You dont have javascript enabled! Please enable it!
]
Switch Mode
نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

سعي بربري 24

الفصل 24
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬

كان الكونت مولاندو يُقدّم الطعام والشراب مجانًا لأهالي منطقته. تلك طريقته لمواساة من تضرروا من الحرب، واحتفاله بانتصارهم.
” بصراحة، يا له من لورد رائع!” قال باتشمان وهو ينظر إلى الكونت مولاندو: “لقد استمرت الاحتفالات ليومين متتاليين”.
” حقًا؟ هل هذا سيدٌ طيب؟” ردّ يوريتش. لم يكن يفهم مجتمع النبلاء. من الغريب أن يسمح الناس لذلك الكونت مولاندو الضعيف بالسيطرة عليهم. في عالمه، زعيم القبيلة هو أكثر محاربيها احترامًا.
” على الأقل مولاندو لا يفرض أكثر مما يحتاج. هل أخبرتك يومًا لماذا غادرت مدينتي؟ لأنني كنت على وشك الموت جوعًا. هؤلاء الأوغاد المتغطرسون كانوا يفرضون الضرائب على الصيادين حتى في الشتاء عندما كانت السفن لا تستطيع الإبحار ” بصق باتشمان على الأرض. غيّر مساره المهني من صياد إلى مصارع. كان تغييرًا جاء براتب أعلى بكثير، لكن نادرًا ما كان المصارعون يتقاعدون سالمين. في أغلب الأحيان، تقاعدهم هو الموت.
“تحية للمرتزقة الذين جلبوا لنا النصر!”
“هنا، هنا!”
بدا الكونت مولاندو معجبًا جدًا بيوريتش ومرتزقته. لم يكن هذا النصر ليتحقق ولو من بعيد لولا مساعدتهم. أي شخص ذي بصيرة وعقل يدرك ذلك.
“هههه!” ضحك يوريتش وهو يتلقى أكوابًا تلو الأخرى. لا تزال رائحة القذارة تفوح منه، لكن يبدو أن أحدًا لم يكترث، ناهيك عن السخرية منه بسبب ذلك. بذل يوريتش قصارى جهده وقام بعملٍ سيءٍ لم يكن أحد ليفعله من أجل نصرهم، مع أنه كان مجرد مرتزق. في نظر مولاندو، بدا يوريتش رجلًا يتمتع بفضيلة المرتزقة – النزاهة.
“كم من الرجال المتحضرين يخونون ويكذبون؟ بالمقارنة بهم، يوريتش…”
بدا الحفل في كامل أرجائه.
“جارسيو الأسد الفضي سيكون الكونت الجديد لعائلة داجلتون.”
“هل سيخدم مرتزقة الأسد الفضي كجيش لهم إذًا؟ أشك في أن مساحة صغيرة من الأرض تكفي لمطالبهم بالتعويض.”
“من المحتمل أن يقوم بتقسيم الأرض وتوزيعها على المرتزقة مع الإعفاءات الضريبية.”
“حسنًا، معاهدة السلام لدينا سارية المفعول لمدة عشر سنوات، لذا مهما الأمر، فسوف نقلق بشأنه لاحقًا.”
كان الاتفاق الموثق على الورق دليلاً حاسماً. فإذا خالف أيٌّ من الطرفين هذا الاتفاق وغزا أراضي الطرف الآخر، نُفي من مجتمع النبلاء. وكان على النبلاء الالتزام بمعاهداتهم واحترام شرف بعضهم البعض.
“حسنًا، حسنًا، كفى! انتهى كل شيء ” هدّأ مولاندو أتباعه. تسلل من الاحتفالات ليتحدث مع يوريتش على انفراد.
“يوريتش، ألا تريد أن تستقر وتحظى بحياة مستقرة؟”
” ماذا تقصد يا كونت؟” سأل يوريتش وهو يرفع بنطاله بعد أن تبول على الحائط. مسح أصابعه في بنطاله بحرص.
“سأمنحك حصة من الأرض هنا وأعفيك من أي ضرائب. قابل امرأةً لطيفة هنا وأنشئ عائلةً على أرضي. كل ما عليك فعله هو القتال من أجلي.”
لقد كان عرضًا للولاء له، حتى أنه جاء مع أرضه الخاصة.
“هل تريد أن تعطيني الأرض؟”
بدا عرض مولاندو مُثيرًا للدهشة. كانت حقول القمح الذهبية الجميلة التي تحدث عنها يوريتش مع حورس تومض أمام عينيه. كاد يشم رائحة الشمس الذهبية.
“هل يمكنني أن أحصل على أرضي الخاصة؟ هنا؟”
كانت أرضًا لا يتطلب فيها محصولٌ ناجح سوى بذر البذور. لم يكن هناك خوفٌ من الموت جوعًا دون قضاء أيامٍ في رحلة صيد. ومع الإعفاء الضريبي، لم يكن عليه حتى أن يُعطي شيئًا منها للسيد.
“هذا عرض ضخم ” ابتسم يوريتش لأنه شعر أنه في صالحه.
“ماذا عن مرتزقتي الآخرين؟”
“منطقتي ليست واسعة بما يكفي لمنح قطعة منها لجميع مرتزقتك. لديّ ما يكفيك أنت واثنين، أو ربما ثلاثة آخرين.”
“إذن، إجابتي هي لا. في الواقع، لم يكن من المفترض أن تكون الإجابة بنعم من البداية. أعتذر ” هز يوريتش رأسه رافضًا العرض بأدب.
“أرى، هل يمكنني أن أسأل لماذا؟ ألا يحلم جميع المرتزقة بحياة مستقرة؟”
لم يفهم مولاندو سبب رفض يوريتش لعرضه. ربما كان ليفهم لو ذلك بدافع الولاء لزملائه المرتزقة.
نظر يوريتش إلى سماء الليل الصافية. القمر والنجوم يتألقان. لماذا يتألقان؟ لماذا يغير القمر شكله بين الحين والآخر؟ بدا هذا العالم مليئًا بأشياء لا يعرفها.
“…حسنًا، هذا الحلم ليس حلمي.”
* * *
“هو! ها! هو!”
كان الشعراء الذين استأجرهم مولاندو يغنون في الاحتفال. وكما هو مُعتاد في اليوم الأخير من الاحتفال، لم يكن هناك نقص في النساء أو النبيذ أو اللحوم.
” إقليم مولاندو في خطر! أعداء أقوياء!”
“هو!”
“أربعة وعشرون مرتزقًا شجاعًا ظهروا من العدم!”
غنى الشاعر في قافية.
“منذ متى لدينا أربعة وعشرون شخصا؟ لدينا اثنان وعشرون فقط، أليس كذلك؟”
“اترك الأمر، أيها الأحمق، فالشعراء يبالغون دائمًا في الأمور، على أي حال.”
فرغ المرتزقة بيرة مشروباتهم، فانسكب نصفها تقريبًا. وحرص الخدم على استمرار ملء الجعة، ولم تفرغ أكوابهم أبدًا.
“لقد تقدموا بلا خوف ضد المئات من مرتزقة الأسد الفضي الأقوياء.”
قرع الشاعر طبلته ورفع قدمه خارج الإيقاع. ودخل الشاعر المتدرب خلفه بجوقة من “هو! ها!”.
“إذا كان هذا هو ما حدث بالفعل، لكنا جميعًا في عداد الأموات الآن، أليس كذلك؟” ضحك المرتزقة بينما سعل بعض التابعين من الحرج.
“هكذا تُصنع السمعة،” قال الكونت مولاندو وهو يرتشف مشروبه. لقد دفع للمغنين ليؤلفوا لحنًا جذابًا عن المرتزقة.
“ههه، هذا ممتع ” ضحك يوريتش وهو يصفع ركبته. أمسك الآلة الوترية من الشاعر.
“أوه هذا…”
“أريد فقط أن أجرب! هل هذه طريقتك في العزف؟”
سحب يوريتش الوتر، فانكسر من إصبع يوريتش الخشن.
“أوه…”
عبس الشاعر الذي سلب آلته. ابتسم يوريتش باعتذار وأعاد الآلة المكسورة إلى صاحبها.
“عذرًا، عذرًا. كان الوتر أضعف مما توقعت. تفضل، خذه واستمر في غناء أغنيتك!”
عاد يوريتش إلى مقعده واحتسى مشروبه. ضحك المرتزقة على سوء حظهم.
” وقف أربعة وعشرون محاربًا شجاعًا ضد مرتزقة الأسد الفضي دون تردد، وفي زخمهم، فقد النبيل الشرير قبضته على الحصان وسقط إلى حتفه، وتحول الأسد الفضي إلى فأر رمادي ضعيف وهرب بعيدًا!”
“هو!”
“يوريتش ومحاربيه!”
“ها!”
“يوريتش وإخوته! قائدهم يوريتش، المحارب البربري من أرض غامضة!”
“هو! ها!”
“المرتزقة الحقيقيون الذين قاموا بحماية أراضي مولاندو!”
لم يتمكن المرتزقة من احتواء أنفسهم فانفجروا في الضحك، وضربوا أكوابهم على الطاولات وعلى ركبهم.
“باهاهاهاها!”
“يا لها من تحفة فنية، تحفة فنية!”
” حماة؟ نحن؟”
انتشرت حكايات الحرب في جميع أنحاء البلاد ككائن حي. ومع ذلك، تغيرت وتحولت. كان الشعراء فنانين، ومتجولين، ومصادر للأخبار أيضًا. تبادل الشعراء أحدث أغانيهم فيما بينهم، وفي بعض الأحيان بنوا سمعة طيبة لمن دفع لهم. لكن الشهرة دون دليل كانت نادرة.
“في النهاية، من المؤكد أن هؤلاء المرتزقة أنقذوني وأنقذوا إقليمي، بغض النظر عن الطريقة التي يصور بها هؤلاء الشعراء الأمر.”
قصتهم بمثابة هدية من الكونت مولاندو إلى يوريتش ومصارعيه. يضمن سمعة المرتزقة الذين استأجرهم لحماية أرضه.
“سينتقل هؤلاء الشعراء من مدينة لأخرى ويغنون أغنيتك. لقد دفعت لهم ما يكفي.”
“أنت لطيف للغاية، يا كونت ” قال يوريتش وهو يلتقط مشروبه وينهض متعثراً على قدميه، ويقف بجانب الكونت مولاندو.
“لا تذكر ذلك. إنه لا يُقارن بما فعلته لنا. لكن لا أستطيع أن أدفع لك أكثر مما ناقشناه سابقًا. هذه الحرب دفعتني إلى حافة الإفلاس.”
“حسنًا، هذا أكثر من كافٍ. أنا راضٍ، همف!”
سحب يوريتش فأسه ورماه على الأرض. انقسم فأرٌ تعيسٌ يندفع إلى الغابة إلى نصفين. أطلقت فتاةٌ عابرةٌ صرخةً خفيفة.
“لا يزال يرمي الفأس بدقة حتى بعد كل هذا الشرب. يا له من وحش!”
سحب يوريتش الفأس من الأرض.
“فريقنا يحتاج إلى اسم.”
لم يكن بإمكانه ترك مرتزقته يواصلون حياتهم دون اسم. فالسمعة تحتاج إلى لقب.
فكّر يوريتش في جارسيو، الرجل الذي قتل أخاه جبانًا ليستولي على عرشه. أثار ذلك اشمئزازه.
“بما أنني القائد، سأسمينا حاليًا “أخوة يوريتش”. ما دمت القائد، هناك قاعدة واحدة لا يجوز خرقها أبدًا: الأخوة لا يخونون بعضهم أبدًا. لا يهمني أي شيء آخر، ولكن إذا خالف أحد هذه القاعدة، فسأطارده حتى أقاصي هذه القارة وأشق جمجمته بيدي. أيها المؤيدون، ارفعوا كؤوسكم”
رفع يوريتش رأسه ونظر حوله ببطء إلى مرتزقته السكارى.
دق! دق! دق!
رفع المرتزقة أكوابهم وضربوها بقوة على الطاولات، فارتفعت البيرة عالياً في الهواء.
استمرّت الوليمة حتى الفجر. في المناطق المظللة، تشابك الرجال والنساء وأطلقوا أنينًا وحشيًا، بينما قضى الأكثر كرامةً وقتًا مع نسائهم في غرفهم الخاصة. كانت رائحة القيء تفوح من وسط الغرفة، ونام الرجال عليها بلا مبالاة. أما يوريتش، فبدا أيضًا ملتفًا في وضع غريب على طاولة، غارقًا في النوم.
وقف يوريتش في حلم. في ذلك الحلم، كان يركض عبر السهول. نظر إلى راحتيه فرأى أنهما نحيلتان لأنه لم يكن قد نضج بعد. حدق يوريتش الصغير في السهول الشاسعة والغابة. هبّت ريح عاتية تجتاح شعر يوريتش، وصعدت إلى جبال السماء.
“جبال السماء.”
لطالما اشتاق إلى جبال السماء. كان تسلقها ممنوعًا. أخبره الشامان والشيوخ أن الأحياء لا يجب أن يطلعوا على عالم الموتى.
’كان القدامى مخطئين. هذا هو عالم الأحياء.’
كبر جسد يوريتش الصغير كما هو الآن. لقد رأى حقيقة العالم على الجانب الآخر من الجبال. رآه بأم عينيه.
“يومًا ما، سأعود لأروي كل هذا لأهل قبيلتي. لن يتمكنوا حتى من تخيّل ما رأيته – لن يُصدّقوني أبدًا. لن يُصدّقوا أبدًا أن هناك عالمًا جديدًا كليًا على الجانب الآخر من جبال السماء.”
الرغبة الصغيرة داخل قلب يوريتش كانت تتلوى.
“و…أنا…”
اشتعلت السهول فجأةً. رأى جيشًا أسود. هناك رائحة دم معدنية قوية، و المعدن المصهور يتدفق في كل مكان. بدا يوريتش يقف في قلب كل ذلك. كان يقف في ساحة الدم والمعادن التي صنعتها الحرب. وبينما تلقى الشامان نبوءاتهم، رأى يوريتش بقايا رغبته المبعثرة.
“عذرا… آه!”
أيقظت الخادمة يوريتش، الذي كان غارقًا في العرق البارد. الصباح قد حل.
بوو!
أمسك يوريتش الخادمة من رقبتها وضربها بعمود خشبي. أصبحت عيناه تتوهجان صفراوين بينما البول يتساقط من ساقي الخادمة المذعورة.
“آه ” بعد أن استعاد وعيه، ترك يوريتش الخادمة. أمسك بيدها وسحبها إلى قدميها.
“لدي عادة نوم سيئة للغاية، أعتذر.”
ربت يوريتش على مؤخرة الخادمة وأرسلها بعيدًا بعملة ذهبية.
“حلم آخر.”
لقد اختفت ذكرياته عن الحلم مرة أخرى في الضباب.
“توقفوا عن النوم واستيقظوا أيها الكسالى ” طاف يوريتش في الغرفة، يركل مرتزقته لإيقاظهم. تقيأ بعضهم فور فتح أعينهم.
“لقد استمتعنا. الآن، لنعد إلى العمل. الحياة قصيرة يا إخوتي ” قال يوريتش للمرتزقة الساخطين.
في ذلك المساء، غادر يوريتش ومرتزقته أراضي مولاندو. وانتشرت أغنية “أخوة يوريتش”، التي أشادت بإنجازهم، في جميع أنحاء الإمبراطورية بينما تجول الشعراء في القارة.

كان الكونت مولاندو يُقدّم الطعام والشراب مجانًا لأهالي منطقته. تلك طريقته لمواساة من تضرروا من الحرب، واحتفاله بانتصارهم. ” بصراحة، يا له من لورد رائع!” قال باتشمان وهو ينظر إلى الكونت مولاندو: “لقد استمرت الاحتفالات ليومين متتاليين”. ” حقًا؟ هل هذا سيدٌ طيب؟” ردّ يوريتش. لم يكن يفهم مجتمع النبلاء. من الغريب أن يسمح الناس لذلك الكونت مولاندو الضعيف بالسيطرة عليهم. في عالمه، زعيم القبيلة هو أكثر محاربيها احترامًا. ” على الأقل مولاندو لا يفرض أكثر مما يحتاج. هل أخبرتك يومًا لماذا غادرت مدينتي؟ لأنني كنت على وشك الموت جوعًا. هؤلاء الأوغاد المتغطرسون كانوا يفرضون الضرائب على الصيادين حتى في الشتاء عندما كانت السفن لا تستطيع الإبحار ” بصق باتشمان على الأرض. غيّر مساره المهني من صياد إلى مصارع. كان تغييرًا جاء براتب أعلى بكثير، لكن نادرًا ما كان المصارعون يتقاعدون سالمين. في أغلب الأحيان، تقاعدهم هو الموت. “تحية للمرتزقة الذين جلبوا لنا النصر!” “هنا، هنا!” بدا الكونت مولاندو معجبًا جدًا بيوريتش ومرتزقته. لم يكن هذا النصر ليتحقق ولو من بعيد لولا مساعدتهم. أي شخص ذي بصيرة وعقل يدرك ذلك. “هههه!” ضحك يوريتش وهو يتلقى أكوابًا تلو الأخرى. لا تزال رائحة القذارة تفوح منه، لكن يبدو أن أحدًا لم يكترث، ناهيك عن السخرية منه بسبب ذلك. بذل يوريتش قصارى جهده وقام بعملٍ سيءٍ لم يكن أحد ليفعله من أجل نصرهم، مع أنه كان مجرد مرتزق. في نظر مولاندو، بدا يوريتش رجلًا يتمتع بفضيلة المرتزقة – النزاهة. “كم من الرجال المتحضرين يخونون ويكذبون؟ بالمقارنة بهم، يوريتش…” بدا الحفل في كامل أرجائه. “جارسيو الأسد الفضي سيكون الكونت الجديد لعائلة داجلتون.” “هل سيخدم مرتزقة الأسد الفضي كجيش لهم إذًا؟ أشك في أن مساحة صغيرة من الأرض تكفي لمطالبهم بالتعويض.” “من المحتمل أن يقوم بتقسيم الأرض وتوزيعها على المرتزقة مع الإعفاءات الضريبية.” “حسنًا، معاهدة السلام لدينا سارية المفعول لمدة عشر سنوات، لذا مهما الأمر، فسوف نقلق بشأنه لاحقًا.” كان الاتفاق الموثق على الورق دليلاً حاسماً. فإذا خالف أيٌّ من الطرفين هذا الاتفاق وغزا أراضي الطرف الآخر، نُفي من مجتمع النبلاء. وكان على النبلاء الالتزام بمعاهداتهم واحترام شرف بعضهم البعض. “حسنًا، حسنًا، كفى! انتهى كل شيء ” هدّأ مولاندو أتباعه. تسلل من الاحتفالات ليتحدث مع يوريتش على انفراد. “يوريتش، ألا تريد أن تستقر وتحظى بحياة مستقرة؟” ” ماذا تقصد يا كونت؟” سأل يوريتش وهو يرفع بنطاله بعد أن تبول على الحائط. مسح أصابعه في بنطاله بحرص. “سأمنحك حصة من الأرض هنا وأعفيك من أي ضرائب. قابل امرأةً لطيفة هنا وأنشئ عائلةً على أرضي. كل ما عليك فعله هو القتال من أجلي.” لقد كان عرضًا للولاء له، حتى أنه جاء مع أرضه الخاصة. “هل تريد أن تعطيني الأرض؟” بدا عرض مولاندو مُثيرًا للدهشة. كانت حقول القمح الذهبية الجميلة التي تحدث عنها يوريتش مع حورس تومض أمام عينيه. كاد يشم رائحة الشمس الذهبية. “هل يمكنني أن أحصل على أرضي الخاصة؟ هنا؟” كانت أرضًا لا يتطلب فيها محصولٌ ناجح سوى بذر البذور. لم يكن هناك خوفٌ من الموت جوعًا دون قضاء أيامٍ في رحلة صيد. ومع الإعفاء الضريبي، لم يكن عليه حتى أن يُعطي شيئًا منها للسيد. “هذا عرض ضخم ” ابتسم يوريتش لأنه شعر أنه في صالحه. “ماذا عن مرتزقتي الآخرين؟” “منطقتي ليست واسعة بما يكفي لمنح قطعة منها لجميع مرتزقتك. لديّ ما يكفيك أنت واثنين، أو ربما ثلاثة آخرين.” “إذن، إجابتي هي لا. في الواقع، لم يكن من المفترض أن تكون الإجابة بنعم من البداية. أعتذر ” هز يوريتش رأسه رافضًا العرض بأدب. “أرى، هل يمكنني أن أسأل لماذا؟ ألا يحلم جميع المرتزقة بحياة مستقرة؟” لم يفهم مولاندو سبب رفض يوريتش لعرضه. ربما كان ليفهم لو ذلك بدافع الولاء لزملائه المرتزقة. نظر يوريتش إلى سماء الليل الصافية. القمر والنجوم يتألقان. لماذا يتألقان؟ لماذا يغير القمر شكله بين الحين والآخر؟ بدا هذا العالم مليئًا بأشياء لا يعرفها. “…حسنًا، هذا الحلم ليس حلمي.” * * * “هو! ها! هو!” كان الشعراء الذين استأجرهم مولاندو يغنون في الاحتفال. وكما هو مُعتاد في اليوم الأخير من الاحتفال، لم يكن هناك نقص في النساء أو النبيذ أو اللحوم. ” إقليم مولاندو في خطر! أعداء أقوياء!” “هو!” “أربعة وعشرون مرتزقًا شجاعًا ظهروا من العدم!” غنى الشاعر في قافية. “منذ متى لدينا أربعة وعشرون شخصا؟ لدينا اثنان وعشرون فقط، أليس كذلك؟” “اترك الأمر، أيها الأحمق، فالشعراء يبالغون دائمًا في الأمور، على أي حال.” فرغ المرتزقة بيرة مشروباتهم، فانسكب نصفها تقريبًا. وحرص الخدم على استمرار ملء الجعة، ولم تفرغ أكوابهم أبدًا. “لقد تقدموا بلا خوف ضد المئات من مرتزقة الأسد الفضي الأقوياء.” قرع الشاعر طبلته ورفع قدمه خارج الإيقاع. ودخل الشاعر المتدرب خلفه بجوقة من “هو! ها!”. “إذا كان هذا هو ما حدث بالفعل، لكنا جميعًا في عداد الأموات الآن، أليس كذلك؟” ضحك المرتزقة بينما سعل بعض التابعين من الحرج. “هكذا تُصنع السمعة،” قال الكونت مولاندو وهو يرتشف مشروبه. لقد دفع للمغنين ليؤلفوا لحنًا جذابًا عن المرتزقة. “ههه، هذا ممتع ” ضحك يوريتش وهو يصفع ركبته. أمسك الآلة الوترية من الشاعر. “أوه هذا…” “أريد فقط أن أجرب! هل هذه طريقتك في العزف؟” سحب يوريتش الوتر، فانكسر من إصبع يوريتش الخشن. “أوه…” عبس الشاعر الذي سلب آلته. ابتسم يوريتش باعتذار وأعاد الآلة المكسورة إلى صاحبها. “عذرًا، عذرًا. كان الوتر أضعف مما توقعت. تفضل، خذه واستمر في غناء أغنيتك!” عاد يوريتش إلى مقعده واحتسى مشروبه. ضحك المرتزقة على سوء حظهم. ” وقف أربعة وعشرون محاربًا شجاعًا ضد مرتزقة الأسد الفضي دون تردد، وفي زخمهم، فقد النبيل الشرير قبضته على الحصان وسقط إلى حتفه، وتحول الأسد الفضي إلى فأر رمادي ضعيف وهرب بعيدًا!” “هو!” “يوريتش ومحاربيه!” “ها!” “يوريتش وإخوته! قائدهم يوريتش، المحارب البربري من أرض غامضة!” “هو! ها!” “المرتزقة الحقيقيون الذين قاموا بحماية أراضي مولاندو!” لم يتمكن المرتزقة من احتواء أنفسهم فانفجروا في الضحك، وضربوا أكوابهم على الطاولات وعلى ركبهم. “باهاهاهاها!” “يا لها من تحفة فنية، تحفة فنية!” ” حماة؟ نحن؟” انتشرت حكايات الحرب في جميع أنحاء البلاد ككائن حي. ومع ذلك، تغيرت وتحولت. كان الشعراء فنانين، ومتجولين، ومصادر للأخبار أيضًا. تبادل الشعراء أحدث أغانيهم فيما بينهم، وفي بعض الأحيان بنوا سمعة طيبة لمن دفع لهم. لكن الشهرة دون دليل كانت نادرة. “في النهاية، من المؤكد أن هؤلاء المرتزقة أنقذوني وأنقذوا إقليمي، بغض النظر عن الطريقة التي يصور بها هؤلاء الشعراء الأمر.” قصتهم بمثابة هدية من الكونت مولاندو إلى يوريتش ومصارعيه. يضمن سمعة المرتزقة الذين استأجرهم لحماية أرضه. “سينتقل هؤلاء الشعراء من مدينة لأخرى ويغنون أغنيتك. لقد دفعت لهم ما يكفي.” “أنت لطيف للغاية، يا كونت ” قال يوريتش وهو يلتقط مشروبه وينهض متعثراً على قدميه، ويقف بجانب الكونت مولاندو. “لا تذكر ذلك. إنه لا يُقارن بما فعلته لنا. لكن لا أستطيع أن أدفع لك أكثر مما ناقشناه سابقًا. هذه الحرب دفعتني إلى حافة الإفلاس.” “حسنًا، هذا أكثر من كافٍ. أنا راضٍ، همف!” سحب يوريتش فأسه ورماه على الأرض. انقسم فأرٌ تعيسٌ يندفع إلى الغابة إلى نصفين. أطلقت فتاةٌ عابرةٌ صرخةً خفيفة. “لا يزال يرمي الفأس بدقة حتى بعد كل هذا الشرب. يا له من وحش!” سحب يوريتش الفأس من الأرض. “فريقنا يحتاج إلى اسم.” لم يكن بإمكانه ترك مرتزقته يواصلون حياتهم دون اسم. فالسمعة تحتاج إلى لقب. فكّر يوريتش في جارسيو، الرجل الذي قتل أخاه جبانًا ليستولي على عرشه. أثار ذلك اشمئزازه. “بما أنني القائد، سأسمينا حاليًا “أخوة يوريتش”. ما دمت القائد، هناك قاعدة واحدة لا يجوز خرقها أبدًا: الأخوة لا يخونون بعضهم أبدًا. لا يهمني أي شيء آخر، ولكن إذا خالف أحد هذه القاعدة، فسأطارده حتى أقاصي هذه القارة وأشق جمجمته بيدي. أيها المؤيدون، ارفعوا كؤوسكم” رفع يوريتش رأسه ونظر حوله ببطء إلى مرتزقته السكارى. دق! دق! دق! رفع المرتزقة أكوابهم وضربوها بقوة على الطاولات، فارتفعت البيرة عالياً في الهواء. استمرّت الوليمة حتى الفجر. في المناطق المظللة، تشابك الرجال والنساء وأطلقوا أنينًا وحشيًا، بينما قضى الأكثر كرامةً وقتًا مع نسائهم في غرفهم الخاصة. كانت رائحة القيء تفوح من وسط الغرفة، ونام الرجال عليها بلا مبالاة. أما يوريتش، فبدا أيضًا ملتفًا في وضع غريب على طاولة، غارقًا في النوم. وقف يوريتش في حلم. في ذلك الحلم، كان يركض عبر السهول. نظر إلى راحتيه فرأى أنهما نحيلتان لأنه لم يكن قد نضج بعد. حدق يوريتش الصغير في السهول الشاسعة والغابة. هبّت ريح عاتية تجتاح شعر يوريتش، وصعدت إلى جبال السماء. “جبال السماء.” لطالما اشتاق إلى جبال السماء. كان تسلقها ممنوعًا. أخبره الشامان والشيوخ أن الأحياء لا يجب أن يطلعوا على عالم الموتى. ’كان القدامى مخطئين. هذا هو عالم الأحياء.’ كبر جسد يوريتش الصغير كما هو الآن. لقد رأى حقيقة العالم على الجانب الآخر من الجبال. رآه بأم عينيه. “يومًا ما، سأعود لأروي كل هذا لأهل قبيلتي. لن يتمكنوا حتى من تخيّل ما رأيته – لن يُصدّقوني أبدًا. لن يُصدّقوا أبدًا أن هناك عالمًا جديدًا كليًا على الجانب الآخر من جبال السماء.” الرغبة الصغيرة داخل قلب يوريتش كانت تتلوى. “و…أنا…” اشتعلت السهول فجأةً. رأى جيشًا أسود. هناك رائحة دم معدنية قوية، و المعدن المصهور يتدفق في كل مكان. بدا يوريتش يقف في قلب كل ذلك. كان يقف في ساحة الدم والمعادن التي صنعتها الحرب. وبينما تلقى الشامان نبوءاتهم، رأى يوريتش بقايا رغبته المبعثرة. “عذرا… آه!” أيقظت الخادمة يوريتش، الذي كان غارقًا في العرق البارد. الصباح قد حل. بوو! أمسك يوريتش الخادمة من رقبتها وضربها بعمود خشبي. أصبحت عيناه تتوهجان صفراوين بينما البول يتساقط من ساقي الخادمة المذعورة. “آه ” بعد أن استعاد وعيه، ترك يوريتش الخادمة. أمسك بيدها وسحبها إلى قدميها. “لدي عادة نوم سيئة للغاية، أعتذر.” ربت يوريتش على مؤخرة الخادمة وأرسلها بعيدًا بعملة ذهبية. “حلم آخر.” لقد اختفت ذكرياته عن الحلم مرة أخرى في الضباب. “توقفوا عن النوم واستيقظوا أيها الكسالى ” طاف يوريتش في الغرفة، يركل مرتزقته لإيقاظهم. تقيأ بعضهم فور فتح أعينهم. “لقد استمتعنا. الآن، لنعد إلى العمل. الحياة قصيرة يا إخوتي ” قال يوريتش للمرتزقة الساخطين. في ذلك المساء، غادر يوريتش ومرتزقته أراضي مولاندو. وانتشرت أغنية “أخوة يوريتش”، التي أشادت بإنجازهم، في جميع أنحاء الإمبراطورية بينما تجول الشعراء في القارة.

 

كان الكونت مولاندو يُقدّم الطعام والشراب مجانًا لأهالي منطقته. تلك طريقته لمواساة من تضرروا من الحرب، واحتفاله بانتصارهم. ” بصراحة، يا له من لورد رائع!” قال باتشمان وهو ينظر إلى الكونت مولاندو: “لقد استمرت الاحتفالات ليومين متتاليين”. ” حقًا؟ هل هذا سيدٌ طيب؟” ردّ يوريتش. لم يكن يفهم مجتمع النبلاء. من الغريب أن يسمح الناس لذلك الكونت مولاندو الضعيف بالسيطرة عليهم. في عالمه، زعيم القبيلة هو أكثر محاربيها احترامًا. ” على الأقل مولاندو لا يفرض أكثر مما يحتاج. هل أخبرتك يومًا لماذا غادرت مدينتي؟ لأنني كنت على وشك الموت جوعًا. هؤلاء الأوغاد المتغطرسون كانوا يفرضون الضرائب على الصيادين حتى في الشتاء عندما كانت السفن لا تستطيع الإبحار ” بصق باتشمان على الأرض. غيّر مساره المهني من صياد إلى مصارع. كان تغييرًا جاء براتب أعلى بكثير، لكن نادرًا ما كان المصارعون يتقاعدون سالمين. في أغلب الأحيان، تقاعدهم هو الموت. “تحية للمرتزقة الذين جلبوا لنا النصر!” “هنا، هنا!” بدا الكونت مولاندو معجبًا جدًا بيوريتش ومرتزقته. لم يكن هذا النصر ليتحقق ولو من بعيد لولا مساعدتهم. أي شخص ذي بصيرة وعقل يدرك ذلك. “هههه!” ضحك يوريتش وهو يتلقى أكوابًا تلو الأخرى. لا تزال رائحة القذارة تفوح منه، لكن يبدو أن أحدًا لم يكترث، ناهيك عن السخرية منه بسبب ذلك. بذل يوريتش قصارى جهده وقام بعملٍ سيءٍ لم يكن أحد ليفعله من أجل نصرهم، مع أنه كان مجرد مرتزق. في نظر مولاندو، بدا يوريتش رجلًا يتمتع بفضيلة المرتزقة – النزاهة. “كم من الرجال المتحضرين يخونون ويكذبون؟ بالمقارنة بهم، يوريتش…” بدا الحفل في كامل أرجائه. “جارسيو الأسد الفضي سيكون الكونت الجديد لعائلة داجلتون.” “هل سيخدم مرتزقة الأسد الفضي كجيش لهم إذًا؟ أشك في أن مساحة صغيرة من الأرض تكفي لمطالبهم بالتعويض.” “من المحتمل أن يقوم بتقسيم الأرض وتوزيعها على المرتزقة مع الإعفاءات الضريبية.” “حسنًا، معاهدة السلام لدينا سارية المفعول لمدة عشر سنوات، لذا مهما الأمر، فسوف نقلق بشأنه لاحقًا.” كان الاتفاق الموثق على الورق دليلاً حاسماً. فإذا خالف أيٌّ من الطرفين هذا الاتفاق وغزا أراضي الطرف الآخر، نُفي من مجتمع النبلاء. وكان على النبلاء الالتزام بمعاهداتهم واحترام شرف بعضهم البعض. “حسنًا، حسنًا، كفى! انتهى كل شيء ” هدّأ مولاندو أتباعه. تسلل من الاحتفالات ليتحدث مع يوريتش على انفراد. “يوريتش، ألا تريد أن تستقر وتحظى بحياة مستقرة؟” ” ماذا تقصد يا كونت؟” سأل يوريتش وهو يرفع بنطاله بعد أن تبول على الحائط. مسح أصابعه في بنطاله بحرص. “سأمنحك حصة من الأرض هنا وأعفيك من أي ضرائب. قابل امرأةً لطيفة هنا وأنشئ عائلةً على أرضي. كل ما عليك فعله هو القتال من أجلي.” لقد كان عرضًا للولاء له، حتى أنه جاء مع أرضه الخاصة. “هل تريد أن تعطيني الأرض؟” بدا عرض مولاندو مُثيرًا للدهشة. كانت حقول القمح الذهبية الجميلة التي تحدث عنها يوريتش مع حورس تومض أمام عينيه. كاد يشم رائحة الشمس الذهبية. “هل يمكنني أن أحصل على أرضي الخاصة؟ هنا؟” كانت أرضًا لا يتطلب فيها محصولٌ ناجح سوى بذر البذور. لم يكن هناك خوفٌ من الموت جوعًا دون قضاء أيامٍ في رحلة صيد. ومع الإعفاء الضريبي، لم يكن عليه حتى أن يُعطي شيئًا منها للسيد. “هذا عرض ضخم ” ابتسم يوريتش لأنه شعر أنه في صالحه. “ماذا عن مرتزقتي الآخرين؟” “منطقتي ليست واسعة بما يكفي لمنح قطعة منها لجميع مرتزقتك. لديّ ما يكفيك أنت واثنين، أو ربما ثلاثة آخرين.” “إذن، إجابتي هي لا. في الواقع، لم يكن من المفترض أن تكون الإجابة بنعم من البداية. أعتذر ” هز يوريتش رأسه رافضًا العرض بأدب. “أرى، هل يمكنني أن أسأل لماذا؟ ألا يحلم جميع المرتزقة بحياة مستقرة؟” لم يفهم مولاندو سبب رفض يوريتش لعرضه. ربما كان ليفهم لو ذلك بدافع الولاء لزملائه المرتزقة. نظر يوريتش إلى سماء الليل الصافية. القمر والنجوم يتألقان. لماذا يتألقان؟ لماذا يغير القمر شكله بين الحين والآخر؟ بدا هذا العالم مليئًا بأشياء لا يعرفها. “…حسنًا، هذا الحلم ليس حلمي.” * * * “هو! ها! هو!” كان الشعراء الذين استأجرهم مولاندو يغنون في الاحتفال. وكما هو مُعتاد في اليوم الأخير من الاحتفال، لم يكن هناك نقص في النساء أو النبيذ أو اللحوم. ” إقليم مولاندو في خطر! أعداء أقوياء!” “هو!” “أربعة وعشرون مرتزقًا شجاعًا ظهروا من العدم!” غنى الشاعر في قافية. “منذ متى لدينا أربعة وعشرون شخصا؟ لدينا اثنان وعشرون فقط، أليس كذلك؟” “اترك الأمر، أيها الأحمق، فالشعراء يبالغون دائمًا في الأمور، على أي حال.” فرغ المرتزقة بيرة مشروباتهم، فانسكب نصفها تقريبًا. وحرص الخدم على استمرار ملء الجعة، ولم تفرغ أكوابهم أبدًا. “لقد تقدموا بلا خوف ضد المئات من مرتزقة الأسد الفضي الأقوياء.” قرع الشاعر طبلته ورفع قدمه خارج الإيقاع. ودخل الشاعر المتدرب خلفه بجوقة من “هو! ها!”. “إذا كان هذا هو ما حدث بالفعل، لكنا جميعًا في عداد الأموات الآن، أليس كذلك؟” ضحك المرتزقة بينما سعل بعض التابعين من الحرج. “هكذا تُصنع السمعة،” قال الكونت مولاندو وهو يرتشف مشروبه. لقد دفع للمغنين ليؤلفوا لحنًا جذابًا عن المرتزقة. “ههه، هذا ممتع ” ضحك يوريتش وهو يصفع ركبته. أمسك الآلة الوترية من الشاعر. “أوه هذا…” “أريد فقط أن أجرب! هل هذه طريقتك في العزف؟” سحب يوريتش الوتر، فانكسر من إصبع يوريتش الخشن. “أوه…” عبس الشاعر الذي سلب آلته. ابتسم يوريتش باعتذار وأعاد الآلة المكسورة إلى صاحبها. “عذرًا، عذرًا. كان الوتر أضعف مما توقعت. تفضل، خذه واستمر في غناء أغنيتك!” عاد يوريتش إلى مقعده واحتسى مشروبه. ضحك المرتزقة على سوء حظهم. ” وقف أربعة وعشرون محاربًا شجاعًا ضد مرتزقة الأسد الفضي دون تردد، وفي زخمهم، فقد النبيل الشرير قبضته على الحصان وسقط إلى حتفه، وتحول الأسد الفضي إلى فأر رمادي ضعيف وهرب بعيدًا!” “هو!” “يوريتش ومحاربيه!” “ها!” “يوريتش وإخوته! قائدهم يوريتش، المحارب البربري من أرض غامضة!” “هو! ها!” “المرتزقة الحقيقيون الذين قاموا بحماية أراضي مولاندو!” لم يتمكن المرتزقة من احتواء أنفسهم فانفجروا في الضحك، وضربوا أكوابهم على الطاولات وعلى ركبهم. “باهاهاهاها!” “يا لها من تحفة فنية، تحفة فنية!” ” حماة؟ نحن؟” انتشرت حكايات الحرب في جميع أنحاء البلاد ككائن حي. ومع ذلك، تغيرت وتحولت. كان الشعراء فنانين، ومتجولين، ومصادر للأخبار أيضًا. تبادل الشعراء أحدث أغانيهم فيما بينهم، وفي بعض الأحيان بنوا سمعة طيبة لمن دفع لهم. لكن الشهرة دون دليل كانت نادرة. “في النهاية، من المؤكد أن هؤلاء المرتزقة أنقذوني وأنقذوا إقليمي، بغض النظر عن الطريقة التي يصور بها هؤلاء الشعراء الأمر.” قصتهم بمثابة هدية من الكونت مولاندو إلى يوريتش ومصارعيه. يضمن سمعة المرتزقة الذين استأجرهم لحماية أرضه. “سينتقل هؤلاء الشعراء من مدينة لأخرى ويغنون أغنيتك. لقد دفعت لهم ما يكفي.” “أنت لطيف للغاية، يا كونت ” قال يوريتش وهو يلتقط مشروبه وينهض متعثراً على قدميه، ويقف بجانب الكونت مولاندو. “لا تذكر ذلك. إنه لا يُقارن بما فعلته لنا. لكن لا أستطيع أن أدفع لك أكثر مما ناقشناه سابقًا. هذه الحرب دفعتني إلى حافة الإفلاس.” “حسنًا، هذا أكثر من كافٍ. أنا راضٍ، همف!” سحب يوريتش فأسه ورماه على الأرض. انقسم فأرٌ تعيسٌ يندفع إلى الغابة إلى نصفين. أطلقت فتاةٌ عابرةٌ صرخةً خفيفة. “لا يزال يرمي الفأس بدقة حتى بعد كل هذا الشرب. يا له من وحش!” سحب يوريتش الفأس من الأرض. “فريقنا يحتاج إلى اسم.” لم يكن بإمكانه ترك مرتزقته يواصلون حياتهم دون اسم. فالسمعة تحتاج إلى لقب. فكّر يوريتش في جارسيو، الرجل الذي قتل أخاه جبانًا ليستولي على عرشه. أثار ذلك اشمئزازه. “بما أنني القائد، سأسمينا حاليًا “أخوة يوريتش”. ما دمت القائد، هناك قاعدة واحدة لا يجوز خرقها أبدًا: الأخوة لا يخونون بعضهم أبدًا. لا يهمني أي شيء آخر، ولكن إذا خالف أحد هذه القاعدة، فسأطارده حتى أقاصي هذه القارة وأشق جمجمته بيدي. أيها المؤيدون، ارفعوا كؤوسكم” رفع يوريتش رأسه ونظر حوله ببطء إلى مرتزقته السكارى. دق! دق! دق! رفع المرتزقة أكوابهم وضربوها بقوة على الطاولات، فارتفعت البيرة عالياً في الهواء. استمرّت الوليمة حتى الفجر. في المناطق المظللة، تشابك الرجال والنساء وأطلقوا أنينًا وحشيًا، بينما قضى الأكثر كرامةً وقتًا مع نسائهم في غرفهم الخاصة. كانت رائحة القيء تفوح من وسط الغرفة، ونام الرجال عليها بلا مبالاة. أما يوريتش، فبدا أيضًا ملتفًا في وضع غريب على طاولة، غارقًا في النوم. وقف يوريتش في حلم. في ذلك الحلم، كان يركض عبر السهول. نظر إلى راحتيه فرأى أنهما نحيلتان لأنه لم يكن قد نضج بعد. حدق يوريتش الصغير في السهول الشاسعة والغابة. هبّت ريح عاتية تجتاح شعر يوريتش، وصعدت إلى جبال السماء. “جبال السماء.” لطالما اشتاق إلى جبال السماء. كان تسلقها ممنوعًا. أخبره الشامان والشيوخ أن الأحياء لا يجب أن يطلعوا على عالم الموتى. ’كان القدامى مخطئين. هذا هو عالم الأحياء.’ كبر جسد يوريتش الصغير كما هو الآن. لقد رأى حقيقة العالم على الجانب الآخر من الجبال. رآه بأم عينيه. “يومًا ما، سأعود لأروي كل هذا لأهل قبيلتي. لن يتمكنوا حتى من تخيّل ما رأيته – لن يُصدّقوني أبدًا. لن يُصدّقوا أبدًا أن هناك عالمًا جديدًا كليًا على الجانب الآخر من جبال السماء.” الرغبة الصغيرة داخل قلب يوريتش كانت تتلوى. “و…أنا…” اشتعلت السهول فجأةً. رأى جيشًا أسود. هناك رائحة دم معدنية قوية، و المعدن المصهور يتدفق في كل مكان. بدا يوريتش يقف في قلب كل ذلك. كان يقف في ساحة الدم والمعادن التي صنعتها الحرب. وبينما تلقى الشامان نبوءاتهم، رأى يوريتش بقايا رغبته المبعثرة. “عذرا… آه!” أيقظت الخادمة يوريتش، الذي كان غارقًا في العرق البارد. الصباح قد حل. بوو! أمسك يوريتش الخادمة من رقبتها وضربها بعمود خشبي. أصبحت عيناه تتوهجان صفراوين بينما البول يتساقط من ساقي الخادمة المذعورة. “آه ” بعد أن استعاد وعيه، ترك يوريتش الخادمة. أمسك بيدها وسحبها إلى قدميها. “لدي عادة نوم سيئة للغاية، أعتذر.” ربت يوريتش على مؤخرة الخادمة وأرسلها بعيدًا بعملة ذهبية. “حلم آخر.” لقد اختفت ذكرياته عن الحلم مرة أخرى في الضباب. “توقفوا عن النوم واستيقظوا أيها الكسالى ” طاف يوريتش في الغرفة، يركل مرتزقته لإيقاظهم. تقيأ بعضهم فور فتح أعينهم. “لقد استمتعنا. الآن، لنعد إلى العمل. الحياة قصيرة يا إخوتي ” قال يوريتش للمرتزقة الساخطين. في ذلك المساء، غادر يوريتش ومرتزقته أراضي مولاندو. وانتشرت أغنية “أخوة يوريتش”، التي أشادت بإنجازهم، في جميع أنحاء الإمبراطورية بينما تجول الشعراء في القارة.

 

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

Ads Blocker Detected!!!

We have detected that you are using extensions to block ads. Please support us by disabling these ads blocker.

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط