الفصل 49: الطريق إلى الإمبراطورية
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
بعد مغادرة مدينة فالجما، سلكت فرقة المرتزقة الطريق الرئيسي المتجه نحو الأراضي الإمبراطورية. وفضلوا عدم المرور بأي مدن أو أراضٍ أخرى لتعويض الوقت الذي ضاع منهم أثناء وجود يوريتش طريح الفراش. وكانوا قد خيّموا بالفعل لثلاث ليالٍ منذ مغادرتهم.
كان باهيل يتلقى تدريبًا على المبارزة من فيليون طوال رحلاتهم.
“صاحب السمو، بحركات كهذه، لن تتمكن حتى من هزيمتي، وأنا لا أملك سوى يد يسرى ” قال فيليون وهو يرمي سيفه. كان باهيل يلهث أمامه.
“اللعنة، لماذا هذا السيف ثقيل جدًا!”
انزعج باهيل. هو من نسل ملكي في النهاية، لذا فقد تلقى تدريبًا أساسيًا. ومع ذلك، لم يتعلم إلا بسيف خشبي تدريبي، حتى أنه تغيب عن معظم التدريب.
’الأمير طلب التدريب حقًا. لم يُجبره أحد على ذلك’.
ابتسم فيليون بفخر وأرجح سيفه بيده اليسرى.
بوو!
أسقط باهيل سيفه. أصبحت يداه مليئتين بالبثور.
“أعتقد أن هذا مناسب لليوم. ستعتاد عليه قريبًا.”
أومأ باهيل برأسه وأغمد فيليون سيفه.
“في رأيك، يا سيد فيليون، ما مدى قوة يوريتش؟” سأل باهيل، الذي يستريح وفي يده بعض الماء، فيليون.
“إنه محاربٌ بحق. ليس قويًا فحسب، بل إن مهاراته القتالية تفوق سنه بكثير.” فيليون قيّم يوريتش بمعاييره الخاصة، فقد رآه يقاتل طوال فترة قضاها معًا.
“هل تعتقد أن هناك أي شخص من مملكتنا يمكنه أن يتولى أمره؟”
صمت فيليون لحظة. لم يستطع الإجابة على سؤال الأمير بسهولة.
“لا أستطيع أن أفكر في اسم واحد، ولكن سيكون من المخزي أيضًا أن نقول إنه لا يوجد شخص واحد في مملكتنا.”
واصل باهيل بينما تردد فيليون.
“على الأرجح لا، على الأقل ليس في مملكتنا. ماذا عن الإمبراطورية إذًا؟ ربما شيطان السيف فيرزين؟”
” شيطان السيف فيرزين كبير في السن. تجاوز السبعين من عمره الآن. لا يوجد محارب قادر على تجاوز الشيخوخة، مهما بلغت روعته. فيرزين بصمة خالدة في التاريخ، قاتل في التوحيد العظيم، والفتوحات العظيمة، بالإضافة إلى إخضاع البرابرة. لكنني متأكد من وجود رجال في فرسان الإمبراطورية أو محاربي الشمس يضاهيون مهارات يوريتش.”
لم يكن فيليون واثقًا من إجابته. ففي النهاية، لم يكن سوى فارس من مملكة صغيرة، قضى حياته في مرافقة العائلة المالكة وحراستها. لم تكن خبرته القتالية ترقى إلى مستوى فارس عادي في عمره.
“سيد فيليون، لو طلبتُ من يوريتش أن يكون حارسي في نهاية هذه الرحلة، هل تعتقد أنه سيقبل؟” خفّت الحرارة التي كانت على وجه باهيل. وعندما رفع عينيه الزرقاوين، أشرقت عليه أناقة وجمال الملوكية.
“لا أستطيع قول ذلك يا صاحب السمو. ليس لدينا أدنى فكرة عن هدف هذا البربري. الشيء المؤكد هو أنه لا يطمع في المال.”
“حسنًا. على أي حال، لم أكن أتوقع منك إجابة محددة. أردت فقط أن تعرف نواياي ” قال باهيل وهو ينظر إلى الشجيرات.
بدا المرتزقة الذين خرجوا للصيد عائدين إلى المخيم. هناك غابة قريبة، وكان بعض المرتزقة واثقين جدًا من مهاراتهم في الصيد.
“اغلي بعض الماء. سنسلخه قريبًا.”
سحب المرتزقة خمسة أرانب، فذبحوها بسرعة وقطعوها إربًا.
“أوه.”
باهيل، الذي يعاني من ضعف في المعدة، نظر بعيدا.
“إذا كنت تريد حقًا أن تتعلم كيفية استخدام السيف، يجب أن تحاول التعود على الدم، يا صاحب السمو.”
“مرحبًا يا باهيل، هل تريد التجربة؟ الأمر ليس صعبًا ” سأل يوريتش، الذي ينظف اللحم، باهيل.
“أومم.”
قام باهيل بتقطيع الأرنب بطريقة محرجة بناءً على تعليمات يوريتش.
” استخدم السكين فقط لفصل الجلد عن اللحم قليلاً، ثم اسحبه جيدًا.”
بوو!
شدّ يوريتش بقوة ونزع جلد الأرنب عن اللحم. انكشف لحم الأرنب الوردي.
“انتظر!” اندفع باهيل ووقف خلف شجرة. بدا صوت تقيؤه عاليًا وواضحًا.
“ههه، الطعام الذي يأكله هذا الرجل لا يمر عبر مؤخرته، بل يخرج من فمه. فلتتضور جوعًا إذن يا باهيل.”
قال يوريتش وهو يقطع عيني الأرنب ويضعهما في فمه: ” لذيذة جدا!”. ضحك المرتزقة من تعليقه. وُضع اللحم في القدور لسلقه. ورغم أن اللحم لم يكن كافيًا لإطعام جميع المرتزقة، إلا أن مرق اللحم الدافئ بدا مُنعشًا.
بوووب.
أطلق الجندي المرتزق النوبة البوق، وقام الذين كانوا يعدون طعامهم بأسلحتهم.
“ما الخطب؟”
“أي طريق؟”
أشار المرتزقة المناوبون نحو الأفق. اصطفت مجموعة من المحاربين المسلحين على طول الأفق.
“يا إلهي، يا لهم من مجموعة وقحة! ألا يرون أننا نحاول الأكل؟”
“احملوا دروعكم وانظروا حولكم. قد يكونون قادمين من كلا الجانبين. ابقوا متيقظين.”
تحرك المرتزقة بسرعة.
“هذا غريب. لو أنهم عثروا علينا قبل أن نلاحظهم، لكانوا قد باغتنا. لكنهم ينتظروننا لنستعد للمعركة ” قال باتشمان وهو يضيق عينيه.
“مهلاً، أحدهم قادمٌ من هنا. انتظروا! لا تهاجموا الآن ” قال دونوفان وهو يُقيّم تشكيل المرتزقة.
الرسول الذي ركض من التلال قام بمسح يوريتش وفرقة المرتزقة بسرعة.
” نحن فرقة المرتزقة، ذئاب هرون التابعة لـ هرون!”
تمتم المرتزقة عند كلام الرسول.
“مجموعة ذئاب هرون؟ هل يعرف أحد من هم؟”
” هرون هو اسم شمالي، أليس كذلك؟”
نظر يوريتش إلى سفين، الذي كان يربت على ذقنه ويفكر في نفسه.
“هرون، هرون، هرون… هناك عدد لا بأس به من المحاربين بهذا الاسم، ولكن أتساءل ما إذا هو هذا الشخص؟”
بينما كان سفين مشغولاً بمحاولة معرفة من هو هذا هرون، تقدم يوريتش للأمام.
“نحن أخوة يوريتش. قل ما تريد.”
قام الرسول بمسح يوريتش من أعلى إلى أسفل وفتح فمه.
“نريد أن نأخذ الرجال الذين تحميهم. سلمهم لنا دون أي ضجة، وسنغادر جميعًا دون أن تفقد قطرة دم واحدة.”
ضحك يوريتش والمرتزقة على كلام الرسول. وتردد صدى ضحكهم في أرجاء المنطقة.
“أنت تمزح، صحيح؟ دم؟ لا أعرف من أين أتيتَ يا كيس العظام، لكن إن كنتم مرتزقة، فقاتلوا بالسيوف كما لو كنتم مرتزقة.”
أومأ الرسول برأسه وكأنه يعرف بالفعل ما سيقوله يوريتش.
” أعدادنا وأعدادكم متشابهة جدًا. لن يتمكن أيٌّ منا من تجنّب خسائر فادحة، مهما كان المنتصر. من قيم قائدنا المرتزق، هرون، ألا يُهدر دمٌ سدىً. ماذا لو حسمنا هذا الأمر بمبارزة بين قادتنا؟”
أثار الرسول موضوع مبارزة، وكان يوريتش على وشك قبولها دون تردد.
“انتظر، يوريتش.”
أمسك دونوفان بكتف يوريتش وصاح على الرسول.
“امنحنا دقيقة واحدة لاتخاذ القرار ما إذا كنا نريد مبارزة أو معركة شاملة.”
ألقى الرسول نظرةً على معسكره للحظة، ثم أجاب: ” إن لم تعودوا إلينا سريعًا، فسيأتي قائدنا مُهاجمًا دون سابق إنذار. ستُغرق الأرض بالدماء اليوم. ”
ووقف الرسول في مكانه منتظرا قرارهم.
تراجع يوريتش إلى الوراء للحظة، وبينما بدا يوريتش يسير خلف المرتزقة، ضربوا دروعهم على الجدران ونظروا إلى أعدائهم.
“لقد عيّنهم الدوق هارماتي. لقد أهدرنا وقتًا طويلًا في فالجما ” قال فيليون في نفسه. لم يكن ينوي إلقاء اللوم على يوريتش، ولكن كان من الممكن تجنّب هذا الصراع لو لم يتجاوزا مدة زيارتهما لفالجما.
“يجب أن يكون زعيمهم واثقًا جدًا من مهاراته في المبارزة إذا اختار ذلك بدلاً من ميزة الهجوم المفاجئ ” قال دونوفان وهو ينظر إلى معسكر العدو.
“سأقطع حلقه. ما المشكلة هنا؟ هذه فرصة جيدة لنا. هل تعتقد أنني سأخسر؟”
“فكّر في الأمر يا يوريتش، ماذا لو كانت مهارات فرقتهم القتالية ضعيفة لدرجة أنهم تخلّوا عن الهجوم المفاجئ لتجنب معركة كبيرة؟ فرقتنا ممتازة. معظمنا كان مصارعًا قبل هذا. وربما سمعوا أننا قاتلنا الأسد الفضي ” دار باتشمان في رأسه بسرعة.
“ههه، إذًا اقترحوا مبارزة بين الزعيمين لأنهم يعتقدون أن لديهما فرصة أفضل للفوز. ههه!” صفع يوريتش ركبته.
“هيا بنا نهاجمهم وندمرهم جميعًا يا يوريتش. قد تكون أعدادنا متقاربة، لكن نادرًا ما تكون فرق المرتزقة الأخرى أقوى منا ” قال دونوفان وهو يسحب سيفه.
“لا، لا بأس. لنبدأ المبارزة ” لوّح يوريتش بيده.
عبس كلٌّ من دونوفان وباتشمان أمام عناد يوريتش. كانت آراؤهما متفقة للمرة الأولى.
” ألم تسمع كلمة مما قلناه يا يوريتش؟ ”
” لا ضمانة أنهم سيقاتلون بنزاهة. ماذا لو كان هناك كمين بانتظارك؟ إذا متّ، ستموت معنوياتنا معك. سنخسر معركة كنا نفوز بها عادةً ونحن مغمضو الأعين ” قال دونوفان وباتشمان معًا.
” لقد أُلقي القبض علينا فقط لأنني كنت مريضًا لأيام، أليس كذلك؟ لذا، عليّ أن أتحمل مسؤولية ذلك. إذا قاتلنا كفرقة، فمن المؤكد أننا سنتكبد بعض الخسائر حتى لو فزنا. من الجيد تجنب أي سفك دماء غير ضروري، أليس كذلك؟ أنا مصمم على المبارزة. إذا لم توافقوا يا رفاق، فلنطرح الأمر للتصويت.” ابتسم يوريتش. بصق دونوفان على الأرض.
“من الواضح أن التصويت سيذهب إليك، يا لعنة.”
فضّل المرتزقة مبارزة القادة. لم يكن أحد ليُصوّت لمعركة شاملة قد يكون مصيرها الموت هم التعساء.
“هيا بنا إلى المبارزة يا قطيع ذئاب هرون! أنا يوريتش، قائد هذه الفرقة!”
صرخ يوريتش. وصل صوته العالي إلى معسكر العدو.
“واووهه … ”
ضرب المعسكران أسلحتهما ببعضهما البعض وصرخا. ملأ مزيج من صوت اصطدام المعادن الثقيلة الحاد وهتافات رجال فرقتي المرتزقة المكان.
“أوه! أنا هرون!”
خرج رجلٌ ضخم القامة من قطيع ذئاب هرون. الرجل الذي عرّف عن نفسه باسم هرون كان أطول من يوريتش. حتى بين الشماليين المعروفين بضخامتهم، كان ضخم الجثة.
بوو!
سار كلٌّ من يوريتش وهرون إلى منتصف الطريق بين معسكري المرتزقة. وهتفت فرقهما بأسمائهما.
“أووريتش! أووريتش! أووريتش!”
” انطلق يا هرون، انطلق! هرون، الرجل الذي يحطم الجماجم بيديه العاريتين!”
“زعيمنا يركض وهو يحمل حصانًا على كتفيه!”
“كيف أركض حاملاً حصانًا؟ لا بد أن أخوة يوريتش كاذبة!”
كان كلا الفريقين مشغولين بالجدال مع بعضهما البعض.
“آه! إنه هو. إنه هرون الذي أعرفه ” فتح سفين فمه فجأة. تعرف عليه الشماليون الآخرون أيضًا.
“سفين، توقف عن التحدث إلى نفسك وأخبرنا بذلك ” أزعج المرتزقة الآخرون سفين.
“إنه شخصية محبوبة جدًا في الشمال. قتل دبًا وهو في العاشرة من عمره… لم أكن أعلم أنه سيعمل مرتزقًا هنا. إنه الهورني الوحيد بهذا الحجم.”
“إذا كان هو هرون حقًا، ألا يُشكّل يوريتش خطرًا كبيرًا؟ إذا كان هو من قتل الدب في العاشرة، فإن سجله حافلٌ بالإنجازات.”
تحدث الشماليون، مما جعل المرتزقة الآخرين ينتفضون.
“لا توجد طريقة يمكن أن يخسر بها يوريتش… أليس كذلك؟”
كان إيمان المرتزقة بيوريتش قويًا، لكن العدد الهائل لأعدائه زرع بذرة الشك في أذهانهم.
“كيكيكي ، أخوة يوريتش. سمعتُ الشائعات – المرتزقة الذين قاتلوا بالتساوي ضد مرتزقة الأسد الفضي، ” قال هرون وهو يحمل رمحه الفأسي. اقترب قائدا المرتزقة من بعضهما البعض بما يكفي ليتمكنا من رؤية وجهيهما بوضوح.
“لم أكن أظن أن إقناعهم سيكون بهذه السهولة. هذا فوزٌ مجاني.”
فرقة هرون الذئبية فرقة مرتزقة ضعيفة. كانوا مجرد مجموعة من قطاع الطرق غير المثيرين للإعجاب باستثناء هرون. من المفترض أن تكون سمعته وحدها كافية لجذب محاربين أكفاء، لكن حتى رفاقه الشماليين سئموا من طباعه الحادة وتركوا الفرقة.
” هاف، هاف.”
تسارعت خطوات يوريتش. بعد أن ضبط أنفاسه بسرعة، دفع نفسه بخفة عن الأرض وهو ينقضّ.
من ناحية أخرى، رفع هرون رمحه الفأسي على صدره وزأر.
“واووه!”
أرجح هرون رمحه الفأس بعنف إلى الجانب.
شوك.
قفز يوريتش مسرعًا متجاوزًا هرون. بعد أن تدحرج على الأرض خلف هرون، واصل سيره نحو معسكر هرون لقطيع الذئاب دون أن ينظر إلى عدوه.
“أوه، كوك ”
سقط هرون أرضًا، مُمسكًا برقبته. امتلأت يداه بالدم وانسكب على الأرض. لم يستطع الوقوف، فسقط على ركبتيه. بعد أن سمع انهيار عدوه خلفه، أدرك أنه انتصر.
ضربة واحدة حسمت الأمر. رفع يوريتش يده، يمسح الدم عن شفرته. لم يجرؤ أي من محاربي فرقة هرون على التقدم رغم استفزاز يوريتش.
“ابتعدوا عني قبل أن نقتلكم جميعًا! لستم مرتزقة، أنتم مجرد مجموعة من العاهرات!”
صرخت جماعة أخوة يوريتش كما لو أنهم سيهاجمونهم في أي لحظة، وسارع هرون والفرقة بعيدًا لإنقاذ رؤوسهم.
“لم نكن قلقين على الإطلاق ” ضحك سفين بشدة وهو ينظر إلى يوريتش، الذي كان في طريقه عائداً إلى معسكرهم.
بدا يوريتش، الذي تخلص من مرضه، على قيد الحياة وبصحة جيدة كما كان دائمًا، و لا يزال زعيم المرتزقة القوي بلا منازع.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات