الفصل العشرون
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
استُقبل يوريتش ومرتزقته استقبالًا حافلًا في قصر مولاندو لمساهمتهم الحاسمة في تحقيق النصر. ارتدى الكونت مولاندو ملابسه الرسمية، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.
“هل رأيت الكونت داجلتون وهو يهرب بعيدًا؟”
“هذا ما تحصل عليه بسبب جشعك!”
تبادل الأسياد أطراف الحديث أثناء احتساء مشروباتهم.
“نخب لمرتزقتنا الشجعان!”
“هنا هنا!”
انضم إليهم المرتزقة، يضحكون ويتبادلون أطراف الحديث وهم يلتهمون كل ما تمنّوه من لحم ومشروبات. كانت المعاملة التي تلقّوها بعد حصولهم أخيرًا على وظيفة مرموقة أكثر من مُرضية.
قال باتشمان ووجهه محمر من الكحول: “كنا سنحصل على المزيد من المال لو أن يوريتش أسر الكونت داجلتون”.
“رأيتُ ذلك أيضًا يا يوريتش! رأيتُ ذلك العلق داجلتون يركضُ بأمِّ عيني ” اقترب الكونت مولاندو من يوريتش وأشادَ بمجهوده.
“كدتُ أقبض عليه. فهل انتهت الحرب إذًا؟” سأل يوريتش مولاندو وهو يمضغ لحم الأرنب.
” نعم، الحرب يجب أن تنتهي، إلا إذا أقدم داجلتون على أي فعل طريف. كانت الأضرار جسيمة لكلا الجانبين. الأرض التي قاتلنا من أجلها لا تستحق كل هذا العناء. لكن، إن لم تمانع، فأود منك ومن مرتزقتك البقاء في أراضينا لفترة قادمة – على الأقل حتى يزول الخطر تمامًا. لا تقلق بشأن النفقات، سأغطيها بنفسي.”
مولاندو يأمل أن يبقى المرتزقة للحصول على مزيد من الأمن، وكرسالة إلى داجلتون للبقاء خارج أراضيه.
“حسنًا، هذا قرارٌ يعود لبقية فريقنا. هل سمعتم ذلك؟ يريدنا أن نبقى هنا حتى تستقر الأمور تمامًا. أيها المؤيدون، ارفعوا أكوابكم.”
“واو!”
بوو! بوو! بوو!
رفع المرتزقة أكوابهم. ابتسم يوريتش ونظر إلى مولاندو.
“يبدو أنهم جميعًا متفقون. حسنًا، إذن، سنبقى لفترة. لكنني أريد أن نحصل على مستحقاتنا خلال الأيام الثلاثة القادمة. من الأفضل أن ننتهي من المعاملة في أسرع وقت ممكن، أليس كذلك يا كونت؟”
أومأ مولاندو برأسه موافقًا.
“بالطبع.”
كان ينوي تلبية احتياجات يوريتش ورغباته، فقد تأكد من أهميتهم في المعركة بأم عينيه. ورغم قلة عددهم، لم تكن قدراتهم موضع سخرية.
هذه الفرقة تتكون فقط من محاربين ماهرين. ليسوا مجرد مجموعة عشوائية.
لم يكن جميع المرتزقة سواء. هناك الكثير من “فرق المرتزقة” الذين كانوا مجرد مجموعة بائسة من بلطجية الشوارع.
” بدا لي أنك غير معروفٍ إلى حدٍّ كبيرٍ نظرًا لمستوى مهاراتك وخبرتك. هل لفريقك اسمٌ مُحدد؟”
“لا، ليس لدينا اسم. كنا مصارعين، ثم غيّرنا مسارنا المهني.”
“مصارعون!” هتف مولاندو. المصارعون من أرقى القوات التي يمكن للمرء أن يطمح إليها. كانوا رجالًا يقاتلون في ساحات القتال لكسب عيشهم. قيمتهم في المعارك تُضاهي قيمة القوات العسكرية السابقة.
” بالطبع، لا عجب أنكم تمكنتم من السيطرة على المشاة الثقيلة بدروع خفيفة فقط. ” أبدى جميع الأسياد إعجابهم. وسرعان ما شعر المرتزقة بالبهجة من هذا الثناء غير المتوقع.
“لا بد أن دخلك كان جيدًا كمصارع، فلماذا تصبح مرتزقًا بدلًا من ذلك؟” تساءل البعض عن سبب تغيير مسارهم المهني. كان المصارعة عائدًا كبيرًا. لم يكن من النادر أن يجني المصارعون المهرة ما بين مليون ومليوني شيل من بطولة واحدة فقط. لم يكن هناك داعٍ للتخلي عن ذلك وقبول وظيفة أكثر خطورة كمرتزق.
“لقد مات سمسار المصارع لدينا ” تمتم باتشمان في نفسه.
“حسنًا، ما أهمية ذلك! لا تقلق بشأن ذلك، واستمتع بالطعام والشراب.” غيّر مولاندو الموضوع بسرعة وصفق بيديه. فُتحت أبواب القاعة ودخلت منها النساء شبه العاريات.
“آه، لقد افتقدت هذه الأيدي الناعمة.”
“تعالوا هنا يا سيداتي.”
أطلق المرتزقة عبارات المغازلة الخاصة بهم بمجرد أن أصبحت النساء ضمن نطاق رؤيتهم.
أصبح الجو نابضًا بالحياة. لم يكن أحد، حتى الكونت مولاندو ومرتزقة يوريتش، يُشغل بالهمّ. أصبح كل شيء يسير بسلاسة.
ثم سمعوا اسم “مرتزقة الأسد الفضي”.
* * *
أصبحت غرفة نوم الكونت داجلتون فوضوية.
” أليان! يا أليان! كيف… كان يجب أن أكون أنا…!”
بوو!
انقلبت الطاولة وتحطمت. استمر جنون داجلتون لأيام. سيطر عليه يأس فقدان من يحب.
“أوه.”
كلما أغمض عينيه، تجلّت له لحظة موت أليان بوضوح – صورة حبيبه وهو يضرب بفأس رماه المحارب الضخم. لم يكن يشغل بال أليان سوى داجلتون نفسه، حتى لحظة وفاته. كان لا يزال يشعر بأنفاس أليان الدافئة وقبلته العذبة.
” عالمٌ بدونك لا يعني لي شيئًا يا أليان ” بكى داجلتون على ركبتيه. ثم نظر إلى رمز الشمس. شمسٌ ذهبيةٌ معلقةً على الحائط.
“لو، يا لو، هل عاد أليان إلى حضنك؟ متى سيولد من جديد ويعود إلى حضني؟ أرجوك أخبرني، يا لو.”
بدت دعاء داجلتون أشبه بعويل. فالروح التي تطهرت في أحضان حاكم الشمس ستعود يومًا ما إلى هذه الأرض.
“آه، آه!”
لم يستطع داجلتون كبت حزنه. بكى بشدة حتى كاد يتذوق طعم الدم في حلقه.
“هذا المحارب المجهول قتل آليان الخاص بي.”
أصبح داجلتون يملؤه الغضب بقدر ما يملؤه اليأس. صر على أسنانه انتقامًا.
“سيدي ” نادى خادم وهو يطرق الباب.
“ألم أقل لك أنه لا أحد سيزعج حزني؟” صرخ داجلتون. لكن رغم توبيخه، ركل رجل بابه.
” أخي أنا هنا.”
كان الواقف عند الباب رجلاً قوي البنية. مع أنه لم يتجاوز منتصف العمر بقليل، إلا أن شعره بدا أبيضا فضيّاً.
“أخي جارسيو!” نهض داجلتون. كان جارسيو، أخوه غير الشقيق الذي تخلى عنه والده في وقت مبكر. و أيضًا قائد مرتزقة الأسد الفضي.
“مرتزقتي، الذين استأجرتهم لمعركتك، لم يعودوا. ماذا حدث؟” سأل جارسيو وهو يسحب كرسيًا.
“استأجر مولاندو مرتزقته الخاصين. فرقة كاملة منهم.”
“مرتزقة؟ لا ينبغي أن تكون هناك فرق ماهرة بما يكفي لمواجهة فرقتي.”
“لا، يا أخي جارسيو، لقد كانوا مهرة… مهرة للغاية.”
“هل يكفي للتغلب على رجالي؟”
تردد داجلتون للحظة، ثم أومأ برأسه للإجابة على سؤال جارسيو. تنهد جارسيو بعمق.
” يبدو أن من الأفضل لك أن تتخلى عن تلك المزرعة. لا تستحق كل هذا العناء – كل هذه الحرب. أرسل أحد رجالك لإبرام معاهدة سلام. لم أعد إلى المنزل منذ فترة طويلة، وبمجرد عودتي، كل ما أسمعه هو أخبار سيئة.”
“الحرب لم تنتهِ بعد يا أخي جارسيو. لديّ شخصٌ عليّ الانتقام له ” قال داجلتون بنظرةٍ حادة.
“تنتقم لمن؟ هل مات حبيبك لسببٍ ما؟ لقد كنتِ تطارد الرجال الوسيمين منذ صغركِ.”
“ك-كيف عرفت…؟”
“ربما والدك الراحل يعلم أيضًا. لكنه لم يقل شيئًا لأنك تزوجت امرأة.”
شرب داجلتون نبيذه وجلس بجانب جارسيو بعد أن استقر.
“مرتزقتك يا أخي. لو أحضرتُ مرتزقة الأسد الفضي المشهورين إلى المعركة…”
صحيح أنني القائد الأوحد لمرتزقة الأسد الفضي. لكن ولاء رجال فرقتي للمال، لا لي. لو الأمر بيدي، لساعدتك بكل سرور على الانتقام لحبيبك في لحظة. لكن لو أثرتُ مسألة شخصية كهذه مع مرتزقتي، لعزلوني من قيادتهم بالتأكيد. إذا كنتَ متلهفًا للانتقام، فعليكَ توظيفنا ودفع المال. ”
لم يكن جارسيو مخطئًا. فالمرتزقة أفرادٌ مدفوعون بالمال، لا بالولاء كالفرسان أو النبلاء. ولم يكن من النادر أن يرفض المرتزقة مهمةً يأمرهم بها قائدهم إذا رأوا أن الأجر لا يكفي للجهد المطلوب.
“كما تعلم على الأرجح، يا أخي جارسيو، فإن الأراضي الزراعية التي طالبت بحقوقي فيها لا تستحق توظيف مرتزقة الأسد الفضي بالكامل.”
“أعلم. لهذا السبب وظفت عشرين جنديًا فقط لمعركتك، لأن هذا المبلغ كان معقولًا بالنسبة لقيمة الأرض.”
“نعم يا أخي. مع ذلك، انتقامًا مني، أنا مستعدٌّ لبذل كل ما أملك من مالٍ لأستأجر فرقتك بأكملها ” قال داجلتون بجدية وهو يمد يده إلى صندوقٍ خلف طاولته.
بوو!
أشرقت العملات الذهبية الموجودة في الصندوق في ضوء القمر في الظلام.
“لقد ادخرت مبلغًا كبيرًا من المال ” أظهر جارسيو رضاه من خلال عينيه المتألقتين.
” ساعدني على الانتقام له، يا زعيم الأسد الفضي.”
تصافح داجلتون وجارسيو في اتفاقهما.
” عدو أخي هو عدوي. لن آخذ نصيبي. عليك فقط أن تدفع ثمن بقية فرقتي.”
منطقة كونت صغيرة وفرقة مرتزقة مجهولة. في نظر جارسيو، لم يكونوا سوى مزحة.
* * *
“مرتزقة الأسد الفضي؟ لا بد أن داجلتون فقد عقله!”
ردّ الكونت مولاندو على خادمه بغضب. لم يمضِ سوى أقل من أسبوع منذ أن احتفلا بانتصارهما بفرح.
“هل هم حقًا مرتزقة الأسد الفضي؟ هل أنت متأكد؟”
“نعم يا سيدي، أنا متأكد. اتضح أن جارسيو الأسد الفضي هو الأخ غير الشقيق لداجلتون. ”
“لم أكن أعلم أن لوالده ابنًا غير شرعي مثل جارسيو ” تنهد مولاندو وهو يستلقي على كرسيه. كان أبناء النبلاء الأثرياء غير الشرعيين منتشرين في مختلف المهن. ورغم أنهم لم يكونوا يتمتعون بمكانة النبلاء، إلا أنهم نشأوا في عائلات ثرية، وتلقوا تعليمًا عالي الجودة. وكان العديد منهم أطباءً وعلماءً وتجارًا.
قاد العديد من فرق المرتزقة الشهيرة أبناءٌ مهجورون لعائلات عسكرية أو نبلاء لم يرثوا أراضي عائلاتهم. وكانت هذه الفرق في كثير من الأحيان بمثابة الجيش غير الرسمي لعائلاتهم النبيلة.
“كان داجلتون يخفي خدعة أخرى في جعبته.”
“لكن يا سيدي، عائلة داجلتون ليست كبيرة أو قوية بما يكفي لامتلاك فرقة مرتزقة مثل الأسد الفضي. وليس لدى الأسد الفضي أي سبب لتقديم خدماتها لعائلة داجلتون مجانًا. لا بد أن داجلتون قد أنفق ثروة طائلة.”
“هذه هي المشكلة! لماذا يُوظِّف فرقةً باهظة الثمن لهذه القطعة الصغيرة من الأرض الزراعية؟ لا بد أنه فقد عقله تمامًا. سيضطر لاستغلال تلك الأرض الزراعية لعقودٍ ليستعيد أمواله.” اشتكى مولاندو وعبس بسبب صداعٍ مفاجئ. بدأت معدته تؤلمه أيضًا.
“الجانب الإيجابي هو أن مرتزقة الأسد الفضي صغار الحجم نسبيًا مقارنةً بشهرتهم. لديهم مئة مرتزق على الأكثر.”
كانت معظم فرق المرتزقة الشهيرة أكبر عددًا بكثير من فرقة الأسد الفضي، حتى أن بعضها تجاوز أربعمائة وخمسمائة رجل. وكانت هذه الفرق الكبيرة تُتعاقد مع نبلاء مختلفين، وكان لها حامياتها الخاصة في أراضيها. وكان المرتزقة المنتمون إلى هذه الفرق يتمتعون بموهبة الجيوش النظامية، إن لم تكن أكثر.
“ليس الأمر وكأن الأسد الفضي لا تستطيع تحمل تكلفة المزيد من المرتزقة. فهم يُبقون أعدادهم منخفضة عمدًا ليتمكنوا من مواصلة تجوالهم في مختلف المناطق وإنجاز مهام كبيرة. مئة هو العدد الأمثل لذلك. أي عدد أكبر من ذلك سيُبقيهم محصورين في منطقة واحدة. هكذا اكتسبوا شهرتهم.”
لم يكن مرتزقة الأسد الفضي كفرق المرتزقة التقليدية. ولأنهم تأخروا في النضج، اختاروا أسلوب إدارة فريدًا. حافظوا على حجمهم الصغير ليتمكنوا من التنقل، وسافروا في أنحاء الإمبراطورية لتولي وظائف رفيعة المستوى برواتب ضخمة.
عادةً ما يتواجدون في موقع العمل قبل أن تصل أخبار العمل إلى الفرق الكبرى. ويُنجزون المهام دائمًا.
حتى النبيل الصغير مثل مولاندو على دراية بسمعة الأسد الفضي.
“صغر حجمهم لا يعني ضعفهم. كل فرد في تلك الفرقة مُسلّح حتى النخاع.” أصبح مولاندو غاضبًا ومُحبطًا في آنٍ واحد.
” سيدي، أعتقد أنه يجب علينا التفاوض معهم. قد يكون من الأفضل لك أن تبيع لهم المزرعة حتى يبقى لديك المال على الأقل. ” قدم أحد الإقطاعيين نصيحة واقعية. لقد كانت معركة لن يفوزوا بها.
“همم ”
كان الكونت مولاندو نبيلًا بسيطًا، وكان كل فدان من أرضه ثمينًا.
“يجب عليك اتخاذ قرار الآن يا سيدي، سواء القتال أو التفاوض.”
“استدعِ الأتباع الآخرين وقائد المرتزقة. سنتناقش.”
لم يُرِد مولاندو خسارة الأراضي الزراعية التي حارب من أجلها. لو هناك أي فرصة للفوز في هذه الحرب، لرغب في القتال.
“إذا ضاقت أراضيي، فقد أفقد لقب الكونت في عائلة مولاندو في جيلي القادم. لا أستطيع السماح بحدوث ذلك.”
إذا خسر الكونت مولاندو المعركة، فسيستغرق التعافي من آثارها عشرين عامًا على الأقل. وقد تُفلس ضيعة مولاندو بسبب نفقات الحرب والتعويضات.
’داجلتون يواجه نفس المخاطرة’. ضغط مولاندو على أسنانه.
“أنا رجل أيضًا. لن أستسلم دون قتال.”
دخل الأسياد الغرفة. كانوا قد أُطلعوا مسبقًا على وضع مرتزقة الأسد الفضي.
“أين المرتزقة؟”
“يجب أن يكونوا هنا في أي لحظة.”
” ألا تعتقد أنهم سيغادرون بعد سماع اسم “الأسد الفضي”، أليس كذلك؟ ” قال أحد الأسياد مازحًا. ومع ذلك، لن يكون مفاجئًا إن فعلوا ذلك حقًا. سيكون من المنطقي أن تهرب فرقة المرتزقة المكونة من عشرين رجلًا لإنقاذ حياتهم بعد سماع اسم مرتزقة الأسد الفضي.
زوو!
انفتح باب قاعة الاجتماعات، ودخل المرتزقة. كانت آثار أسبوع كامل من الفجور واضحة على وجوههم.
“مهلاً، سمعتُ أن هناك حربًا ما لا تزال بحاجة إلى أيدينا!” قال يوريتش وهو يجلس في مقعده. رافقه كبار رجال فرقة المرتزقة.
“لا أعرف الكثير عن هذا المكان.”
بدا يوريتش غريبًا في هذه المدينة، و يعرف حدوده.
الفصل العشرون ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ استُقبل يوريتش ومرتزقته استقبالًا حافلًا في قصر مولاندو لمساهمتهم الحاسمة في تحقيق النصر. ارتدى الكونت مولاندو ملابسه الرسمية، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. “هل رأيت الكونت داجلتون وهو يهرب بعيدًا؟” “هذا ما تحصل عليه بسبب جشعك!” تبادل الأسياد أطراف الحديث أثناء احتساء مشروباتهم. “نخب لمرتزقتنا الشجعان!” “هنا هنا!” انضم إليهم المرتزقة، يضحكون ويتبادلون أطراف الحديث وهم يلتهمون كل ما تمنّوه من لحم ومشروبات. كانت المعاملة التي تلقّوها بعد حصولهم أخيرًا على وظيفة مرموقة أكثر من مُرضية. قال باتشمان ووجهه محمر من الكحول: “كنا سنحصل على المزيد من المال لو أن يوريتش أسر الكونت داجلتون”. “رأيتُ ذلك أيضًا يا يوريتش! رأيتُ ذلك العلق داجلتون يركضُ بأمِّ عيني ” اقترب الكونت مولاندو من يوريتش وأشادَ بمجهوده. “كدتُ أقبض عليه. فهل انتهت الحرب إذًا؟” سأل يوريتش مولاندو وهو يمضغ لحم الأرنب. ” نعم، الحرب يجب أن تنتهي، إلا إذا أقدم داجلتون على أي فعل طريف. كانت الأضرار جسيمة لكلا الجانبين. الأرض التي قاتلنا من أجلها لا تستحق كل هذا العناء. لكن، إن لم تمانع، فأود منك ومن مرتزقتك البقاء في أراضينا لفترة قادمة – على الأقل حتى يزول الخطر تمامًا. لا تقلق بشأن النفقات، سأغطيها بنفسي.” مولاندو يأمل أن يبقى المرتزقة للحصول على مزيد من الأمن، وكرسالة إلى داجلتون للبقاء خارج أراضيه. “حسنًا، هذا قرارٌ يعود لبقية فريقنا. هل سمعتم ذلك؟ يريدنا أن نبقى هنا حتى تستقر الأمور تمامًا. أيها المؤيدون، ارفعوا أكوابكم.” “واو!” بوو! بوو! بوو! رفع المرتزقة أكوابهم. ابتسم يوريتش ونظر إلى مولاندو. “يبدو أنهم جميعًا متفقون. حسنًا، إذن، سنبقى لفترة. لكنني أريد أن نحصل على مستحقاتنا خلال الأيام الثلاثة القادمة. من الأفضل أن ننتهي من المعاملة في أسرع وقت ممكن، أليس كذلك يا كونت؟” أومأ مولاندو برأسه موافقًا. “بالطبع.” كان ينوي تلبية احتياجات يوريتش ورغباته، فقد تأكد من أهميتهم في المعركة بأم عينيه. ورغم قلة عددهم، لم تكن قدراتهم موضع سخرية. هذه الفرقة تتكون فقط من محاربين ماهرين. ليسوا مجرد مجموعة عشوائية. لم يكن جميع المرتزقة سواء. هناك الكثير من “فرق المرتزقة” الذين كانوا مجرد مجموعة بائسة من بلطجية الشوارع. ” بدا لي أنك غير معروفٍ إلى حدٍّ كبيرٍ نظرًا لمستوى مهاراتك وخبرتك. هل لفريقك اسمٌ مُحدد؟” “لا، ليس لدينا اسم. كنا مصارعين، ثم غيّرنا مسارنا المهني.” “مصارعون!” هتف مولاندو. المصارعون من أرقى القوات التي يمكن للمرء أن يطمح إليها. كانوا رجالًا يقاتلون في ساحات القتال لكسب عيشهم. قيمتهم في المعارك تُضاهي قيمة القوات العسكرية السابقة. ” بالطبع، لا عجب أنكم تمكنتم من السيطرة على المشاة الثقيلة بدروع خفيفة فقط. ” أبدى جميع الأسياد إعجابهم. وسرعان ما شعر المرتزقة بالبهجة من هذا الثناء غير المتوقع. “لا بد أن دخلك كان جيدًا كمصارع، فلماذا تصبح مرتزقًا بدلًا من ذلك؟” تساءل البعض عن سبب تغيير مسارهم المهني. كان المصارعة عائدًا كبيرًا. لم يكن من النادر أن يجني المصارعون المهرة ما بين مليون ومليوني شيل من بطولة واحدة فقط. لم يكن هناك داعٍ للتخلي عن ذلك وقبول وظيفة أكثر خطورة كمرتزق. “لقد مات سمسار المصارع لدينا ” تمتم باتشمان في نفسه. “حسنًا، ما أهمية ذلك! لا تقلق بشأن ذلك، واستمتع بالطعام والشراب.” غيّر مولاندو الموضوع بسرعة وصفق بيديه. فُتحت أبواب القاعة ودخلت منها النساء شبه العاريات. “آه، لقد افتقدت هذه الأيدي الناعمة.” “تعالوا هنا يا سيداتي.” أطلق المرتزقة عبارات المغازلة الخاصة بهم بمجرد أن أصبحت النساء ضمن نطاق رؤيتهم. أصبح الجو نابضًا بالحياة. لم يكن أحد، حتى الكونت مولاندو ومرتزقة يوريتش، يُشغل بالهمّ. أصبح كل شيء يسير بسلاسة. ثم سمعوا اسم “مرتزقة الأسد الفضي”. * * * أصبحت غرفة نوم الكونت داجلتون فوضوية. ” أليان! يا أليان! كيف… كان يجب أن أكون أنا…!” بوو! انقلبت الطاولة وتحطمت. استمر جنون داجلتون لأيام. سيطر عليه يأس فقدان من يحب. “أوه.” كلما أغمض عينيه، تجلّت له لحظة موت أليان بوضوح – صورة حبيبه وهو يضرب بفأس رماه المحارب الضخم. لم يكن يشغل بال أليان سوى داجلتون نفسه، حتى لحظة وفاته. كان لا يزال يشعر بأنفاس أليان الدافئة وقبلته العذبة. ” عالمٌ بدونك لا يعني لي شيئًا يا أليان ” بكى داجلتون على ركبتيه. ثم نظر إلى رمز الشمس. شمسٌ ذهبيةٌ معلقةً على الحائط. “لو، يا لو، هل عاد أليان إلى حضنك؟ متى سيولد من جديد ويعود إلى حضني؟ أرجوك أخبرني، يا لو.” بدت دعاء داجلتون أشبه بعويل. فالروح التي تطهرت في أحضان حاكم الشمس ستعود يومًا ما إلى هذه الأرض. “آه، آه!” لم يستطع داجلتون كبت حزنه. بكى بشدة حتى كاد يتذوق طعم الدم في حلقه. “هذا المحارب المجهول قتل آليان الخاص بي.” أصبح داجلتون يملؤه الغضب بقدر ما يملؤه اليأس. صر على أسنانه انتقامًا. “سيدي ” نادى خادم وهو يطرق الباب. “ألم أقل لك أنه لا أحد سيزعج حزني؟” صرخ داجلتون. لكن رغم توبيخه، ركل رجل بابه. ” أخي أنا هنا.” كان الواقف عند الباب رجلاً قوي البنية. مع أنه لم يتجاوز منتصف العمر بقليل، إلا أن شعره بدا أبيضا فضيّاً. “أخي جارسيو!” نهض داجلتون. كان جارسيو، أخوه غير الشقيق الذي تخلى عنه والده في وقت مبكر. و أيضًا قائد مرتزقة الأسد الفضي. “مرتزقتي، الذين استأجرتهم لمعركتك، لم يعودوا. ماذا حدث؟” سأل جارسيو وهو يسحب كرسيًا. “استأجر مولاندو مرتزقته الخاصين. فرقة كاملة منهم.” “مرتزقة؟ لا ينبغي أن تكون هناك فرق ماهرة بما يكفي لمواجهة فرقتي.” “لا، يا أخي جارسيو، لقد كانوا مهرة… مهرة للغاية.” “هل يكفي للتغلب على رجالي؟” تردد داجلتون للحظة، ثم أومأ برأسه للإجابة على سؤال جارسيو. تنهد جارسيو بعمق. ” يبدو أن من الأفضل لك أن تتخلى عن تلك المزرعة. لا تستحق كل هذا العناء – كل هذه الحرب. أرسل أحد رجالك لإبرام معاهدة سلام. لم أعد إلى المنزل منذ فترة طويلة، وبمجرد عودتي، كل ما أسمعه هو أخبار سيئة.” “الحرب لم تنتهِ بعد يا أخي جارسيو. لديّ شخصٌ عليّ الانتقام له ” قال داجلتون بنظرةٍ حادة. “تنتقم لمن؟ هل مات حبيبك لسببٍ ما؟ لقد كنتِ تطارد الرجال الوسيمين منذ صغركِ.” “ك-كيف عرفت…؟” “ربما والدك الراحل يعلم أيضًا. لكنه لم يقل شيئًا لأنك تزوجت امرأة.” شرب داجلتون نبيذه وجلس بجانب جارسيو بعد أن استقر. “مرتزقتك يا أخي. لو أحضرتُ مرتزقة الأسد الفضي المشهورين إلى المعركة…” صحيح أنني القائد الأوحد لمرتزقة الأسد الفضي. لكن ولاء رجال فرقتي للمال، لا لي. لو الأمر بيدي، لساعدتك بكل سرور على الانتقام لحبيبك في لحظة. لكن لو أثرتُ مسألة شخصية كهذه مع مرتزقتي، لعزلوني من قيادتهم بالتأكيد. إذا كنتَ متلهفًا للانتقام، فعليكَ توظيفنا ودفع المال. ” لم يكن جارسيو مخطئًا. فالمرتزقة أفرادٌ مدفوعون بالمال، لا بالولاء كالفرسان أو النبلاء. ولم يكن من النادر أن يرفض المرتزقة مهمةً يأمرهم بها قائدهم إذا رأوا أن الأجر لا يكفي للجهد المطلوب. “كما تعلم على الأرجح، يا أخي جارسيو، فإن الأراضي الزراعية التي طالبت بحقوقي فيها لا تستحق توظيف مرتزقة الأسد الفضي بالكامل.” “أعلم. لهذا السبب وظفت عشرين جنديًا فقط لمعركتك، لأن هذا المبلغ كان معقولًا بالنسبة لقيمة الأرض.” “نعم يا أخي. مع ذلك، انتقامًا مني، أنا مستعدٌّ لبذل كل ما أملك من مالٍ لأستأجر فرقتك بأكملها ” قال داجلتون بجدية وهو يمد يده إلى صندوقٍ خلف طاولته. بوو! أشرقت العملات الذهبية الموجودة في الصندوق في ضوء القمر في الظلام. “لقد ادخرت مبلغًا كبيرًا من المال ” أظهر جارسيو رضاه من خلال عينيه المتألقتين. ” ساعدني على الانتقام له، يا زعيم الأسد الفضي.” تصافح داجلتون وجارسيو في اتفاقهما. ” عدو أخي هو عدوي. لن آخذ نصيبي. عليك فقط أن تدفع ثمن بقية فرقتي.” منطقة كونت صغيرة وفرقة مرتزقة مجهولة. في نظر جارسيو، لم يكونوا سوى مزحة. * * * “مرتزقة الأسد الفضي؟ لا بد أن داجلتون فقد عقله!” ردّ الكونت مولاندو على خادمه بغضب. لم يمضِ سوى أقل من أسبوع منذ أن احتفلا بانتصارهما بفرح. “هل هم حقًا مرتزقة الأسد الفضي؟ هل أنت متأكد؟” “نعم يا سيدي، أنا متأكد. اتضح أن جارسيو الأسد الفضي هو الأخ غير الشقيق لداجلتون. ” “لم أكن أعلم أن لوالده ابنًا غير شرعي مثل جارسيو ” تنهد مولاندو وهو يستلقي على كرسيه. كان أبناء النبلاء الأثرياء غير الشرعيين منتشرين في مختلف المهن. ورغم أنهم لم يكونوا يتمتعون بمكانة النبلاء، إلا أنهم نشأوا في عائلات ثرية، وتلقوا تعليمًا عالي الجودة. وكان العديد منهم أطباءً وعلماءً وتجارًا. قاد العديد من فرق المرتزقة الشهيرة أبناءٌ مهجورون لعائلات عسكرية أو نبلاء لم يرثوا أراضي عائلاتهم. وكانت هذه الفرق في كثير من الأحيان بمثابة الجيش غير الرسمي لعائلاتهم النبيلة. “كان داجلتون يخفي خدعة أخرى في جعبته.” “لكن يا سيدي، عائلة داجلتون ليست كبيرة أو قوية بما يكفي لامتلاك فرقة مرتزقة مثل الأسد الفضي. وليس لدى الأسد الفضي أي سبب لتقديم خدماتها لعائلة داجلتون مجانًا. لا بد أن داجلتون قد أنفق ثروة طائلة.” “هذه هي المشكلة! لماذا يُوظِّف فرقةً باهظة الثمن لهذه القطعة الصغيرة من الأرض الزراعية؟ لا بد أنه فقد عقله تمامًا. سيضطر لاستغلال تلك الأرض الزراعية لعقودٍ ليستعيد أمواله.” اشتكى مولاندو وعبس بسبب صداعٍ مفاجئ. بدأت معدته تؤلمه أيضًا. “الجانب الإيجابي هو أن مرتزقة الأسد الفضي صغار الحجم نسبيًا مقارنةً بشهرتهم. لديهم مئة مرتزق على الأكثر.” كانت معظم فرق المرتزقة الشهيرة أكبر عددًا بكثير من فرقة الأسد الفضي، حتى أن بعضها تجاوز أربعمائة وخمسمائة رجل. وكانت هذه الفرق الكبيرة تُتعاقد مع نبلاء مختلفين، وكان لها حامياتها الخاصة في أراضيها. وكان المرتزقة المنتمون إلى هذه الفرق يتمتعون بموهبة الجيوش النظامية، إن لم تكن أكثر. “ليس الأمر وكأن الأسد الفضي لا تستطيع تحمل تكلفة المزيد من المرتزقة. فهم يُبقون أعدادهم منخفضة عمدًا ليتمكنوا من مواصلة تجوالهم في مختلف المناطق وإنجاز مهام كبيرة. مئة هو العدد الأمثل لذلك. أي عدد أكبر من ذلك سيُبقيهم محصورين في منطقة واحدة. هكذا اكتسبوا شهرتهم.” لم يكن مرتزقة الأسد الفضي كفرق المرتزقة التقليدية. ولأنهم تأخروا في النضج، اختاروا أسلوب إدارة فريدًا. حافظوا على حجمهم الصغير ليتمكنوا من التنقل، وسافروا في أنحاء الإمبراطورية لتولي وظائف رفيعة المستوى برواتب ضخمة. عادةً ما يتواجدون في موقع العمل قبل أن تصل أخبار العمل إلى الفرق الكبرى. ويُنجزون المهام دائمًا. حتى النبيل الصغير مثل مولاندو على دراية بسمعة الأسد الفضي. “صغر حجمهم لا يعني ضعفهم. كل فرد في تلك الفرقة مُسلّح حتى النخاع.” أصبح مولاندو غاضبًا ومُحبطًا في آنٍ واحد. ” سيدي، أعتقد أنه يجب علينا التفاوض معهم. قد يكون من الأفضل لك أن تبيع لهم المزرعة حتى يبقى لديك المال على الأقل. ” قدم أحد الإقطاعيين نصيحة واقعية. لقد كانت معركة لن يفوزوا بها. “همم ” كان الكونت مولاندو نبيلًا بسيطًا، وكان كل فدان من أرضه ثمينًا. “يجب عليك اتخاذ قرار الآن يا سيدي، سواء القتال أو التفاوض.” “استدعِ الأتباع الآخرين وقائد المرتزقة. سنتناقش.” لم يُرِد مولاندو خسارة الأراضي الزراعية التي حارب من أجلها. لو هناك أي فرصة للفوز في هذه الحرب، لرغب في القتال. “إذا ضاقت أراضيي، فقد أفقد لقب الكونت في عائلة مولاندو في جيلي القادم. لا أستطيع السماح بحدوث ذلك.” إذا خسر الكونت مولاندو المعركة، فسيستغرق التعافي من آثارها عشرين عامًا على الأقل. وقد تُفلس ضيعة مولاندو بسبب نفقات الحرب والتعويضات. ’داجلتون يواجه نفس المخاطرة’. ضغط مولاندو على أسنانه. “أنا رجل أيضًا. لن أستسلم دون قتال.” دخل الأسياد الغرفة. كانوا قد أُطلعوا مسبقًا على وضع مرتزقة الأسد الفضي. “أين المرتزقة؟” “يجب أن يكونوا هنا في أي لحظة.” ” ألا تعتقد أنهم سيغادرون بعد سماع اسم “الأسد الفضي”، أليس كذلك؟ ” قال أحد الأسياد مازحًا. ومع ذلك، لن يكون مفاجئًا إن فعلوا ذلك حقًا. سيكون من المنطقي أن تهرب فرقة المرتزقة المكونة من عشرين رجلًا لإنقاذ حياتهم بعد سماع اسم مرتزقة الأسد الفضي. زوو! انفتح باب قاعة الاجتماعات، ودخل المرتزقة. كانت آثار أسبوع كامل من الفجور واضحة على وجوههم. “مهلاً، سمعتُ أن هناك حربًا ما لا تزال بحاجة إلى أيدينا!” قال يوريتش وهو يجلس في مقعده. رافقه كبار رجال فرقة المرتزقة. “لا أعرف الكثير عن هذا المكان.” بدا يوريتش غريبًا في هذه المدينة، و يعرف حدوده.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات