الفصل 50
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
“يعيش ساحر في الغابة الشمالية، لذا من الأفضل أن نلتف حولها.”
قال المزارع، وكلماته أثارت فضول يوريتش، الذي سار في قرية المزرعة لشراء بعض الإمدادات الغذائية.
“ساحر؟”
أمال يوريتش رأسه بينما ينظر حول المزرعة.
“حتى رجال السيد الذين دخلوا غابة الساحر عادوا بعد أن تلقوا درسًا. خرجوا من الغابة محترقين من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.”
“ما هو الساحر؟”
“أولئك الذين تخرج النار من أيديهم ويدعون الشيطان كل ليلة!”
” نارٌ من أيديهم؟ وما هو الشيطان؟”
اتسعت عينا يوريتش وهو يمسك بالمزارع وينهال عليه بالأسئلة. نادى المزارع المرتزقة الآخرين كأنه منزعج من فضول يوريتش.
“ليأتِ أحدٌ ويبعد هذا الرجل عني! أنا رجلٌ مشغولٌ بمزرعةٍ كبيرة، يلاهوااااااي.”
ركض باهيل، الذي على ظهر كايليوس، نحوه.
“اتركو المزارع الفقير وشأنه.”
“باهيل، هل تعرف ما هو الساحر؟”
“ساحر؟”
“يبدو أن هناك واحدًا يعيش في تلك الغابة. قال هذا المزارع إنه بإمكانهم إشعال النار من أيديهم وإخراج الشيطان.”
همس المرتزقة. بدا وكأنهم سمعوا جميعًا قصةً مماثلة.
بعد التجول حول قرية المزرعة وجمع الطعام والإمدادات الأخرى التي يحتاجونها بشدة، تجمع المرتزقة في مكان واحد لمناقشة خطواتهم التالية.
” سيكون أسرع بكثير بالنسبة لنا أن نذهب مباشرة عبر الغابة الشمالية.”
“ولكن هناك ساحر في تلك الغابة. ألا يزعجك هذا؟”
“يقولون إذا كنت غير محظوظ، ستخرج من غابة السحرة كرجل عجوز ملتحي.”
“مهما الأمر، أليس من الأفضل أن نتجول؟ حذرنا المزارعون أيضًا. ويبدو أن هناك من رأى الساحر بأم أعينهم.”
لم يبدُ على المرتزقة رغبةٌ في عبور الغابة. نظر يوريتش إليهم ليرى ردّ فعلهم، ثم فتح فمه.
“لنقطع الغابة. لا يمكننا إضاعة المزيد من الوقت، ولنمنح هارماتي فرصةً للحاق بنا.” قال يوريتش، وزوايا فمه ترتعش قليلاً.
“أنت فقط تريد رؤية الساحر، أيها الوغد.”
“مهلاً، لا يوجد ضمان بأننا سنرى الساحر إذا عبرنا الغابة، أليس كذلك؟ لا تسيئوا فهمي، كل ما أريده هو الأفضل لفرقتنا كقائد ” قال يوريتش وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته قدر الإمكان.
“إنه يموت من الرغبة في الذهاب إلى الغابة.”
“بهذا المعدل، سيحاول الذهاب بمفرده.”
المرتزقة يعرفون يوريتش جيدًا. بدا رجلًا يقفز في حفرة نار لمجرد أنه يريد أن يعرف مدى حرارتها.
’إنه مراهقٌ حقًا. انظر إلى فضوله’، فكّر باتشمان وهو يركل لسانه.
“أعتقد أيضًا أنه يجب علينا شقّ طريقنا عبر الغابة ” أيّد فيليون فكرة يوريتش. نظر إليه يوريتش بفرح.
“ص-صحيح؟ حتى السيد فيليون يتفق معي.”
“لا تُناديني بالسيد إلا في مثل هذه الأوقات، يا زعيم المرتزقة يوريتش. على أي حال، المزارعون ليسوا أذكى الناس. يُطلقون على من يعيشون حول الغابة اسم السحرة ويخشونهم. حتى لو وُجد ساحر في تلك الغابة، لما تجرؤ على مواجهة أكثر من خمسين محاربًا بمفرده.”
أومأ المرتزقة برؤوسهم كما لو كانوا يشعرون بالارتياح.
“معك حق، لا وجود للسحرة. ربما رأى المزارعون أشياءً فحسب. لا داعي لإضاعة وقتنا في الخوف من قصصٍ مُختلقة.”
“حسنًا، دعنا نذهب إلى الغابة الشمالية.”
قام المرتزقة بجمع أمتعتهم وشقوا طريقهم إلى الغابة الشمالية.
“تسك، لقد قرروا الذهاب إلى هناك على الرغم من كل ما قلناه.”
قال المزارع الذي كان في طريقه إلى مزرعته وهو ينظر إلى المرتزقة الذين يدخلون الغابة:
* * *
سار المرتزقة عبر الغابة على درب حصوي. كان يُسمع بين الحين والآخر زقزقة الطيور وحفيف الحيوانات الصغيرة وهي تتجول داخل الشجيرات وخارجها.
سمعتُ قصةً من جدتي. يبدو أنه إذا ضاقت بك الدنيا، فإنه يجعل الشيطان يمتص روحك كل ليلة حتى تموت. قالت إن هذه هي الطريقة التي مات بها جدي الأكبر بعد أن قطع شجرة في غابة ساحر.
“يتم امتصاص حياتي مني كل ليلة… أعتقد أنني سأكون بخير مع الموت بهذه الطريقة.”
“يا غبي، هل تعلم أنه إذا مت بسبب لعنة، فإن روحك ستبقى ملعونة وتتجول؟”
“همم، هذا ليس مثاليًا.”
تبادل المرتزقة النكات السخيفة في محاولتهم نسيان القلق الذي تسبب فيه الجو المخيف للغابة.
“يقول البعض إن حيوانات غابة الساحر كانت جميعها بشرًا. ويبدو أن الساحر لعنها وحولها إلى ضفادع وأرانب.”
“توقف، لماذا لا تقضي وقتك بالدعاء للو بدلًا من قول كل هذا الهراء؟ هل تعلم لماذا يبقى السحرة في غاباتهم؟ لأنهم يخافون من الشمس، فيختبئون في الغابات المظللة. حاكم الشمس لو يراقب دائمًا.”
رفع المرتزقة أعينهم بغضب. كانوا أكثر توترًا من المعتاد.
“أهذه هي الغابة التي بها ساحر؟” تمتم يوريتش في نفسه وهو يقود فرقته. تنهد بعمق. كانت الغابة مجرد غابة عادية، لا تشبه ما كان يأمله.
“فكّر في الأمر يا يوريتش. لو كنت ساحرًا، هل كنتَ ستُظهر نفسك لمجموعة من المحاربين الذين يتوقون لرؤيتك؟” وبخ باهيل يوريتش.
“يا رجل، تمنيت حقًا أن أرى نارًا تخرج من أيديهم، ”قال يوريتش وهو يمد يده. بالطبع، لم تخرج نار من يديه.
” جرّب ذلك مئة مرة. ستخرج النار من يدك.” ضحك باهيل على محاولة يوريتش.
كان المرتزقة سيستغرقون ثلاثة أيام كاملة لعبور الغابة بأكملها. بعد أن قضوا ليلتهم الأولى فيها، لم يعد الخوف يسيطر عليهم. لم يحدث شيء يدعو للقلق ولو من بعيد خلال ليلتهم الأولى.
“ههه، كنت أعرف ذلك. لا وجود للسحرة.”
“العنني ما شئت! حاكم الشمس لو يراقبني!”
ضحك المرتزقة.
“أعتقد أنه لا يوجد ساحر حقًا.”
بدا يوريتش الوحيد الذي خاب أمله. نظر حوله في الغابة فلاحظ ظل شخص بين الأشجار.
بوو!
استل يوريتش سيفه بسرعة ورفع يده مشيرًا إلى المرتزقة خلفه. ثم نقر المرتزقة على أكتاف بعضهم البعض لنقل الإشارة.
“العدو؟”
“هل هو الساحر؟”
“يا إلهي، من الأفضل أن ندعو للو. نطلب منه أن يساعدنا في إيقاف السحر الذي يستهدفنا.”
تجمد المرتزقة.
“يا إلهي، ما كان يجب عليّ أن أدخل إلى غابة السحرة. سأُسلب حياتي تمامًا كما فعل جدي الأكبر.”
“أغلق فمك أيها الجحيم.”
“الرماة في وضعهم!”
سحب المرتزقة، حاملين قوسًا وسهمًا، وتر القوس. ثبّتوا تصويبهم على الظلال المنبثقة من بين الأشجار.
“نحن لا ننوي الهجوم، ولكن يبدو أننا نسير في نفس الطريق بالصدفة.”
صدر صوت رجل خلف صف الأشجار. ازداد المرتزقة قلقًا وبدأوا بالصراخ.
“إنه الساحر! الساحر يحاول خداعنا!”
” يوريتش، لا تقترب أكثر، إنه أمر خطير.”
تردد المرتزقة، لكن يوريتش تجاهلهم ومشى إلى الأمام.
“لا تطلق، إنه مجرد شخص. مهلاً، إذا كنت لا تريد أن نهاجمك، فعرّف بنفسك.”
بدا يوريتش أكثر من رغب في رؤية الساحر، ولكنه أيضًا أكثرهم رزانة. لم يخشَ الساحر حتى عندما واجه غريبًا في غابة الساحر. رآه كأي شخص رآه في حياته.
“يجب أن تكون القائد. نحن مجرد محاربين عابرين. سيكون من الرائع لو وضعت أسلحتك جانبًا.”
“محاربون؟ هذا ليس كافيًا. أنا متوتر جدًا. عرّفوا بأنفسكم قبل أن أكسر جماجمكم. أحصي خمسة منكم، بمن فيهم المختبئون خلف الأشجار هناك ” قال يوريتش بنيّة القتل وهو يغرس سيفه في الأرض ويسحب فأسه.
لم يكن يمزح. كانت فرقة المرتزقة تُطارد، ولم يكن أحد يعلم أي حيلة يستخدمها الدوق هارماتي لإبطائهم ولو قليلاً. كان ينوي قتل أي شخص يثير شكوكه ولو قليلاً.
“توقف! نحن محاربو الشمس!”
خرج رجال مدرعون من بين الأشجار. كان رمز الشمس على القماش المغطى بدروعهم.
“محاربو الشمس؟”
رد يوريتش وحدق في الرجال المدرعين.
“لقد أخبرناك من نحن، لذا ضع تهديدك جانبًا.”
اقترب الرجل الذي بدا يوريتش يتحدث إليه. كان رجلاً في نفس مكانة يوريتش.
“نحن فرقة المرتزقة “أخوة يوريتش”. أنا القائد يا يوريتش.”
“أنا هارفالد من محاربي الشمس.”
“هارفالد؟ يبدو اسمًا شماليًا.”
“أمي شمالية، فاتخذتُ اسمها. لكنني وُلدتُ ونشأتُ في الإمبراطورية.”
فحص يوريتش هارفالد. على عكس اسمه الشمالي، تصرفاته وانطباعه العام يُوحيان بأنه نبيل. بدا لقبه الشمالي غير مناسب.
“اخفضوا أسلحتكم! إنهم يمرون فحسب ” صرخ يوريتش للمرتزقة.
“شكرًا لك. يبدو أننا سنبقى معًا. نحن نسير في نفس الطريق.”
لوّح هارفالد لبقية المحاربين. عددهم خمسة، بمن فيهم هو.
جميعهم يرتدون قماشًا عليه رمز الشمس. الرمز موجود حتى على دروعهم. واسلحتهم رائعة أيضًا.
نظر يوريتش بعناية إلى ملابسهم وأسلحتهم. كانوا مدججين بالسلاح.
“إنهم محاربو الشمس. لم أتوقع أن أراهم في مكان كهذا.”
قال المرتزقة الذين تعرفوا عليهم.
فيليون وباهل تعرفا عليهم أيضًا.
” أرجوكم، اعذروا وقاحة المرتزقة، يا محاربي الشمس.” اعتذر فيليون وهو يُخفض رأسه قليلًا تعبيرًا عن احترام الفارس. ردّ محارب الشمس هارفالد التحية.
“يمكنك أن تناديني هارفالد ” قال هارفالد بلباقة لفيليون، الذي بدا أكبر منه سنًا ومحاربًا أيضًا. بدا هذا سلوك رجل متحضر تعلّم آداب السلوك.
تبادل فيليون وهارفالد أطراف الحديث. بدا أنهما على وفاق تام منذ البداية.
“باهيل، ما هذا الذي يسمى محاربي الشمس؟”
سأل يوريتش وذراعاه متقاطعتان. سرعان ما تقبّل المرتزقة محاربي الشمس. بدوا أهلًا للثقة.
“بدأوا كجيش من البرابرة الذين اعتنقوا الشمس. ثم أدرك الإمبراطور الأول براعتهم البدنية والقتالية، فأصدر مرسومًا جعلهم جيشه الخاص. وحتى الآن، لا يتألف جيشهم إلا من البرابرة أو من يحملون دماء البرابرة. كما أن الأمر لا يقتصر على التحول الديني فحسب؛ فشروط الانضمام صارمة للغاية. يجب أن يكونوا متميزين في الإيمان والمهارات للالتحاق بالجيش. وللوفاء بهذا الشرط، يُعاملون معاملة الفرسان الإمبراطوريين.”
رافق محاربو الشمس المرتزقة. ورغم أنهم من أصل بربري، إلا أنهم اشتهروا بدفاعهم عن الإيمان. كان إيمانهم أقوى من إيمان الناس المتحضرين، وكان وجودهم وحده رمزًا للثقة.
” يوريتش، سنسير خلف المجموعة. المشي بجانبهم يُثير اشمئزازي ” قال سفين بنبرة اشمئزاز. سار هو والشماليون الآخرون في آخر المجموعة.
“لم أرى سفين يحتقر شخصًا بهذه الطريقة أبدًا.”
بدا يوريتش في حيرة من أمره، وأوضح له باتشمان السبب وهو يهز كتفيه.
“من الأفضل أن نترك سفين وشأنه قليلاً. بالنسبة للشماليين، محاربو الشمس ليسوا سوى خونة يتمنون تمزيقهم إرباً إرباً. اعتنقوا الشمس ووجهوا سيوفهم نحو رفاقهم البرابرة. لم يكن اعتناقهم هو المشكلة، بل الخيانة هي ما جلب لهم كل هذا الكراهية.”
شاركت فرقة المرتزقة معسكرها مع محاربي الشمس وبما أن كلتا المجموعتين كانتا تسلكان الغابة باتجاه المخرج، لكان من الغريب أن يسلكا طريقين مختلفين.
“ما الذي أتى بمحاربي الشمس إلى مكان مثل هذا يا هارفالد؟” سأل فيليون المحارب.
ابتسم هارفالد بمرح وأخرج الكيس الذي يحمله معه.
“هذا هو رأس الساحر.”
كلماته جعلت عيون يوريتش تتحرك.
“ساحر!”
“هل كان هناك حقا ساحر في هذه الغابة؟”
تجمع المرتزقة واحدًا تلو الآخر بينما هارفالد يفتح الكيس. خرج من الكيس رأس رجل عجوز ميت، ولسانه متدلٍ من فمه. وجهه مغطى ببقع الشيخوخة، و القطع العرضي لرقبته المقطوعة مليئ بالدم الذي لم يتجمد بعد.
” من واجب محاربي الشمس أيضًا مطاردة من يخدعون الشمس ويدّعون السحرة بمعرفتهم السطحية الضئيلة. انظروا.”
أخرج هارفالد حفنة من البارود الأسود من جيبه وألقاه على النار.
ووش!
توهجت النار باللون الأزرق ثم اشتعلت قبل أن تعود إلى لونها الأصلي. تراجع المرتزقة.
“ه-إنه الساحر!”
” محارب الشمس استخدم السحر! إنه ساحر! ساحر متنكر في زي محارب الشمس!”
“أوه، لو.”
أصبح هناك ضجة كبيرة، حتى أن بعض المرتزقة سحبوا أسلحتهم.
“يعيش ساحر في الغابة الشمالية، لذا من الأفضل أن نلتف حولها.” قال المزارع، وكلماته أثارت فضول يوريتش، الذي سار في قرية المزرعة لشراء بعض الإمدادات الغذائية. “ساحر؟” أمال يوريتش رأسه بينما ينظر حول المزرعة. “حتى رجال السيد الذين دخلوا غابة الساحر عادوا بعد أن تلقوا درسًا. خرجوا من الغابة محترقين من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.” “ما هو الساحر؟” “أولئك الذين تخرج النار من أيديهم ويدعون الشيطان كل ليلة!” ” نارٌ من أيديهم؟ وما هو الشيطان؟” اتسعت عينا يوريتش وهو يمسك بالمزارع وينهال عليه بالأسئلة. نادى المزارع المرتزقة الآخرين كأنه منزعج من فضول يوريتش. “ليأتِ أحدٌ ويبعد هذا الرجل عني! أنا رجلٌ مشغولٌ بمزرعةٍ كبيرة، يلاهوااااااي.” ركض باهيل، الذي على ظهر كايليوس، نحوه. “اتركو المزارع الفقير وشأنه.” “باهيل، هل تعرف ما هو الساحر؟” “ساحر؟” “يبدو أن هناك واحدًا يعيش في تلك الغابة. قال هذا المزارع إنه بإمكانهم إشعال النار من أيديهم وإخراج الشيطان.” همس المرتزقة. بدا وكأنهم سمعوا جميعًا قصةً مماثلة. بعد التجول حول قرية المزرعة وجمع الطعام والإمدادات الأخرى التي يحتاجونها بشدة، تجمع المرتزقة في مكان واحد لمناقشة خطواتهم التالية. ” سيكون أسرع بكثير بالنسبة لنا أن نذهب مباشرة عبر الغابة الشمالية.” “ولكن هناك ساحر في تلك الغابة. ألا يزعجك هذا؟” “يقولون إذا كنت غير محظوظ، ستخرج من غابة السحرة كرجل عجوز ملتحي.” “مهما الأمر، أليس من الأفضل أن نتجول؟ حذرنا المزارعون أيضًا. ويبدو أن هناك من رأى الساحر بأم أعينهم.” لم يبدُ على المرتزقة رغبةٌ في عبور الغابة. نظر يوريتش إليهم ليرى ردّ فعلهم، ثم فتح فمه. “لنقطع الغابة. لا يمكننا إضاعة المزيد من الوقت، ولنمنح هارماتي فرصةً للحاق بنا.” قال يوريتش، وزوايا فمه ترتعش قليلاً. “أنت فقط تريد رؤية الساحر، أيها الوغد.” “مهلاً، لا يوجد ضمان بأننا سنرى الساحر إذا عبرنا الغابة، أليس كذلك؟ لا تسيئوا فهمي، كل ما أريده هو الأفضل لفرقتنا كقائد ” قال يوريتش وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته قدر الإمكان. “إنه يموت من الرغبة في الذهاب إلى الغابة.” “بهذا المعدل، سيحاول الذهاب بمفرده.” المرتزقة يعرفون يوريتش جيدًا. بدا رجلًا يقفز في حفرة نار لمجرد أنه يريد أن يعرف مدى حرارتها. ’إنه مراهقٌ حقًا. انظر إلى فضوله’، فكّر باتشمان وهو يركل لسانه. “أعتقد أيضًا أنه يجب علينا شقّ طريقنا عبر الغابة ” أيّد فيليون فكرة يوريتش. نظر إليه يوريتش بفرح. “ص-صحيح؟ حتى السيد فيليون يتفق معي.” “لا تُناديني بالسيد إلا في مثل هذه الأوقات، يا زعيم المرتزقة يوريتش. على أي حال، المزارعون ليسوا أذكى الناس. يُطلقون على من يعيشون حول الغابة اسم السحرة ويخشونهم. حتى لو وُجد ساحر في تلك الغابة، لما تجرؤ على مواجهة أكثر من خمسين محاربًا بمفرده.” أومأ المرتزقة برؤوسهم كما لو كانوا يشعرون بالارتياح. “معك حق، لا وجود للسحرة. ربما رأى المزارعون أشياءً فحسب. لا داعي لإضاعة وقتنا في الخوف من قصصٍ مُختلقة.” “حسنًا، دعنا نذهب إلى الغابة الشمالية.” قام المرتزقة بجمع أمتعتهم وشقوا طريقهم إلى الغابة الشمالية. “تسك، لقد قرروا الذهاب إلى هناك على الرغم من كل ما قلناه.” قال المزارع الذي كان في طريقه إلى مزرعته وهو ينظر إلى المرتزقة الذين يدخلون الغابة: * * * سار المرتزقة عبر الغابة على درب حصوي. كان يُسمع بين الحين والآخر زقزقة الطيور وحفيف الحيوانات الصغيرة وهي تتجول داخل الشجيرات وخارجها. سمعتُ قصةً من جدتي. يبدو أنه إذا ضاقت بك الدنيا، فإنه يجعل الشيطان يمتص روحك كل ليلة حتى تموت. قالت إن هذه هي الطريقة التي مات بها جدي الأكبر بعد أن قطع شجرة في غابة ساحر. “يتم امتصاص حياتي مني كل ليلة… أعتقد أنني سأكون بخير مع الموت بهذه الطريقة.” “يا غبي، هل تعلم أنه إذا مت بسبب لعنة، فإن روحك ستبقى ملعونة وتتجول؟” “همم، هذا ليس مثاليًا.” تبادل المرتزقة النكات السخيفة في محاولتهم نسيان القلق الذي تسبب فيه الجو المخيف للغابة. “يقول البعض إن حيوانات غابة الساحر كانت جميعها بشرًا. ويبدو أن الساحر لعنها وحولها إلى ضفادع وأرانب.” “توقف، لماذا لا تقضي وقتك بالدعاء للو بدلًا من قول كل هذا الهراء؟ هل تعلم لماذا يبقى السحرة في غاباتهم؟ لأنهم يخافون من الشمس، فيختبئون في الغابات المظللة. حاكم الشمس لو يراقب دائمًا.” رفع المرتزقة أعينهم بغضب. كانوا أكثر توترًا من المعتاد. “أهذه هي الغابة التي بها ساحر؟” تمتم يوريتش في نفسه وهو يقود فرقته. تنهد بعمق. كانت الغابة مجرد غابة عادية، لا تشبه ما كان يأمله. “فكّر في الأمر يا يوريتش. لو كنت ساحرًا، هل كنتَ ستُظهر نفسك لمجموعة من المحاربين الذين يتوقون لرؤيتك؟” وبخ باهيل يوريتش. “يا رجل، تمنيت حقًا أن أرى نارًا تخرج من أيديهم، ”قال يوريتش وهو يمد يده. بالطبع، لم تخرج نار من يديه. ” جرّب ذلك مئة مرة. ستخرج النار من يدك.” ضحك باهيل على محاولة يوريتش. كان المرتزقة سيستغرقون ثلاثة أيام كاملة لعبور الغابة بأكملها. بعد أن قضوا ليلتهم الأولى فيها، لم يعد الخوف يسيطر عليهم. لم يحدث شيء يدعو للقلق ولو من بعيد خلال ليلتهم الأولى. “ههه، كنت أعرف ذلك. لا وجود للسحرة.” “العنني ما شئت! حاكم الشمس لو يراقبني!” ضحك المرتزقة. “أعتقد أنه لا يوجد ساحر حقًا.” بدا يوريتش الوحيد الذي خاب أمله. نظر حوله في الغابة فلاحظ ظل شخص بين الأشجار. بوو! استل يوريتش سيفه بسرعة ورفع يده مشيرًا إلى المرتزقة خلفه. ثم نقر المرتزقة على أكتاف بعضهم البعض لنقل الإشارة. “العدو؟” “هل هو الساحر؟” “يا إلهي، من الأفضل أن ندعو للو. نطلب منه أن يساعدنا في إيقاف السحر الذي يستهدفنا.” تجمد المرتزقة. “يا إلهي، ما كان يجب عليّ أن أدخل إلى غابة السحرة. سأُسلب حياتي تمامًا كما فعل جدي الأكبر.” “أغلق فمك أيها الجحيم.” “الرماة في وضعهم!” سحب المرتزقة، حاملين قوسًا وسهمًا، وتر القوس. ثبّتوا تصويبهم على الظلال المنبثقة من بين الأشجار. “نحن لا ننوي الهجوم، ولكن يبدو أننا نسير في نفس الطريق بالصدفة.” صدر صوت رجل خلف صف الأشجار. ازداد المرتزقة قلقًا وبدأوا بالصراخ. “إنه الساحر! الساحر يحاول خداعنا!” ” يوريتش، لا تقترب أكثر، إنه أمر خطير.” تردد المرتزقة، لكن يوريتش تجاهلهم ومشى إلى الأمام. “لا تطلق، إنه مجرد شخص. مهلاً، إذا كنت لا تريد أن نهاجمك، فعرّف بنفسك.” بدا يوريتش أكثر من رغب في رؤية الساحر، ولكنه أيضًا أكثرهم رزانة. لم يخشَ الساحر حتى عندما واجه غريبًا في غابة الساحر. رآه كأي شخص رآه في حياته. “يجب أن تكون القائد. نحن مجرد محاربين عابرين. سيكون من الرائع لو وضعت أسلحتك جانبًا.” “محاربون؟ هذا ليس كافيًا. أنا متوتر جدًا. عرّفوا بأنفسكم قبل أن أكسر جماجمكم. أحصي خمسة منكم، بمن فيهم المختبئون خلف الأشجار هناك ” قال يوريتش بنيّة القتل وهو يغرس سيفه في الأرض ويسحب فأسه. لم يكن يمزح. كانت فرقة المرتزقة تُطارد، ولم يكن أحد يعلم أي حيلة يستخدمها الدوق هارماتي لإبطائهم ولو قليلاً. كان ينوي قتل أي شخص يثير شكوكه ولو قليلاً. “توقف! نحن محاربو الشمس!” خرج رجال مدرعون من بين الأشجار. كان رمز الشمس على القماش المغطى بدروعهم. “محاربو الشمس؟” رد يوريتش وحدق في الرجال المدرعين. “لقد أخبرناك من نحن، لذا ضع تهديدك جانبًا.” اقترب الرجل الذي بدا يوريتش يتحدث إليه. كان رجلاً في نفس مكانة يوريتش. “نحن فرقة المرتزقة “أخوة يوريتش”. أنا القائد يا يوريتش.” “أنا هارفالد من محاربي الشمس.” “هارفالد؟ يبدو اسمًا شماليًا.” “أمي شمالية، فاتخذتُ اسمها. لكنني وُلدتُ ونشأتُ في الإمبراطورية.” فحص يوريتش هارفالد. على عكس اسمه الشمالي، تصرفاته وانطباعه العام يُوحيان بأنه نبيل. بدا لقبه الشمالي غير مناسب. “اخفضوا أسلحتكم! إنهم يمرون فحسب ” صرخ يوريتش للمرتزقة. “شكرًا لك. يبدو أننا سنبقى معًا. نحن نسير في نفس الطريق.” لوّح هارفالد لبقية المحاربين. عددهم خمسة، بمن فيهم هو. جميعهم يرتدون قماشًا عليه رمز الشمس. الرمز موجود حتى على دروعهم. واسلحتهم رائعة أيضًا. نظر يوريتش بعناية إلى ملابسهم وأسلحتهم. كانوا مدججين بالسلاح. “إنهم محاربو الشمس. لم أتوقع أن أراهم في مكان كهذا.” قال المرتزقة الذين تعرفوا عليهم. فيليون وباهل تعرفا عليهم أيضًا. ” أرجوكم، اعذروا وقاحة المرتزقة، يا محاربي الشمس.” اعتذر فيليون وهو يُخفض رأسه قليلًا تعبيرًا عن احترام الفارس. ردّ محارب الشمس هارفالد التحية. “يمكنك أن تناديني هارفالد ” قال هارفالد بلباقة لفيليون، الذي بدا أكبر منه سنًا ومحاربًا أيضًا. بدا هذا سلوك رجل متحضر تعلّم آداب السلوك. تبادل فيليون وهارفالد أطراف الحديث. بدا أنهما على وفاق تام منذ البداية. “باهيل، ما هذا الذي يسمى محاربي الشمس؟” سأل يوريتش وذراعاه متقاطعتان. سرعان ما تقبّل المرتزقة محاربي الشمس. بدوا أهلًا للثقة. “بدأوا كجيش من البرابرة الذين اعتنقوا الشمس. ثم أدرك الإمبراطور الأول براعتهم البدنية والقتالية، فأصدر مرسومًا جعلهم جيشه الخاص. وحتى الآن، لا يتألف جيشهم إلا من البرابرة أو من يحملون دماء البرابرة. كما أن الأمر لا يقتصر على التحول الديني فحسب؛ فشروط الانضمام صارمة للغاية. يجب أن يكونوا متميزين في الإيمان والمهارات للالتحاق بالجيش. وللوفاء بهذا الشرط، يُعاملون معاملة الفرسان الإمبراطوريين.” رافق محاربو الشمس المرتزقة. ورغم أنهم من أصل بربري، إلا أنهم اشتهروا بدفاعهم عن الإيمان. كان إيمانهم أقوى من إيمان الناس المتحضرين، وكان وجودهم وحده رمزًا للثقة. ” يوريتش، سنسير خلف المجموعة. المشي بجانبهم يُثير اشمئزازي ” قال سفين بنبرة اشمئزاز. سار هو والشماليون الآخرون في آخر المجموعة. “لم أرى سفين يحتقر شخصًا بهذه الطريقة أبدًا.” بدا يوريتش في حيرة من أمره، وأوضح له باتشمان السبب وهو يهز كتفيه. “من الأفضل أن نترك سفين وشأنه قليلاً. بالنسبة للشماليين، محاربو الشمس ليسوا سوى خونة يتمنون تمزيقهم إرباً إرباً. اعتنقوا الشمس ووجهوا سيوفهم نحو رفاقهم البرابرة. لم يكن اعتناقهم هو المشكلة، بل الخيانة هي ما جلب لهم كل هذا الكراهية.” شاركت فرقة المرتزقة معسكرها مع محاربي الشمس وبما أن كلتا المجموعتين كانتا تسلكان الغابة باتجاه المخرج، لكان من الغريب أن يسلكا طريقين مختلفين. “ما الذي أتى بمحاربي الشمس إلى مكان مثل هذا يا هارفالد؟” سأل فيليون المحارب. ابتسم هارفالد بمرح وأخرج الكيس الذي يحمله معه. “هذا هو رأس الساحر.” كلماته جعلت عيون يوريتش تتحرك. “ساحر!” “هل كان هناك حقا ساحر في هذه الغابة؟” تجمع المرتزقة واحدًا تلو الآخر بينما هارفالد يفتح الكيس. خرج من الكيس رأس رجل عجوز ميت، ولسانه متدلٍ من فمه. وجهه مغطى ببقع الشيخوخة، و القطع العرضي لرقبته المقطوعة مليئ بالدم الذي لم يتجمد بعد. ” من واجب محاربي الشمس أيضًا مطاردة من يخدعون الشمس ويدّعون السحرة بمعرفتهم السطحية الضئيلة. انظروا.” أخرج هارفالد حفنة من البارود الأسود من جيبه وألقاه على النار. ووش! توهجت النار باللون الأزرق ثم اشتعلت قبل أن تعود إلى لونها الأصلي. تراجع المرتزقة. “ه-إنه الساحر!” ” محارب الشمس استخدم السحر! إنه ساحر! ساحر متنكر في زي محارب الشمس!” “أوه، لو.” أصبح هناك ضجة كبيرة، حتى أن بعض المرتزقة سحبوا أسلحتهم.
الفصل 50 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
“يعيش ساحر في الغابة الشمالية، لذا من الأفضل أن نلتف حولها.” قال المزارع، وكلماته أثارت فضول يوريتش، الذي سار في قرية المزرعة لشراء بعض الإمدادات الغذائية. “ساحر؟” أمال يوريتش رأسه بينما ينظر حول المزرعة. “حتى رجال السيد الذين دخلوا غابة الساحر عادوا بعد أن تلقوا درسًا. خرجوا من الغابة محترقين من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.” “ما هو الساحر؟” “أولئك الذين تخرج النار من أيديهم ويدعون الشيطان كل ليلة!” ” نارٌ من أيديهم؟ وما هو الشيطان؟” اتسعت عينا يوريتش وهو يمسك بالمزارع وينهال عليه بالأسئلة. نادى المزارع المرتزقة الآخرين كأنه منزعج من فضول يوريتش. “ليأتِ أحدٌ ويبعد هذا الرجل عني! أنا رجلٌ مشغولٌ بمزرعةٍ كبيرة، يلاهوااااااي.” ركض باهيل، الذي على ظهر كايليوس، نحوه. “اتركو المزارع الفقير وشأنه.” “باهيل، هل تعرف ما هو الساحر؟” “ساحر؟” “يبدو أن هناك واحدًا يعيش في تلك الغابة. قال هذا المزارع إنه بإمكانهم إشعال النار من أيديهم وإخراج الشيطان.” همس المرتزقة. بدا وكأنهم سمعوا جميعًا قصةً مماثلة. بعد التجول حول قرية المزرعة وجمع الطعام والإمدادات الأخرى التي يحتاجونها بشدة، تجمع المرتزقة في مكان واحد لمناقشة خطواتهم التالية. ” سيكون أسرع بكثير بالنسبة لنا أن نذهب مباشرة عبر الغابة الشمالية.” “ولكن هناك ساحر في تلك الغابة. ألا يزعجك هذا؟” “يقولون إذا كنت غير محظوظ، ستخرج من غابة السحرة كرجل عجوز ملتحي.” “مهما الأمر، أليس من الأفضل أن نتجول؟ حذرنا المزارعون أيضًا. ويبدو أن هناك من رأى الساحر بأم أعينهم.” لم يبدُ على المرتزقة رغبةٌ في عبور الغابة. نظر يوريتش إليهم ليرى ردّ فعلهم، ثم فتح فمه. “لنقطع الغابة. لا يمكننا إضاعة المزيد من الوقت، ولنمنح هارماتي فرصةً للحاق بنا.” قال يوريتش، وزوايا فمه ترتعش قليلاً. “أنت فقط تريد رؤية الساحر، أيها الوغد.” “مهلاً، لا يوجد ضمان بأننا سنرى الساحر إذا عبرنا الغابة، أليس كذلك؟ لا تسيئوا فهمي، كل ما أريده هو الأفضل لفرقتنا كقائد ” قال يوريتش وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته قدر الإمكان. “إنه يموت من الرغبة في الذهاب إلى الغابة.” “بهذا المعدل، سيحاول الذهاب بمفرده.” المرتزقة يعرفون يوريتش جيدًا. بدا رجلًا يقفز في حفرة نار لمجرد أنه يريد أن يعرف مدى حرارتها. ’إنه مراهقٌ حقًا. انظر إلى فضوله’، فكّر باتشمان وهو يركل لسانه. “أعتقد أيضًا أنه يجب علينا شقّ طريقنا عبر الغابة ” أيّد فيليون فكرة يوريتش. نظر إليه يوريتش بفرح. “ص-صحيح؟ حتى السيد فيليون يتفق معي.” “لا تُناديني بالسيد إلا في مثل هذه الأوقات، يا زعيم المرتزقة يوريتش. على أي حال، المزارعون ليسوا أذكى الناس. يُطلقون على من يعيشون حول الغابة اسم السحرة ويخشونهم. حتى لو وُجد ساحر في تلك الغابة، لما تجرؤ على مواجهة أكثر من خمسين محاربًا بمفرده.” أومأ المرتزقة برؤوسهم كما لو كانوا يشعرون بالارتياح. “معك حق، لا وجود للسحرة. ربما رأى المزارعون أشياءً فحسب. لا داعي لإضاعة وقتنا في الخوف من قصصٍ مُختلقة.” “حسنًا، دعنا نذهب إلى الغابة الشمالية.” قام المرتزقة بجمع أمتعتهم وشقوا طريقهم إلى الغابة الشمالية. “تسك، لقد قرروا الذهاب إلى هناك على الرغم من كل ما قلناه.” قال المزارع الذي كان في طريقه إلى مزرعته وهو ينظر إلى المرتزقة الذين يدخلون الغابة: * * * سار المرتزقة عبر الغابة على درب حصوي. كان يُسمع بين الحين والآخر زقزقة الطيور وحفيف الحيوانات الصغيرة وهي تتجول داخل الشجيرات وخارجها. سمعتُ قصةً من جدتي. يبدو أنه إذا ضاقت بك الدنيا، فإنه يجعل الشيطان يمتص روحك كل ليلة حتى تموت. قالت إن هذه هي الطريقة التي مات بها جدي الأكبر بعد أن قطع شجرة في غابة ساحر. “يتم امتصاص حياتي مني كل ليلة… أعتقد أنني سأكون بخير مع الموت بهذه الطريقة.” “يا غبي، هل تعلم أنه إذا مت بسبب لعنة، فإن روحك ستبقى ملعونة وتتجول؟” “همم، هذا ليس مثاليًا.” تبادل المرتزقة النكات السخيفة في محاولتهم نسيان القلق الذي تسبب فيه الجو المخيف للغابة. “يقول البعض إن حيوانات غابة الساحر كانت جميعها بشرًا. ويبدو أن الساحر لعنها وحولها إلى ضفادع وأرانب.” “توقف، لماذا لا تقضي وقتك بالدعاء للو بدلًا من قول كل هذا الهراء؟ هل تعلم لماذا يبقى السحرة في غاباتهم؟ لأنهم يخافون من الشمس، فيختبئون في الغابات المظللة. حاكم الشمس لو يراقب دائمًا.” رفع المرتزقة أعينهم بغضب. كانوا أكثر توترًا من المعتاد. “أهذه هي الغابة التي بها ساحر؟” تمتم يوريتش في نفسه وهو يقود فرقته. تنهد بعمق. كانت الغابة مجرد غابة عادية، لا تشبه ما كان يأمله. “فكّر في الأمر يا يوريتش. لو كنت ساحرًا، هل كنتَ ستُظهر نفسك لمجموعة من المحاربين الذين يتوقون لرؤيتك؟” وبخ باهيل يوريتش. “يا رجل، تمنيت حقًا أن أرى نارًا تخرج من أيديهم، ”قال يوريتش وهو يمد يده. بالطبع، لم تخرج نار من يديه. ” جرّب ذلك مئة مرة. ستخرج النار من يدك.” ضحك باهيل على محاولة يوريتش. كان المرتزقة سيستغرقون ثلاثة أيام كاملة لعبور الغابة بأكملها. بعد أن قضوا ليلتهم الأولى فيها، لم يعد الخوف يسيطر عليهم. لم يحدث شيء يدعو للقلق ولو من بعيد خلال ليلتهم الأولى. “ههه، كنت أعرف ذلك. لا وجود للسحرة.” “العنني ما شئت! حاكم الشمس لو يراقبني!” ضحك المرتزقة. “أعتقد أنه لا يوجد ساحر حقًا.” بدا يوريتش الوحيد الذي خاب أمله. نظر حوله في الغابة فلاحظ ظل شخص بين الأشجار. بوو! استل يوريتش سيفه بسرعة ورفع يده مشيرًا إلى المرتزقة خلفه. ثم نقر المرتزقة على أكتاف بعضهم البعض لنقل الإشارة. “العدو؟” “هل هو الساحر؟” “يا إلهي، من الأفضل أن ندعو للو. نطلب منه أن يساعدنا في إيقاف السحر الذي يستهدفنا.” تجمد المرتزقة. “يا إلهي، ما كان يجب عليّ أن أدخل إلى غابة السحرة. سأُسلب حياتي تمامًا كما فعل جدي الأكبر.” “أغلق فمك أيها الجحيم.” “الرماة في وضعهم!” سحب المرتزقة، حاملين قوسًا وسهمًا، وتر القوس. ثبّتوا تصويبهم على الظلال المنبثقة من بين الأشجار. “نحن لا ننوي الهجوم، ولكن يبدو أننا نسير في نفس الطريق بالصدفة.” صدر صوت رجل خلف صف الأشجار. ازداد المرتزقة قلقًا وبدأوا بالصراخ. “إنه الساحر! الساحر يحاول خداعنا!” ” يوريتش، لا تقترب أكثر، إنه أمر خطير.” تردد المرتزقة، لكن يوريتش تجاهلهم ومشى إلى الأمام. “لا تطلق، إنه مجرد شخص. مهلاً، إذا كنت لا تريد أن نهاجمك، فعرّف بنفسك.” بدا يوريتش أكثر من رغب في رؤية الساحر، ولكنه أيضًا أكثرهم رزانة. لم يخشَ الساحر حتى عندما واجه غريبًا في غابة الساحر. رآه كأي شخص رآه في حياته. “يجب أن تكون القائد. نحن مجرد محاربين عابرين. سيكون من الرائع لو وضعت أسلحتك جانبًا.” “محاربون؟ هذا ليس كافيًا. أنا متوتر جدًا. عرّفوا بأنفسكم قبل أن أكسر جماجمكم. أحصي خمسة منكم، بمن فيهم المختبئون خلف الأشجار هناك ” قال يوريتش بنيّة القتل وهو يغرس سيفه في الأرض ويسحب فأسه. لم يكن يمزح. كانت فرقة المرتزقة تُطارد، ولم يكن أحد يعلم أي حيلة يستخدمها الدوق هارماتي لإبطائهم ولو قليلاً. كان ينوي قتل أي شخص يثير شكوكه ولو قليلاً. “توقف! نحن محاربو الشمس!” خرج رجال مدرعون من بين الأشجار. كان رمز الشمس على القماش المغطى بدروعهم. “محاربو الشمس؟” رد يوريتش وحدق في الرجال المدرعين. “لقد أخبرناك من نحن، لذا ضع تهديدك جانبًا.” اقترب الرجل الذي بدا يوريتش يتحدث إليه. كان رجلاً في نفس مكانة يوريتش. “نحن فرقة المرتزقة “أخوة يوريتش”. أنا القائد يا يوريتش.” “أنا هارفالد من محاربي الشمس.” “هارفالد؟ يبدو اسمًا شماليًا.” “أمي شمالية، فاتخذتُ اسمها. لكنني وُلدتُ ونشأتُ في الإمبراطورية.” فحص يوريتش هارفالد. على عكس اسمه الشمالي، تصرفاته وانطباعه العام يُوحيان بأنه نبيل. بدا لقبه الشمالي غير مناسب. “اخفضوا أسلحتكم! إنهم يمرون فحسب ” صرخ يوريتش للمرتزقة. “شكرًا لك. يبدو أننا سنبقى معًا. نحن نسير في نفس الطريق.” لوّح هارفالد لبقية المحاربين. عددهم خمسة، بمن فيهم هو. جميعهم يرتدون قماشًا عليه رمز الشمس. الرمز موجود حتى على دروعهم. واسلحتهم رائعة أيضًا. نظر يوريتش بعناية إلى ملابسهم وأسلحتهم. كانوا مدججين بالسلاح. “إنهم محاربو الشمس. لم أتوقع أن أراهم في مكان كهذا.” قال المرتزقة الذين تعرفوا عليهم. فيليون وباهل تعرفا عليهم أيضًا. ” أرجوكم، اعذروا وقاحة المرتزقة، يا محاربي الشمس.” اعتذر فيليون وهو يُخفض رأسه قليلًا تعبيرًا عن احترام الفارس. ردّ محارب الشمس هارفالد التحية. “يمكنك أن تناديني هارفالد ” قال هارفالد بلباقة لفيليون، الذي بدا أكبر منه سنًا ومحاربًا أيضًا. بدا هذا سلوك رجل متحضر تعلّم آداب السلوك. تبادل فيليون وهارفالد أطراف الحديث. بدا أنهما على وفاق تام منذ البداية. “باهيل، ما هذا الذي يسمى محاربي الشمس؟” سأل يوريتش وذراعاه متقاطعتان. سرعان ما تقبّل المرتزقة محاربي الشمس. بدوا أهلًا للثقة. “بدأوا كجيش من البرابرة الذين اعتنقوا الشمس. ثم أدرك الإمبراطور الأول براعتهم البدنية والقتالية، فأصدر مرسومًا جعلهم جيشه الخاص. وحتى الآن، لا يتألف جيشهم إلا من البرابرة أو من يحملون دماء البرابرة. كما أن الأمر لا يقتصر على التحول الديني فحسب؛ فشروط الانضمام صارمة للغاية. يجب أن يكونوا متميزين في الإيمان والمهارات للالتحاق بالجيش. وللوفاء بهذا الشرط، يُعاملون معاملة الفرسان الإمبراطوريين.” رافق محاربو الشمس المرتزقة. ورغم أنهم من أصل بربري، إلا أنهم اشتهروا بدفاعهم عن الإيمان. كان إيمانهم أقوى من إيمان الناس المتحضرين، وكان وجودهم وحده رمزًا للثقة. ” يوريتش، سنسير خلف المجموعة. المشي بجانبهم يُثير اشمئزازي ” قال سفين بنبرة اشمئزاز. سار هو والشماليون الآخرون في آخر المجموعة. “لم أرى سفين يحتقر شخصًا بهذه الطريقة أبدًا.” بدا يوريتش في حيرة من أمره، وأوضح له باتشمان السبب وهو يهز كتفيه. “من الأفضل أن نترك سفين وشأنه قليلاً. بالنسبة للشماليين، محاربو الشمس ليسوا سوى خونة يتمنون تمزيقهم إرباً إرباً. اعتنقوا الشمس ووجهوا سيوفهم نحو رفاقهم البرابرة. لم يكن اعتناقهم هو المشكلة، بل الخيانة هي ما جلب لهم كل هذا الكراهية.” شاركت فرقة المرتزقة معسكرها مع محاربي الشمس وبما أن كلتا المجموعتين كانتا تسلكان الغابة باتجاه المخرج، لكان من الغريب أن يسلكا طريقين مختلفين. “ما الذي أتى بمحاربي الشمس إلى مكان مثل هذا يا هارفالد؟” سأل فيليون المحارب. ابتسم هارفالد بمرح وأخرج الكيس الذي يحمله معه. “هذا هو رأس الساحر.” كلماته جعلت عيون يوريتش تتحرك. “ساحر!” “هل كان هناك حقا ساحر في هذه الغابة؟” تجمع المرتزقة واحدًا تلو الآخر بينما هارفالد يفتح الكيس. خرج من الكيس رأس رجل عجوز ميت، ولسانه متدلٍ من فمه. وجهه مغطى ببقع الشيخوخة، و القطع العرضي لرقبته المقطوعة مليئ بالدم الذي لم يتجمد بعد. ” من واجب محاربي الشمس أيضًا مطاردة من يخدعون الشمس ويدّعون السحرة بمعرفتهم السطحية الضئيلة. انظروا.” أخرج هارفالد حفنة من البارود الأسود من جيبه وألقاه على النار. ووش! توهجت النار باللون الأزرق ثم اشتعلت قبل أن تعود إلى لونها الأصلي. تراجع المرتزقة. “ه-إنه الساحر!” ” محارب الشمس استخدم السحر! إنه ساحر! ساحر متنكر في زي محارب الشمس!” “أوه، لو.” أصبح هناك ضجة كبيرة، حتى أن بعض المرتزقة سحبوا أسلحتهم.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات