الفصل 21
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
“يستعد الكونت داجلتون لغزونا مجددًا، لكن هذه المرة سيأتي برفقة مرتزقة الأسد الفضي. وكما تعلمون جميعًا على الأرجح، ليس لدينا أي فرصة للنجاة مع ما تبقى لدينا من رجال بعد المعركة الأخيرة. لذا، إذا أردنا قتالهم، فسيتعين علينا إخراج آخر رجل لدينا في المنطقة ” قال الكونت مولاندو، مُبديًا نيته في الرد على نظيره.
“هل تفكر في الذهاب إلى حرب أخرى يا سيدي؟”
“فقط إذا كنت تعتقد أن لدينا فرصة.”
ساد الصمت في الغرفة.
“هل مرتزقة الأسد الفضي بهذه القوة؟ إنه اسمٌ مثيرٌ للاشمئزاز ” قال يوريتش وهو يُسند ذقنه على قبضته. عبس الإقطاعيون الآخرون من كلماته.
“كيف لا تعرف شيئًا عن مرتزقة الأسد الفضي؟ أنت مرتزق أيضًا.”
” مهلاً، ما شأنكم؟ من يهتم إن لم أعرفهم؟ هل رآهم أحدكم بنفسه؟ هل ترتعدون من القصص التي سمعتموها عنهم؟”
بدا رد يوريتش سبباً في ارتجاف باتشمان.
“يوريتش، الأسد الفضي قوية. قوية جدًا. لا تُبنى سمعة في عالم المرتزقة عبثًا.”
“أهذا صحيح؟ يا كونت، هل ستقاتل أم لا؟” نظر يوريتش إلى مولاندو وهو ينقر على أذنه.
“إذا قررنا خوض حرب أخرى، فهل ستنضمون إلينا أنتم ومرتزقتكم مرة أخرى؟” سأل مولاندو الشخصيات الممثلة لمرتزقة يوريتش. كانت فرقتهم تعمل في ظل نظام ديمقراطي. تصرفت المجموعة بناءً على رأي الأغلبية. الشخصيات الأربع المؤثرة هي يوريتش، وباتشمان، ودونوفان، وسفين. غالبًا تصويت المرتزقة الآخرين، إن لم يكن دائمًا، يتبع تصويت هؤلاء الأربعة. إذا اتفقوا على قرار بالإجماع، باقي أفراد الفرقة سيتبعونهم.
“أنا هنا. الحقل ينتظرني ” قال سفين بهدوء. نظر إليه المرتزقة الآخرون كما لو كانوا يعرفون صوته قبل أن يقوله.
“سأتبع قرار يوريتش ” قال باتشمان.
“الأسد الفضي لا يقلون قوةً عن أي جيش نظامي. خوض حرب معهم سيكون فكرةً سيئة. ” كان دونوفان عسكريًا سابقًا، و يُدرك تمامًا قدرات مجموعة الجنود المُهيكلة جيدًا. المعارك الجماعية تخصصهم. ورغم أن قدراتهم القتالية الفردية تُشبه قدرات المصارع، إلا أن الأفضلية لهم، خاصةً كلما كانت المعركة أكبر.
“ههه، هل أنت خائف يا دونوفان؟ هل ستكون الوحيد الذي سيتراجع؟” سخر منه يوريتش، فحدّق فيه دونوفان بغضب.
“إذا كنت لا تعرف متى تتوقف، فستجد نفسك ميتًا قبل أن تعرف ذلك، أيها البربري ” رد دونوفان وهو ينظر إلى كل من سفين ويوريتش.
“الأوغاد البرابرة ذوي الجمجمة السميكة.”
قضى دونوفان جزءًا من سنوات خدمته العسكرية مُبيدًا للهمج. يعلم أن البرابرة محاربون يرفضون الاستسلام حتى مع تأكد هزيمتهم. محاربون واصلوا القتال في وجه الموت المحتوم.
“أوغاد فظيعون.”
على الرغم من أنه انضم إليهم في الوقت الحالي، إلا أنه من المستحيل تقريبًا محو كراهيته تجاه البرابرة التي أصبحت مغروسة في أعماقه.
نظر بقية الحكام إلى المرتزقة بقلق. لا جدوى من توظيفهم إن لم يتوصلوا إلى قرار بالإجماع.
“دونوفان، اتفقنا على اتباع رأي الأغلبية. كان هذا اتفاقنا منذ البداية ” قال باتشمان، وهو ما بدا وكأنه تهديد.
“أعلم، أعلم. لا داعي للانتقاد الشديد لاتفاقنا.”
لقد قام المرتزقة بفرز قائمة من الاتفاقيات منذ بداية حياتهم المهنية كمرتزقة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا دائمًا يحبون بعضهم البعض، إلا أنهم يعتقدون أن كل رجل لديه النزاهة لتكريم الاتفاقيات وعقودهم.
“ثم نحن في الداخل ” قال يوريتش وهو يمثل فريقه.
“أرى ” أجاب مولاندو بارتياح واضح على وجهه. أصبح بقية الإقطاعيين في الغرفة يميلون تدريجيًا إلى تأييد الانتقام.
“لنتخذ موقفًا دفاعيًا. يمكننا صدّهم إذا أقمنا خطًا دفاعيًا في المزرعة. هذا سيساعدنا على تجاوز فارق العدد ” اقترح قائد الحرس. هو من يقود الجنود العشرين، الذين كانوا القوة الرئيسية في منطقة مولاندو.
“أحضروا كل رجلٍ يستطيع حمل سلاح. سأعوضهم من خزينتي.”
الكونت مولاندو حسم أمره. ينوي حماية هذه المزرعة، حتى لو كلفه ذلك إنفاق كل الثروة التي تراكمت لدى عائلته على مدى أجيال.
“في هذه الحالة، من الأفضل أن نشتري المزيد من الدروع. إذا سلّحنا الرجال الأقوى، فسيكونون أكثر من كافيين لدعم الطوارئ.”
خطط قائد الحرس لتسليح حتى المجندين، إذ لم يكن هناك وقت كافٍ لتجنيد فرقة مرتزقة أخرى. ناقشت المجموعة عدة مسائل معقدة للتوصل إلى أفضل طريقة لبناء خط دفاع وزيادة عدد الجنود في الوقت المحدود المتاح لهم.
* * *
“قم بنحت هذا الخشب أكثر قليلاً!”
“هيا، تحرك.”
كان جيش الكونت مولاندو يبني معسكره.
” اللعنة، لماذا نحن الذين نقوم بكل هذا العمل الشاق بينما النبلاء هم الذين بدأوا هذه المعركة؟” اشتكى المجندون وهم يرفعون السياج الخشبي.
“حسنًا، على الأقل يدفع لنا الكونت مولاندو، على عكس هؤلاء النبلاء الأغبياء الآخرين.”
ولم يكن من غير المألوف أن يتم تجنيد المزارعين الأبرياء خلال موسم الحصاد، مما يترك عائلاتهم لتموت من الجوع.
“سمعتُ أن عدونا فرقة مرتزقة مشهورة. هل لدينا فرصة حقيقية؟”
“هذا ليس أمرًا يدعو للقلق. كل شيء متروك للمسؤولين على أي حال.”
كان المجندون يتبادلون أطراف الحديث حتى جاء الجنود المدججون بالسلاح في دورية. كانوا دائمًا يهاجمون المجندين الضعفاء.
في الخيمة المركزية للمخيم، كان اجتماع استراتيجي على قدم وساق. تلقّوا معلومات استخباراتية تفيد بوصول مرتزقة الأسد الفضي إلى منطقة داجلتون ونصب معسكرهم. المعركة الثانية لم تبق سوى يومين، أو ثلاثة أيام على الأكثر.
“نحن محاطون بحقول مفتوحة. ليس من المناسب لنا أن نكون دفاعيين.”
“هذا هو الغرض من الأسوار، أليس كذلك؟”
“سيكون من الجيد لنا أن نحافظ على تشكيلتنا الدفاعية لأطول فترة ممكنة.”
“هل تريد فعل ذلك بحصن مؤقت؟ كأنه كذلك. الوضع أسوأ مما توقعنا. لا نحصل على ما يكفي من الخشب، لذا فإن التقدم في بناء الأسوار أبطأ بكثير مما كنا نأمل.”
مع تفاقم الوضع، بدأت الخلافات تندلع بين الأسياد، ولم ير أحدٌ أيَّ مخرج.
” صهرنا الدروع التي غنمناها من المعركة الأخيرة وحولناها إلى رماح. وضع الإمداد أفضل بكثير الآن.”
مُنح كلٌّ من المجندين الجدد رمحًا. وكان ذلك تحسُّنًا ملحوظًا مقارنةً بأدوات الزراعة.
استمرّ الإقطاعيون في وضع استراتيجيات مُعقّدة، لكن الوقت ينفد، وما زالت هناك أعمال كثيرة يجب إنجازها. وبدت وليمة الاحتفال التي أقاموها بعد انتصارهم الأول وكأنها وقتٌ ضائع.
بوو!
دخل يوريتش الخيمة من باب الستارة. كان عائدًا لتوه من رحلته الكشفية.
“مرحبًا، لدي فكرة ” نظر يوريتش إلى الكونت مولاندو وأتباعه.
“هل تقصد أنك وضعت خطة؟ ” أبدى الإقطاعيون اهتمامهم ليوريتش. كانوا في أمسّ الحاجة إلى استراتيجية ثورية تنقذهم من الهزيمة شبه المؤكدة.
“نُجهز لكمين. نختبئ وننتظر وسط فوضى المعركة، ثم نتسلل ونأسر داجلتون حيًا. أعلم أنني فشلتُ في المرة السابقة، لكن هذا لن يتكرر.”
عبس بعض الإقطاعيين لفكرة يوريتش، بل ضحك بعضهم في وجهه.
“يوريتش، انظر حولك. الحقول واسعة حولنا. لا مكان لنا للاختباء من الكمين.”
“هذا صحيح. سنُمزق إربًا إربًا قبل أن نرى الكونت داجلتون.”
“يا له من اقتراح سخيف! لقد أشعلتَ حماسي للحظة.”
هزّ الأسياد رؤوسهم بخيبة أمل.
“ماذا تعني بأنه لا يوجد مكان للاختباء؟ هذا المكان هناك مثالي ” قال يوريتش بنبرة حيرة. لقد نشأ في السهول والغابات. وكان الكمين جزءًا أساسيًا من استراتيجياته في الصيد والقتال.
“أقول لك؛ هذه المنطقة ليست مناسبة لكمين! حتى من وُلدوا وترعرعوا على هذه الأرض يقولون لك الشيء نفسه.” رفع قائد الحرس صوته. انزعج يوريتش من الاعتراضات، فسحب فأسه وضرب الطاولة.
بوو!
“أقول لك، هناك نقطة يا ابن العاهرة ” قال يوريتش له وهو يمسكه من ياقته.
سأل مرة أخرى، هذه المرة بحذر أكبر.
“ذ- إذن، أين المكان؟”
“حقل السماد.”
أحضر يوريتش الرجال إلى مكان ليس بعيدًا عن المزرعة.
“هممم، الرائحة كريهة …” قال مولاندو وهو يسد أنفه.
” هذا هو المكان الذي يتم فيه التخلص من السماد…”
كان السماد الذي لم يتحلل تمامًا يفوح منه رائحة كريهة. كان مكانًا يجمع فيه المزارعون ويكدسون فيه كل أنواع القاذورات.
خطا يوريتش خطوةً نحو كومة القذارة. حدق به الرجال الآخرون برعب.
“إنه سطحي بعض الشيء، لكنه سيُبقينا مختبئين إذا غطينا ظهورنا بالطين وانبطحنا على بطوننا. الموقع مثالي لنصب كمين لداجلتون والقبض عليه حيًا ” قال يوريتش وهو ينزل بنفسه إلى الأرض ليُظهر موقع الاختباء. أما الذين كانوا أكثر اشمئزازًا من غيرهم فقد انتابهم الغثيان.
” كلامه صحيح يا كونت مولاندو. هذا المكان مكان جيد للاختباء…”
“هذا بالتأكيد سوف يحل المشكلة، ولكن…” همس مولاندو.
“حسنًا. ارفعوا أيديكم إن رغبتم في كمين معي. أنا متأكد أن الكونت سيعدكم بمكافأة إضافية ” سأل يوريتش الرجال وهو يخرج من كومة النفايات. أصبح غارقًا في الرائحة الكريهة.
لم يرغب أحد في التطوع للانغماس في كومة من النفايات؛ حتى المرتزقة، الذين رأوا الكثير من الأشياء التي لا توصف في حياتهم المصارعة.
“إذا دخلت إلى هناك، فإنك ستخرج منه بالتأكيد بمرض جلدي ” قال باتشمان وهو يتراجع إلى الوراء بنظرة اشمئزاز.
“سآتي معك ” تقدم سفين إلى الأمام، على الرغم من أنه لم يكن يبدو لطيفًا للغاية.
تبع كلمات سفين صمت غير مريح.
“أريد خمسة على الأقل – سبعة أو ثمانية سيكون مثاليًا.”
حدّق يوريتش في المصارعين. ولأنّ الكمين كان العامل الحاسم في حسم المعركة، لم يُرِد أن يترك هذه المهمة للمجنّدين.
“تباً، سأفعلها. رالو، باورن، جيجز، انزلوا إلى هنا أيها الأوغاد!” صرخ دونوفان في حاشيته.
“يا إلهي، لماذا أنا؟ لا أريد فعل هذا حقًا ” الذين تم استدعاؤهم اشتكوا.
“قالوا إننا نحصل على أجر إضافي، لذا أغلق فمك.”
“هناك بعض الأشياء التي لا يمكنك فعلها حتى لو مقابل المزيد من المال، اللعنة.”
بدا عملاً لا بد منه. لعن المرتزقة الذين ناداهم دونوفان وتذمّروا، لكنهم لم يرفضوا الأمر. ذلك سيضرّ بسمعتهم، خاصةً وأنّ يوريتش وسفين تطوّعا بنفسيهما.
” هل عليّ أن أدخل هناك؟ يا إلهي، من كان يظن أنني سأتدحرج في كومة من القذارة؟”
“حياتك عبارة عن كومة من القذارة بالفعل، هاهاها.”
واصل جيش الكونت مولاندو الاستعداد لحرب دفاعية حثيثة. أقاموا سياجًا كثيفًا حول محيطهم، وبنوا أبراج مراقبة ليتخذها الرماة مواقعهم.
ومر يومان آخران، وعاد الكشاف من دوريته البعيدة.
“جيش داجلتون قادم.”
بعد تلقيه التقرير، لوح مولاندو بيده بابتسامة مريرة.
“يبدأ دفاعنا الآن.”
جيش الكونت مولاندو سحقته شهرة عدوه حتى قبل بدء معركته. لم تكن هناك صيحات رنانة، بل شعور بالقلق فقط.
نظر بقية الحكام إلى المرتزقة بقلق. لا جدوى من توظيفهم إن لم يتوصلوا إلى قرار بالإجماع. “دونوفان، اتفقنا على اتباع رأي الأغلبية. كان هذا اتفاقنا منذ البداية ” قال باتشمان، وهو ما بدا وكأنه تهديد. “أعلم، أعلم. لا داعي للانتقاد الشديد لاتفاقنا.” لقد قام المرتزقة بفرز قائمة من الاتفاقيات منذ بداية حياتهم المهنية كمرتزقة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا دائمًا يحبون بعضهم البعض، إلا أنهم يعتقدون أن كل رجل لديه النزاهة لتكريم الاتفاقيات وعقودهم. “ثم نحن في الداخل ” قال يوريتش وهو يمثل فريقه. “أرى ” أجاب مولاندو بارتياح واضح على وجهه. أصبح بقية الإقطاعيين في الغرفة يميلون تدريجيًا إلى تأييد الانتقام. “لنتخذ موقفًا دفاعيًا. يمكننا صدّهم إذا أقمنا خطًا دفاعيًا في المزرعة. هذا سيساعدنا على تجاوز فارق العدد ” اقترح قائد الحرس. هو من يقود الجنود العشرين، الذين كانوا القوة الرئيسية في منطقة مولاندو. “أحضروا كل رجلٍ يستطيع حمل سلاح. سأعوضهم من خزينتي.” الكونت مولاندو حسم أمره. ينوي حماية هذه المزرعة، حتى لو كلفه ذلك إنفاق كل الثروة التي تراكمت لدى عائلته على مدى أجيال. “في هذه الحالة، من الأفضل أن نشتري المزيد من الدروع. إذا سلّحنا الرجال الأقوى، فسيكونون أكثر من كافيين لدعم الطوارئ.” خطط قائد الحرس لتسليح حتى المجندين، إذ لم يكن هناك وقت كافٍ لتجنيد فرقة مرتزقة أخرى. ناقشت المجموعة عدة مسائل معقدة للتوصل إلى أفضل طريقة لبناء خط دفاع وزيادة عدد الجنود في الوقت المحدود المتاح لهم. * * * “قم بنحت هذا الخشب أكثر قليلاً!” “هيا، تحرك.” كان جيش الكونت مولاندو يبني معسكره. ” اللعنة، لماذا نحن الذين نقوم بكل هذا العمل الشاق بينما النبلاء هم الذين بدأوا هذه المعركة؟” اشتكى المجندون وهم يرفعون السياج الخشبي. “حسنًا، على الأقل يدفع لنا الكونت مولاندو، على عكس هؤلاء النبلاء الأغبياء الآخرين.” ولم يكن من غير المألوف أن يتم تجنيد المزارعين الأبرياء خلال موسم الحصاد، مما يترك عائلاتهم لتموت من الجوع. “سمعتُ أن عدونا فرقة مرتزقة مشهورة. هل لدينا فرصة حقيقية؟” “هذا ليس أمرًا يدعو للقلق. كل شيء متروك للمسؤولين على أي حال.” كان المجندون يتبادلون أطراف الحديث حتى جاء الجنود المدججون بالسلاح في دورية. كانوا دائمًا يهاجمون المجندين الضعفاء. في الخيمة المركزية للمخيم، كان اجتماع استراتيجي على قدم وساق. تلقّوا معلومات استخباراتية تفيد بوصول مرتزقة الأسد الفضي إلى منطقة داجلتون ونصب معسكرهم. المعركة الثانية لم تبق سوى يومين، أو ثلاثة أيام على الأكثر. “نحن محاطون بحقول مفتوحة. ليس من المناسب لنا أن نكون دفاعيين.” “هذا هو الغرض من الأسوار، أليس كذلك؟” “سيكون من الجيد لنا أن نحافظ على تشكيلتنا الدفاعية لأطول فترة ممكنة.” “هل تريد فعل ذلك بحصن مؤقت؟ كأنه كذلك. الوضع أسوأ مما توقعنا. لا نحصل على ما يكفي من الخشب، لذا فإن التقدم في بناء الأسوار أبطأ بكثير مما كنا نأمل.” مع تفاقم الوضع، بدأت الخلافات تندلع بين الأسياد، ولم ير أحدٌ أيَّ مخرج. ” صهرنا الدروع التي غنمناها من المعركة الأخيرة وحولناها إلى رماح. وضع الإمداد أفضل بكثير الآن.” مُنح كلٌّ من المجندين الجدد رمحًا. وكان ذلك تحسُّنًا ملحوظًا مقارنةً بأدوات الزراعة. استمرّ الإقطاعيون في وضع استراتيجيات مُعقّدة، لكن الوقت ينفد، وما زالت هناك أعمال كثيرة يجب إنجازها. وبدت وليمة الاحتفال التي أقاموها بعد انتصارهم الأول وكأنها وقتٌ ضائع. بوو! دخل يوريتش الخيمة من باب الستارة. كان عائدًا لتوه من رحلته الكشفية. “مرحبًا، لدي فكرة ” نظر يوريتش إلى الكونت مولاندو وأتباعه. “هل تقصد أنك وضعت خطة؟ ” أبدى الإقطاعيون اهتمامهم ليوريتش. كانوا في أمسّ الحاجة إلى استراتيجية ثورية تنقذهم من الهزيمة شبه المؤكدة. “نُجهز لكمين. نختبئ وننتظر وسط فوضى المعركة، ثم نتسلل ونأسر داجلتون حيًا. أعلم أنني فشلتُ في المرة السابقة، لكن هذا لن يتكرر.” عبس بعض الإقطاعيين لفكرة يوريتش، بل ضحك بعضهم في وجهه. “يوريتش، انظر حولك. الحقول واسعة حولنا. لا مكان لنا للاختباء من الكمين.” “هذا صحيح. سنُمزق إربًا إربًا قبل أن نرى الكونت داجلتون.” “يا له من اقتراح سخيف! لقد أشعلتَ حماسي للحظة.” هزّ الأسياد رؤوسهم بخيبة أمل. “ماذا تعني بأنه لا يوجد مكان للاختباء؟ هذا المكان هناك مثالي ” قال يوريتش بنبرة حيرة. لقد نشأ في السهول والغابات. وكان الكمين جزءًا أساسيًا من استراتيجياته في الصيد والقتال. “أقول لك؛ هذه المنطقة ليست مناسبة لكمين! حتى من وُلدوا وترعرعوا على هذه الأرض يقولون لك الشيء نفسه.” رفع قائد الحرس صوته. انزعج يوريتش من الاعتراضات، فسحب فأسه وضرب الطاولة. بوو! “أقول لك، هناك نقطة يا ابن العاهرة ” قال يوريتش له وهو يمسكه من ياقته. سأل مرة أخرى، هذه المرة بحذر أكبر. “ذ- إذن، أين المكان؟” “حقل السماد.” أحضر يوريتش الرجال إلى مكان ليس بعيدًا عن المزرعة. “هممم، الرائحة كريهة …” قال مولاندو وهو يسد أنفه. ” هذا هو المكان الذي يتم فيه التخلص من السماد…” كان السماد الذي لم يتحلل تمامًا يفوح منه رائحة كريهة. كان مكانًا يجمع فيه المزارعون ويكدسون فيه كل أنواع القاذورات. خطا يوريتش خطوةً نحو كومة القذارة. حدق به الرجال الآخرون برعب. “إنه سطحي بعض الشيء، لكنه سيُبقينا مختبئين إذا غطينا ظهورنا بالطين وانبطحنا على بطوننا. الموقع مثالي لنصب كمين لداجلتون والقبض عليه حيًا ” قال يوريتش وهو ينزل بنفسه إلى الأرض ليُظهر موقع الاختباء. أما الذين كانوا أكثر اشمئزازًا من غيرهم فقد انتابهم الغثيان. ” كلامه صحيح يا كونت مولاندو. هذا المكان مكان جيد للاختباء…” “هذا بالتأكيد سوف يحل المشكلة، ولكن…” همس مولاندو. “حسنًا. ارفعوا أيديكم إن رغبتم في كمين معي. أنا متأكد أن الكونت سيعدكم بمكافأة إضافية ” سأل يوريتش الرجال وهو يخرج من كومة النفايات. أصبح غارقًا في الرائحة الكريهة. لم يرغب أحد في التطوع للانغماس في كومة من النفايات؛ حتى المرتزقة، الذين رأوا الكثير من الأشياء التي لا توصف في حياتهم المصارعة. “إذا دخلت إلى هناك، فإنك ستخرج منه بالتأكيد بمرض جلدي ” قال باتشمان وهو يتراجع إلى الوراء بنظرة اشمئزاز. “سآتي معك ” تقدم سفين إلى الأمام، على الرغم من أنه لم يكن يبدو لطيفًا للغاية. تبع كلمات سفين صمت غير مريح. “أريد خمسة على الأقل – سبعة أو ثمانية سيكون مثاليًا.” حدّق يوريتش في المصارعين. ولأنّ الكمين كان العامل الحاسم في حسم المعركة، لم يُرِد أن يترك هذه المهمة للمجنّدين. “تباً، سأفعلها. رالو، باورن، جيجز، انزلوا إلى هنا أيها الأوغاد!” صرخ دونوفان في حاشيته. “يا إلهي، لماذا أنا؟ لا أريد فعل هذا حقًا ” الذين تم استدعاؤهم اشتكوا. “قالوا إننا نحصل على أجر إضافي، لذا أغلق فمك.” “هناك بعض الأشياء التي لا يمكنك فعلها حتى لو مقابل المزيد من المال، اللعنة.” بدا عملاً لا بد منه. لعن المرتزقة الذين ناداهم دونوفان وتذمّروا، لكنهم لم يرفضوا الأمر. ذلك سيضرّ بسمعتهم، خاصةً وأنّ يوريتش وسفين تطوّعا بنفسيهما. ” هل عليّ أن أدخل هناك؟ يا إلهي، من كان يظن أنني سأتدحرج في كومة من القذارة؟” “حياتك عبارة عن كومة من القذارة بالفعل، هاهاها.” واصل جيش الكونت مولاندو الاستعداد لحرب دفاعية حثيثة. أقاموا سياجًا كثيفًا حول محيطهم، وبنوا أبراج مراقبة ليتخذها الرماة مواقعهم. ومر يومان آخران، وعاد الكشاف من دوريته البعيدة. “جيش داجلتون قادم.” بعد تلقيه التقرير، لوح مولاندو بيده بابتسامة مريرة. “يبدأ دفاعنا الآن.” جيش الكونت مولاندو سحقته شهرة عدوه حتى قبل بدء معركته. لم تكن هناك صيحات رنانة، بل شعور بالقلق فقط.
نظر بقية الحكام إلى المرتزقة بقلق. لا جدوى من توظيفهم إن لم يتوصلوا إلى قرار بالإجماع. “دونوفان، اتفقنا على اتباع رأي الأغلبية. كان هذا اتفاقنا منذ البداية ” قال باتشمان، وهو ما بدا وكأنه تهديد. “أعلم، أعلم. لا داعي للانتقاد الشديد لاتفاقنا.” لقد قام المرتزقة بفرز قائمة من الاتفاقيات منذ بداية حياتهم المهنية كمرتزقة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا دائمًا يحبون بعضهم البعض، إلا أنهم يعتقدون أن كل رجل لديه النزاهة لتكريم الاتفاقيات وعقودهم. “ثم نحن في الداخل ” قال يوريتش وهو يمثل فريقه. “أرى ” أجاب مولاندو بارتياح واضح على وجهه. أصبح بقية الإقطاعيين في الغرفة يميلون تدريجيًا إلى تأييد الانتقام. “لنتخذ موقفًا دفاعيًا. يمكننا صدّهم إذا أقمنا خطًا دفاعيًا في المزرعة. هذا سيساعدنا على تجاوز فارق العدد ” اقترح قائد الحرس. هو من يقود الجنود العشرين، الذين كانوا القوة الرئيسية في منطقة مولاندو. “أحضروا كل رجلٍ يستطيع حمل سلاح. سأعوضهم من خزينتي.” الكونت مولاندو حسم أمره. ينوي حماية هذه المزرعة، حتى لو كلفه ذلك إنفاق كل الثروة التي تراكمت لدى عائلته على مدى أجيال. “في هذه الحالة، من الأفضل أن نشتري المزيد من الدروع. إذا سلّحنا الرجال الأقوى، فسيكونون أكثر من كافيين لدعم الطوارئ.” خطط قائد الحرس لتسليح حتى المجندين، إذ لم يكن هناك وقت كافٍ لتجنيد فرقة مرتزقة أخرى. ناقشت المجموعة عدة مسائل معقدة للتوصل إلى أفضل طريقة لبناء خط دفاع وزيادة عدد الجنود في الوقت المحدود المتاح لهم. * * * “قم بنحت هذا الخشب أكثر قليلاً!” “هيا، تحرك.” كان جيش الكونت مولاندو يبني معسكره. ” اللعنة، لماذا نحن الذين نقوم بكل هذا العمل الشاق بينما النبلاء هم الذين بدأوا هذه المعركة؟” اشتكى المجندون وهم يرفعون السياج الخشبي. “حسنًا، على الأقل يدفع لنا الكونت مولاندو، على عكس هؤلاء النبلاء الأغبياء الآخرين.” ولم يكن من غير المألوف أن يتم تجنيد المزارعين الأبرياء خلال موسم الحصاد، مما يترك عائلاتهم لتموت من الجوع. “سمعتُ أن عدونا فرقة مرتزقة مشهورة. هل لدينا فرصة حقيقية؟” “هذا ليس أمرًا يدعو للقلق. كل شيء متروك للمسؤولين على أي حال.” كان المجندون يتبادلون أطراف الحديث حتى جاء الجنود المدججون بالسلاح في دورية. كانوا دائمًا يهاجمون المجندين الضعفاء. في الخيمة المركزية للمخيم، كان اجتماع استراتيجي على قدم وساق. تلقّوا معلومات استخباراتية تفيد بوصول مرتزقة الأسد الفضي إلى منطقة داجلتون ونصب معسكرهم. المعركة الثانية لم تبق سوى يومين، أو ثلاثة أيام على الأكثر. “نحن محاطون بحقول مفتوحة. ليس من المناسب لنا أن نكون دفاعيين.” “هذا هو الغرض من الأسوار، أليس كذلك؟” “سيكون من الجيد لنا أن نحافظ على تشكيلتنا الدفاعية لأطول فترة ممكنة.” “هل تريد فعل ذلك بحصن مؤقت؟ كأنه كذلك. الوضع أسوأ مما توقعنا. لا نحصل على ما يكفي من الخشب، لذا فإن التقدم في بناء الأسوار أبطأ بكثير مما كنا نأمل.” مع تفاقم الوضع، بدأت الخلافات تندلع بين الأسياد، ولم ير أحدٌ أيَّ مخرج. ” صهرنا الدروع التي غنمناها من المعركة الأخيرة وحولناها إلى رماح. وضع الإمداد أفضل بكثير الآن.” مُنح كلٌّ من المجندين الجدد رمحًا. وكان ذلك تحسُّنًا ملحوظًا مقارنةً بأدوات الزراعة. استمرّ الإقطاعيون في وضع استراتيجيات مُعقّدة، لكن الوقت ينفد، وما زالت هناك أعمال كثيرة يجب إنجازها. وبدت وليمة الاحتفال التي أقاموها بعد انتصارهم الأول وكأنها وقتٌ ضائع. بوو! دخل يوريتش الخيمة من باب الستارة. كان عائدًا لتوه من رحلته الكشفية. “مرحبًا، لدي فكرة ” نظر يوريتش إلى الكونت مولاندو وأتباعه. “هل تقصد أنك وضعت خطة؟ ” أبدى الإقطاعيون اهتمامهم ليوريتش. كانوا في أمسّ الحاجة إلى استراتيجية ثورية تنقذهم من الهزيمة شبه المؤكدة. “نُجهز لكمين. نختبئ وننتظر وسط فوضى المعركة، ثم نتسلل ونأسر داجلتون حيًا. أعلم أنني فشلتُ في المرة السابقة، لكن هذا لن يتكرر.” عبس بعض الإقطاعيين لفكرة يوريتش، بل ضحك بعضهم في وجهه. “يوريتش، انظر حولك. الحقول واسعة حولنا. لا مكان لنا للاختباء من الكمين.” “هذا صحيح. سنُمزق إربًا إربًا قبل أن نرى الكونت داجلتون.” “يا له من اقتراح سخيف! لقد أشعلتَ حماسي للحظة.” هزّ الأسياد رؤوسهم بخيبة أمل. “ماذا تعني بأنه لا يوجد مكان للاختباء؟ هذا المكان هناك مثالي ” قال يوريتش بنبرة حيرة. لقد نشأ في السهول والغابات. وكان الكمين جزءًا أساسيًا من استراتيجياته في الصيد والقتال. “أقول لك؛ هذه المنطقة ليست مناسبة لكمين! حتى من وُلدوا وترعرعوا على هذه الأرض يقولون لك الشيء نفسه.” رفع قائد الحرس صوته. انزعج يوريتش من الاعتراضات، فسحب فأسه وضرب الطاولة. بوو! “أقول لك، هناك نقطة يا ابن العاهرة ” قال يوريتش له وهو يمسكه من ياقته. سأل مرة أخرى، هذه المرة بحذر أكبر. “ذ- إذن، أين المكان؟” “حقل السماد.” أحضر يوريتش الرجال إلى مكان ليس بعيدًا عن المزرعة. “هممم، الرائحة كريهة …” قال مولاندو وهو يسد أنفه. ” هذا هو المكان الذي يتم فيه التخلص من السماد…” كان السماد الذي لم يتحلل تمامًا يفوح منه رائحة كريهة. كان مكانًا يجمع فيه المزارعون ويكدسون فيه كل أنواع القاذورات. خطا يوريتش خطوةً نحو كومة القذارة. حدق به الرجال الآخرون برعب. “إنه سطحي بعض الشيء، لكنه سيُبقينا مختبئين إذا غطينا ظهورنا بالطين وانبطحنا على بطوننا. الموقع مثالي لنصب كمين لداجلتون والقبض عليه حيًا ” قال يوريتش وهو ينزل بنفسه إلى الأرض ليُظهر موقع الاختباء. أما الذين كانوا أكثر اشمئزازًا من غيرهم فقد انتابهم الغثيان. ” كلامه صحيح يا كونت مولاندو. هذا المكان مكان جيد للاختباء…” “هذا بالتأكيد سوف يحل المشكلة، ولكن…” همس مولاندو. “حسنًا. ارفعوا أيديكم إن رغبتم في كمين معي. أنا متأكد أن الكونت سيعدكم بمكافأة إضافية ” سأل يوريتش الرجال وهو يخرج من كومة النفايات. أصبح غارقًا في الرائحة الكريهة. لم يرغب أحد في التطوع للانغماس في كومة من النفايات؛ حتى المرتزقة، الذين رأوا الكثير من الأشياء التي لا توصف في حياتهم المصارعة. “إذا دخلت إلى هناك، فإنك ستخرج منه بالتأكيد بمرض جلدي ” قال باتشمان وهو يتراجع إلى الوراء بنظرة اشمئزاز. “سآتي معك ” تقدم سفين إلى الأمام، على الرغم من أنه لم يكن يبدو لطيفًا للغاية. تبع كلمات سفين صمت غير مريح. “أريد خمسة على الأقل – سبعة أو ثمانية سيكون مثاليًا.” حدّق يوريتش في المصارعين. ولأنّ الكمين كان العامل الحاسم في حسم المعركة، لم يُرِد أن يترك هذه المهمة للمجنّدين. “تباً، سأفعلها. رالو، باورن، جيجز، انزلوا إلى هنا أيها الأوغاد!” صرخ دونوفان في حاشيته. “يا إلهي، لماذا أنا؟ لا أريد فعل هذا حقًا ” الذين تم استدعاؤهم اشتكوا. “قالوا إننا نحصل على أجر إضافي، لذا أغلق فمك.” “هناك بعض الأشياء التي لا يمكنك فعلها حتى لو مقابل المزيد من المال، اللعنة.” بدا عملاً لا بد منه. لعن المرتزقة الذين ناداهم دونوفان وتذمّروا، لكنهم لم يرفضوا الأمر. ذلك سيضرّ بسمعتهم، خاصةً وأنّ يوريتش وسفين تطوّعا بنفسيهما. ” هل عليّ أن أدخل هناك؟ يا إلهي، من كان يظن أنني سأتدحرج في كومة من القذارة؟” “حياتك عبارة عن كومة من القذارة بالفعل، هاهاها.” واصل جيش الكونت مولاندو الاستعداد لحرب دفاعية حثيثة. أقاموا سياجًا كثيفًا حول محيطهم، وبنوا أبراج مراقبة ليتخذها الرماة مواقعهم. ومر يومان آخران، وعاد الكشاف من دوريته البعيدة. “جيش داجلتون قادم.” بعد تلقيه التقرير، لوح مولاندو بيده بابتسامة مريرة. “يبدأ دفاعنا الآن.” جيش الكونت مولاندو سحقته شهرة عدوه حتى قبل بدء معركته. لم تكن هناك صيحات رنانة، بل شعور بالقلق فقط.
نظر بقية الحكام إلى المرتزقة بقلق. لا جدوى من توظيفهم إن لم يتوصلوا إلى قرار بالإجماع. “دونوفان، اتفقنا على اتباع رأي الأغلبية. كان هذا اتفاقنا منذ البداية ” قال باتشمان، وهو ما بدا وكأنه تهديد. “أعلم، أعلم. لا داعي للانتقاد الشديد لاتفاقنا.” لقد قام المرتزقة بفرز قائمة من الاتفاقيات منذ بداية حياتهم المهنية كمرتزقة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا دائمًا يحبون بعضهم البعض، إلا أنهم يعتقدون أن كل رجل لديه النزاهة لتكريم الاتفاقيات وعقودهم. “ثم نحن في الداخل ” قال يوريتش وهو يمثل فريقه. “أرى ” أجاب مولاندو بارتياح واضح على وجهه. أصبح بقية الإقطاعيين في الغرفة يميلون تدريجيًا إلى تأييد الانتقام. “لنتخذ موقفًا دفاعيًا. يمكننا صدّهم إذا أقمنا خطًا دفاعيًا في المزرعة. هذا سيساعدنا على تجاوز فارق العدد ” اقترح قائد الحرس. هو من يقود الجنود العشرين، الذين كانوا القوة الرئيسية في منطقة مولاندو. “أحضروا كل رجلٍ يستطيع حمل سلاح. سأعوضهم من خزينتي.” الكونت مولاندو حسم أمره. ينوي حماية هذه المزرعة، حتى لو كلفه ذلك إنفاق كل الثروة التي تراكمت لدى عائلته على مدى أجيال. “في هذه الحالة، من الأفضل أن نشتري المزيد من الدروع. إذا سلّحنا الرجال الأقوى، فسيكونون أكثر من كافيين لدعم الطوارئ.” خطط قائد الحرس لتسليح حتى المجندين، إذ لم يكن هناك وقت كافٍ لتجنيد فرقة مرتزقة أخرى. ناقشت المجموعة عدة مسائل معقدة للتوصل إلى أفضل طريقة لبناء خط دفاع وزيادة عدد الجنود في الوقت المحدود المتاح لهم. * * * “قم بنحت هذا الخشب أكثر قليلاً!” “هيا، تحرك.” كان جيش الكونت مولاندو يبني معسكره. ” اللعنة، لماذا نحن الذين نقوم بكل هذا العمل الشاق بينما النبلاء هم الذين بدأوا هذه المعركة؟” اشتكى المجندون وهم يرفعون السياج الخشبي. “حسنًا، على الأقل يدفع لنا الكونت مولاندو، على عكس هؤلاء النبلاء الأغبياء الآخرين.” ولم يكن من غير المألوف أن يتم تجنيد المزارعين الأبرياء خلال موسم الحصاد، مما يترك عائلاتهم لتموت من الجوع. “سمعتُ أن عدونا فرقة مرتزقة مشهورة. هل لدينا فرصة حقيقية؟” “هذا ليس أمرًا يدعو للقلق. كل شيء متروك للمسؤولين على أي حال.” كان المجندون يتبادلون أطراف الحديث حتى جاء الجنود المدججون بالسلاح في دورية. كانوا دائمًا يهاجمون المجندين الضعفاء. في الخيمة المركزية للمخيم، كان اجتماع استراتيجي على قدم وساق. تلقّوا معلومات استخباراتية تفيد بوصول مرتزقة الأسد الفضي إلى منطقة داجلتون ونصب معسكرهم. المعركة الثانية لم تبق سوى يومين، أو ثلاثة أيام على الأكثر. “نحن محاطون بحقول مفتوحة. ليس من المناسب لنا أن نكون دفاعيين.” “هذا هو الغرض من الأسوار، أليس كذلك؟” “سيكون من الجيد لنا أن نحافظ على تشكيلتنا الدفاعية لأطول فترة ممكنة.” “هل تريد فعل ذلك بحصن مؤقت؟ كأنه كذلك. الوضع أسوأ مما توقعنا. لا نحصل على ما يكفي من الخشب، لذا فإن التقدم في بناء الأسوار أبطأ بكثير مما كنا نأمل.” مع تفاقم الوضع، بدأت الخلافات تندلع بين الأسياد، ولم ير أحدٌ أيَّ مخرج. ” صهرنا الدروع التي غنمناها من المعركة الأخيرة وحولناها إلى رماح. وضع الإمداد أفضل بكثير الآن.” مُنح كلٌّ من المجندين الجدد رمحًا. وكان ذلك تحسُّنًا ملحوظًا مقارنةً بأدوات الزراعة. استمرّ الإقطاعيون في وضع استراتيجيات مُعقّدة، لكن الوقت ينفد، وما زالت هناك أعمال كثيرة يجب إنجازها. وبدت وليمة الاحتفال التي أقاموها بعد انتصارهم الأول وكأنها وقتٌ ضائع. بوو! دخل يوريتش الخيمة من باب الستارة. كان عائدًا لتوه من رحلته الكشفية. “مرحبًا، لدي فكرة ” نظر يوريتش إلى الكونت مولاندو وأتباعه. “هل تقصد أنك وضعت خطة؟ ” أبدى الإقطاعيون اهتمامهم ليوريتش. كانوا في أمسّ الحاجة إلى استراتيجية ثورية تنقذهم من الهزيمة شبه المؤكدة. “نُجهز لكمين. نختبئ وننتظر وسط فوضى المعركة، ثم نتسلل ونأسر داجلتون حيًا. أعلم أنني فشلتُ في المرة السابقة، لكن هذا لن يتكرر.” عبس بعض الإقطاعيين لفكرة يوريتش، بل ضحك بعضهم في وجهه. “يوريتش، انظر حولك. الحقول واسعة حولنا. لا مكان لنا للاختباء من الكمين.” “هذا صحيح. سنُمزق إربًا إربًا قبل أن نرى الكونت داجلتون.” “يا له من اقتراح سخيف! لقد أشعلتَ حماسي للحظة.” هزّ الأسياد رؤوسهم بخيبة أمل. “ماذا تعني بأنه لا يوجد مكان للاختباء؟ هذا المكان هناك مثالي ” قال يوريتش بنبرة حيرة. لقد نشأ في السهول والغابات. وكان الكمين جزءًا أساسيًا من استراتيجياته في الصيد والقتال. “أقول لك؛ هذه المنطقة ليست مناسبة لكمين! حتى من وُلدوا وترعرعوا على هذه الأرض يقولون لك الشيء نفسه.” رفع قائد الحرس صوته. انزعج يوريتش من الاعتراضات، فسحب فأسه وضرب الطاولة. بوو! “أقول لك، هناك نقطة يا ابن العاهرة ” قال يوريتش له وهو يمسكه من ياقته. سأل مرة أخرى، هذه المرة بحذر أكبر. “ذ- إذن، أين المكان؟” “حقل السماد.” أحضر يوريتش الرجال إلى مكان ليس بعيدًا عن المزرعة. “هممم، الرائحة كريهة …” قال مولاندو وهو يسد أنفه. ” هذا هو المكان الذي يتم فيه التخلص من السماد…” كان السماد الذي لم يتحلل تمامًا يفوح منه رائحة كريهة. كان مكانًا يجمع فيه المزارعون ويكدسون فيه كل أنواع القاذورات. خطا يوريتش خطوةً نحو كومة القذارة. حدق به الرجال الآخرون برعب. “إنه سطحي بعض الشيء، لكنه سيُبقينا مختبئين إذا غطينا ظهورنا بالطين وانبطحنا على بطوننا. الموقع مثالي لنصب كمين لداجلتون والقبض عليه حيًا ” قال يوريتش وهو ينزل بنفسه إلى الأرض ليُظهر موقع الاختباء. أما الذين كانوا أكثر اشمئزازًا من غيرهم فقد انتابهم الغثيان. ” كلامه صحيح يا كونت مولاندو. هذا المكان مكان جيد للاختباء…” “هذا بالتأكيد سوف يحل المشكلة، ولكن…” همس مولاندو. “حسنًا. ارفعوا أيديكم إن رغبتم في كمين معي. أنا متأكد أن الكونت سيعدكم بمكافأة إضافية ” سأل يوريتش الرجال وهو يخرج من كومة النفايات. أصبح غارقًا في الرائحة الكريهة. لم يرغب أحد في التطوع للانغماس في كومة من النفايات؛ حتى المرتزقة، الذين رأوا الكثير من الأشياء التي لا توصف في حياتهم المصارعة. “إذا دخلت إلى هناك، فإنك ستخرج منه بالتأكيد بمرض جلدي ” قال باتشمان وهو يتراجع إلى الوراء بنظرة اشمئزاز. “سآتي معك ” تقدم سفين إلى الأمام، على الرغم من أنه لم يكن يبدو لطيفًا للغاية. تبع كلمات سفين صمت غير مريح. “أريد خمسة على الأقل – سبعة أو ثمانية سيكون مثاليًا.” حدّق يوريتش في المصارعين. ولأنّ الكمين كان العامل الحاسم في حسم المعركة، لم يُرِد أن يترك هذه المهمة للمجنّدين. “تباً، سأفعلها. رالو، باورن، جيجز، انزلوا إلى هنا أيها الأوغاد!” صرخ دونوفان في حاشيته. “يا إلهي، لماذا أنا؟ لا أريد فعل هذا حقًا ” الذين تم استدعاؤهم اشتكوا. “قالوا إننا نحصل على أجر إضافي، لذا أغلق فمك.” “هناك بعض الأشياء التي لا يمكنك فعلها حتى لو مقابل المزيد من المال، اللعنة.” بدا عملاً لا بد منه. لعن المرتزقة الذين ناداهم دونوفان وتذمّروا، لكنهم لم يرفضوا الأمر. ذلك سيضرّ بسمعتهم، خاصةً وأنّ يوريتش وسفين تطوّعا بنفسيهما. ” هل عليّ أن أدخل هناك؟ يا إلهي، من كان يظن أنني سأتدحرج في كومة من القذارة؟” “حياتك عبارة عن كومة من القذارة بالفعل، هاهاها.” واصل جيش الكونت مولاندو الاستعداد لحرب دفاعية حثيثة. أقاموا سياجًا كثيفًا حول محيطهم، وبنوا أبراج مراقبة ليتخذها الرماة مواقعهم. ومر يومان آخران، وعاد الكشاف من دوريته البعيدة. “جيش داجلتون قادم.” بعد تلقيه التقرير، لوح مولاندو بيده بابتسامة مريرة. “يبدأ دفاعنا الآن.” جيش الكونت مولاندو سحقته شهرة عدوه حتى قبل بدء معركته. لم تكن هناك صيحات رنانة، بل شعور بالقلق فقط.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات