الشعلة
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ
وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرك لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: Arisu san
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
لإطلاق كامل قواه، ابتلع “الإصبع العاشر” رفاقه. وبعد أن أجبر على الخروج من عالم الذاكرة، اصبح هان فاي الوحيد الغريب في هذه المدينة. نقاط مزاجه هبطت إلى الصفر، وتحولت كل الأشياء في عينيه إلى صور مشوّهة. تكاثرت كل مشاعره السلبية وكبرت، فإذا ما استولى عليه الخوف، كان سينهار فوراً.
كان المركز التجاري كالمذبح، يبلغ ارتفاعه نحو سبعة طوابق. تحولت المدينة كلها إلى بحيرة تعكس ظلام الليل. الوحوش والكلاب التي ترتدي طوق المال تزأر بغضب. الشجرة المتصلة بالبئر نمت وتوسعت، وأذرعها تزحف على المبنى لتغوص داخل كل وحش.
“هل أنت خائف؟”
حين نظر هان فاي إلى هذا المركز المروع، لم يشعر بالخوف. فمنذ لحظة معينة، تعود على عبور الكوابيس. حتى وإن كان وحيداً، لم يكن يخشى، فكيف إذا كان معه أصدقاء؟ لم يكن هان فاي وحده من يرغب في قتل المدير غو. الأرواح التي دفعها المدير غو إلى البئر لم تعد تتحمل كراهية دفينة. كل شيء كان جزءاً من خطة هان فاي. أولاً، سينتظر المدير غو ليقضي على “الإصبع العاشر”، ثم سيستخدم “الضمير” و”الحقيقة” ليوقظ الناس. وبعد كشف تنكر المدير غو، يعلم هان فاي أن الناس لن يتبعوا المدير بشكل أعمى بعد الآن.
عزل هان فاي المدير غو خطوة خطوة. طاغوت لا يؤمن به أحد، ليس إلا طاغوتاً للزينة. وبعد أن شق طريقه من عمق اليأس، صار له الحق أن ينظر للرجل في عينيه.
كانت المرأة ذات الفستان الأحمر هي الأولى في التحرك. ورغم أن قامتَها التي تبلغ ثلاثة أمتار بدت صغيرة بجانب شجرة الاستياء، إلا أن ضررها لم يكن بالقليل. شقّت المرأة جروحاً في جسد المدير غو، وكسرت الأيدي التي حاولت الإمساك بها كالعيدان الهشة. لم تعد تسمح للمدير غو بأن يأخذ منها شيئاً.
“حان وقت تحركنا أيضاً.” تمزقت صورة العائلة الملونة في الهواء، وخرج منها أفراد اسرة العجوز. دمروا الصورة المشبعة بماء البئر، فلولا تحطيمهم للمذبح تلك الليلة، لكان مصيرهم الزوال. توجّهوا نحو الشجرة العملاقة. نظر الرجل العجوز إلى قطع الصورة المتطايرة، ثم استدار ليحدث هان فاي قائلاً: “كل واحد منا قد دُفع إلى البئر يوماً ما. نحن مرتبطون بالمذبح. لا نستطيع مساعدتك في تدمير المذبح، كل ما بوسعنا هو مساعدتك على إيقاف هذا المجنون.”
“كفى.”
“تذكر، لا تتمنى للمذبح أبداً.
لا تنخدع به، أنت الوحيد القادر على تحقيق أمنيتك.”
ألقى الرجل العجوز نظرة أخيرة إلى هان فاي، ثم قال: “لا تخف من المذبح.
البئر مجرد بئر عادي، لكنه تغير لأن الكثير من الذكريات والأماني سقطت فيه.”
ثم توجه الرجل العجوز نحو الشجرة العملاقة.
كان جسد المدير غو قد غطى نصف المركز التجاري تقريباً.
استمرت الوحوش بطوق المال بالدخول إلى جسد المدير غو، وكان يبدو كأنه لا يُقهَر. ربما كان هذا هو تصور مالك المذبح له. وبعد دخوله عالم الذكريات، عاش هان فاي حياة صاحب المذبح، وكان مألوفاً لديه ذلك اليأس.
مقارنة بالمدير غو الذي يملك كل القوة والصلات والمال، كان مالك المذبح أشبه بلعبة تتحكم بها أيادي الآخرين. وكان هذا واضحاً في اللعبة المفضلة للأطفال، سواء كان الصبي الغريق أو طفل الإصبع السادس، كانوا يحبون اللعب بالدمى الحية. الجميع يلعب بالدمى لتأخذ أوضاعاً مختلفة، لكن في الواقع، معظم سكان هذه المدينة كانوا أشبه بتلك الدمى. القدر كان خيطاً لا يستطيعون قطعه، يربط رغبات البشر بالمذبح، وعندما يُربط أحدهم بالمذبح، يجبره المذبح على السير في مستقبله المرسوم.
“كل المآسي بدأت من هذا المذبح، وتدميره هو السبيل الوحيد.”
لا يمكن لمن يرتبط بالمذبح أن يلحق به الأذى، فقط هان فاي يمتلك القوة لتدمير المذبح. “منذ دخولي عالم الذكريات، والمذبح يغويني لأتمنى أمنية. يرمي لي تحديات كثيرة، ولكنني تعودت على اليأس.”
المذبح الذي هاجم “الإصبع العاشر” قد تغيّر، فقد انشقّ الجزء العلوي منه، وتشقق الجدار ليكشف البئر الداخلي المبني من أذرع بشرية. سبق أن رأى هان فاي داخل المذبح خلال الوهم، لكنه رغم ذلك صدم لما اقترب منه.
الأيادي التي امتدت نحو هان فاي تمثل الجشع والرغبة، هذه الأذرع شكلت ذلك البئر اللامتناهي. وبدون الجدار الخارجي، استمر البئر في النمو. الرموز والتضحيات في المخزن مزّقتها الأذرع، وابتلع البئر كومة الصور التي تركها المدير غو في المخزن.
” الأذرع التي كانت تُكوِّن جدران هذا البئر باتت أقلّ من ذي قبل، فهل تراجع عدد الوحوش الذين آمنوا بالمدير غو؟”
إلى جانب فوهة البئر، كان يتدلّى حبلٌ رفيعٌ للغاية، تتصاعد منه أصوات متداخلة: بكاء يانغ فاي، ونبرة هوانغ لي المهنية وهو يشرح تفاصيل العمل في المتجر، وخصام لي لونغ ولي هو.
كل ما مرّ به هان فاي نُسج في ذلك الحبل، وكأنّه خيطٌ واحد يشدّ عليه ماضيه. ومن يتشبث به، يمكنه الهبوط إلى قاع البئر… إلى المجهول.
قاع كالهاوية،
بعد بحث دام عشر سنوات حتى الأصابع لم يجدو شيئاً.!
وشم الشبح على جسده توهج، وفتحت التسع أرواح عينيها. استخدم هان فاي “R.I.P” ليشق أذرع البشر ويقفز على حافة البئر. ممسكاً بحبل الذكرى، قفز في البئر. الأذرع التي لا تنتهي حاولت تمزيقه، منعاً له من النزول.
بعد أن نزل “الإصبع العاشر” إلى البئر، لم يكن أمامه خيار، فحتى وإن اضطر للتخلي عن كل شيء، كان لا بد له من الهروب… فالخروج كان خلاصه الوحيد.
كان هان فاي يعلم خطورة ما يفعل، لكنه مضطر. كان عليه تدمير البئر قبل موت الأم. الحبل لم يصل بعد إلى سطح الماء. نظر هان فاي إلى الماء الذي جمع أماني لا تنتهي. تردد صدى روحه ولاحظ شيئاً من عينه اليسرى!
كان سطح الماء كالمرآة الضبابية، يعكس هان فاي. كثيراً ما رأى انعكاسه في عالم الذكريات، لكن لم ير وجه الإنعكاس بوضوح ولو لمرة واحدة.
سواء في القبو الغربي أو في محل الملابس النسائية بالطابق الثالث، كان انعكاسه دائماً مشوشاً. بدا كأنه هو، لكنه ليس هو. لم ير وجهه واضحاً حتى نظر إلى ماء البئر. الماء عكس صورته بوضوح تدريجي.
الرجل لم يكن هو، لكن هان فاي شعر بألفة تجاهه. كان هذا الرجل يراقبه، وكان مهماً له جداً. “من أنت؟” فصل سطح الماء بين الحقيقة ووهم الذاكرة. فوق الماء كان هان فاي ممزقاً بين الأذرع.
حاول أن يلمس الماء.
تحت الماء، نظر الرجل إلى هان فاي بثقة. الأماني الخبيثة تحيط به، تحاول أذرع كثيرة جرّه إلى قاع البئر.
“أعطني يدك!” مد هان فاي يده نحو الماء، ومد الرجل يده نحوه. لكن حين لمس هان فاي سطح الماء، لم يكن هناك شيء. كانت مجرد مرآة، كيف لهما أن يلمسا بعضهما؟
حين حاول هان فاي مجدداً، صدم البئر وسقطت الأذرع فيه. نظر هان فاي إلى الأعلى. المرأة ذات الفستان الأحمر كانت مقيدة بأغصان الشجرة وتُلقى على الحائط بجانب البئر. كلما اقترب المدير غو من المذبح، ازداد قوة، ولكن الأمر كان عكس ذلك للآخرين. صوت الضحك المخيف رن في الطابق الأول. كان المدير غو قد تبين له النصر. وبينما كان محاطاً، ظل يراقب هان فاي بعينيه. “لقد انتظرتُ هذه اللحظة طويلاً. هل تظن حقاً أنك ستنتصر؟”
انفتح جسد المدير غو، وامتدت المزيد من الأذرع كالجذور، محاولة هدم المركز التجاري. وبعد التحطيم، سقط الجدار الشمالي، ومن هناك يمكن رؤية مستشفى الشعب.
“طالما لديك من تحب، فلن تنتصر أبداً!” اندفعت الوحوش ذات طوق المال نحو المستشفى. عرف المدير غو ما يهم هان فاي، وضحك. “حياة إضافية! أتمنى عمراً أطول!”
“أمنية؟” نظر هان فاي إلى الأمنيات داخل البئر، كانت مجرد فقاعات. “لو صدقت هذا، لخسرت.” تذكر تحذير الرجل العجوز: “قال إن هذا البئر بدأ كبئر عادي، ومع المزيد من الأمنيات والذكريات تحول إلى ما هو عليه.”
هان فاي شد قبضته على الحبل. قال: هذا الحبل لا يزال لا يصل إلى سطح الماء، لأن عدد التضحيات غير كافٍ. نظر إلى الشخص تحت الماء، وعرف ما عليه فعله. قطع معصمه وقطر دمه على الحبل.
«أنا الآن صاحب المذبح، أنا إحدى التضحيات، الأهم بينها.»
عندما أتم مهمة بئر الأمنيات، كان هان فاي قد قفز مرة إلى داخله، وعرف ذلك الشعور. الجسد يسقط، والمقاومة بلا جدوى. الأمنية الوحيدة حينها كانت: لو فقط كان هناك حبل يساعدني على الخروج من هذا البئر البارد.
نزف الدم على الحبل، فامتصه الحبل وامتد أكثر. هان فاي ضعُف حتى بالكاد استطاع التمسك، لكن الحبل كان لا يزال بعيدًا قليلاً عن سطح الماء.
«لين لو ليست هنا…» فهم هان فاي معنى الأمنية الثالثة. كانت المهمة تطلب منه قتل لين لو في الزمان والمكان المناسبين، والهدف قتل الخير الاخير في ذاكرة المالك. هذا ما فعله مالك المذبح ذات مرة. «لكل مهمة هدف واضح، هي تلميحات من الذاكرة.» لين لو كانت من خيال مالك المذبح، وكانت التضحية الأخيرة. «عدا الأم، أكبر ندم لدى المالك هو قتله للخير المتبقي في نفسه.»
بعد أن تحرروا من المصير، بقيت لين لو والأم على قيد الحياة. كان هذا أفضل نهاية لمالك المذبح. ونظرًا إلى النقطة حيث يلتقي سطح الماء بجدار البئر، رمى هان فاي سكين «R.I.P»!
تردد صدى الروح مرة أخرى. عند نقطة قطع السكين، ظهرت عينان شريرتان حادتان. قال: «كيف تكون جبانًا هكذا وأنت روحي الشريرة؟»
انهار الجدار، وحاولت الروح الشريرة التحرر من الأيادي التي لا نهاية لها. أمسك بحبل الذاكرة، وضحك وهو ينظر إلى هان فاي: «أعرف أفكارك، هيا انغمس في لُجج الجنون.»
قال هان فاي: «رغم أنني أقدّر مساعدتك، تذكر أنك روحي الشريرة.»
رد الشرير بنظرات خطيرة: «أليس هذا الشر كافيًا؟» ثم قطع عنقه وعض الحبل بدمائه. في الوقت نفسه، مد هان فاي يده نحو الماء. تمدد حبل الذاكرة أكثر. وعندما لمس سطح الماء، جنّت كل الأيادي، وتحطمت الأمنيات التي لا تنتهي لتصبح أسوأ اللعنات!
«أتمنى أن تصاب أجمل فتاة في صفي بحادثٍ وتشوه وجهها!»
«أتمنى أن تحبني فقط. وإن تجرأت على الرحيل، فستموت.»
«أتمنى المال. أعطني المال وأعطيك كل شيء.»
«كلما ضحيت بأمور أهم، كانت الأمنية أعظم؟ كم تساوي عائلتي؟»
انفجرت فقاعات الأمنيات وأفشت لعناً نتنًا. غدا الماء عكرًا، وطمست صورة الرجل في الماء. قال هان فاي: «تمسك بهذا الحبل، سأخرجك من هنا!»
أمسك الرجل تحت الماء بحبل الذاكرة. وعندما لمس الشكل الشبحي الذاكرة، إزداد تجسداً.
ومع صعود الحبل، سحب الانعكاس من إنعكاس سطح الماء!
بدأت الأصابع الشاحبة تخرج أولًا، ثم الذراعان، وأخيرًا الوجه الغريب. كان جسد الرجل ملتصقًا بأمنيات متكسرة، وعندما تتحطم الأمنيات، تتحول إلى أسوأ اللعنات، تلتصق بالرجل ولا تتركه.
«لماذا تنعم بالسعادة وأنا لا؟»
«أنت من قال لي أن أُمني أمنيتي هنا، لا يمكنك الرحيل!»
«لم أحقق أمنيتي، أنت لن ترحل!»
ترددت الأصوات داخل البئر. اقتبضت الأيادي بلا نهاية على هان فاي والرجل. الأمنيات البسيطة ولّدت وحوشًا لا حصر لها.
قال الشرير: «سأوقفهم، أنتما اصعدا!»
اطلق الشرير العنان لهجومه على الوحوش، مزقها وظل يقاتلهم بأعمق ظلام. بينما تشبث هان فاي بحبل الذاكرة، تسلق بصعوبة وهو يضعف، كان الحقد والضغينة في البئر أكثر من أن يحتمل. حاولت الأيادي تمزيقه، ولم يستطع التمسك أكثر.
في تلك اللحظة، ظهرت يد صغيرة تساعد هان فاي في دفع اللعنة بعيدًا. زحف صبي ضعيف من تعويذة «R.I.P».
قال هان فاي: «وانغ شينغ؟» بعد ظهور الصبي، امتدت أيادٍ أخرى لمساعدة هان فاي، لتدعم سكين «R.I.P». لم يكن هان فاي وحيدًا أبداً. تجمع « » أثمن ما في الإنسانية. إذا كانت الأرواح في البئر قرابين المذبح، فإن الإنسانية في «R.I.P» كانوا شركاء هان فاي. لن يهجرونه أبدًا.
الأشخاص الذين دعموا هان فاي تمزقوا، لكن مع سقوط البعض، ظهر آخرون ليحلّوا محلهم. تقدموا ببطء إلى أعلى البئر. أجسادهم تهدمت، لكن لم يتوقف أحد. كانت قلوبهم تتوهج، ورفضوا الغرق في الظلام. قاتل الأشباح الذين آمنوا بالبئر، والأرواح التي آمنت بهان فاي. وعندما تم طرد آخر شريك في السكين، زحف هان فاي إلى فوهة البئر.
حين حاول دفع الرجل للخروج، لاحظ أن كل اللعنات تجمعت على صدر الرجل، مشكلة صورة بئر.
حتى بعد الهروب من البئر، طالما آمن أحدهم بقوة البئر واستمر الناس في تقديم التضحيات، لن يهرب الرجل أبداً. «يحتاج شخص ما إلى تحمل حقد الأمنيات التي لا نهاية لها. صاحب المذبح هو الذي اختاره المذبح لتحمل هذه اللعنات، فلا عجب أنه صار لامذكوراً.»
كان البئر على صدر الرجل قد تشكل بالفعل. مهما بذل هان فاي من جهد، كان فم البئر دائمًا على بعد متر واحد فقط. إذا لم يحطموا البئر في قلب الرجل، فلن يغادروا أبدًا.
هان فاي كان منهكًا، وشركاءه من «R.I.P» كانوا تغلبهم الأيادي العفنة.
في تلك اللحظة، اتخذ هان فاي قرارًا. «هذه ستكون آخر اختياراتي في عالم الذاكرة.
ها قد فاجأني قدر نفسي، فلم أظن قط أن فيَّ من الخير ما يكفي، ولا أنني قادرٌ على نسج خيوط الأمل وسط عتمة الجنون. كل ما أبتغي هو أن أعيش… أن أتنفس الحياة بعمق، وأن أصحبكم في رحلة نكشف فيها معًا أسرار العالم تحت شمسه الذهبية.
حاملًا «R.I.P»، طاعناً به صدر الرجل في البئر!
كان النصل كشعلة طاهرة، لا تشبه نيران الكراهية السوداء الخالصة. لم يكن هذا اللهب لامعًا ولا قويًا، لكنه كان مختلفًا… له قدرة على التسلل في الظلام والانتشار فيه.
لعنات لا حصر لها في أعماق البئر بدأت بالاحتراق. ومع انهيار شكل البئر، انفتحت عينا الرجل اللتين ظلّتا مغمضتين.
سقط هان فاي من شدة الإرهاق، لكنه لم يبعد نظره عن اللهب المتّقد على صدر الرجل. ورغم أن الشعلة سقطت من يده، ظلّ اللهب مشتعلاً!
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرك لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: Arisu san ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ لإطلاق كامل قواه، ابتلع “الإصبع العاشر” رفاقه. وبعد أن أجبر على الخروج من عالم الذاكرة، اصبح هان فاي الوحيد الغريب في هذه المدينة. نقاط مزاجه هبطت إلى الصفر، وتحولت كل الأشياء في عينيه إلى صور مشوّهة. تكاثرت كل مشاعره السلبية وكبرت، فإذا ما استولى عليه الخوف، كان سينهار فوراً. كان المركز التجاري كالمذبح، يبلغ ارتفاعه نحو سبعة طوابق. تحولت المدينة كلها إلى بحيرة تعكس ظلام الليل. الوحوش والكلاب التي ترتدي طوق المال تزأر بغضب. الشجرة المتصلة بالبئر نمت وتوسعت، وأذرعها تزحف على المبنى لتغوص داخل كل وحش. “هل أنت خائف؟” حين نظر هان فاي إلى هذا المركز المروع، لم يشعر بالخوف. فمنذ لحظة معينة، تعود على عبور الكوابيس. حتى وإن كان وحيداً، لم يكن يخشى، فكيف إذا كان معه أصدقاء؟ لم يكن هان فاي وحده من يرغب في قتل المدير غو. الأرواح التي دفعها المدير غو إلى البئر لم تعد تتحمل كراهية دفينة. كل شيء كان جزءاً من خطة هان فاي. أولاً، سينتظر المدير غو ليقضي على “الإصبع العاشر”، ثم سيستخدم “الضمير” و”الحقيقة” ليوقظ الناس. وبعد كشف تنكر المدير غو، يعلم هان فاي أن الناس لن يتبعوا المدير بشكل أعمى بعد الآن. عزل هان فاي المدير غو خطوة خطوة. طاغوت لا يؤمن به أحد، ليس إلا طاغوتاً للزينة. وبعد أن شق طريقه من عمق اليأس، صار له الحق أن ينظر للرجل في عينيه. كانت المرأة ذات الفستان الأحمر هي الأولى في التحرك. ورغم أن قامتَها التي تبلغ ثلاثة أمتار بدت صغيرة بجانب شجرة الاستياء، إلا أن ضررها لم يكن بالقليل. شقّت المرأة جروحاً في جسد المدير غو، وكسرت الأيدي التي حاولت الإمساك بها كالعيدان الهشة. لم تعد تسمح للمدير غو بأن يأخذ منها شيئاً. “حان وقت تحركنا أيضاً.” تمزقت صورة العائلة الملونة في الهواء، وخرج منها أفراد اسرة العجوز. دمروا الصورة المشبعة بماء البئر، فلولا تحطيمهم للمذبح تلك الليلة، لكان مصيرهم الزوال. توجّهوا نحو الشجرة العملاقة. نظر الرجل العجوز إلى قطع الصورة المتطايرة، ثم استدار ليحدث هان فاي قائلاً: “كل واحد منا قد دُفع إلى البئر يوماً ما. نحن مرتبطون بالمذبح. لا نستطيع مساعدتك في تدمير المذبح، كل ما بوسعنا هو مساعدتك على إيقاف هذا المجنون.” “كفى.” “تذكر، لا تتمنى للمذبح أبداً. لا تنخدع به، أنت الوحيد القادر على تحقيق أمنيتك.” ألقى الرجل العجوز نظرة أخيرة إلى هان فاي، ثم قال: “لا تخف من المذبح. البئر مجرد بئر عادي، لكنه تغير لأن الكثير من الذكريات والأماني سقطت فيه.” ثم توجه الرجل العجوز نحو الشجرة العملاقة. كان جسد المدير غو قد غطى نصف المركز التجاري تقريباً. استمرت الوحوش بطوق المال بالدخول إلى جسد المدير غو، وكان يبدو كأنه لا يُقهَر. ربما كان هذا هو تصور مالك المذبح له. وبعد دخوله عالم الذكريات، عاش هان فاي حياة صاحب المذبح، وكان مألوفاً لديه ذلك اليأس. مقارنة بالمدير غو الذي يملك كل القوة والصلات والمال، كان مالك المذبح أشبه بلعبة تتحكم بها أيادي الآخرين. وكان هذا واضحاً في اللعبة المفضلة للأطفال، سواء كان الصبي الغريق أو طفل الإصبع السادس، كانوا يحبون اللعب بالدمى الحية. الجميع يلعب بالدمى لتأخذ أوضاعاً مختلفة، لكن في الواقع، معظم سكان هذه المدينة كانوا أشبه بتلك الدمى. القدر كان خيطاً لا يستطيعون قطعه، يربط رغبات البشر بالمذبح، وعندما يُربط أحدهم بالمذبح، يجبره المذبح على السير في مستقبله المرسوم. “كل المآسي بدأت من هذا المذبح، وتدميره هو السبيل الوحيد.” لا يمكن لمن يرتبط بالمذبح أن يلحق به الأذى، فقط هان فاي يمتلك القوة لتدمير المذبح. “منذ دخولي عالم الذكريات، والمذبح يغويني لأتمنى أمنية. يرمي لي تحديات كثيرة، ولكنني تعودت على اليأس.” المذبح الذي هاجم “الإصبع العاشر” قد تغيّر، فقد انشقّ الجزء العلوي منه، وتشقق الجدار ليكشف البئر الداخلي المبني من أذرع بشرية. سبق أن رأى هان فاي داخل المذبح خلال الوهم، لكنه رغم ذلك صدم لما اقترب منه. الأيادي التي امتدت نحو هان فاي تمثل الجشع والرغبة، هذه الأذرع شكلت ذلك البئر اللامتناهي. وبدون الجدار الخارجي، استمر البئر في النمو. الرموز والتضحيات في المخزن مزّقتها الأذرع، وابتلع البئر كومة الصور التي تركها المدير غو في المخزن. ” الأذرع التي كانت تُكوِّن جدران هذا البئر باتت أقلّ من ذي قبل، فهل تراجع عدد الوحوش الذين آمنوا بالمدير غو؟” إلى جانب فوهة البئر، كان يتدلّى حبلٌ رفيعٌ للغاية، تتصاعد منه أصوات متداخلة: بكاء يانغ فاي، ونبرة هوانغ لي المهنية وهو يشرح تفاصيل العمل في المتجر، وخصام لي لونغ ولي هو. كل ما مرّ به هان فاي نُسج في ذلك الحبل، وكأنّه خيطٌ واحد يشدّ عليه ماضيه. ومن يتشبث به، يمكنه الهبوط إلى قاع البئر… إلى المجهول. قاع كالهاوية، بعد بحث دام عشر سنوات حتى الأصابع لم يجدو شيئاً.! وشم الشبح على جسده توهج، وفتحت التسع أرواح عينيها. استخدم هان فاي “R.I.P” ليشق أذرع البشر ويقفز على حافة البئر. ممسكاً بحبل الذكرى، قفز في البئر. الأذرع التي لا تنتهي حاولت تمزيقه، منعاً له من النزول. بعد أن نزل “الإصبع العاشر” إلى البئر، لم يكن أمامه خيار، فحتى وإن اضطر للتخلي عن كل شيء، كان لا بد له من الهروب… فالخروج كان خلاصه الوحيد. كان هان فاي يعلم خطورة ما يفعل، لكنه مضطر. كان عليه تدمير البئر قبل موت الأم. الحبل لم يصل بعد إلى سطح الماء. نظر هان فاي إلى الماء الذي جمع أماني لا تنتهي. تردد صدى روحه ولاحظ شيئاً من عينه اليسرى! كان سطح الماء كالمرآة الضبابية، يعكس هان فاي. كثيراً ما رأى انعكاسه في عالم الذكريات، لكن لم ير وجه الإنعكاس بوضوح ولو لمرة واحدة. سواء في القبو الغربي أو في محل الملابس النسائية بالطابق الثالث، كان انعكاسه دائماً مشوشاً. بدا كأنه هو، لكنه ليس هو. لم ير وجهه واضحاً حتى نظر إلى ماء البئر. الماء عكس صورته بوضوح تدريجي. الرجل لم يكن هو، لكن هان فاي شعر بألفة تجاهه. كان هذا الرجل يراقبه، وكان مهماً له جداً. “من أنت؟” فصل سطح الماء بين الحقيقة ووهم الذاكرة. فوق الماء كان هان فاي ممزقاً بين الأذرع. حاول أن يلمس الماء. تحت الماء، نظر الرجل إلى هان فاي بثقة. الأماني الخبيثة تحيط به، تحاول أذرع كثيرة جرّه إلى قاع البئر. “أعطني يدك!” مد هان فاي يده نحو الماء، ومد الرجل يده نحوه. لكن حين لمس هان فاي سطح الماء، لم يكن هناك شيء. كانت مجرد مرآة، كيف لهما أن يلمسا بعضهما؟ حين حاول هان فاي مجدداً، صدم البئر وسقطت الأذرع فيه. نظر هان فاي إلى الأعلى. المرأة ذات الفستان الأحمر كانت مقيدة بأغصان الشجرة وتُلقى على الحائط بجانب البئر. كلما اقترب المدير غو من المذبح، ازداد قوة، ولكن الأمر كان عكس ذلك للآخرين. صوت الضحك المخيف رن في الطابق الأول. كان المدير غو قد تبين له النصر. وبينما كان محاطاً، ظل يراقب هان فاي بعينيه. “لقد انتظرتُ هذه اللحظة طويلاً. هل تظن حقاً أنك ستنتصر؟” انفتح جسد المدير غو، وامتدت المزيد من الأذرع كالجذور، محاولة هدم المركز التجاري. وبعد التحطيم، سقط الجدار الشمالي، ومن هناك يمكن رؤية مستشفى الشعب. “طالما لديك من تحب، فلن تنتصر أبداً!” اندفعت الوحوش ذات طوق المال نحو المستشفى. عرف المدير غو ما يهم هان فاي، وضحك. “حياة إضافية! أتمنى عمراً أطول!” “أمنية؟” نظر هان فاي إلى الأمنيات داخل البئر، كانت مجرد فقاعات. “لو صدقت هذا، لخسرت.” تذكر تحذير الرجل العجوز: “قال إن هذا البئر بدأ كبئر عادي، ومع المزيد من الأمنيات والذكريات تحول إلى ما هو عليه.” هان فاي شد قبضته على الحبل. قال: هذا الحبل لا يزال لا يصل إلى سطح الماء، لأن عدد التضحيات غير كافٍ. نظر إلى الشخص تحت الماء، وعرف ما عليه فعله. قطع معصمه وقطر دمه على الحبل. «أنا الآن صاحب المذبح، أنا إحدى التضحيات، الأهم بينها.» عندما أتم مهمة بئر الأمنيات، كان هان فاي قد قفز مرة إلى داخله، وعرف ذلك الشعور. الجسد يسقط، والمقاومة بلا جدوى. الأمنية الوحيدة حينها كانت: لو فقط كان هناك حبل يساعدني على الخروج من هذا البئر البارد. نزف الدم على الحبل، فامتصه الحبل وامتد أكثر. هان فاي ضعُف حتى بالكاد استطاع التمسك، لكن الحبل كان لا يزال بعيدًا قليلاً عن سطح الماء. «لين لو ليست هنا…» فهم هان فاي معنى الأمنية الثالثة. كانت المهمة تطلب منه قتل لين لو في الزمان والمكان المناسبين، والهدف قتل الخير الاخير في ذاكرة المالك. هذا ما فعله مالك المذبح ذات مرة. «لكل مهمة هدف واضح، هي تلميحات من الذاكرة.» لين لو كانت من خيال مالك المذبح، وكانت التضحية الأخيرة. «عدا الأم، أكبر ندم لدى المالك هو قتله للخير المتبقي في نفسه.» بعد أن تحرروا من المصير، بقيت لين لو والأم على قيد الحياة. كان هذا أفضل نهاية لمالك المذبح. ونظرًا إلى النقطة حيث يلتقي سطح الماء بجدار البئر، رمى هان فاي سكين «R.I.P»! تردد صدى الروح مرة أخرى. عند نقطة قطع السكين، ظهرت عينان شريرتان حادتان. قال: «كيف تكون جبانًا هكذا وأنت روحي الشريرة؟» انهار الجدار، وحاولت الروح الشريرة التحرر من الأيادي التي لا نهاية لها. أمسك بحبل الذاكرة، وضحك وهو ينظر إلى هان فاي: «أعرف أفكارك، هيا انغمس في لُجج الجنون.» قال هان فاي: «رغم أنني أقدّر مساعدتك، تذكر أنك روحي الشريرة.» رد الشرير بنظرات خطيرة: «أليس هذا الشر كافيًا؟» ثم قطع عنقه وعض الحبل بدمائه. في الوقت نفسه، مد هان فاي يده نحو الماء. تمدد حبل الذاكرة أكثر. وعندما لمس سطح الماء، جنّت كل الأيادي، وتحطمت الأمنيات التي لا تنتهي لتصبح أسوأ اللعنات! «أتمنى أن تصاب أجمل فتاة في صفي بحادثٍ وتشوه وجهها!» «أتمنى أن تحبني فقط. وإن تجرأت على الرحيل، فستموت.» «أتمنى المال. أعطني المال وأعطيك كل شيء.» «كلما ضحيت بأمور أهم، كانت الأمنية أعظم؟ كم تساوي عائلتي؟» انفجرت فقاعات الأمنيات وأفشت لعناً نتنًا. غدا الماء عكرًا، وطمست صورة الرجل في الماء. قال هان فاي: «تمسك بهذا الحبل، سأخرجك من هنا!» أمسك الرجل تحت الماء بحبل الذاكرة. وعندما لمس الشكل الشبحي الذاكرة، إزداد تجسداً. ومع صعود الحبل، سحب الانعكاس من إنعكاس سطح الماء! بدأت الأصابع الشاحبة تخرج أولًا، ثم الذراعان، وأخيرًا الوجه الغريب. كان جسد الرجل ملتصقًا بأمنيات متكسرة، وعندما تتحطم الأمنيات، تتحول إلى أسوأ اللعنات، تلتصق بالرجل ولا تتركه. «لماذا تنعم بالسعادة وأنا لا؟» «أنت من قال لي أن أُمني أمنيتي هنا، لا يمكنك الرحيل!» «لم أحقق أمنيتي، أنت لن ترحل!» ترددت الأصوات داخل البئر. اقتبضت الأيادي بلا نهاية على هان فاي والرجل. الأمنيات البسيطة ولّدت وحوشًا لا حصر لها. قال الشرير: «سأوقفهم، أنتما اصعدا!» اطلق الشرير العنان لهجومه على الوحوش، مزقها وظل يقاتلهم بأعمق ظلام. بينما تشبث هان فاي بحبل الذاكرة، تسلق بصعوبة وهو يضعف، كان الحقد والضغينة في البئر أكثر من أن يحتمل. حاولت الأيادي تمزيقه، ولم يستطع التمسك أكثر. في تلك اللحظة، ظهرت يد صغيرة تساعد هان فاي في دفع اللعنة بعيدًا. زحف صبي ضعيف من تعويذة «R.I.P». قال هان فاي: «وانغ شينغ؟» بعد ظهور الصبي، امتدت أيادٍ أخرى لمساعدة هان فاي، لتدعم سكين «R.I.P». لم يكن هان فاي وحيدًا أبداً. تجمع « » أثمن ما في الإنسانية. إذا كانت الأرواح في البئر قرابين المذبح، فإن الإنسانية في «R.I.P» كانوا شركاء هان فاي. لن يهجرونه أبدًا. الأشخاص الذين دعموا هان فاي تمزقوا، لكن مع سقوط البعض، ظهر آخرون ليحلّوا محلهم. تقدموا ببطء إلى أعلى البئر. أجسادهم تهدمت، لكن لم يتوقف أحد. كانت قلوبهم تتوهج، ورفضوا الغرق في الظلام. قاتل الأشباح الذين آمنوا بالبئر، والأرواح التي آمنت بهان فاي. وعندما تم طرد آخر شريك في السكين، زحف هان فاي إلى فوهة البئر. حين حاول دفع الرجل للخروج، لاحظ أن كل اللعنات تجمعت على صدر الرجل، مشكلة صورة بئر. حتى بعد الهروب من البئر، طالما آمن أحدهم بقوة البئر واستمر الناس في تقديم التضحيات، لن يهرب الرجل أبداً. «يحتاج شخص ما إلى تحمل حقد الأمنيات التي لا نهاية لها. صاحب المذبح هو الذي اختاره المذبح لتحمل هذه اللعنات، فلا عجب أنه صار لامذكوراً.» كان البئر على صدر الرجل قد تشكل بالفعل. مهما بذل هان فاي من جهد، كان فم البئر دائمًا على بعد متر واحد فقط. إذا لم يحطموا البئر في قلب الرجل، فلن يغادروا أبدًا. هان فاي كان منهكًا، وشركاءه من «R.I.P» كانوا تغلبهم الأيادي العفنة. في تلك اللحظة، اتخذ هان فاي قرارًا. «هذه ستكون آخر اختياراتي في عالم الذاكرة. ها قد فاجأني قدر نفسي، فلم أظن قط أن فيَّ من الخير ما يكفي، ولا أنني قادرٌ على نسج خيوط الأمل وسط عتمة الجنون. كل ما أبتغي هو أن أعيش… أن أتنفس الحياة بعمق، وأن أصحبكم في رحلة نكشف فيها معًا أسرار العالم تحت شمسه الذهبية. حاملًا «R.I.P»، طاعناً به صدر الرجل في البئر! كان النصل كشعلة طاهرة، لا تشبه نيران الكراهية السوداء الخالصة. لم يكن هذا اللهب لامعًا ولا قويًا، لكنه كان مختلفًا… له قدرة على التسلل في الظلام والانتشار فيه. لعنات لا حصر لها في أعماق البئر بدأت بالاحتراق. ومع انهيار شكل البئر، انفتحت عينا الرجل اللتين ظلّتا مغمضتين. سقط هان فاي من شدة الإرهاق، لكنه لم يبعد نظره عن اللهب المتّقد على صدر الرجل. ورغم أن الشعلة سقطت من يده، ظلّ اللهب مشتعلاً!
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات