشراب والنوم وإنجاب النساء.
“هل أنت متأكد من هذه المعلومات؟”
“هل تعلم كم أهدرتُ من مال في تلك الحانة؟ إن لم يكن ما قاله صاحبها صحيحًا، فسأقطع رأسه بنفسي.”
كانت فرقة المرتزقة تخيم لمدة ثلاثة أيام بناءً على بلاغ واحد حول معركة وشيكة.
“الكونت داجلتون والكونت مولاندو على وشك أن يبدآ معركتهما الإقليمية، والمعركة الأولى تجري على مسافة ليست بعيدة من هنا حيث أن هذه هي الأرض المنبسطة الوحيدة المحيطة.”
“لقد انتظرنا لمدة ثلاثة أيام متتالية بناءً على تلك النصيحة ” قال المرتزقة لبعضهم البعض بينما يتبادلون النظرات القلقة.
“يوريتش، إذا فشل هذا، فمن المحتمل أن يتركنا معظمهم ” قال باتشمان بقلق.
“إذا لم يعجبك الأمر، فلماذا لا نترك دونوفان قائدًا لنا؟” ردّ يوريتش. كان القائد المؤقت لفرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا، لأنه هو من اقترح تغيير المهنة. علاوة على ذلك، كان الوضع في صالحه أيضًا. لقد لعب دورًا حاسمًا في هزيمة مرتزقة تريوس بمهاراته القتالية الفريدة.
” السبب الوحيد لموافقة دونوفان على هذا العمل المرتزقة في المقام الأول هو على الأرجح رغبته في التخلص منك واستعادة ما كان له ” حدق باتشمان. وفي نهاية نظرته، كان دونوفان ينظر بسلام إلى السماء في الحقل العشبي.
صحيح أننا نحتاج دونوفان. إنه قائدٌ ماهر، وربما أصلح لمنصب قائد أكثر مني، قال يوريتش وهو يهز كتفيه. واعترف بأن دونوفان يمتلك مهاراتٍ قياديةً لا يمتلكها هو.
“لماذا لم يبق في الجيش؟ لا بد أن حياته كجندي إمبراطوري كانت أفضل بكثير من حياته كمصارع ” تساءل باتشمان. كان من الواضح أن دونوفان جندي كفؤ للغاية.
“مم، تلك الرائحة طيبة!” صفع يوريتش شفتيه وهو ينظر إلى لحم الخنزير الصغير المشوي.
بوو!
حفر باتشمان في الخنزير الصغير بخنجره، وسقط العصير اللحمي عليه.
” إنه جاهز الآن. حان وقت الأكل يا خنازير!”
جذبت كلمات باتشمان المرتزقة المتفرقين واحدًا تلو الآخر. كانت وجبة لحم خنزير شهية على وشك أن تُقدّم.
“إنهم هنا! إنهم هنا!” نادى المراقب. عبس المرتزقة بخيبة أمل وانزعاج.
“ماذا الآن؟ لماذا الآن؟ بحق الجحيم.”
“اصمتوا وجهزوا أنفسكم. سنستمتع حتى تنفجر بطوننا بعد أن ننتهي من هذا.”
نهض المرتزقة وهم يستولون على ترسانتهم. كان كلٌّ منهم مُجهّزًا بدروع وأسلحة مُختلفة، مُناسبًا لقب المرتزقة.
“يوريتش!”
“أعلم، أعلم. أنا قادم ” قال يوريتش وهو يقف على قمة التل. حدّق بعينيه لينظر إلى السهول. كانت رؤيته من عالم آخر.
“آه، إنهم جنود بالفعل. الجيش على اليمين يحمل علمًا يحمل دبًا أحمر، والجيش على اليسار يحمل رمحًا ذهبيًا.” نقل باتشمان المعلومات إلى بقية المرتزقة.
“علم الدب الأحمر هو الكونت داجلتون والرمح الذهبي هو الكونت مولاندو.”
“كلٌّ منهم لديه حوالي مئة جندي. أعتقد أننا نستطيع التدخل.”
“دعونا نذهب إذن!”
بدت معنويات المرتزقة مرتفعة، وعيونهم تتقد شوقًا. كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ ثلاثة أيام. ضغط كلٌّ منهم على خوذته ورفع سلاحه ودروعه.
“حسنًا، هيا بنا يا أصدقائي ” سحب يوريتش سيفه وصرخ وهو يقود الصف.
* * *
لم يكن الكونت مولاندو يرغب في هذا الصراع. رفرف خلفه علمٌ ذو رمح ذهبيّ وهو يمتطي جواده.
“هذا اللعين داجلتون، يطالب بحقوق أجداده بعد كل هذا الوقت.”
كانت المنطقة التي كانوا يتقاتلون عليها أرضًا زراعيةً هامشيةً تتداخل فيها ممتلكاتهم. أظهرت الوثائق الإدارية أن الأرض كانت ملكًا للكونت داجلتون، لكن الكونت مولاندو كان هو من يحكمها منذ جيلين.
” لا بد أننا اشترينا هذه الأرض من عائلة داجلتون، لكن لا يوجد سجلّ للمعاملات. ربما بسبب هؤلاء الكتبة الأغبياء الذين نسوا القيام بعملهم.”
وقد طرح كلا الطرفين نقاطًا عادلة وصالحة للمطالبة بالسيطرة الكاملة على الأراضي الزراعية.
“أتمنى أن يكون لو هو القاضي في هذا الصراع.”
كانوا يعتقدون أن حاكم الشمس لو سيُناصر الحاكم العادل للأراضي الزراعية. لم يبقَ لهم إلا القتال عليها. حشد الكونت مولاندو قواته. كان لديه جيش من عشرين رجلاً من جيشه النظامي، بالإضافة إلى حوالي ثمانين مجندًا.
“لا بد أن جيش الكونت داجلتون في حالة مماثلة لجيشنا يا كونت مولاندو. النصر سيكون من نصيب الجيش الذي يحظى بمباركة لو ” قال أحد التابعين للكونت مولاندو.
ظهر جيش الكونت داجلتون من الأفق. ونظرًا لتشابه مساحة أراضيهما وعدد سكانهما، كانت جيوشهما متقاربة في الحجم.
“إذا خسرنا هذا، فسوف نضطر إلى العيش تحت سيطرة داجلتون.”
أنزل الكونت مولاندو خوذته بعزم. بدا درعه الشبكي يُصدر صوتًا مع كل حركة، و يرتدي بذلة جلدية تحت درعه.
كان الكونت وقواته العشرين مدججين بالسلاح، لكن أولئك الذين ينتمون إلى جيش التجنيد كانوا يرتدون دروعًا رديئة.
“يا إلهي، لماذا نقاتل من أجل هؤلاء المتغطرسين؟”
“ما علاقة هذا بنا؟”
تذمر المجندون. كل ما كان لديهم لحماية أنفسهم من السيوف والسهام هو في الغالب ملابس قطنية عادية، باستثناء بعض البدلات الجلدية التي ارتداها بعضهم كدروع.
“هل يمكننا القتال بهذه الرماح ذات النصل الباهت؟”
“اصمت. سأأخذه منك بكل سرور إذا كنت لا تريده.”
أُعطيت لهم رماح للقتال، لكن لم يكن هناك ما يكفي. اضطر العديد من المجندين إلى إحضار محاريثهم أو فؤوسهم الخاصة التي استخدموها كحطب للتدفئة. تولى الصيادون دور الرماة وأحضروا أقواسهم وسهامهم. لم يكن معظم هؤلاء المجندين محاربين، بل مزارعين فقط. لذا، بطبيعة الحال، كانت معنوياتهم في أدنى مستوياتها. في الأراضي الصغيرة مثل داجلتون ومولاندو، كان الناس أشبه بالأقنان، على عكس سكان الأراضي الأكثر تحضرًا الذين كانت حياتهم أكثر استقرارًا.
” إن كنتُ بارًا، فسيكون لو في صفي ” ضمّ مولاندو يديه معًا ودعا بسرعة. المعركة وشيكة.
“الكونت مولاندو، هناك شخص يقترب!”
أطلق الرماة سهامهم.
“هل أرسل الكونت داجلتون مبعوثًا؟
“لماذا يُرسل مبعوثًا الآن؟ ربما يطلب منا الاستسلام قبل بدء المعركة.”
“بالطريقة التي يرتدي بها ملابسه، لا يبدو وكأنه مبعوث الكونت.”
همس مولاندو وأتباعه عندما وصل الرجل الغريب أخيرًا إلى الجيش.
“أنا رسول من فرقة المرتزقة. سمعنا خبر صراعكم وكنا بانتظاركم.”
كان مرتزقًا من فرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا التابعة ليوريتش. تحدّث الرسول إلى مولاندو.
“مرتزق؟ من هو قائدك؟” سأل الكونت مولاندو الرسول.
“إنه محارب اسمه يوريتش. كنا في فرقة مصارعين تُدعى حورس…”
بدا الكونت مولاندو منزعجًا حتى قبل أن يتمكن الرسول من إنهاء تقديمه.
” إذًا، لا أحد. حسنًا، كم رجلًا لديك؟”
“لدينا اثنان وعشرون، جميعهم مدرعون بشكل كبير ولديهم الكثير من الخبرة القتالية.”
همس الأسياد عند سماعهم ترقيةً كبيرةً للمجندين الحاليين. فالمرتزقة الأكفاء أضافوا ميزةً لا تقل عن الجنود الدائمين المدربين تدريبًا جيدًا.
“اثنان وعشرون مرتزقًا سيكونون أكثر من كافيين لترجيح كفة الميزان لصالحنا، يا كونت.”
“لكن كيف نثق بهؤلاء المرتزقة؟ لقد ظهروا للتو، قبل معركتنا مباشرةً.”
شعر مولاندو بالقلق بشأن توظيف مجموعة من المرتزقة الذين لم يرهم أو يسمع عنهم من قبل.
“إذا رفضتَ، يا كونت مولاندو، توظيفنا، فستُقاتلك فرقتنا بقيادة الكونت داجلتون. كان من المفترض أن يتلقى نفس العرض الآن.”
” هل تحاول ابتزازي الآن، أيها المرتزق الحقير؟” سحب مولاندو سيفه وأشار بطرفه إلى رقبة الرسول.
يا إلهي، كنت أعلم أن المال الإضافي لا يستحق كل هذا العناء. ما كان ينبغي لي أن أتطوع للقيام بهذا، فكّر الرسول في نفسه وهو يبذل قصارى جهده ليبدو هادئًا قدر الإمكان.
“سأعتبرها رفضًا وأخرج من شعرك ” قال وهو يدير ظهره للكونت.
فتح الكونت شفتيه ببطء ” كم تريد؟”
“دعونا نسمع ما لديك لتقدمه.”
“حسنًا. مليون شيل لكل مرتزق. بالإضافة إلى ذلك، سنمنحك نصف الغنائم التي تحصل عليها من أول اختيار.”
كان النهب بعد المعارك وسيلةً أخرى لكسب المال، خاصةً مع وجود جنودٍ دائمين. بيعت سلسلة بريدية جيدة منهم بأكثر من عشرة ملايين شيل في السوق.
“سأنقل عرضك إلى زعيمنا ” قال الرسول وهو يركض عائداً نحو التلال.
“مرتزقة يتدخلون في موقف كهذا، كيف شموا رائحة المال؟” تمتم الكونت وهو ينظر عبر السهل. لم يتحرك رجال داجلتون منذ آخر مرة تفقدوا فيها المكان. بدا وكأنهم يتفاوضون مع نفس المرتزقة.
” هاف، هاف.”
ركض الرسل عائدين إلى المعسكر حيث ينتظرهم يوريتش وبقية المرتزقة. ضحك يوريتش، وهو واقف على جذع شجرة.
“ماذا عرضوا علينا؟”
وتناوب المرتزقة الذين تم إرسالهم كرسل على نقل العرض المقدم من الكونتين.
“عرض الكونت مولاندو مليون شيل لكل مرتزق ونصف الغنيمة، والتي حصلنا من خلالها على الاختيار الأول.”
“عرض علينا الكونت داجلتون مليوني شيل، وربما أكثر اعتمادًا على مقدار مساهمتنا في فوزهم.”
تمتم المرتزقة.
” داجلتون أفضل بكثير. لسنا بحاجة لصفقة على الغنائم، يمكننا أخذها لأنفسنا بعد المعركة. إضافةً إلى ذلك، بيعها في السوق مُرهقٌ أيضًا. إنه يُقدم لنا ضعف ما يُقدمه الآخر ” اقترح باتشمان على الفرقة. أومأ المرتزقة الآخرون موافقين، إذ فضّلوا جميعًا ضمان راتب أعلى بدلًا من البحث عن غنائم جيدة.
“هل هذا صحيح؟ حسنًا، سنذهب مع داجلتون ” قال يوريتش وهو ينهض من جذع الشجرة.
“لا أوافق. أعتقد أننا يجب أن نختار مولاندو.” كسر سفين صمته وهو ينظر إلى جانب جيش مولاندو.
“وما هو سببك؟” سأل يوريتش. كان سفين رجلاً قليل الكلام. كلما قرر التحدث، كان ذلك لسبب وجيه.
“لا أعتقد أن داجلتون سيفي بوعده ويدفع لنا مليوني شيل، خاصةً أنه عرض علينا دفع مبلغ أكبر من ذلك بناءً على مساهمتنا. إنه مجرد كونت صغير ذي منطقة صغيرة. لا أعتقد أنه مستعد للمخاطرة بخسارة هذا المبلغ الكبير لصالح فرقة مرتزقة مجهولة مثلنا. من ناحية أخرى، عرض مولاندو أكثر واقعية. كل ما عليه فعله هو دفع اثنين وعشرين مليون شيل نقدًا لنا وإنهاء الأمر.”
“همم، ألا تعتقد أن داجلتون سيدفع لنا؟”
“أعتقد أنه إما سيماطل ويؤخر الدفع، أو سيحاول قطع رؤوسنا بنفسه بعد المعركة. سمعت أنه هو من بدأ كل هذا، لذا يبدو لي نبيلًا طموحًا.”
بدا سفين محقًا. كلماته أثارت المرتزقة مجددًا.
“أعتقد أن سفين طرح نقطة جيدة. ما رأيكم؟ ارفعوا أيديكم إذا كنتم ترغبون في اختيار مولاندو.”
تبادل المرتزقة النظرات، واحدًا تلو الآخر، ورفعوا أيديهم موافقين. صوّتت الأغلبية للقتال مع الكونت مولاندو.
“حسنًا، انتهى الأمر. إذا اعترض أحد بشدة، فليُرفع صوته بينما أعدّ إلى عشرة.” بدأ يوريتش يطوي أصابعه ويعدّ. لم تكن هناك أي اعتراضات.
“حسنًا. لنبدأ إذًا، أليس كذلك؟”
بوو!
حمل المرتزقة أسلحتهم وانضموا إلى جيش الكونت مولاندو.
“إنهم قادمون ” لاحظ الكونت مولاندو وهو يراقب مجموعة المرتزقة وهم يقتربون منهم.
” يبدو أنهم قد شاهدوا نصيبهم العادل من المعركة، يا كونت ” همس أحد التابعين لمولاندو.
“نقبل عرضك. امنحنا مليون شيل للشخص الواحد، وسنحصل على نصف الغنيمة ” قال يوريتش وهو يقف أمام الكونت.
“هل أنت القائد؟” سأل مولاندو بعبوس.
‘بربري؟’
أشارت لهجة يوريتش الأجنبية وهالته الوحشية إلى أصله البربري. ظنّ مولاندو أنه من الشمال، نظرًا لوجود محارب شمالي نموذجي بين المرتزقة.
“حسنًا، أعتقد أن المتسولين لا يستطيعون الاختيار.”
قبل مولاندو يوريتش على مضض.
“أوه صحيح، كم سنحصل إذا أحضرنا لك رأس داجلتون؟” سأل يوريتش.
“لا يمكنك قتله. لكن إن تمكنت من إحضاره إليّ حيًا، فسأعطيك نصف فديته.”
” في المعارك بين النبلاء، كانت الخسائر الوحيدة هي جنودهم. هناك قاعدة ضمنية تنص على أنه لا يجوز للنبلاء قتل بعضهم البعض، وكان لديهم أسبابهم أيضًا.”
“إذا قتلنا داجلتون، فإن أصدقائه وعائلته سيستخدمون ذلك كذريعة لمحاولة سرقة أراضيي.”
أمال يوريتش رأسه في سؤال.
“الناس هنا مهووسون بالفدية. لماذا لا تقتلهم وتأخذ كل ما يملكون؟”
ضحك الكونت مولاندو وأتباعه بصوت عالٍ.
“الأمر ليس سهلاً كما تصوّره يا يوريتش. هناك الكثير من التعقيدات المتعلقة بالسياسة والعلاقات العائلية.”
هز يوريتش كتفيه.
“حسنًا، لا بأس. تذكر فقط ما قلته عن إعادته حيًا ” ذكّر يوريتش الكونت وهو يربت على الحصان الذي كان يجلس عليه، ثم عاد إلى مجموعته.
“ههه، هل سيُعيدونه حيًا؟ أشك في ذلك. ما كنتُ لأفكر في توظيف هؤلاء النكرة لو لم نكن على شفا معركة.”
علم الكونتان من جواسيسهما أن أياً من الجانبين لم يستأجر مرتزقة. كان من غير المجدي إنفاق مبالغ طائلة على قطعة أرض زراعية صغيرة كهذه.
“كم نحن سيئو الحظ أن نضطر إلى دفع المال لمجموعة من المرتزقة بينما كنا قريبين جدًا من إنجاز المهمة بدونهم؟”
حدّق الكونت مولاندو نحو حافة السهل. كان الكونت داجلتون وجيشه يتقدمون. لقد قرروا أن المرتزقة الجدد لا يستحقون أي تأخير.
الفصل 18: المرتزقة ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ بوو! بدا لحم الخنزير المشويّ يُشوى على نحوٍ رائع. وقف يوريتش بجانبه، يشحذ شفرة فأسه. “هل لا يمكننا أن نأكله بعد؟” سأل يوريتش. “إنه ليس قريبًا حتى من الانتهاء، يوريتش ” هز باتشمان رأسه ووبخه بينما يقلب الخنزير الصغير. “هل سنتحرك قريبًا؟ جسدي يؤلمني من قلة الحركة لفترة طويلة. ننتظر هنا منذ ثلاثة أيام ” سأل الرجال الآخرون. كان المصارعون السابقون ينتظرون معركة. أصبح مصارعو حورس الآن فرقة مرتزقة. منذ أن وافق الحراس والمصارعون الاثنا والعشرون على تغيير مسارهم المهني، كانوا يكسبون قوت يومهم من خلال العمل الشاق كحراس أمن وأمناء. لم يرغب أحد في توظيف مجموعة مرتزقة صغيرة مجهولة الهوية لمهمة كبيرة. “لا يمكننا الاستمرار في هذا. لا نجني أي مال”، فكّر يوريتش وهو يحدق في الأفق يقضم أظافره. بالكاد تكفيهم هذه الأعمال الضئيلة لإطعامهم وتأمين سكن لهم. علاوة على ذلك، لم يكن أحد في مجموعتهم متعلمًا بما يكفي لرعاية ميزانيتهم، لذا لم يتمكنوا حتى من الحفاظ على المال القليل الذي يكسبونه. المال الذي ادّخروه بقيادة حورس كان ينفد بالفعل. هذا جعل يوريتش وبقية المصارعين يدركون أهمية حورس في معيشتهم. فعندما كان حورس حيًا وبصحة جيدة، لم يقلقهم أبدًا بشأن الطعام والشراب والنوم وإنجاب النساء. “هل أنت متأكد من هذه المعلومات؟” “هل تعلم كم أهدرتُ من مال في تلك الحانة؟ إن لم يكن ما قاله صاحبها صحيحًا، فسأقطع رأسه بنفسي.” كانت فرقة المرتزقة تخيم لمدة ثلاثة أيام بناءً على بلاغ واحد حول معركة وشيكة. “الكونت داجلتون والكونت مولاندو على وشك أن يبدآ معركتهما الإقليمية، والمعركة الأولى تجري على مسافة ليست بعيدة من هنا حيث أن هذه هي الأرض المنبسطة الوحيدة المحيطة.” “لقد انتظرنا لمدة ثلاثة أيام متتالية بناءً على تلك النصيحة ” قال المرتزقة لبعضهم البعض بينما يتبادلون النظرات القلقة. “يوريتش، إذا فشل هذا، فمن المحتمل أن يتركنا معظمهم ” قال باتشمان بقلق. “إذا لم يعجبك الأمر، فلماذا لا نترك دونوفان قائدًا لنا؟” ردّ يوريتش. كان القائد المؤقت لفرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا، لأنه هو من اقترح تغيير المهنة. علاوة على ذلك، كان الوضع في صالحه أيضًا. لقد لعب دورًا حاسمًا في هزيمة مرتزقة تريوس بمهاراته القتالية الفريدة. ” السبب الوحيد لموافقة دونوفان على هذا العمل المرتزقة في المقام الأول هو على الأرجح رغبته في التخلص منك واستعادة ما كان له ” حدق باتشمان. وفي نهاية نظرته، كان دونوفان ينظر بسلام إلى السماء في الحقل العشبي. صحيح أننا نحتاج دونوفان. إنه قائدٌ ماهر، وربما أصلح لمنصب قائد أكثر مني، قال يوريتش وهو يهز كتفيه. واعترف بأن دونوفان يمتلك مهاراتٍ قياديةً لا يمتلكها هو. “لماذا لم يبق في الجيش؟ لا بد أن حياته كجندي إمبراطوري كانت أفضل بكثير من حياته كمصارع ” تساءل باتشمان. كان من الواضح أن دونوفان جندي كفؤ للغاية. “مم، تلك الرائحة طيبة!” صفع يوريتش شفتيه وهو ينظر إلى لحم الخنزير الصغير المشوي. بوو! حفر باتشمان في الخنزير الصغير بخنجره، وسقط العصير اللحمي عليه. ” إنه جاهز الآن. حان وقت الأكل يا خنازير!” جذبت كلمات باتشمان المرتزقة المتفرقين واحدًا تلو الآخر. كانت وجبة لحم خنزير شهية على وشك أن تُقدّم. “إنهم هنا! إنهم هنا!” نادى المراقب. عبس المرتزقة بخيبة أمل وانزعاج. “ماذا الآن؟ لماذا الآن؟ بحق الجحيم.” “اصمتوا وجهزوا أنفسكم. سنستمتع حتى تنفجر بطوننا بعد أن ننتهي من هذا.” نهض المرتزقة وهم يستولون على ترسانتهم. كان كلٌّ منهم مُجهّزًا بدروع وأسلحة مُختلفة، مُناسبًا لقب المرتزقة. “يوريتش!” “أعلم، أعلم. أنا قادم ” قال يوريتش وهو يقف على قمة التل. حدّق بعينيه لينظر إلى السهول. كانت رؤيته من عالم آخر. “آه، إنهم جنود بالفعل. الجيش على اليمين يحمل علمًا يحمل دبًا أحمر، والجيش على اليسار يحمل رمحًا ذهبيًا.” نقل باتشمان المعلومات إلى بقية المرتزقة. “علم الدب الأحمر هو الكونت داجلتون والرمح الذهبي هو الكونت مولاندو.” “كلٌّ منهم لديه حوالي مئة جندي. أعتقد أننا نستطيع التدخل.” “دعونا نذهب إذن!” بدت معنويات المرتزقة مرتفعة، وعيونهم تتقد شوقًا. كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ ثلاثة أيام. ضغط كلٌّ منهم على خوذته ورفع سلاحه ودروعه. “حسنًا، هيا بنا يا أصدقائي ” سحب يوريتش سيفه وصرخ وهو يقود الصف. * * * لم يكن الكونت مولاندو يرغب في هذا الصراع. رفرف خلفه علمٌ ذو رمح ذهبيّ وهو يمتطي جواده. “هذا اللعين داجلتون، يطالب بحقوق أجداده بعد كل هذا الوقت.” كانت المنطقة التي كانوا يتقاتلون عليها أرضًا زراعيةً هامشيةً تتداخل فيها ممتلكاتهم. أظهرت الوثائق الإدارية أن الأرض كانت ملكًا للكونت داجلتون، لكن الكونت مولاندو كان هو من يحكمها منذ جيلين. ” لا بد أننا اشترينا هذه الأرض من عائلة داجلتون، لكن لا يوجد سجلّ للمعاملات. ربما بسبب هؤلاء الكتبة الأغبياء الذين نسوا القيام بعملهم.” وقد طرح كلا الطرفين نقاطًا عادلة وصالحة للمطالبة بالسيطرة الكاملة على الأراضي الزراعية. “أتمنى أن يكون لو هو القاضي في هذا الصراع.” كانوا يعتقدون أن حاكم الشمس لو سيُناصر الحاكم العادل للأراضي الزراعية. لم يبقَ لهم إلا القتال عليها. حشد الكونت مولاندو قواته. كان لديه جيش من عشرين رجلاً من جيشه النظامي، بالإضافة إلى حوالي ثمانين مجندًا. “لا بد أن جيش الكونت داجلتون في حالة مماثلة لجيشنا يا كونت مولاندو. النصر سيكون من نصيب الجيش الذي يحظى بمباركة لو ” قال أحد التابعين للكونت مولاندو. ظهر جيش الكونت داجلتون من الأفق. ونظرًا لتشابه مساحة أراضيهما وعدد سكانهما، كانت جيوشهما متقاربة في الحجم. “إذا خسرنا هذا، فسوف نضطر إلى العيش تحت سيطرة داجلتون.” أنزل الكونت مولاندو خوذته بعزم. بدا درعه الشبكي يُصدر صوتًا مع كل حركة، و يرتدي بذلة جلدية تحت درعه. كان الكونت وقواته العشرين مدججين بالسلاح، لكن أولئك الذين ينتمون إلى جيش التجنيد كانوا يرتدون دروعًا رديئة. “يا إلهي، لماذا نقاتل من أجل هؤلاء المتغطرسين؟” “ما علاقة هذا بنا؟” تذمر المجندون. كل ما كان لديهم لحماية أنفسهم من السيوف والسهام هو في الغالب ملابس قطنية عادية، باستثناء بعض البدلات الجلدية التي ارتداها بعضهم كدروع. “هل يمكننا القتال بهذه الرماح ذات النصل الباهت؟” “اصمت. سأأخذه منك بكل سرور إذا كنت لا تريده.” أُعطيت لهم رماح للقتال، لكن لم يكن هناك ما يكفي. اضطر العديد من المجندين إلى إحضار محاريثهم أو فؤوسهم الخاصة التي استخدموها كحطب للتدفئة. تولى الصيادون دور الرماة وأحضروا أقواسهم وسهامهم. لم يكن معظم هؤلاء المجندين محاربين، بل مزارعين فقط. لذا، بطبيعة الحال، كانت معنوياتهم في أدنى مستوياتها. في الأراضي الصغيرة مثل داجلتون ومولاندو، كان الناس أشبه بالأقنان، على عكس سكان الأراضي الأكثر تحضرًا الذين كانت حياتهم أكثر استقرارًا. ” إن كنتُ بارًا، فسيكون لو في صفي ” ضمّ مولاندو يديه معًا ودعا بسرعة. المعركة وشيكة. “الكونت مولاندو، هناك شخص يقترب!” أطلق الرماة سهامهم. “هل أرسل الكونت داجلتون مبعوثًا؟ “لماذا يُرسل مبعوثًا الآن؟ ربما يطلب منا الاستسلام قبل بدء المعركة.” “بالطريقة التي يرتدي بها ملابسه، لا يبدو وكأنه مبعوث الكونت.” همس مولاندو وأتباعه عندما وصل الرجل الغريب أخيرًا إلى الجيش. “أنا رسول من فرقة المرتزقة. سمعنا خبر صراعكم وكنا بانتظاركم.” كان مرتزقًا من فرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا التابعة ليوريتش. تحدّث الرسول إلى مولاندو. “مرتزق؟ من هو قائدك؟” سأل الكونت مولاندو الرسول. “إنه محارب اسمه يوريتش. كنا في فرقة مصارعين تُدعى حورس…” بدا الكونت مولاندو منزعجًا حتى قبل أن يتمكن الرسول من إنهاء تقديمه. ” إذًا، لا أحد. حسنًا، كم رجلًا لديك؟” “لدينا اثنان وعشرون، جميعهم مدرعون بشكل كبير ولديهم الكثير من الخبرة القتالية.” همس الأسياد عند سماعهم ترقيةً كبيرةً للمجندين الحاليين. فالمرتزقة الأكفاء أضافوا ميزةً لا تقل عن الجنود الدائمين المدربين تدريبًا جيدًا. “اثنان وعشرون مرتزقًا سيكونون أكثر من كافيين لترجيح كفة الميزان لصالحنا، يا كونت.” “لكن كيف نثق بهؤلاء المرتزقة؟ لقد ظهروا للتو، قبل معركتنا مباشرةً.” شعر مولاندو بالقلق بشأن توظيف مجموعة من المرتزقة الذين لم يرهم أو يسمع عنهم من قبل. “إذا رفضتَ، يا كونت مولاندو، توظيفنا، فستُقاتلك فرقتنا بقيادة الكونت داجلتون. كان من المفترض أن يتلقى نفس العرض الآن.” ” هل تحاول ابتزازي الآن، أيها المرتزق الحقير؟” سحب مولاندو سيفه وأشار بطرفه إلى رقبة الرسول. يا إلهي، كنت أعلم أن المال الإضافي لا يستحق كل هذا العناء. ما كان ينبغي لي أن أتطوع للقيام بهذا، فكّر الرسول في نفسه وهو يبذل قصارى جهده ليبدو هادئًا قدر الإمكان. “سأعتبرها رفضًا وأخرج من شعرك ” قال وهو يدير ظهره للكونت. فتح الكونت شفتيه ببطء ” كم تريد؟” “دعونا نسمع ما لديك لتقدمه.” “حسنًا. مليون شيل لكل مرتزق. بالإضافة إلى ذلك، سنمنحك نصف الغنائم التي تحصل عليها من أول اختيار.” كان النهب بعد المعارك وسيلةً أخرى لكسب المال، خاصةً مع وجود جنودٍ دائمين. بيعت سلسلة بريدية جيدة منهم بأكثر من عشرة ملايين شيل في السوق. “سأنقل عرضك إلى زعيمنا ” قال الرسول وهو يركض عائداً نحو التلال. “مرتزقة يتدخلون في موقف كهذا، كيف شموا رائحة المال؟” تمتم الكونت وهو ينظر عبر السهل. لم يتحرك رجال داجلتون منذ آخر مرة تفقدوا فيها المكان. بدا وكأنهم يتفاوضون مع نفس المرتزقة. ” هاف، هاف.” ركض الرسل عائدين إلى المعسكر حيث ينتظرهم يوريتش وبقية المرتزقة. ضحك يوريتش، وهو واقف على جذع شجرة. “ماذا عرضوا علينا؟” وتناوب المرتزقة الذين تم إرسالهم كرسل على نقل العرض المقدم من الكونتين. “عرض الكونت مولاندو مليون شيل لكل مرتزق ونصف الغنيمة، والتي حصلنا من خلالها على الاختيار الأول.” “عرض علينا الكونت داجلتون مليوني شيل، وربما أكثر اعتمادًا على مقدار مساهمتنا في فوزهم.” تمتم المرتزقة. ” داجلتون أفضل بكثير. لسنا بحاجة لصفقة على الغنائم، يمكننا أخذها لأنفسنا بعد المعركة. إضافةً إلى ذلك، بيعها في السوق مُرهقٌ أيضًا. إنه يُقدم لنا ضعف ما يُقدمه الآخر ” اقترح باتشمان على الفرقة. أومأ المرتزقة الآخرون موافقين، إذ فضّلوا جميعًا ضمان راتب أعلى بدلًا من البحث عن غنائم جيدة. “هل هذا صحيح؟ حسنًا، سنذهب مع داجلتون ” قال يوريتش وهو ينهض من جذع الشجرة. “لا أوافق. أعتقد أننا يجب أن نختار مولاندو.” كسر سفين صمته وهو ينظر إلى جانب جيش مولاندو. “وما هو سببك؟” سأل يوريتش. كان سفين رجلاً قليل الكلام. كلما قرر التحدث، كان ذلك لسبب وجيه. “لا أعتقد أن داجلتون سيفي بوعده ويدفع لنا مليوني شيل، خاصةً أنه عرض علينا دفع مبلغ أكبر من ذلك بناءً على مساهمتنا. إنه مجرد كونت صغير ذي منطقة صغيرة. لا أعتقد أنه مستعد للمخاطرة بخسارة هذا المبلغ الكبير لصالح فرقة مرتزقة مجهولة مثلنا. من ناحية أخرى، عرض مولاندو أكثر واقعية. كل ما عليه فعله هو دفع اثنين وعشرين مليون شيل نقدًا لنا وإنهاء الأمر.” “همم، ألا تعتقد أن داجلتون سيدفع لنا؟” “أعتقد أنه إما سيماطل ويؤخر الدفع، أو سيحاول قطع رؤوسنا بنفسه بعد المعركة. سمعت أنه هو من بدأ كل هذا، لذا يبدو لي نبيلًا طموحًا.” بدا سفين محقًا. كلماته أثارت المرتزقة مجددًا. “أعتقد أن سفين طرح نقطة جيدة. ما رأيكم؟ ارفعوا أيديكم إذا كنتم ترغبون في اختيار مولاندو.” تبادل المرتزقة النظرات، واحدًا تلو الآخر، ورفعوا أيديهم موافقين. صوّتت الأغلبية للقتال مع الكونت مولاندو. “حسنًا، انتهى الأمر. إذا اعترض أحد بشدة، فليُرفع صوته بينما أعدّ إلى عشرة.” بدأ يوريتش يطوي أصابعه ويعدّ. لم تكن هناك أي اعتراضات. “حسنًا. لنبدأ إذًا، أليس كذلك؟” بوو! حمل المرتزقة أسلحتهم وانضموا إلى جيش الكونت مولاندو. “إنهم قادمون ” لاحظ الكونت مولاندو وهو يراقب مجموعة المرتزقة وهم يقتربون منهم. ” يبدو أنهم قد شاهدوا نصيبهم العادل من المعركة، يا كونت ” همس أحد التابعين لمولاندو. “نقبل عرضك. امنحنا مليون شيل للشخص الواحد، وسنحصل على نصف الغنيمة ” قال يوريتش وهو يقف أمام الكونت. “هل أنت القائد؟” سأل مولاندو بعبوس. ‘بربري؟’ أشارت لهجة يوريتش الأجنبية وهالته الوحشية إلى أصله البربري. ظنّ مولاندو أنه من الشمال، نظرًا لوجود محارب شمالي نموذجي بين المرتزقة. “حسنًا، أعتقد أن المتسولين لا يستطيعون الاختيار.” قبل مولاندو يوريتش على مضض. “أوه صحيح، كم سنحصل إذا أحضرنا لك رأس داجلتون؟” سأل يوريتش. “لا يمكنك قتله. لكن إن تمكنت من إحضاره إليّ حيًا، فسأعطيك نصف فديته.” ” في المعارك بين النبلاء، كانت الخسائر الوحيدة هي جنودهم. هناك قاعدة ضمنية تنص على أنه لا يجوز للنبلاء قتل بعضهم البعض، وكان لديهم أسبابهم أيضًا.” “إذا قتلنا داجلتون، فإن أصدقائه وعائلته سيستخدمون ذلك كذريعة لمحاولة سرقة أراضيي.” أمال يوريتش رأسه في سؤال. “الناس هنا مهووسون بالفدية. لماذا لا تقتلهم وتأخذ كل ما يملكون؟” ضحك الكونت مولاندو وأتباعه بصوت عالٍ. “الأمر ليس سهلاً كما تصوّره يا يوريتش. هناك الكثير من التعقيدات المتعلقة بالسياسة والعلاقات العائلية.” هز يوريتش كتفيه. “حسنًا، لا بأس. تذكر فقط ما قلته عن إعادته حيًا ” ذكّر يوريتش الكونت وهو يربت على الحصان الذي كان يجلس عليه، ثم عاد إلى مجموعته. “ههه، هل سيُعيدونه حيًا؟ أشك في ذلك. ما كنتُ لأفكر في توظيف هؤلاء النكرة لو لم نكن على شفا معركة.” علم الكونتان من جواسيسهما أن أياً من الجانبين لم يستأجر مرتزقة. كان من غير المجدي إنفاق مبالغ طائلة على قطعة أرض زراعية صغيرة كهذه. “كم نحن سيئو الحظ أن نضطر إلى دفع المال لمجموعة من المرتزقة بينما كنا قريبين جدًا من إنجاز المهمة بدونهم؟” حدّق الكونت مولاندو نحو حافة السهل. كان الكونت داجلتون وجيشه يتقدمون. لقد قرروا أن المرتزقة الجدد لا يستحقون أي تأخير.
الفصل 18: المرتزقة ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ بوو! بدا لحم الخنزير المشويّ يُشوى على نحوٍ رائع. وقف يوريتش بجانبه، يشحذ شفرة فأسه. “هل لا يمكننا أن نأكله بعد؟” سأل يوريتش. “إنه ليس قريبًا حتى من الانتهاء، يوريتش ” هز باتشمان رأسه ووبخه بينما يقلب الخنزير الصغير. “هل سنتحرك قريبًا؟ جسدي يؤلمني من قلة الحركة لفترة طويلة. ننتظر هنا منذ ثلاثة أيام ” سأل الرجال الآخرون. كان المصارعون السابقون ينتظرون معركة. أصبح مصارعو حورس الآن فرقة مرتزقة. منذ أن وافق الحراس والمصارعون الاثنا والعشرون على تغيير مسارهم المهني، كانوا يكسبون قوت يومهم من خلال العمل الشاق كحراس أمن وأمناء. لم يرغب أحد في توظيف مجموعة مرتزقة صغيرة مجهولة الهوية لمهمة كبيرة. “لا يمكننا الاستمرار في هذا. لا نجني أي مال”، فكّر يوريتش وهو يحدق في الأفق يقضم أظافره. بالكاد تكفيهم هذه الأعمال الضئيلة لإطعامهم وتأمين سكن لهم. علاوة على ذلك، لم يكن أحد في مجموعتهم متعلمًا بما يكفي لرعاية ميزانيتهم، لذا لم يتمكنوا حتى من الحفاظ على المال القليل الذي يكسبونه. المال الذي ادّخروه بقيادة حورس كان ينفد بالفعل. هذا جعل يوريتش وبقية المصارعين يدركون أهمية حورس في معيشتهم. فعندما كان حورس حيًا وبصحة جيدة، لم يقلقهم أبدًا بشأن الطعام والشراب والنوم وإنجاب النساء. “هل أنت متأكد من هذه المعلومات؟” “هل تعلم كم أهدرتُ من مال في تلك الحانة؟ إن لم يكن ما قاله صاحبها صحيحًا، فسأقطع رأسه بنفسي.” كانت فرقة المرتزقة تخيم لمدة ثلاثة أيام بناءً على بلاغ واحد حول معركة وشيكة. “الكونت داجلتون والكونت مولاندو على وشك أن يبدآ معركتهما الإقليمية، والمعركة الأولى تجري على مسافة ليست بعيدة من هنا حيث أن هذه هي الأرض المنبسطة الوحيدة المحيطة.” “لقد انتظرنا لمدة ثلاثة أيام متتالية بناءً على تلك النصيحة ” قال المرتزقة لبعضهم البعض بينما يتبادلون النظرات القلقة. “يوريتش، إذا فشل هذا، فمن المحتمل أن يتركنا معظمهم ” قال باتشمان بقلق. “إذا لم يعجبك الأمر، فلماذا لا نترك دونوفان قائدًا لنا؟” ردّ يوريتش. كان القائد المؤقت لفرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا، لأنه هو من اقترح تغيير المهنة. علاوة على ذلك، كان الوضع في صالحه أيضًا. لقد لعب دورًا حاسمًا في هزيمة مرتزقة تريوس بمهاراته القتالية الفريدة. ” السبب الوحيد لموافقة دونوفان على هذا العمل المرتزقة في المقام الأول هو على الأرجح رغبته في التخلص منك واستعادة ما كان له ” حدق باتشمان. وفي نهاية نظرته، كان دونوفان ينظر بسلام إلى السماء في الحقل العشبي. صحيح أننا نحتاج دونوفان. إنه قائدٌ ماهر، وربما أصلح لمنصب قائد أكثر مني، قال يوريتش وهو يهز كتفيه. واعترف بأن دونوفان يمتلك مهاراتٍ قياديةً لا يمتلكها هو. “لماذا لم يبق في الجيش؟ لا بد أن حياته كجندي إمبراطوري كانت أفضل بكثير من حياته كمصارع ” تساءل باتشمان. كان من الواضح أن دونوفان جندي كفؤ للغاية. “مم، تلك الرائحة طيبة!” صفع يوريتش شفتيه وهو ينظر إلى لحم الخنزير الصغير المشوي. بوو! حفر باتشمان في الخنزير الصغير بخنجره، وسقط العصير اللحمي عليه. ” إنه جاهز الآن. حان وقت الأكل يا خنازير!” جذبت كلمات باتشمان المرتزقة المتفرقين واحدًا تلو الآخر. كانت وجبة لحم خنزير شهية على وشك أن تُقدّم. “إنهم هنا! إنهم هنا!” نادى المراقب. عبس المرتزقة بخيبة أمل وانزعاج. “ماذا الآن؟ لماذا الآن؟ بحق الجحيم.” “اصمتوا وجهزوا أنفسكم. سنستمتع حتى تنفجر بطوننا بعد أن ننتهي من هذا.” نهض المرتزقة وهم يستولون على ترسانتهم. كان كلٌّ منهم مُجهّزًا بدروع وأسلحة مُختلفة، مُناسبًا لقب المرتزقة. “يوريتش!” “أعلم، أعلم. أنا قادم ” قال يوريتش وهو يقف على قمة التل. حدّق بعينيه لينظر إلى السهول. كانت رؤيته من عالم آخر. “آه، إنهم جنود بالفعل. الجيش على اليمين يحمل علمًا يحمل دبًا أحمر، والجيش على اليسار يحمل رمحًا ذهبيًا.” نقل باتشمان المعلومات إلى بقية المرتزقة. “علم الدب الأحمر هو الكونت داجلتون والرمح الذهبي هو الكونت مولاندو.” “كلٌّ منهم لديه حوالي مئة جندي. أعتقد أننا نستطيع التدخل.” “دعونا نذهب إذن!” بدت معنويات المرتزقة مرتفعة، وعيونهم تتقد شوقًا. كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ ثلاثة أيام. ضغط كلٌّ منهم على خوذته ورفع سلاحه ودروعه. “حسنًا، هيا بنا يا أصدقائي ” سحب يوريتش سيفه وصرخ وهو يقود الصف. * * * لم يكن الكونت مولاندو يرغب في هذا الصراع. رفرف خلفه علمٌ ذو رمح ذهبيّ وهو يمتطي جواده. “هذا اللعين داجلتون، يطالب بحقوق أجداده بعد كل هذا الوقت.” كانت المنطقة التي كانوا يتقاتلون عليها أرضًا زراعيةً هامشيةً تتداخل فيها ممتلكاتهم. أظهرت الوثائق الإدارية أن الأرض كانت ملكًا للكونت داجلتون، لكن الكونت مولاندو كان هو من يحكمها منذ جيلين. ” لا بد أننا اشترينا هذه الأرض من عائلة داجلتون، لكن لا يوجد سجلّ للمعاملات. ربما بسبب هؤلاء الكتبة الأغبياء الذين نسوا القيام بعملهم.” وقد طرح كلا الطرفين نقاطًا عادلة وصالحة للمطالبة بالسيطرة الكاملة على الأراضي الزراعية. “أتمنى أن يكون لو هو القاضي في هذا الصراع.” كانوا يعتقدون أن حاكم الشمس لو سيُناصر الحاكم العادل للأراضي الزراعية. لم يبقَ لهم إلا القتال عليها. حشد الكونت مولاندو قواته. كان لديه جيش من عشرين رجلاً من جيشه النظامي، بالإضافة إلى حوالي ثمانين مجندًا. “لا بد أن جيش الكونت داجلتون في حالة مماثلة لجيشنا يا كونت مولاندو. النصر سيكون من نصيب الجيش الذي يحظى بمباركة لو ” قال أحد التابعين للكونت مولاندو. ظهر جيش الكونت داجلتون من الأفق. ونظرًا لتشابه مساحة أراضيهما وعدد سكانهما، كانت جيوشهما متقاربة في الحجم. “إذا خسرنا هذا، فسوف نضطر إلى العيش تحت سيطرة داجلتون.” أنزل الكونت مولاندو خوذته بعزم. بدا درعه الشبكي يُصدر صوتًا مع كل حركة، و يرتدي بذلة جلدية تحت درعه. كان الكونت وقواته العشرين مدججين بالسلاح، لكن أولئك الذين ينتمون إلى جيش التجنيد كانوا يرتدون دروعًا رديئة. “يا إلهي، لماذا نقاتل من أجل هؤلاء المتغطرسين؟” “ما علاقة هذا بنا؟” تذمر المجندون. كل ما كان لديهم لحماية أنفسهم من السيوف والسهام هو في الغالب ملابس قطنية عادية، باستثناء بعض البدلات الجلدية التي ارتداها بعضهم كدروع. “هل يمكننا القتال بهذه الرماح ذات النصل الباهت؟” “اصمت. سأأخذه منك بكل سرور إذا كنت لا تريده.” أُعطيت لهم رماح للقتال، لكن لم يكن هناك ما يكفي. اضطر العديد من المجندين إلى إحضار محاريثهم أو فؤوسهم الخاصة التي استخدموها كحطب للتدفئة. تولى الصيادون دور الرماة وأحضروا أقواسهم وسهامهم. لم يكن معظم هؤلاء المجندين محاربين، بل مزارعين فقط. لذا، بطبيعة الحال، كانت معنوياتهم في أدنى مستوياتها. في الأراضي الصغيرة مثل داجلتون ومولاندو، كان الناس أشبه بالأقنان، على عكس سكان الأراضي الأكثر تحضرًا الذين كانت حياتهم أكثر استقرارًا. ” إن كنتُ بارًا، فسيكون لو في صفي ” ضمّ مولاندو يديه معًا ودعا بسرعة. المعركة وشيكة. “الكونت مولاندو، هناك شخص يقترب!” أطلق الرماة سهامهم. “هل أرسل الكونت داجلتون مبعوثًا؟ “لماذا يُرسل مبعوثًا الآن؟ ربما يطلب منا الاستسلام قبل بدء المعركة.” “بالطريقة التي يرتدي بها ملابسه، لا يبدو وكأنه مبعوث الكونت.” همس مولاندو وأتباعه عندما وصل الرجل الغريب أخيرًا إلى الجيش. “أنا رسول من فرقة المرتزقة. سمعنا خبر صراعكم وكنا بانتظاركم.” كان مرتزقًا من فرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا التابعة ليوريتش. تحدّث الرسول إلى مولاندو. “مرتزق؟ من هو قائدك؟” سأل الكونت مولاندو الرسول. “إنه محارب اسمه يوريتش. كنا في فرقة مصارعين تُدعى حورس…” بدا الكونت مولاندو منزعجًا حتى قبل أن يتمكن الرسول من إنهاء تقديمه. ” إذًا، لا أحد. حسنًا، كم رجلًا لديك؟” “لدينا اثنان وعشرون، جميعهم مدرعون بشكل كبير ولديهم الكثير من الخبرة القتالية.” همس الأسياد عند سماعهم ترقيةً كبيرةً للمجندين الحاليين. فالمرتزقة الأكفاء أضافوا ميزةً لا تقل عن الجنود الدائمين المدربين تدريبًا جيدًا. “اثنان وعشرون مرتزقًا سيكونون أكثر من كافيين لترجيح كفة الميزان لصالحنا، يا كونت.” “لكن كيف نثق بهؤلاء المرتزقة؟ لقد ظهروا للتو، قبل معركتنا مباشرةً.” شعر مولاندو بالقلق بشأن توظيف مجموعة من المرتزقة الذين لم يرهم أو يسمع عنهم من قبل. “إذا رفضتَ، يا كونت مولاندو، توظيفنا، فستُقاتلك فرقتنا بقيادة الكونت داجلتون. كان من المفترض أن يتلقى نفس العرض الآن.” ” هل تحاول ابتزازي الآن، أيها المرتزق الحقير؟” سحب مولاندو سيفه وأشار بطرفه إلى رقبة الرسول. يا إلهي، كنت أعلم أن المال الإضافي لا يستحق كل هذا العناء. ما كان ينبغي لي أن أتطوع للقيام بهذا، فكّر الرسول في نفسه وهو يبذل قصارى جهده ليبدو هادئًا قدر الإمكان. “سأعتبرها رفضًا وأخرج من شعرك ” قال وهو يدير ظهره للكونت. فتح الكونت شفتيه ببطء ” كم تريد؟” “دعونا نسمع ما لديك لتقدمه.” “حسنًا. مليون شيل لكل مرتزق. بالإضافة إلى ذلك، سنمنحك نصف الغنائم التي تحصل عليها من أول اختيار.” كان النهب بعد المعارك وسيلةً أخرى لكسب المال، خاصةً مع وجود جنودٍ دائمين. بيعت سلسلة بريدية جيدة منهم بأكثر من عشرة ملايين شيل في السوق. “سأنقل عرضك إلى زعيمنا ” قال الرسول وهو يركض عائداً نحو التلال. “مرتزقة يتدخلون في موقف كهذا، كيف شموا رائحة المال؟” تمتم الكونت وهو ينظر عبر السهل. لم يتحرك رجال داجلتون منذ آخر مرة تفقدوا فيها المكان. بدا وكأنهم يتفاوضون مع نفس المرتزقة. ” هاف، هاف.” ركض الرسل عائدين إلى المعسكر حيث ينتظرهم يوريتش وبقية المرتزقة. ضحك يوريتش، وهو واقف على جذع شجرة. “ماذا عرضوا علينا؟” وتناوب المرتزقة الذين تم إرسالهم كرسل على نقل العرض المقدم من الكونتين. “عرض الكونت مولاندو مليون شيل لكل مرتزق ونصف الغنيمة، والتي حصلنا من خلالها على الاختيار الأول.” “عرض علينا الكونت داجلتون مليوني شيل، وربما أكثر اعتمادًا على مقدار مساهمتنا في فوزهم.” تمتم المرتزقة. ” داجلتون أفضل بكثير. لسنا بحاجة لصفقة على الغنائم، يمكننا أخذها لأنفسنا بعد المعركة. إضافةً إلى ذلك، بيعها في السوق مُرهقٌ أيضًا. إنه يُقدم لنا ضعف ما يُقدمه الآخر ” اقترح باتشمان على الفرقة. أومأ المرتزقة الآخرون موافقين، إذ فضّلوا جميعًا ضمان راتب أعلى بدلًا من البحث عن غنائم جيدة. “هل هذا صحيح؟ حسنًا، سنذهب مع داجلتون ” قال يوريتش وهو ينهض من جذع الشجرة. “لا أوافق. أعتقد أننا يجب أن نختار مولاندو.” كسر سفين صمته وهو ينظر إلى جانب جيش مولاندو. “وما هو سببك؟” سأل يوريتش. كان سفين رجلاً قليل الكلام. كلما قرر التحدث، كان ذلك لسبب وجيه. “لا أعتقد أن داجلتون سيفي بوعده ويدفع لنا مليوني شيل، خاصةً أنه عرض علينا دفع مبلغ أكبر من ذلك بناءً على مساهمتنا. إنه مجرد كونت صغير ذي منطقة صغيرة. لا أعتقد أنه مستعد للمخاطرة بخسارة هذا المبلغ الكبير لصالح فرقة مرتزقة مجهولة مثلنا. من ناحية أخرى، عرض مولاندو أكثر واقعية. كل ما عليه فعله هو دفع اثنين وعشرين مليون شيل نقدًا لنا وإنهاء الأمر.” “همم، ألا تعتقد أن داجلتون سيدفع لنا؟” “أعتقد أنه إما سيماطل ويؤخر الدفع، أو سيحاول قطع رؤوسنا بنفسه بعد المعركة. سمعت أنه هو من بدأ كل هذا، لذا يبدو لي نبيلًا طموحًا.” بدا سفين محقًا. كلماته أثارت المرتزقة مجددًا. “أعتقد أن سفين طرح نقطة جيدة. ما رأيكم؟ ارفعوا أيديكم إذا كنتم ترغبون في اختيار مولاندو.” تبادل المرتزقة النظرات، واحدًا تلو الآخر، ورفعوا أيديهم موافقين. صوّتت الأغلبية للقتال مع الكونت مولاندو. “حسنًا، انتهى الأمر. إذا اعترض أحد بشدة، فليُرفع صوته بينما أعدّ إلى عشرة.” بدأ يوريتش يطوي أصابعه ويعدّ. لم تكن هناك أي اعتراضات. “حسنًا. لنبدأ إذًا، أليس كذلك؟” بوو! حمل المرتزقة أسلحتهم وانضموا إلى جيش الكونت مولاندو. “إنهم قادمون ” لاحظ الكونت مولاندو وهو يراقب مجموعة المرتزقة وهم يقتربون منهم. ” يبدو أنهم قد شاهدوا نصيبهم العادل من المعركة، يا كونت ” همس أحد التابعين لمولاندو. “نقبل عرضك. امنحنا مليون شيل للشخص الواحد، وسنحصل على نصف الغنيمة ” قال يوريتش وهو يقف أمام الكونت. “هل أنت القائد؟” سأل مولاندو بعبوس. ‘بربري؟’ أشارت لهجة يوريتش الأجنبية وهالته الوحشية إلى أصله البربري. ظنّ مولاندو أنه من الشمال، نظرًا لوجود محارب شمالي نموذجي بين المرتزقة. “حسنًا، أعتقد أن المتسولين لا يستطيعون الاختيار.” قبل مولاندو يوريتش على مضض. “أوه صحيح، كم سنحصل إذا أحضرنا لك رأس داجلتون؟” سأل يوريتش. “لا يمكنك قتله. لكن إن تمكنت من إحضاره إليّ حيًا، فسأعطيك نصف فديته.” ” في المعارك بين النبلاء، كانت الخسائر الوحيدة هي جنودهم. هناك قاعدة ضمنية تنص على أنه لا يجوز للنبلاء قتل بعضهم البعض، وكان لديهم أسبابهم أيضًا.” “إذا قتلنا داجلتون، فإن أصدقائه وعائلته سيستخدمون ذلك كذريعة لمحاولة سرقة أراضيي.” أمال يوريتش رأسه في سؤال. “الناس هنا مهووسون بالفدية. لماذا لا تقتلهم وتأخذ كل ما يملكون؟” ضحك الكونت مولاندو وأتباعه بصوت عالٍ. “الأمر ليس سهلاً كما تصوّره يا يوريتش. هناك الكثير من التعقيدات المتعلقة بالسياسة والعلاقات العائلية.” هز يوريتش كتفيه. “حسنًا، لا بأس. تذكر فقط ما قلته عن إعادته حيًا ” ذكّر يوريتش الكونت وهو يربت على الحصان الذي كان يجلس عليه، ثم عاد إلى مجموعته. “ههه، هل سيُعيدونه حيًا؟ أشك في ذلك. ما كنتُ لأفكر في توظيف هؤلاء النكرة لو لم نكن على شفا معركة.” علم الكونتان من جواسيسهما أن أياً من الجانبين لم يستأجر مرتزقة. كان من غير المجدي إنفاق مبالغ طائلة على قطعة أرض زراعية صغيرة كهذه. “كم نحن سيئو الحظ أن نضطر إلى دفع المال لمجموعة من المرتزقة بينما كنا قريبين جدًا من إنجاز المهمة بدونهم؟” حدّق الكونت مولاندو نحو حافة السهل. كان الكونت داجلتون وجيشه يتقدمون. لقد قرروا أن المرتزقة الجدد لا يستحقون أي تأخير.
الفصل 18: المرتزقة ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ بوو! بدا لحم الخنزير المشويّ يُشوى على نحوٍ رائع. وقف يوريتش بجانبه، يشحذ شفرة فأسه. “هل لا يمكننا أن نأكله بعد؟” سأل يوريتش. “إنه ليس قريبًا حتى من الانتهاء، يوريتش ” هز باتشمان رأسه ووبخه بينما يقلب الخنزير الصغير. “هل سنتحرك قريبًا؟ جسدي يؤلمني من قلة الحركة لفترة طويلة. ننتظر هنا منذ ثلاثة أيام ” سأل الرجال الآخرون. كان المصارعون السابقون ينتظرون معركة. أصبح مصارعو حورس الآن فرقة مرتزقة. منذ أن وافق الحراس والمصارعون الاثنا والعشرون على تغيير مسارهم المهني، كانوا يكسبون قوت يومهم من خلال العمل الشاق كحراس أمن وأمناء. لم يرغب أحد في توظيف مجموعة مرتزقة صغيرة مجهولة الهوية لمهمة كبيرة. “لا يمكننا الاستمرار في هذا. لا نجني أي مال”، فكّر يوريتش وهو يحدق في الأفق يقضم أظافره. بالكاد تكفيهم هذه الأعمال الضئيلة لإطعامهم وتأمين سكن لهم. علاوة على ذلك، لم يكن أحد في مجموعتهم متعلمًا بما يكفي لرعاية ميزانيتهم، لذا لم يتمكنوا حتى من الحفاظ على المال القليل الذي يكسبونه. المال الذي ادّخروه بقيادة حورس كان ينفد بالفعل. هذا جعل يوريتش وبقية المصارعين يدركون أهمية حورس في معيشتهم. فعندما كان حورس حيًا وبصحة جيدة، لم يقلقهم أبدًا بشأن الطعام والشراب والنوم وإنجاب النساء. “هل أنت متأكد من هذه المعلومات؟” “هل تعلم كم أهدرتُ من مال في تلك الحانة؟ إن لم يكن ما قاله صاحبها صحيحًا، فسأقطع رأسه بنفسي.” كانت فرقة المرتزقة تخيم لمدة ثلاثة أيام بناءً على بلاغ واحد حول معركة وشيكة. “الكونت داجلتون والكونت مولاندو على وشك أن يبدآ معركتهما الإقليمية، والمعركة الأولى تجري على مسافة ليست بعيدة من هنا حيث أن هذه هي الأرض المنبسطة الوحيدة المحيطة.” “لقد انتظرنا لمدة ثلاثة أيام متتالية بناءً على تلك النصيحة ” قال المرتزقة لبعضهم البعض بينما يتبادلون النظرات القلقة. “يوريتش، إذا فشل هذا، فمن المحتمل أن يتركنا معظمهم ” قال باتشمان بقلق. “إذا لم يعجبك الأمر، فلماذا لا نترك دونوفان قائدًا لنا؟” ردّ يوريتش. كان القائد المؤقت لفرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا، لأنه هو من اقترح تغيير المهنة. علاوة على ذلك، كان الوضع في صالحه أيضًا. لقد لعب دورًا حاسمًا في هزيمة مرتزقة تريوس بمهاراته القتالية الفريدة. ” السبب الوحيد لموافقة دونوفان على هذا العمل المرتزقة في المقام الأول هو على الأرجح رغبته في التخلص منك واستعادة ما كان له ” حدق باتشمان. وفي نهاية نظرته، كان دونوفان ينظر بسلام إلى السماء في الحقل العشبي. صحيح أننا نحتاج دونوفان. إنه قائدٌ ماهر، وربما أصلح لمنصب قائد أكثر مني، قال يوريتش وهو يهز كتفيه. واعترف بأن دونوفان يمتلك مهاراتٍ قياديةً لا يمتلكها هو. “لماذا لم يبق في الجيش؟ لا بد أن حياته كجندي إمبراطوري كانت أفضل بكثير من حياته كمصارع ” تساءل باتشمان. كان من الواضح أن دونوفان جندي كفؤ للغاية. “مم، تلك الرائحة طيبة!” صفع يوريتش شفتيه وهو ينظر إلى لحم الخنزير الصغير المشوي. بوو! حفر باتشمان في الخنزير الصغير بخنجره، وسقط العصير اللحمي عليه. ” إنه جاهز الآن. حان وقت الأكل يا خنازير!” جذبت كلمات باتشمان المرتزقة المتفرقين واحدًا تلو الآخر. كانت وجبة لحم خنزير شهية على وشك أن تُقدّم. “إنهم هنا! إنهم هنا!” نادى المراقب. عبس المرتزقة بخيبة أمل وانزعاج. “ماذا الآن؟ لماذا الآن؟ بحق الجحيم.” “اصمتوا وجهزوا أنفسكم. سنستمتع حتى تنفجر بطوننا بعد أن ننتهي من هذا.” نهض المرتزقة وهم يستولون على ترسانتهم. كان كلٌّ منهم مُجهّزًا بدروع وأسلحة مُختلفة، مُناسبًا لقب المرتزقة. “يوريتش!” “أعلم، أعلم. أنا قادم ” قال يوريتش وهو يقف على قمة التل. حدّق بعينيه لينظر إلى السهول. كانت رؤيته من عالم آخر. “آه، إنهم جنود بالفعل. الجيش على اليمين يحمل علمًا يحمل دبًا أحمر، والجيش على اليسار يحمل رمحًا ذهبيًا.” نقل باتشمان المعلومات إلى بقية المرتزقة. “علم الدب الأحمر هو الكونت داجلتون والرمح الذهبي هو الكونت مولاندو.” “كلٌّ منهم لديه حوالي مئة جندي. أعتقد أننا نستطيع التدخل.” “دعونا نذهب إذن!” بدت معنويات المرتزقة مرتفعة، وعيونهم تتقد شوقًا. كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ ثلاثة أيام. ضغط كلٌّ منهم على خوذته ورفع سلاحه ودروعه. “حسنًا، هيا بنا يا أصدقائي ” سحب يوريتش سيفه وصرخ وهو يقود الصف. * * * لم يكن الكونت مولاندو يرغب في هذا الصراع. رفرف خلفه علمٌ ذو رمح ذهبيّ وهو يمتطي جواده. “هذا اللعين داجلتون، يطالب بحقوق أجداده بعد كل هذا الوقت.” كانت المنطقة التي كانوا يتقاتلون عليها أرضًا زراعيةً هامشيةً تتداخل فيها ممتلكاتهم. أظهرت الوثائق الإدارية أن الأرض كانت ملكًا للكونت داجلتون، لكن الكونت مولاندو كان هو من يحكمها منذ جيلين. ” لا بد أننا اشترينا هذه الأرض من عائلة داجلتون، لكن لا يوجد سجلّ للمعاملات. ربما بسبب هؤلاء الكتبة الأغبياء الذين نسوا القيام بعملهم.” وقد طرح كلا الطرفين نقاطًا عادلة وصالحة للمطالبة بالسيطرة الكاملة على الأراضي الزراعية. “أتمنى أن يكون لو هو القاضي في هذا الصراع.” كانوا يعتقدون أن حاكم الشمس لو سيُناصر الحاكم العادل للأراضي الزراعية. لم يبقَ لهم إلا القتال عليها. حشد الكونت مولاندو قواته. كان لديه جيش من عشرين رجلاً من جيشه النظامي، بالإضافة إلى حوالي ثمانين مجندًا. “لا بد أن جيش الكونت داجلتون في حالة مماثلة لجيشنا يا كونت مولاندو. النصر سيكون من نصيب الجيش الذي يحظى بمباركة لو ” قال أحد التابعين للكونت مولاندو. ظهر جيش الكونت داجلتون من الأفق. ونظرًا لتشابه مساحة أراضيهما وعدد سكانهما، كانت جيوشهما متقاربة في الحجم. “إذا خسرنا هذا، فسوف نضطر إلى العيش تحت سيطرة داجلتون.” أنزل الكونت مولاندو خوذته بعزم. بدا درعه الشبكي يُصدر صوتًا مع كل حركة، و يرتدي بذلة جلدية تحت درعه. كان الكونت وقواته العشرين مدججين بالسلاح، لكن أولئك الذين ينتمون إلى جيش التجنيد كانوا يرتدون دروعًا رديئة. “يا إلهي، لماذا نقاتل من أجل هؤلاء المتغطرسين؟” “ما علاقة هذا بنا؟” تذمر المجندون. كل ما كان لديهم لحماية أنفسهم من السيوف والسهام هو في الغالب ملابس قطنية عادية، باستثناء بعض البدلات الجلدية التي ارتداها بعضهم كدروع. “هل يمكننا القتال بهذه الرماح ذات النصل الباهت؟” “اصمت. سأأخذه منك بكل سرور إذا كنت لا تريده.” أُعطيت لهم رماح للقتال، لكن لم يكن هناك ما يكفي. اضطر العديد من المجندين إلى إحضار محاريثهم أو فؤوسهم الخاصة التي استخدموها كحطب للتدفئة. تولى الصيادون دور الرماة وأحضروا أقواسهم وسهامهم. لم يكن معظم هؤلاء المجندين محاربين، بل مزارعين فقط. لذا، بطبيعة الحال، كانت معنوياتهم في أدنى مستوياتها. في الأراضي الصغيرة مثل داجلتون ومولاندو، كان الناس أشبه بالأقنان، على عكس سكان الأراضي الأكثر تحضرًا الذين كانت حياتهم أكثر استقرارًا. ” إن كنتُ بارًا، فسيكون لو في صفي ” ضمّ مولاندو يديه معًا ودعا بسرعة. المعركة وشيكة. “الكونت مولاندو، هناك شخص يقترب!” أطلق الرماة سهامهم. “هل أرسل الكونت داجلتون مبعوثًا؟ “لماذا يُرسل مبعوثًا الآن؟ ربما يطلب منا الاستسلام قبل بدء المعركة.” “بالطريقة التي يرتدي بها ملابسه، لا يبدو وكأنه مبعوث الكونت.” همس مولاندو وأتباعه عندما وصل الرجل الغريب أخيرًا إلى الجيش. “أنا رسول من فرقة المرتزقة. سمعنا خبر صراعكم وكنا بانتظاركم.” كان مرتزقًا من فرقة المرتزقة المُشكّلة حديثًا التابعة ليوريتش. تحدّث الرسول إلى مولاندو. “مرتزق؟ من هو قائدك؟” سأل الكونت مولاندو الرسول. “إنه محارب اسمه يوريتش. كنا في فرقة مصارعين تُدعى حورس…” بدا الكونت مولاندو منزعجًا حتى قبل أن يتمكن الرسول من إنهاء تقديمه. ” إذًا، لا أحد. حسنًا، كم رجلًا لديك؟” “لدينا اثنان وعشرون، جميعهم مدرعون بشكل كبير ولديهم الكثير من الخبرة القتالية.” همس الأسياد عند سماعهم ترقيةً كبيرةً للمجندين الحاليين. فالمرتزقة الأكفاء أضافوا ميزةً لا تقل عن الجنود الدائمين المدربين تدريبًا جيدًا. “اثنان وعشرون مرتزقًا سيكونون أكثر من كافيين لترجيح كفة الميزان لصالحنا، يا كونت.” “لكن كيف نثق بهؤلاء المرتزقة؟ لقد ظهروا للتو، قبل معركتنا مباشرةً.” شعر مولاندو بالقلق بشأن توظيف مجموعة من المرتزقة الذين لم يرهم أو يسمع عنهم من قبل. “إذا رفضتَ، يا كونت مولاندو، توظيفنا، فستُقاتلك فرقتنا بقيادة الكونت داجلتون. كان من المفترض أن يتلقى نفس العرض الآن.” ” هل تحاول ابتزازي الآن، أيها المرتزق الحقير؟” سحب مولاندو سيفه وأشار بطرفه إلى رقبة الرسول. يا إلهي، كنت أعلم أن المال الإضافي لا يستحق كل هذا العناء. ما كان ينبغي لي أن أتطوع للقيام بهذا، فكّر الرسول في نفسه وهو يبذل قصارى جهده ليبدو هادئًا قدر الإمكان. “سأعتبرها رفضًا وأخرج من شعرك ” قال وهو يدير ظهره للكونت. فتح الكونت شفتيه ببطء ” كم تريد؟” “دعونا نسمع ما لديك لتقدمه.” “حسنًا. مليون شيل لكل مرتزق. بالإضافة إلى ذلك، سنمنحك نصف الغنائم التي تحصل عليها من أول اختيار.” كان النهب بعد المعارك وسيلةً أخرى لكسب المال، خاصةً مع وجود جنودٍ دائمين. بيعت سلسلة بريدية جيدة منهم بأكثر من عشرة ملايين شيل في السوق. “سأنقل عرضك إلى زعيمنا ” قال الرسول وهو يركض عائداً نحو التلال. “مرتزقة يتدخلون في موقف كهذا، كيف شموا رائحة المال؟” تمتم الكونت وهو ينظر عبر السهل. لم يتحرك رجال داجلتون منذ آخر مرة تفقدوا فيها المكان. بدا وكأنهم يتفاوضون مع نفس المرتزقة. ” هاف، هاف.” ركض الرسل عائدين إلى المعسكر حيث ينتظرهم يوريتش وبقية المرتزقة. ضحك يوريتش، وهو واقف على جذع شجرة. “ماذا عرضوا علينا؟” وتناوب المرتزقة الذين تم إرسالهم كرسل على نقل العرض المقدم من الكونتين. “عرض الكونت مولاندو مليون شيل لكل مرتزق ونصف الغنيمة، والتي حصلنا من خلالها على الاختيار الأول.” “عرض علينا الكونت داجلتون مليوني شيل، وربما أكثر اعتمادًا على مقدار مساهمتنا في فوزهم.” تمتم المرتزقة. ” داجلتون أفضل بكثير. لسنا بحاجة لصفقة على الغنائم، يمكننا أخذها لأنفسنا بعد المعركة. إضافةً إلى ذلك، بيعها في السوق مُرهقٌ أيضًا. إنه يُقدم لنا ضعف ما يُقدمه الآخر ” اقترح باتشمان على الفرقة. أومأ المرتزقة الآخرون موافقين، إذ فضّلوا جميعًا ضمان راتب أعلى بدلًا من البحث عن غنائم جيدة. “هل هذا صحيح؟ حسنًا، سنذهب مع داجلتون ” قال يوريتش وهو ينهض من جذع الشجرة. “لا أوافق. أعتقد أننا يجب أن نختار مولاندو.” كسر سفين صمته وهو ينظر إلى جانب جيش مولاندو. “وما هو سببك؟” سأل يوريتش. كان سفين رجلاً قليل الكلام. كلما قرر التحدث، كان ذلك لسبب وجيه. “لا أعتقد أن داجلتون سيفي بوعده ويدفع لنا مليوني شيل، خاصةً أنه عرض علينا دفع مبلغ أكبر من ذلك بناءً على مساهمتنا. إنه مجرد كونت صغير ذي منطقة صغيرة. لا أعتقد أنه مستعد للمخاطرة بخسارة هذا المبلغ الكبير لصالح فرقة مرتزقة مجهولة مثلنا. من ناحية أخرى، عرض مولاندو أكثر واقعية. كل ما عليه فعله هو دفع اثنين وعشرين مليون شيل نقدًا لنا وإنهاء الأمر.” “همم، ألا تعتقد أن داجلتون سيدفع لنا؟” “أعتقد أنه إما سيماطل ويؤخر الدفع، أو سيحاول قطع رؤوسنا بنفسه بعد المعركة. سمعت أنه هو من بدأ كل هذا، لذا يبدو لي نبيلًا طموحًا.” بدا سفين محقًا. كلماته أثارت المرتزقة مجددًا. “أعتقد أن سفين طرح نقطة جيدة. ما رأيكم؟ ارفعوا أيديكم إذا كنتم ترغبون في اختيار مولاندو.” تبادل المرتزقة النظرات، واحدًا تلو الآخر، ورفعوا أيديهم موافقين. صوّتت الأغلبية للقتال مع الكونت مولاندو. “حسنًا، انتهى الأمر. إذا اعترض أحد بشدة، فليُرفع صوته بينما أعدّ إلى عشرة.” بدأ يوريتش يطوي أصابعه ويعدّ. لم تكن هناك أي اعتراضات. “حسنًا. لنبدأ إذًا، أليس كذلك؟” بوو! حمل المرتزقة أسلحتهم وانضموا إلى جيش الكونت مولاندو. “إنهم قادمون ” لاحظ الكونت مولاندو وهو يراقب مجموعة المرتزقة وهم يقتربون منهم. ” يبدو أنهم قد شاهدوا نصيبهم العادل من المعركة، يا كونت ” همس أحد التابعين لمولاندو. “نقبل عرضك. امنحنا مليون شيل للشخص الواحد، وسنحصل على نصف الغنيمة ” قال يوريتش وهو يقف أمام الكونت. “هل أنت القائد؟” سأل مولاندو بعبوس. ‘بربري؟’ أشارت لهجة يوريتش الأجنبية وهالته الوحشية إلى أصله البربري. ظنّ مولاندو أنه من الشمال، نظرًا لوجود محارب شمالي نموذجي بين المرتزقة. “حسنًا، أعتقد أن المتسولين لا يستطيعون الاختيار.” قبل مولاندو يوريتش على مضض. “أوه صحيح، كم سنحصل إذا أحضرنا لك رأس داجلتون؟” سأل يوريتش. “لا يمكنك قتله. لكن إن تمكنت من إحضاره إليّ حيًا، فسأعطيك نصف فديته.” ” في المعارك بين النبلاء، كانت الخسائر الوحيدة هي جنودهم. هناك قاعدة ضمنية تنص على أنه لا يجوز للنبلاء قتل بعضهم البعض، وكان لديهم أسبابهم أيضًا.” “إذا قتلنا داجلتون، فإن أصدقائه وعائلته سيستخدمون ذلك كذريعة لمحاولة سرقة أراضيي.” أمال يوريتش رأسه في سؤال. “الناس هنا مهووسون بالفدية. لماذا لا تقتلهم وتأخذ كل ما يملكون؟” ضحك الكونت مولاندو وأتباعه بصوت عالٍ. “الأمر ليس سهلاً كما تصوّره يا يوريتش. هناك الكثير من التعقيدات المتعلقة بالسياسة والعلاقات العائلية.” هز يوريتش كتفيه. “حسنًا، لا بأس. تذكر فقط ما قلته عن إعادته حيًا ” ذكّر يوريتش الكونت وهو يربت على الحصان الذي كان يجلس عليه، ثم عاد إلى مجموعته. “ههه، هل سيُعيدونه حيًا؟ أشك في ذلك. ما كنتُ لأفكر في توظيف هؤلاء النكرة لو لم نكن على شفا معركة.” علم الكونتان من جواسيسهما أن أياً من الجانبين لم يستأجر مرتزقة. كان من غير المجدي إنفاق مبالغ طائلة على قطعة أرض زراعية صغيرة كهذه. “كم نحن سيئو الحظ أن نضطر إلى دفع المال لمجموعة من المرتزقة بينما كنا قريبين جدًا من إنجاز المهمة بدونهم؟” حدّق الكونت مولاندو نحو حافة السهل. كان الكونت داجلتون وجيشه يتقدمون. لقد قرروا أن المرتزقة الجدد لا يستحقون أي تأخير.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات